|
الربيع العربي ربما سيكون قصيرا
محمد باسل الطائي
الحوار المتمدن-العدد: 3509 - 2011 / 10 / 7 - 13:56
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
وثارت شعوب العرب في تونس وليبيا ومصر وطردت الحكام الدكتاتوريين وهي اليوم ترنو في أن تفعل الشئ نفسه في اليمن وسوريا. ثم ماذا؟ هل نتوقع تحولا جذريا قريبا في حياة الناس؟ هل نتوقع ان يتعامل الحكام المنتخبون الجدد بصيغة أفضل ممن سبقهم؟؟ هل نتوقع أن يأخذ كل فرد حقه كما ينبغي وهل نتوقع أن تسود الحقوق وينتهي الباطل وتسود ما يسمونه الديمقراطية أم سيتحول الطاغية إلى آلاف الطغاة المستنسخين عن الطاغية الأصل ويتشرذم البلد متحولاً إلى إقطاعات ويتحول اللص إلى آلاف اللصوص المنتخبين هذه المرة عبر صناديق الاقتراع؟ إن التحول التاريخي لأنظمة الحكم والمجتمعات التي تحكمها لا يتم انجازه بمجرد تغيير الأشخاص، بل يحتاج إلى تغيير العقلية والمرجعية الفكرية التي غرستها التربية البيتية والمدرسية والمجتمعية. يحتاج إلى نشوء عقلية مجتمعية جديدة تنغرس فيها قيم حقوق الآخر من خلال تربية جديدة وتكوين فكري جديد. وهذا لن يأتي سريعا بل يحتاج إلى مئات السنين. ليس غريبا أننا سنجد الأوضاع تصير إلى أسوأ مما كانت عليه في عهد بن علي في تونس وحسني مبارك في مصر والقذافي في ليبيا. فشئ من كل هؤلاء الطغاة يكمن في نفوس الغالبية العظمى من أفراد شعوبنا العربية والاسلامية. إنها مشترك التربية والوعي المتخلف المنغرس في نفوسنا العربية والاسلامية. إنها بقايا سلطة خلفاء الأمويين وخلفاء العباسيين تلك السلطة الغاشمة التي ترى الملك والحكم حقا إلهياً. وترى للحاكم حقا مطلقا في أن يعطي وأن يمنع وأن يحبس وأن يشنق وما أكثر القصص التي نقرؤها من تاريخ خلفاء بني أمية وخلفاء بني العباس التي نتقبلها طرائف وقصص مسلية. وإليك هذه القصة: يحكى أن جعفراً البرمكي نادم الرشيد ليلة، فقال: يا جعفر بلغني أنك اشتريت الجارية الفلانية، ولي مدة أطلبها، فإنها بديعة الجمال، ولي شوق زائد إليها فبعنيها. قال: ليس علي فيها بيع. قال: هبنيها. قال: ولا أهبها. فقال الرشيد: زبيدة طالق مني ثلاثاً إن لم تبعنيها أو تهبنيها. وقال جعفر: زوجتي طالق مني ثلاثاً إن بعتها أو وهبتها. ثم أفاقا من نشوتهما وعلما أنهما وقعا في أمر عظيم وعجزا عن تدبير الحيلة فقال الرشيد: هذه واقعة ليس لها غير أبي يوسف، فاطلبوه، فكان قد انتصف الليل. فلما طلب قام فزعاً وقال: ما طلبت في هذا الوقت إلا لأمر حدث في الإسلام. ثم خرج مسرعاً وركب بغلته وقال لغلامه: اصحب معك المخلاة، واجعل فيها بعض شعير، فإذا دخلنا دار الخلافة ودخلت فضع بين يدي الدابة شيئاً منه تشتغل به إلى حين خروجي، فإنها لم تستوف علفها في هذه الليلة. فقال: سمعاً وطاعةً. فلما دخل على الرشيد قام له وأجلسه على سريره بجانبه وكان لا يجلس معه غيره، وقال له: ما طلبناك إلا لأمر مهم، وهو كذا وكذا، وقد عجزنا عن تدبير الحيلة. فقال: يا أمير المؤمنين، هذا من أسهل ما يكون. يا جعفر! بع أمير المؤمنين نصفها وهبه نصفها تبرءا من يمينكما. فسر بذلك أمير المؤمنين وفعلا، فقال الرشيد: أحضر الجارية في هذا الوقت فإني شديد الشوق إليها. فأحضرت، فقال الرشيد للقاضي أبي يوسف: أريد وطأها في هذا الوقت، ولا أطيق الصبر إلى مضي مدة الاستبراء، انظر لي الحيلة في ذلك؟ فقال أبو يوسف: ائتوني بمملوك من مماليك أمير المؤمنين الذين لم يجر عليهم العتق. فأحضر مملوك، فقال أبو يوسف: يا أمير المؤمنين، إئذن لي أن أزوجها منه، ثم يطلقها قبل الدخول فيحل وطؤها في الحال من غير استبراء. فأعجب الرشيد ذلك أكثر من الأول، فقال: أذنت لك. فأوجب القاضي النكاح، ثم قبله المملوك، فقال له القاضي طلقها. فقال له المملوك: هذه صارت لي زوجة وأنا لا أطلقها. فردد عليه القول فأبى وضاق صدر الخليفة لذلك، وقال: قد اشتد الأمر أعظم مما كان. فقال القاضي أبو يوسف: يا أمير المؤمنين رغبه بالمال. فقال: طلقها ولك مائة دينار. قال: لا أفعل. قال: مائتا دينار. قال: لا أفعل. إلى أن عرضوا عليه ألف دينار وهو يمتنع، وقال المملوك للقاضي: الطلاق بيدي أم بيد أمير المؤمنين أم بيدك؟ قال: بل بيدك أنت. قال: والله لا أفعل أبداً. فاشتد غضب أمير المؤمنين، فقال القاضي: يا أمير المؤمنين لا تجزع فإن الأمر هين. اعتق الجارية، ثم ملك هذا العبد للجارية؟ قال: أعتقتها وملكته لها. فقال لها القاضي: قولي قبلت؟ فقالت: قبلت. فقال القاضي: حكمت بالتفريق بينكما لأنه دخل في ملكها فانفسخ النكاح. فقام أمير المؤمنين على قدميه، وقال: مثلك من يكون قاضياً في زماني. واستدعى بأطباق الذهب فأفرغت بين يديه، وقال للقاضي: هل معك شيء توعيه؟ فتذكر مخلاة البغلة. فاستدعى بها، فملئت له ذهباً، فأخذها وانصرف. فلما أصبح قال لخلانه: انظروا إلى من علم العلم فليتعلمه كذلك، فإني أعطيت هذا المال العظيم في مسألتين أو ثلاث. فانظر أيها المتأدب إلى لطف هذه الواقعة فإنها اشتملت على محاسن منها إدلال الوزير على قلب أمير المؤمنين وحلم الخليفة، وزيادة علم القاضي فرحم الله أرواحهم أجمعين. وسواء كانت هذه القصة حقيقة أم كانت نسج خيال، فإن كثيراً ممن سيقرؤنها سيجدونها حكاية ممتعة ولا غرابة فيها. فالرشيد هو الخليفة صاحب الملك المطلق والبرمكي نديمه والقاضي في خدمة السلطة ليل نهار والعبد عبد مسلوب الارادة يباع ويشترى ويملك ويوهب ويزوج ويطلق دون رأيه وإرادته. لكن القليل من أناسنا سيجد في هذه القصة ما هو مستنكر ومرفوض. قليلون سيرون أن هذا النوع من التأديب الخاطئ والتعليم الباطل يحتوي أمورا غير لطيفة وجورا وطغيانا وسلبا للحقوق ونهبا لأموال المسلمين. قليلون سيلحظون أن هذه التصرفات التي قام بها الرشيد والقاضي ليس فيها أية محاسن. قليلون حقا بيننا أولئك الذين يجرؤون على نقد التراث الذي تغلغل في عظامنا وصار اكسير نفوسنا. ولأننا كأفراد لم نزل نعيش تخلفا مميزا بين شعوب الأرض ولما تزل تعشعش في نفوسنا الكبرياء الفارغة وتهيمن على عقولنا آليات التفكير المتخلف والفعل اللاإرادي الإنعكاسي الأكثر شبها بالتصرف الفطري الذي تمارسه بقية الكائنات الحية، فإننا لن نتمكن من تحقيق التحول التقدمي المنشود في حياة مجتمعاتنا. ولنا في عراق اليوم عراق ما بعد الطاغية صدام أوضح مثال. إننا ما لم نغير ما بأنفسنا من قيم وثوابت التخلف وأساليب تفكير عتيقة وما لم نتواضع حقا فإننا لن نتمكن من تحقيق أي تقدم حتى لو تغيرت تلك الأنظمة القمعية المستبدة. فتغيير الأنظمة هو تغيير للبنية الفوقية والمطلوب حقا هو تغيير البنية التحتية. وهذا أمر ليس سهلا لا يتحقق بالوعظ والارشاد بل يحتاج إلى تحول تاريخي في جو مناسب يسمح بظهور قدوات تاريخية حقيقية تقود المجتمع إلى تحولات جديدة. وفي ضوء الجو الإقليمي والعالمي الحالي ليس هنالك من أمل لتحقق ظهور مثل هذه القدوات فإن تدخلات القوى المهيمنة على الحكم في العالم اليوم لن يسمح بظهور أية قدوات مجتمعية أو شخصيات قادرة على الفعل حقا. فالمسدس الكاتم سيكون لهم بالمرصاد. وفضائيات الإعلام الحر لن تنقل أنينهم . لذلك لن يظهر في وقتنا هذا نلسون مانديلا عربي ولا جورج واشنطن كردي. وهذا هو المأزق التاريخي الذي تعيشه الأمة. لذلك فإن من الأرجح أن ما سمي الربيع العربي سيكون قصيرا يعقبه صيف وجفاف وجدب ربما يكون طويلاً.
#محمد_باسل_الطائي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حول المادية ودعوة إلى علمانية جديدة
-
طروحات محمد شحرور حول الكتاب والقرآن
-
أزمة الفيزياء المعاصرة
-
مبدأ الأنسنة وعلاقته بمبدأ التسخير الإسلامي
-
حيرة الإنسان بين العلم والإيمان
-
حول المحتوى العلمي للقرآن
-
هل يتعارض القرآن مع النشأة التطورية للإنسان؟
-
آفاقنا في النهضة والمساهمة الحضارية: عودة الى العقل
-
المأزق الإبستمولوجي للمعرفة العلمية المعاصرة
-
الحتمية الكلاسيكية واللاحتم الكوانتي
-
ستيفن هوكنج وخلق العالم؟
-
من الضروري مراجعة كتب الحديث التي لا تتوافق مع صريح القرآن و
...
المزيد.....
-
في ظل حكم طالبان..مراهقات أفغانيات تحتفلن بأعياد ميلادهن سرً
...
-
مرشحة ترامب لوزارة التعليم تواجه دعوى قضائية تزعم أنها -مكّن
...
-
مقتل 87 شخصا على الأقل بـ24 ساعة شمال ووسط غزة لتتجاوز حصيلة
...
-
ترامب يرشح بام بوندي لتولي وزارة العدل بعد انسحاب غايتس من ا
...
-
كان محليا وأضحى أجنبيا.. الأرز في سيراليون أصبح عملة نادرة..
...
-
لو كنت تعانين من تقصف الشعر ـ فهذا كل ما تحتاجين لمعرفته!
-
صحيفة أمريكية: الجيش الأمريكي يختبر صاروخا باليستيا سيحل محل
...
-
الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان مدينة صور في جنوب لبنا
...
-
العمل السري: سجلنا قصفا صاروخيا على ميدان تدريب عسكري في منط
...
-
الكويت تسحب الجنسية من ملياردير عربي شهير
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|