عندما يريد أحد من المعجبين أن يكتب حول فنان أو كاتب ما لا يعرف عن ماذا يكتب و كيف يبدأ وأين ينتهي لكثرة الخدمات الجليلة للفنان لجمهوره ولإخلاص الفنان لفنه واحترامه لمشاعر محبيه ، ومتى ما اصبح الكاتب والشاعر والفنان جزء من روح الجمهور ولا اعتقد لمحبيه أن لا ينسوه مهما كانت الظروف والأسباب ، وإذا لم يكن الفنان أصيلا ً ومخلصا ً لقضية شعبه و لسوف ينسى الجمهور ذلك الفنان الذي لا يهز مشاعر الناس، وكم من هؤلاء الفنانين الأقزام صعدوا بأكتاف الغير على المسارح وما أسرع سقوط ونسيان أمثال هؤلاء الفنانين من نظر المتذوقين للحس الفني ولفظهم خارج المسرح بجانب سلة التاريخ المفعمة بمثل هؤلاء النماذج الرخيصة ، لأن الفنان القدير والشاعر المقتدر والكاتب المبدع يسكن حتما في حدقات العيون وفي عمق الروح ، بعكس الذين سيمسحهم ممحاة التاريخ بمرور الزمن ، لأن الزمن وكما نعرف سُينسّينا في بعض الظروف حتى صور الأحبة ، وكيف بأصحاب الأصوات القبيحة الذين لم يصدقوا بوحشة صوتهم حتى لو غنّوا لانفسهم في حمامات كركوك أيام زمان ، مثل ( شور حمام ، وحمام ده ده حمدي وووو) ولكي لا نبتعد كثيرا عن ذكريات فنانا الكبير ( اكرم جعفر طوزلو) الفنان الذي يدمي القلب قبل العيون ، وابن مدينة طوز خورماتو الحالمة ببساتين نخيلها المقطوعة ظلما ً ولمخططات عمرانية عملاّقة و لغاية في نفس يعقوب عليه السلام، المدينة المظللة دوماً منذ نشاتها بظلال أشجار الزيتون والنخيل والرمان والمعبقة بأريج حقول زهرة الشمس والنعناع ،وآه لحال طوز ولرثة جلباب محافظتها ومسؤول ادراتها الذي لا يجيد لغة أهل المدينة غير عد الأيام وحضور سراق قوت الشعب وولائم طبقة أثرياء الحرب والحصار وهذه الحقيقة يجب أن يعرفها الكل مثلما نعرف شجرة أنسابنا الجديدة في كل مراجعة للدوائر ، واليوم من يزور المدينة لا يريد أن يقارنها بين طوز الأمس وطوز الخراب اليوم ، وباسم موجة العمران والتوسيع دمرو آلاف من المساحات الخضراء فيها بالقوالب الكونكريتية والإسفلت وشق الطرق بين البساتين الجميلة والحقول النظرة لسهولة مرور سيارات أبناء المتنفذين وقوافل الأرتال العسكرية ، والأمثلة كثيرة وكثيرة على ما جرت بجمال المدن الكردية الأخرى مثل كركوك وكفري والمدن الأخرى ، ولي عتب شديد جدا بحجم عتب إخواننا من المذاهب الأخرى من الطاغية معاوية ويزيد النزق على هؤلاء المهندسين الذين درسوا هندسة تخطيط المدن ومن خلفهم طبعا الوزير الموظف كيف لم يفطنوا للتضاريس ومناخ العراق في عموم الأراضي ، ولا ادري كيف فاتتهم فائدة كل هذه الغابات والبساتين والأشجار المعمرة في البلد والتي تذبحها سكين شفلات البلدية بّدل الله جلدهم بالجهل والعمى ! ! فإذن الفنان اكرم طوزلو كان على حق عندما كتب لنا كلمات أغنيته الشهيرة في منتصف الستينات ومتنبئا ً من ذلك الوقت لحال الجبال والبساتين الحزينة قائلا ً :
( بيلمم نه ده ن غه مكين بو دوزن ده غلارى ،
أج صوصص قالمش جيجه كلى باغلارى ..)
فاعتقد لو كتب مهندسا زراعيا تقريرا حول جفاف المحاصيل وصوّر مخاطر الجزرات الخرسانية على تلوث وتشويه البيئة لما وصل لقوة وعفوية كلمات الفنان طوزلو حتى لو كتبه في رسالة ماجستير هذه الأيام ...
اكرم طوزلو هو فنان لا يحتاج اليوم لبطاقة التعريف، بقدر حاجته اليوم للبطاقة التموينية بفضل حصار أمريكا على العراق ، لان الفنان والشاعر في بلدان الشرق لا تعير لهم أي اهتمام المؤسسات الثقافية والفنية والنقابات الكثيرة بالصوت والعدد، وان كانوا سعيدي الحظ وحصلوا على الراتب التقاعدي الضئيل من الخزينة ، وبعد حساب عدد الأناشيد الوطنية التي اشتركوا فيها مثلما اشترك الأساتذة الأفاضل داوود القيسي وفاروق الهلال صاحب أغنية ( يا صيّاد صدلي بُنية ، طبعا ً لا يقصد شحاذات جامع البنيّة ، ربما يحصلون على راتب تقاعد لا يكفي لشراء دواء أمراضهم المزمنة ) فأتذكر حتى الآن شكوى وعتاب الخالدات صديقة المُلاية ووحيدة خليل وعفيفة اسكندر من ظلم الحُب وظلم الراتب التقاعدي ، وبرأي افضل شئ لفناني هذه البلدان أن يتعلموا قبل الفن صنعة تدر عليهم قروشا ً لليوم الأسود بدل انتظار 29 يوما ً و24 ساعة بالكمال والتمام لحين عودة أمين صندوق البصرة من خزينة المحافظة ، وتر اصف الدائنين أمام أبواب البيوت قبل رجوع موظفين أيام زمان ،وطبعا المطرب والفنان يعتبران أيضا موظفين على ملاك دار الإذاعة . على كل فما دمنا بصدد السير والذكريات أحببت أن أطنب كثيرا ً في موال الجراح لأن أستاذنا في الحزن والمقام اكرم طوزلو علمنا منذ الصغر على الحزن الأصيل مثل تعودنا لأغنية شمس الأصيل لخالدة الذكر أم كلثوم أن نبكي كلما حضرنا حفلاته أيام كنا في الكلية وفي الإعدادية ومتابعة حفلاته الشيقة في اربيل وتلعفر وطوز وكفري وخانقين أرجو أن لا يعتبرها بعض الأخوة خانقين الآن غير كردية لأن ليس كل من عبر أو توظأ أو تزوج أو صاهر من قومية مدينة معينة اعتبرت تلك المدينة من لسان ومذهب تلك الواقعة التاريخية ، المهم نتذكر كيف حضرنا بكل حماس وعفوية في عقدا لسبعينات تلك الحفلات لمحبوب الجماهير أبا شاهين ( والذي كتب لولده شاهين أحلى قصيدته ، أوغلوم شاهين وطن بورجن ويرويرم ، وو ) نعود إلى الذكريات الجميلة والتي لا تبرح أسفارنا في الغربة ونبقى نحّن إلى تلك الربوع المليئة بأحداث الطفولة، الطفولة التي كم تعتز بها هنا أهل الغرب،وكيف ويقيمون لذكريات الطفولة المتاحف والصور المحفوظة خلف الألواح الزجاجية خوفا ً من العبث وليس من السطو وتهريب التحف، وفي حين نشوه نحن ونعّير أيام طفولتنا ومساء حزن مدننا ولا نعرف قيمة زمن الطفولة، أعود لحزن أغانينا العراقية عربا وكردا وتركمانا وكلدان ،أقول فكيف لا نحزن لهذه الجبال الخالية من الحركة في طوز يوم كنا نرتقي ونصعد جبل موسى على أو جبل آوه سبي وكنا نحمل ليالي الجمعة الشموع وأكياس الحناء لغرض طلب تحقيق المراد لأننا كنا لا نرى من نحبها الاّ بعد كل عيد مرة مثل أكل التمن عند بعض العوائل المتعففة. كيف لا نحزن يا اكرم طوزلو ، إذا أنت تبكي من اجل غزالة ذات العيون السود وتؤلف أغنية لألمها وأنينها وبكاء رضيعها عندما ذهبت يوما مع بعض الأصدقاء لصيد الغزلان بضواحي طوز وقلت لنا كيف بكيت وتخاصمت مع أصدقائك من اجل عدم ذبح الغزالة والتي كانت تجود بنفسها بين برك الدماء ولا تصرخ من الجرح سوى من دموع ساخنة تنهمر من عيونها الكحلاء،وكيف بعد تلك الحادثة كتبت كلمات أغنيتك الشهيرة ( جه يره نه م جه يره نه م كويزم قره دي
كويزمن قره سى لالى سه لادى ) إلى أن تقول بيلميرم هه ره كيدم آوجى آلنن باشيم آليم راوجى آلنن ) وكيف نستطيع أن نضحك ونحن نسمع إلى هذه السمفونية الحزينة ، والى مقاماتك الأذربيجانية التي تهز الحجر وتقلع الروح ، ويجيبك علمية مردان وحسين طوزلو بقوريات اكثر حزنا ً وعلى صوتكم الشجي تفتتح قريحة المرحوم حسن كوره م الشعرية وهو يسهر لأنين ظلام الدنيا وحرمانه من نعمة البصر منذ الصغر الصغر ، ارجع إلى واحة الذكريات فاطرق مع بستات اكرم طوزلو الذي ظلمه الأعلام العراقي ونسيه اقرب أصدقاء الأمس حتى برسالة وتحية أو تقديم بطاقة ورد جميلة في يوم ميلاده وهو الآن على أعتاب الستين ونيّف, كل الأبواب الموصدة بعد هجرة الأحبة والعشاق من منهم ودع المدينة وداعا ً أبديا ً حزنا على الطيور المهاجرة ، ومن هاجر من فرط الحنان لشيخوخة المدينة المبكرة ، فها هو محمد دلّي يجوب من الصباح حتى المساء كوجك بزار جيئة وذهابا محمد دلّي كما تروي الحكايات الموثوقة انه اختل عقله عندما علم بزواج ليلاه!! ورحيلها من المدينة لقرية باسطاملي العريقة .. وفي المساء نرى الناس يلتف حول رمزا آخرا ً من أساطير المدينة المعتوه الآخر ( عله زله أي على الضخم الذي شاهده البعض انه كان يأكل لحم الضواري وكان يسكن قي مقبرة ليست قريبة من طوز خورماتو أيام زمان مقبرة أمام حسن حسب رواية كبار المدينة ، ختاما لا ادري هل استطعت أن ارسم صورة ما لحياة هذا الفنان المبدع أرجو أن يطيل الله من عمره ونسمع منه أغنيات اكثر فرحا ً وانشراحا لإزاحة هذا الكم الهائل من هموم الغربة وختما اعتذر من القراء إن أسهبت في الموضوع لأن الكتابة بحق فنان مثل المغني الكبير ( اكرم طوزلو ) يستحق أن نكتب سلسلة من الكتب والمقالات وان يجرى معه الحوار والمقابلات في التلفزيون والإذاعة، فتحية لفنان المدينة الحالمة بالمروج الجبلية أكرم طوزلو ) وعتاب كبير وحار للصحافة التي أهملت هؤلاء الفنانين المبدعين ...
عرفان آ وجى