|
شهادة مصطفى لغتيري ضمن ملف الرواية المغربية في مجلة سيسرا السعودية.
مصطفى لغتيري
الحوار المتمدن-العدد: 3506 - 2011 / 10 / 4 - 23:48
المحور:
الادب والفن
علمتنا نظرية الأجناس الأدبية أن كل جنس أدبي يتميز و ينماز بخصائص محددة ، تميزه عن باقي الأجناس الأخرى ، و بحكم تجربتي في الكتابة الأدبية ، و التي انتقلت فيها ما بين عدة أجناس كالقصة القصيرة و القصة القصيرة جدا و الرواية و المسرحية و الشعر ، أستطيع ان أزعم أن الرواية تمنح الكاتب مجالا أرحب لتصريف كثير من الأمور التي تشغله على مستوى تكنيك الكتابة و مضامينها ، فللرواية رحب صدر يتسع ليشمل ، من دون تذمر ، جميع أنواع القول و فنونه ، فبين دفتي الرواية يتجاور الحوار مع الوصف مع روح الشعر ،التي إن افتقدتها الرواية أضحت جافة لا يتعاطى معها القارئ بكثير من الشغف ، أتحدث هنا عن الشعر بمعناه العام ، الذي يمكن أن نلمسه في كثير من الأعمال حتى تلك التي تبدو ظاهريا أبعد ما تكون عن الشعر ، هذا لا يعني بالمرة أن أنني أنتصر إلى اللغة الشعرية في الكتابة الروائية ،التي ميزت الكثير من كتاب الرواية خاصة في مرحلة ما من تاريخ الرواية العربية ، و التي انزاحت بالرواية نحو التكثيف الشعري ، فأصبح معها الحديث عن "الأجناس العبر نوعية" له ما يبرره ، بل أميل إلى توظيف لغة سردية ، محايدة قدر المستطاع ، حتى لا تشغل القارئ عن باقي مكونات العمل الروائي ، فلدي - فضلا عن إيماني بالحدود الفاصلة بين الأجناس-اقتناع تام بأن اللغة ليست في الأول و الأخير سوى وسيلة، و عنصر ضمن عناصر أخرى، يتعين عدم إغفالها في الكتابة الروائية ، لهذا أقبل بكثافة على قراءة الرواية العالمية المترجمة ، التي ألمس فيها نضجاعلى مستوى التكنيك ، مرفوقا بوعي جلي بالحدود الفاصلة بالأجناس ، إذ أن هذه الرواية تعطي لكل عنصر حقه ، فنجد أنفسنا أمام شخصيات و أمكنة و أزمنة واضحة المعالم ، مؤطرة برؤيا الكاتب العميقة ، إذ أن كل عنصر يؤدي وظيفته بشكل منفرد ، وفي علاقته مع باقي العناصر،و هذا الكلام لا ينفي الإبداعية عن كثير من الروايات العربية ، التي استوعب أصحابها بعمق مفهوم الرواية و وظيفتها الفنية و الجمالية و الاجتماعية ، فلا غرابة إذن أن يتوج نجيب محفوظ مثلا بجائزة نوبل للآداب ، كما أن رواياته تحقق أرقاما قياسية في المقروئية ، في الوقت الذي يشتكي منه الجميع من أزمة القراءة و محدوديتها ، فروايات محفوظ كما يعلم الجميع تقدم الفن الروائي بأصوله العالمية .. كما أعتبر أن الحكاية من أهم العناصر في الرواية ، فهذا المعطى في البناء الروائي أعتبره أساسيا ، و متى تخلت الرواية عنه فقدت كنهها و ماهيتها ، و فقدت بالتالي جمهورها ، الذي يبحث غالبا في الرواية التي يقرأها عن حكاية ما تظل عالقة بذهنه بعد الانتهاء من قراءة الرواية ، قد تكون هذه حكاية سلسة و تقليدية لها بداية و وسط و عقدة و نهاية ، أو حكاية معقدة ، و متشظية في بعض الأحيان تعتمد على البياضات التي يملأها القارئ بتاويلاته، أو تخترقها الاسترجاعات "الفلاش باك " ، لكن لا بد في رأيي من توفرها -أعني الحكاية-، ومن هذا المنطلق أحرص شديد الحرص على أن تتوفر روايتي على حكاية ما ، لكن تقديمها للقارئ لا يعتمد على طريقة واحدة ، فإيماني الراسخ بأن الأشكال أكثر عمقا من المضامين ، يحفزني على أن أحاول أن أقدم الحكاية في الروايات التي أكتبها بتقنيات و أشكال متنوعة ، حتى اتفادى التكرار و النمطية ، كما أن تعدد هذه التقنيات تولد لدى القارئ جملة من التساؤلات و الأحاسيس ، و تدفعه بالتالي إلى المشاركة الفعالة في توليد الدلالات العميقة للمتن الروائي ، و التي غالبا ما يطلق عليها "المعنى الثاني "، فلقد حاولت مثلا توظيف تقنيات التداعي الحر في رواية رجال و كلاب، التي كان توظيفها بنيويا و وظيفيا ، بما يعني أن طبيعة النص الحكائي فرضت على استماله ،إذ أن البطل مصاب بمرض الوسواس القهري ، و بعد أن يحكي للقارئ إحدى حالته المرضية ، يدعوه ليتقمص شخصية الطبيب النفسي ، حتى يتسنى له تحليل الحالات المرضية للسارد ، المرتبطة بأحداث يتوهمها ظانا أنها أحداث واقعية ، فكان لزاما أن يحكي له حياته انطلاقا من أصوله الضاربة في عمق البادية ، التي يمثلها في الرواية جده الذي كان فلاحا يعيش على خيرات الأرض ، فأصيب بمرض نفسي عضال أدى إلى وفاته في ظروف محزنة ، و مرورا بأبيه الذي انتقل إلى المدينة فطاردته لعنة المرض النفسي ، و وصولا إلى الشخصية الرئيسية / السارد ، الذي طوقته ظروف اجتماعية و نفسية ، أدت به إلى أن يصبح ضحية المرض المذكور أعلاه ، أما فيما يخص رواية ، "عائشة القديسة " فحاولت أن أقدمها بشكل مختلف ،جاعلا من أسطورة "عايشة قنديشة" عمادا لها و النواة الصلبة للحكاية التي تتضمنها ، من خلال ربطها بالواقع المعاش ، التي تضطرب في أتونها ااشخصيات ، و المعلوم أن هذه الأسطورة تهيمن على عقول المغاربة ،و خاصة أولئك الذين يقطنون على الساحل الأطلسي ، إذ يغلب على جلهم الاعتقاد بوجود جنية، تتجول ليلا على ضفاف شواطئ الأطلسي ، فتسلب الرجال عقولهم بجمالها و فتنتها ، فيقعون ضحية لإغوائها ، يتبعون خطواتها دون إرادة منهم ، فتصيبهم بالأذى ، و قد كان توظيف هذه الأسطورة محكوما ببعد تنويري ، يتمثل في وضع المجتمع أمام مرآة ليرى نفسه ، من خلال الكشف عن عقلية الإنسان المغربي خصوصا و العربي عموما ، الذي يحيا ضمن ثنائية متناقضة ، ففي الوقت الذي يدعي فيه الحداثة و العقلانية ، نجده يلجأ إلى الخرافة لحل أول مشكل يواجهه في حياته.
أما بخصوص روايتي "ليلة إفريقية " فلقد اعتمدت فيها على توظيف تقنية "الميتا سرد " بما يعني السرد الشارح ، و قد تمثلته في المتن السردي بما يعني أن الرواية و هي تنكتب تفكر في ذاتها ، من خلال إشراك القارئ في التفكير في التقنية التي سيعتمدها الروائي في كتابتها ، و هذه التقنية تسعى - بالإضافة إلى طابعها التجديدي في الكتابة السردية - إلى إشراك القارئ في العمل الروائي ، حتى يتخلص من سلبيته ، لتكون قراءته و اعية و فعالة ، و منتجة كذلك ، كما اعتمدت في نفس الرواية على تقنية رواية داخل رواية ، فبطل الرواية " يحيى البيضاوي ، و هو روائي من الجيل القديم وجد نفسه متجاوزا إبداعيا يلتقي في لقاء " الرواية بين الأمس و اليوم" المنعقد بمدينة فاس بروائية شابة تدعى "أمل المغيث "، فيثمر لقاؤهما مشروع رواية مشتركة ، يتفقان على أن تكون بطلتها الفتاة الكاميرونية "كريستينا " التي التقيا به في مهرجان الرقص الإفريقي ، فيشرعان في التخطيط للرواية و أحداثها و مراميها تحت أنظار القارئ.
وخلاصة القول إن الرواية جنس أدبي يسمح للكاتب بتجريب عدد من التقنيات و الأساليب ، كما يمكنها أن تستوعب جميع المضامين ، حتى تلك التي تبدو أكثر تعقيدا ، و من حق الروائي أن يذهب في هذا المجال مذاهب شتى ، لكنني أعتقد أن فهما عميقا للرواية و وظيفتها الفنية و الاجتماعية تلزم كاتبها بلمحافظة على الحد الأدنى من عناصر العمل الروائي كما هي متعارف عليها عالميا ، خاصة فيما يتحلق بالعنصر الحكائي ، و توظيف لغة سردية واضحة و فعالة ، أما ما دون ذلك فلا يؤدي الاختلاف حوله إلى أن " يفسد للود قضية.
#مصطفى_لغتيري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المبدعون المغاربة والنقد... أية علاقة؟
-
مرور عشر سنوات على صدور مجموعتي القصصية الأولى -هواجس امرأة-
-
حب و برتقال ..مقاطع من رواية جديدة كتبتها ولم يحن أوان نشرها
...
-
الدكتورة سعاد مسكين تحفر عميقا في متخيل القصة المغربية القصي
...
-
**هواجس و تساؤلات حول الكتابة القصصية في المغرب
-
المحاكاة الساخرة في القصة القصيرة جدا عند أحمد جاسم الحسين
-
لغتيري يوقع رواياته في معرض الكتاب بالدارالبيضاء
-
مغرب جديد يصنعه شباب 20 فبراير
-
لماذا يجب النزول إلى الشارع يوم 20 مارس للتظاهر؟
-
أيام معتمة- للكاتبة المغربية البتول محجوب أو عندما تشع الكتا
...
-
لماذا سأنزل غدا إلى الشارع من أجل التظاهر؟
-
رواية -الحافيات- للأديبة دينا سليم أو عندما تتخذ المرأة من ج
...
-
أدباء وكتاب يتحدثون ل(الزمان) عن درجة الجرأة في الكتابة
-
الاحتفاء بالشخصية في المجموعة القصصية- الأب دحمان- للقاص الم
...
-
السعدية باحدة مبدعة من الزمن الجميل*
-
العوالم الافتراضية في الكتابة القصصية عند القاص المغربي محمد
...
-
إيقاع الصورة الشعرية في -ظلي بقعة حبر -للشاعرة التونسية عائش
...
-
كتابات ساخرة قصص قصيرة جدا لجميل حمداوي -تقديم مصطفى لغتيري.
-
وقفة تأملية عند -دموع فراشة- للقاص حميد ركاطة
-
مصحف أحمر رواية الثورة و الجنس المثلي و توحيد الأديان
المزيد.....
-
موسكو تحتضن المهرجان الدولي الثالث للأفلام الوثائقية -RT زمن
...
-
زيادة الإقبال على تعلم اللغة العربية في أفغانستان
-
أحمد أعمدة الدراما السعودية.. وفاة الفنان السعودي محمد الطوي
...
-
الكشف عن علاقة أسطورة ريال مدريد بممثلة أفلام إباحية
-
عرض جواز سفر أم كلثوم لأول مرة
-
مسيرة طبعتها المخدرات والفن... وفاة الممثلة والمغنية البريطا
...
-
مصر.. ماذا كتب بجواز سفر أم كلثوم؟ ومقتنيات قد لا تعلمها لـ-
...
-
أساطير الموسيقى الحديثة.. من أفضل نجوم الغناء في القرن الـ21
...
-
السعودية.. رحيل -قبطان الطرب الخليجي- وسط حزن في الوسط الفني
...
-
مصر.. كشف تطورات الحالة الصحية للفنان ضياء الميرغني بعد خضوع
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|