|
النمرود : شعر
رياض خليل
الحوار المتمدن-العدد: 3503 - 2011 / 10 / 1 - 22:50
المحور:
الادب والفن
النمرود: شعر منولوج لحاكم عربي: شعر رياض خليل القصيدة الرابعة
أنا نمرود ! أنا أدعى الخوف المتسلط في أفئدة الجبناء . أنا غول بلاد النهرين ، وذئب الصحراء . نمردني الحمقى ، وهياكل من لحم ، لايحوي غير الماء . سحقا .. سحقا .. لدم كالماء ، لحناجر لاتتقن لغة الرفض ، ولاتعرف غير الضوضاء ، لعقول جوفاء ، ليد .. وزنادقة صنعوني من طوب الوهم ، ومن آلاف الأخطاء . تبا لرجال صنعوني .. صلوا .. عبدوني ، منحوني الألقاب .. وأنواع الأسماء . أنا نمرود التافه .. أنا .. دمية . نفخوا فيها الروح ، كبرت كبالون ، وتورمت ، فخافوا حجمي .. ارتعشوا هلعا .. سجدوا .. عبدوني صنما . أنا نمرود الطاغوت .. إله الحمقى والجهلاء . عراب الدجالين .. وشيوخ " الكار" أنا رمز العار . أنا كاهن فن التزوير . لي كل عصابات الشر المتخصصة .. بشتى مهن الفتنة والتسفيل ، وتدجين الوطن .. الشعب .. وبث الرعب وفن القتل .. الغدر .. التدمير آمرها : تخدمني .. تكذب ، تقتل ، تسفك ، تغتال ، تراوغ ، وتنافق ، وتلفق، وتخرب ، تتحرق ، تهدم ، تسرق ، تنهب ، تتفاخر بالذل ، وترهب ، وتسميني بطلا قوميا ، بل وإلها يدعى : النمرود ! يبني ، يهدم ، يبرم صفقات وعقود ، باسم الفقراء الجوعى المقهورين ، يكدس فوق جماجمهم أمجادا زائفة ، ويلوط التاريخ ، ويزني بالموتى يركب ظهر الوطن حصانا ، ويحارب بالسيف الخشبي طواحين الريح . فتهزمه ، ويسمي ذلك نصرا .. ويصدقه الغوغاء . أنا نمرود المحتال .. يسمعني الناس ، يصدقني الناس ، لكني لست أصدق نفسي . كلماتي جوفاء ، يابسة .. عاقرة .. " لاتغني ، أو تسمن من جوع " . لاتروي ظمأ . لاتشفي داء . لاتملك معنى .. لونا .. حرفا.. طعما . أنا نمرود الطبل الأجوف . أقرع ، وأدوي ، وأهز مشاعر " روبوتاتي" .. فتصفق ، تهتف بحماس لي : للديكتاتور .. لمجد الديناصور .. وتصفق ، تهتف : عاش النمرود . تهتف إن قام وقعد .. ونام .. وهرج : " بلدي ، شعبي ، وحديقة حيواناتي " الكل يبايعني ، ويموت فداء لحذائي ، يفعل باسمي مالايخطر بالبال . أنا نمرود الطاغوت الأكبر .. وزعيم ال" روبوتات " الأعظم . نمردني الحمقى .. سجدوا لي .. دست جماجمهم .. وأكلت عبادي .. ولبست الأزياء .. الأقنعة الوطنية والقومية ورفعت شعارات الحرية ، ومقاومة الأعداء الأشباح وكل العالم من حول الوطن المرتاح زينت الموت لقطعان المخدوعين ، المهووسين بألاعيبي السحرية . لكن يخدعني الخبثاء الجبناء ، وأخدعهم ، نتبادل لعبتنا وتسالينا ، فنجامل ، ونخاتل ، كل يخشى الآخر ، كل يحفر للآخر . كل أجبن من فأر كل يلعب دورا محدودا .. لكني أبقى بطل التمثيلية ، دون منازع . وأنا الخائن ، وأنا الأمل الكرتوني .. أنا الملك النمرود الأهوج ، لي النهران ، ومابين النهرين ، ومابعد النهرين .. الأرض .. الماء .. الأفق .. الناس .. الكون .. ملكي .. ملكي كل الدنيا .. لي شط العرب ، وآبار النفط ، خليج العرب ، ونخل الصحراء .. ورمل الصحراء .. الأنعام .. القمح .. التمر .. الماضي والحاضر والمستقبل . لي التاريخ .. ومزبلة التاريخ ، والشعب المسحوق المنهك والوطن المعتقل المحبوس المدعوس وسماء الوطن سمائي الشعب المسحوق : نساء ورجالا أطفالا وشيوخا وطني مدجنة كبرى . أنا نمرود المتجبر ... لي أن أحرق ، وأخرب ، أظلم ، أتعدى ، أغزو جيراني وأشقائي ، أتآمر ، أنتهك الحرمات ، أدوس على أهلي وأحبائي , لي أن أفسد في الأرض .. أدوس جماجم شعبي ، لي أن أكذب و وأنافق ، وتصدقني قطعاني البشرية ، ويصدقني .. الأنعام .. الأشجار .. الأحجار .. الحي .. الميت . لي أن أكذب ، أو أزعم أني سأقاوم ، وأحرر ، وأعمر ، وأوحد ، وأحارب أعداء الأمه . لي أن أكذب باسم فلسطين .. وباسم " القدس" ، وباسم الشعب ، وباسم التاريخ المأسور ، ولي أن آكل شعبي .. وطني .. وعبادي قربانا لمبادئ زائفة مزعومة ، لم أؤمن بحقيقتها يوما . سأعيش .. أعيش .. فوق خرائب بلدي .. وجماجم شعبي .. وأعيث فسادا في الأرض . لاأحد يتجرأ أن يصرخ في وجهي ، أو يشتمني ، يفضح سري ، لاأحد يعلن أني : مأفون مارق ، لص أو سارق ، لاأحد يتحداني ، ويهاجمني ، وأنا أجبن من فأر . أتساءل عن بطل .. عن رجل .. عن طفل يصرخ في وجهي .. يهزمني . أنا نمرود . أنا صورة . يتجسد فيها العقم ، وأصوات النباحين .. النهاقين .. الطبالين .. الزمارين .. تبا .. سحقا .. لكلابي .. وزنادقتي الحمقى . تبا لبطون لاتحمل إنسانا .. طفلا بطلا ، فيقاومني ، ويطهر قلبي الأسود بنصال بيضاء . أتراها مملكتي خاوية من بعض الأحياء؟ موتى! موتى! موتى! مملكتي مقبرة ! وأنا سلطان الموتى ! ملك المدن المهزومة والمقهورة .. لاأسمع صوتا ! يقلقني صمت المقبرة ! أتراه صمت يسبق عاصفة ؟ أنا نمرود الغدار .. صنيع الشيطان .. كلابي تنبح .. وحميري تنهق مجانا ، أو من أجل البرسيم ، ومن أجل فتات .. وبقايا فضلات قد أتكرم .. أمنحها ، أو لاأمنحها فضلاتي لاتكفي كل كلابي وحميري ، فأصنفهم ، وأغربلهم حسب مزاجي : هذا نجم مشهور .. هذا كلب مسعور .. هذا مغمور .. هذا مأجور .. هذا يأخذ .. هذا أعطيه ، وهذا لايستأهل ، هذا تكفيه البسمة .. ذاك النظرة .. تبا .. سحقا .. للمحتالين الأفاقين الحمقى ! أتراها مملكتي خاوية .. خالية من بعض الشجعان الأحياء ؟ لاأحد ينهض .. يصرخ ، يدعو لسقوطي أو إسقاطي ، لاأحد يتجرأ أن يكشف خطلي ودناءاتي ، فيواجهني ، ويقاومني ، لاأحد يشهر سيفا .. سوطا .. حرفا .. حجرا .. أسنانا وأظافر فيقاومني .. ويقاومني حتى الموت . يقلقني الصمت المرعب .. صمت الموتى .. صمت المقبرة الكبرى . لاأحد يصرخ ، لاأحد .... فيهاجمني .. يسحقني .. كي أنهار .. وأتساقط .. أتفسخ .. أتفتت تحت نعال الأبطال أو الأطفال . مملكتي مقبرة . وأنا حارسها الخائف . أخشى الساعة . وال" صور" و" إسرافيل " .. أخشى أن تنشق قبور الأحياء وتعلن بد ء قيامتها ، مملكتي موحشة .. بؤس .. ودمار .. وخرائب . ومسوخ مرعبة .. وعجائب . أتساءل : من منا الميت يابابل ؟ أنا نمرود الحي الميت .ز أتوق إلى بطل يقتلني ، أو شفة تشتمني أو كلب يخذلني أو طفل يولد .. يهزمني أن يشطب اسمي من كتب التاريخ أنا نمرود الخائف والمقهور أنا فأر مذعور . أنا عبد شياطيني وكلابي عبد المحتالين ، وعبد الخوف المتنامي في أعماقي . أنا نمرود الميت في الموت .. أبحث عن طفل .. عن بطل يثأر .. يقتص .. يطهر رجسي .. عاري .. يحرقني .. ويخلصني ...
#رياض_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفراشة: شعر
-
طفلة الشمس
-
القانون الاقتصادي العام
-
عن - الكرنفال- يكتب الشاعر فيصل خليل:
-
المحارب: شعر
-
النار: شعر
-
الوحش
-
الغريق: شعر
-
لن أختم القصيدة
-
رحلة إلى الجزيرة
-
البحر-:شعر
-
الملك: شعر
-
الكرنفال: شعر
-
سورة الألق: شعر
-
أيها العندليب: شعر
-
أضعتك لحظة مني
-
السؤال: شعر
-
الجريمة: شعر
-
مشاهد الجسد: المشهد الأول : شعر
-
مشاهد الجسد: شعر
المزيد.....
-
مصر.. لجنة للتحقيق في ملابسات وفاة موظف بدار الأوبرا بعد أنب
...
-
انتحار موظف الأوبرا بمصر.. خبراء يحذرون من -التعذيب المهني-
...
-
الحكاية المطرّزة لغزو النورمان لإنجلترا.. مشروع لترميم -نسيج
...
-
-شاهد إثبات- لأغاثا كريستي.. 100 عام من الإثارة
-
مركز أبوظبي للغة العربية يكرّم الفائزين بالدورة الرابعة لمسا
...
-
هل أصلح صناع فيلم -بضع ساعات في يوم ما- أخطاء الرواية؟
-
الشيخ أمين إبرو: هرر مركز تاريخي للعلم وتعايش الأديان في إثي
...
-
رحيل عالمة روسية أمضت 30 عاما في دراسة المخطوطات العلمية الع
...
-
فيلم -الهواء- للمخرج أليكسي غيرمان يظفر بجائزة -النسر الذهبي
...
-
من المسرح للهجمات المسلحة ضد الإسرائيليين، من هو زكريا الزبي
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|