أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلام إبراهيم - الحياة لحظة: عندما يشبه الثوار جلاديهم: كل شيء جائز عدا خيانة الضمير















المزيد.....

الحياة لحظة: عندما يشبه الثوار جلاديهم: كل شيء جائز عدا خيانة الضمير


سلام إبراهيم
روائي

(Salam Ibrahim)


الحوار المتمدن-العدد: 3502 - 2011 / 9 / 30 - 11:33
المحور: الادب والفن
    


الحياة لحظة: عندما يشبه الثوار جلاديهم: كل شيء جائز عدا خيانة الضمير
قلم: مصطفى عبادة

في روايته الجديدة "الحياة لحظة" التي صدرت حديثا عن الدار المصرية اللبنانية، يرصد سلام ابراهيم، رحلة المعاناة العراقية، والشتات والنفي والتشرد، والسجون والتعذيب التي طالت كل الفصائل العراقية، كما يقف بكل جرأة عند الأخطاء البشعة التي ارتكبها الثوار في الجبال، وعن شكهم في كل جديد عليهم أو متضامن معهم، شك وصل حد القتل والتنكيل لتصبح الحالة العراقية كلها جوا من الارهاب والنفي والاقصاء،
-- فحتي الثوار تورطوا في فخ تعذيب معارضيهم، وفي النهاية يضغط النظام الصدامي علي الجميع مؤيديه ومعارضيه، فيهرب الجميع إلي معسكرات اللجوء السياسي في إيران وتركيا، ثم موسكو والنرويج والدنمارك، وفي اللحظة التي يصل فيها العراقيون إلي خارج وطنهم وفي المطارات نفسها يكون هناك يهود قادمون إلي الشرق الأوسط ليستوطنوا في فلسطين في تواصل مع تيمة التهجير التي يعانيها العرب منذ خمسينيات القرن الماضي، وكأنما الأمر يتم وفق مخطط كوني لإخلاء المنطقة برمتها من سكانها تمهيدا لاحتلال واسع، تقف فلوله علي الأبواب.
يسقط بطل الرواية إبراهيم السلامي وهو في منفاه في موسكو في لحظة التنوير والإدراك، وهو يراجع تاريخه الشخص في النضال والثورة ولحظات التعذيب في الأقبية التي تمت علي يد شرطة صدام حسين، وهي اللحظة التي تسقطه في فخ العدمية وهو يتذكر زملاءه الثوار وأخطاءهم في تعذيب المختلفين معهم لتصل به العدمية إلي منتهاها هاتفا: "كل شيء عدا خيانة الضمير جائز" فيغرق في الشرب والجنس، ويرصد في لحظات سكره مصير الثورة والثورات كلها التي صيرتنا في نهاية المطاف إلي لاجئين حتي في أوطاننا، حين يهتف في غمار السرد مناجيا العراق: يا بقعتي الدامية. فيك كنت في العلا رغم القسوة.. وهو يعاني ويلات التشرد في المنافي حالما بلحظة راحة، حيث "الجنة فراش متعب"
وإذا كانت هذه التيمة المحور أو الأساس في الرواية التي تقع في 510 صفحات، فإنها تكتب عبر عديد من التميمات أو الأنهار الصغيرة التي تغذي بحرها الكبير، بحر القمع والبؤس الإنساني الذي يشمل أغلب سكان الكرة الأرضية، ففي جزء "المتشردة الروسية". يقف السرد طويلا أمام معاناة الروس أيام سقوط النظام السوفيتي القديم، حتي اضطرت بنات روسيا إلي بيع أنفسهن مقابل وجبة أو مكان للمبيت. الروس الذين كانوا يتبرعون لكل العالم، صاروا يقفون في الطوابير منذ الفجر للحصول علي زجاجة بيرة أو فودكا. يتعاركون حتي الموت، وانتشرت بينهم المافيا التي تقتحم المساكن للحصول علي الطعام.
يستطرد السرد في خيط انساني ليقف علي حقيقة وحدة البؤس العالمي وخصوصا في روسيا منشأ الشيوعية والاشتراكية في مفارقة تعمقها الرواية في كل صفحاتها، فكل الثورات فشلت، والنخب تهرأت وبحثت عن مصالحها الشخصية، انه النسيج الإنساني الذي يسري في نفوس البؤساء ويلم شتات الأحداث في رواية كبيرة ليلضمها في خيط وجودي عام، حيث "الحياة لحظة. فقاعة فصورها أو عشها قبل أن تنفجر" الجملة التي كان البطل يهتف بها في صمت الليل في مواجهة الفراغ، وفيها يخرج علي أو تدفعه إلي الاغراق في الجنس، حيث تبرز مرة أخري تيمة "القنص النسائي" فالراوي يتحول في لحظات إلي مجرد قناص يبحث عن امرأة لليل طويل، لنقف أمام تيمة أخري جميلة في "الحياة لحظة"هي تيمة الجنس التعويضي، الجنس الهروبي، ليتساوي السكر والجنس في لحظات الهروب من ضغط ذكريات فشل النضال وتفسخ الثوار، ورحلة طويلة من التشرد وتشتت المناضلين في كل منافي العالم.
لندخل إلي تيمة الاغتراب بشتي صوره، اغتراب العربي والروسي والأوكراني: أول مرة انتظر السفر غير قلق موعودا برؤية أمكنة وبشر مختلفين "قال لي عزيز في محاولة اقناعي بالسفر بصحبته: اسمع كلامي آخذك لجو راح تتذكره كل عمرك مثقفون عرب من تونس، المغرب، عرب 48 اسرائيليو الجنسية. دروز من الجولان، لبنانيون. أنواع وأشكال من شتي بقاع العرب. ومن مختلف المشارب والانتماءات. شيوعيون. يساريون. قوميون. يمنيون." كلهم متشردون اجتمعوا في بقعة روسيا، بعضهم يهرب بالدراسة، وبعضهم فر من القمع، وبعضهم كان ضحية الدوجما اليسارية التي صفصفت علي لا شيء، والبطل في كل ذلك يسقط في هوة اغتراب مميتة، مرة في حضن امرأة روسية أو أوكرانية أو يهودية في قطار، يشعر وهو في هوة الاغتراب بحرية زائفة "ها أنذا أجلس حرا. لا أحد يسأل عن هويتي. سائبا كندف الثلج التي أراها تهبط ببطء في مخروط الضوء الناري. حر، كالطبيعة كما هتف. "والت ويتمان" قبل قرن، أرنو إلي عمري العنيف باسما. ساخرا لسلامتي من ميتات أكيدة. كانت عربات قطار العراق تضمرها لي"
وفي قلب كل ذلك يبقي العراق حاضرا، والذكريات مطرقة من الجحيم يثيرها القطار وكأن رحلة العمر الضائع تشبه سير القطار لا تتوقف إلا في محطة اعتقال أو تعذيب، حيث "رفاق طفولة صاروا شرطة".
وفي الدنمارك التي كانت آخر محطات النفي يري الراوي أصدقاء الطفولة الذين كانوا يخدمون في الأمن العام ويعتقلون أصدقاءهم ويعذبونهم، وبعضهم أصبحوا شعراء، يتحدثون عن قمع صدام وكانوا هم أدواته، لكن وجود مضيفيهم يمنحهم ثقة غير مبررة فقد لجأوا إلي هناك تحت زعم مقاومة نظام صدام وهم من كان يعتقل ويعذب، وأول من باع الوطن والصداقة، في مفارقة أعجب يصنعها الغرب نفسه يستضيف المناضلين كما يستضيف جلاديهم. عشرات الشخصيات تذخر بها الرواية، وكأننا في وطن عربي آخر مصنوع في الغرب حمل معه كل مباذله وقمعه وتخوينه.
في اللحظة التي يقع فيها البطل بشكل شبه نهائي ويعالج في مصنع للإدمان، يسقط النظام الصدامي فتعاوده لحظة الإفاقة ويصر علي العودة إلي العراق: ها أنذا أحلق فوق الغيوم. حلم عاشر طفولتي. حينما كنت أسقط غفوة بظلال نخلة تطل علي شط الديوانية في ظهائر الصيف. ها أنذا أعوم في الفضاء. جالسا علي كرسي وثير احتسي البيرة واغازل المضيفة الشقراء. سأراك يا شاكر ميم.
لكنه لن يري شاكر ميم المصور صاحب شعار الحياة فقاعة فصورها قبل أن تنفجر، ولن يري غيره، ففي اللحظة التي تطأ فيها قدمه أرض العراق يصدم بجندي أمريكي. مثل واحد غريب تجده في غرفة نومك يصترف وكأنه أنت" فيهتف صارخا: لم أنا هنا يا إلهي؟" لكن لحظة لقاء الجندي الأمريكي أخف وطأة من قبضة خاطفيه، سيقع العائد في أسر مجموعة تجاهد في العراق تحت اسم الإسلام فتتعامل معه باعتباره من أعوان الاحتلال، وهو الذي عاش عمره يحلم بعراق حر، ناضل واغترب ونفي وتشرد في انتظار لحظة يعود فيها إلي أرض أمه، لكن أحد الخاطفين يهتف في وجهه: مرحبا بأعوان الاحتلال رافضي مشرك مرتد. أكسب بدمك ثواب". أهلا بكم في بلاد الإسلام. ويساق إلي الذبح أمام الكاميرات وصوت كصوت أنثي يرد. بك نستعين ونتوكل. وأكف تمسك بشعر رأسه وتسحب إلي الخلف بعنف حتي التصق بركبتي الواقف خلفه تشنج متصلبا رائيا وجه شاكر ميم الزنجي مستكينا يقترب منه لحظة سقوط الحد علي عنقه. اعتنقه مخففا من ألم الحز. تحرر من الوجع حاسا بجسده خفيفا. يطير خارج الفقاعة. خارج اللحظة. هكذا تعود الرواية في بنية أسلوبية دائرية إلي لحظة القمع الأولي. مرة باسم النظام وأخري باسم الإسلام، وثالثة باسم مصالح الشعب، ومرة تحت النضال ضد الغرب الكافر، ونحن نقتل أنفسنا، لتستفيد التقنية الروائية من بني ألف ليلة وليلة. هيكل روائي باذخ ترفده أنهر صغيرة تخرج منه وتعود إليه، كما تستفيد الرواية من تقنية السرد المستقيم كما في السيرة الذاتية وبعض اجزائها تعتمد علي الأحداث التسجيلية في لغة روائية لاهثة حتي أن الكاتب يذكر اسمه الحقيقي في السرد، ليسرد بضمير المتكلم ـ فلا نشعر لحظة بأي مسافة بيننا وبين ما يجري علي الورق أو بين ما يجري علي الورق وما يعانيه علي أرض الواقع. حيث الوهم رب السرد وطريقة القول، ورسم الحدث بالكلام سر حكاية هذه الحياة. وشد السامع هو المفتاح
إنها حقا روايته الشتات والإحباط العراقي، تشرده وضياعه، برع سلام إبراهيم في وصف لحظته ورؤيته وموقفه مما جري لبلده، وهو الذي عاني ويلات الحروب العراقية كلها، حيث التحق بصفوف الثوار في كردستان عام 1982، وفقدت وظائف رئتيه قدرتها علي العمل بشكل طبيعي بنسبة 60% نتيجه للقصف بالأسلحة الكيماوية علي مقار أحزاب المقاومة في زيوة، وفي حملة الأنفال نزح مع جموع الأكراد إلي تركيا ثم إيران ليمكث في معسكرات اللجوء بأقصي الشمال الإيراني، ليلجأ بعدها إلي الدنمارك التي يقيم بها إلي الآن وهو من مواليد عام 1954، وبدأ بكتابة القصة القصيرة في أوائل السبعينيات وصدر له: رؤيا اليقين (قصص) 1994 ـ رؤيا الغائب (رواية) 1996 ـ سرير الرمل (قصص) 2000 ـ الإرسي (رواية) 2008.



#سلام_إبراهيم (هاشتاغ)       Salam_Ibrahim#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- *قراءة في قصص سلام إبراهيم : حين تغدو الكتابة تصفية حساب مع ...
- نداء – الشاعر علي الشباني – سقط في مقهى وخرس وأنشل
- من رسائل الشاعر علي الشباني إلى الروائي سلام إبراهيم -3-
- من رسائل الشاعر المرحوم عزيز السماوي إلى الروائي سلام إبراهي ...
- من رسائل الشاعر المرحوم عزيز السماوي إلى الروائي سلام إبراهي ...
- من رسائل الشاعر كزار حنتوش إلى الروائي سلام إبراهيم -7-
- من رسائل الشاعر المرحوم گزار حنتوش إلى الروائي سلام إبراهيم ...
- من رسائل الشاعر المرحوم گزار حنتوش إلى الروائي سلام إبراهيم ...
- من رسائل الشاعر المرحوم گزار حنتوش إلى الروائي سلام إبراهيم ...
- من رسائل الشاعر المرحوم گزار حنتوش إلى الروائي سلام إبراهيم ...
- من رسائل الشاعر المرحوم گزار حنتوش إلى الروائي سلام إبراهيم ...
- من رسائل الشاعر المرحوم گزار حنتوش إلى الروائي سلام إبراهيم
- الطفولة والعائلة والصداقة في أشعار علي الشباني 4 - 4
- الطفولة ..العائلة الصداقة في أشعار – علي الشباني 3 - 4
- الطفولة العائلة الصداقة في أشعار علي الشباني 2 - 4
- الطفولة، العائلة، الصداقة في أشعار علي الشباني-1
- مكسور خاطر
- رسائل المرحوم الشاعر عزيز السماوي إلى الروائي سلام إبراهيم
- رسائل الشاعر – علي الشباني – إلى الروائي سلام إبراهيم2 أليست ...
- رسائل الشاعر علي الشباني إلى الروائي سلام إبراهيم


المزيد.....




- الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
- متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
- فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
- موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
- مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
- معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا ...
- نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلام إبراهيم - الحياة لحظة: عندما يشبه الثوار جلاديهم: كل شيء جائز عدا خيانة الضمير