|
رحلة إلى الجزيرة
رياض خليل
الحوار المتمدن-العدد: 3499 - 2011 / 9 / 27 - 19:51
المحور:
الادب والفن
منقول عن مقالة للدكتور زهير غزاوي رحلة إلى الجزيرة السورية: دير الزور والحسكة وتل أبيض والقامشلي مع الأصدقاء: الدكتور زهير غزاوي ، الدكتور محمود موعد ، الأستاذ أنور رجا ، الأديب حسن حميد ، والروائي نبيل سليمان ، وأنا رياض خليل ، للقيام بنشاطات أدبية في المراكز الثقافية هناك ، وكان في استقبالنا الدكتور خلف الجراد ،والاستاذ محمد الحسين مدير المركز الثقافي ، وثلة من الأدباء والكتاب والمثقفين ، وأمضينا هناك أربعة أيام جميلة جدا . عن هذه الرحلة كتب الدكتور زهير غزاوي ، ونشر ماكتبه في مجلة " إلى الأمام" التي يرأس تحريرها أنور رجا ، والمقال بعنوان : " الرحيل إلى الجزيرة" ، ونشر في العددين (2267 – 2277 ) بتاريخ 30/4/1995 ، الصفحة 72 ، حول مهرجان الجزيرة للقصة القصيرة بقلم الدكتور زهير غزاوي
لم تكن الصدفة المحضة وحدها هي ماجعل رحيلنا إلى الجزيرة يتم في آذار . كنا مجموعة من الادباء المتعددي المشارب وطرائق الكتابة شكلا ومضمونا . ربما نمثل فيما نكتب مجمل المذاهب الأدبية السائدة ، ولكننا اكتشفنا من خلال العشرة على الأقل أننا نشكل مجموعة متجانسة حقا . عبرنا البادية نحو دير الزور والحسكة مرورا بتدمر ، وشهدنا الصحراء موشحة بزهور الربيع ، الزهور التي ظل الزميل محمود موعد يشير إليها بدهشة ، حتى أصابه الملل ، حتى قبل دخولنا عاصمة الجزيرة . كان اثنان منا على الأقل يحملان في أعماقهما ذكرى شجية عن الجزيرة (أنا .. والزميل وهيب سراي الدين ) .لقد عملنا فيها في مجال الثقافة زمنا كان هو الأحلى من أيام شبابنا . وكنت أرقب أن يضمني الحضن الذي لم يفارق مخيلتي ، وأن أرى الناس الذين ألفتهم وأحببتهم واشتقت إلي كثيرين منهم ، ومع أنني مازلت أؤمن أن الجمال من البشر وليس من الأماكن ، فقد ترقبت ملامح الحسكة بشوق ، حتى أنني كدت أنسى الزمن الطويل الذي ولى ، رغم أنني هتفت مع نزار قباني ( مرحبا .. مرحبا .. أتعرف وجها ......حسرته الأيام والأنواء ) . ولحزني العميق كنت أشهد مع الفجر وأنا أجوس شوارع المدينة أن كل شيء يتغير ، ليس لأنه تغير فعلا ، لكن نظرتي أنا تغيرت . الأطفال الذين عرفتهم صاروا أطباء ومهندسين وصيادلة ومحامين ، قرأت أسماءهم هنا وهناك ، والخابور الجميل يمضي كسولا كما لم يكن في ربيع آخر . وأدركت أن الزمن يمضي قدما ، لقد لجمته السدود ، وحطمت كبرياءه ، أنكر وجهي وأنكرته ، 2 حتى مقصف بحود والنادي الزراعي كانا في إجازة طويلة ، وتحولا إلى هيكلين من الإسمنت الأخرس . هي قلوب الأصدقاء في المركز الثقافي ظلت وفية دافئة . كأنما غادرناهم دهرا . هو الشوق والرغبة في اللقاء ظلا شعار الأخوة منذ وصولنا وحتى غادرنا . الأخ الأديب أحمد الحسين مدير المركز الثقافي من أبرز الباحثين هناك ، ولعل أبرز مافيه ذلك ا لضمير اليقظ الذي يتحسس مشكلات محافظته ، وينبض قلبه بحبه العميق وتوقه لخدمتها . وبدا مع الباحث الدكتور خلف الجراد توأمان في مشاعرهما نحونا ونحو المدينة . سليمان العبدالله أحد أساسات المركز الثقافي بذات صفائه القديم ، حتى أنني شعرت أنه إذا اعتزل العمل بسبب السن فلابد أن أشياء كثيرة ستفقد طعمها . ثم الأعزاء : أبو صفوان ، محمود العبد الله ، فرحان البكر ، وبطل محو الأمية عبد الرحمن (أبو سعد ) الذي يمنحك شعورا متجددا بالبهجة والأمل ، ثم العزيزتان نادية وهالة التي تركت في أعماقي جرحا بسبب فجيعتها المبكرة بزوجها ، وأخيرا الصديق فوزي نيازي الذي خدم الفلكلور في المحافظة لوجه الله ، ثم اتجه للاعمال الحرة . كانت الأمسية الأولى بعيد وصولنا بقليل ، وشارك فيها كل من : أسامة ياغي ، أنور رجا ، محمود موعد ، نعمة خالد ، حسن حميد . قصة أسامة " حلم .. إنما " أسلوبه المتميز في مزج الحلم بالواقع _ الحبيبة بالأم ، في لغة شاعرية اعتبرها الزميل محمود موعد امتدادا لمدرسة زكريا تامر . أنور رجا قدم قصة :" اللهاث" هي المرأة في حالة انتظار غامض لزوج يمكن أن تفهم أنه في الأسر . أسميها تجربة استبطان الذكر لمشاعر الأنثى في حالة كهذه ، ولكنه ببراعة يربط العام بالخاص ، ليقدم كعادته قصة جميلة متميزة . حسن حميد قرأ في ( بائعة الصبارة ) وكما هو دائما بين الواقع والتجريب مقدما أبطاله من الناس البسطاء المسحوقين في حالة حب دائم ، ثم ليكتشفوا أخيرا أنهم يواجهون فجيعة درامية ، وأن أيديهم تقبض على الهواء ، هذه هي حالة حب مع بائعة الصبار ، اكتشف بطله أن باب بيتها هو مجرد باب لسياج بستان ينفتح على الأشجار والمجهول . محمود موعد في سرياليته الدائمة يقدم قصة جديدة باسم " التجربة " إنه بطله الدائم الذي هو ذاته في حالة قتل للآخر .. إلغاء للآخر بالقتل المتخيل دائما ، لكنه يقنعك أخيرا أنه فعلا يمارس تجربة القتل الفرويدي ، ثم يريد أن يتأكد من أن القتيل مازال قابعا في قبره ، وكانت لغة القصة جميلة فعلا . أخيرا جاءت قصة نعمة خالد الأنثى الوحيدة في هذه الرحلة التغريبية ، هي :" الانتظار" وكانت أجمل قصص الأمسية .. قصة الأنثى الحقيقية أما م فجيعة رحيل الرجل الذي لايعوض .. أذكر أنني شاهدتها صبيحة العيد تقف عند ضريح زوجها المناضل الراحل كعادتها كل عام 3 في الفجر تماما في مقبرة الشهداء . أعترف أنني وقد انفجرت باكيا لمشهدها ذاك ظلت في خاطري تعبر ظلال غامضة لشعور بأنها تهزمنا بصمودها العجيب على تخوم أمل غامض بعيد . في اليوم التالي من رحلتنا إلى عمق الشمال البعيد ، نحو مدينة المالكية ، وكنا أربعة : أسامة آغي ، أنور رجا ، رياض خليل وأنا . المالكية كعهدي بها دائما لم تتغير . مدير المركز الصديق الوفي يعقوب والأخ أبو زهير والأمسية التي حضرت على عجل ، وأتيح لي فيها أن ألقي قصتي التي عنوانها ( الزمن ) والتي يشابه مضمونها التراجيدي ذات الوضع الذي أنا عليه ، إنسان عجوز يعود إلى مدينة ذكرياته ليكتشف أن ماقد مضى قد مضى إلى غير رجعة ، وقد أهديتها إلى القاص الراحل ( علي خلقي ) . ألقى أسامة آغي قصته التي أشرت إليها سابقا ، ثم ألقى أنور رجا قصة بعنوان:" طيور العيد" ،وكانت سمة الحزن تطغى على القصص الثلاث ، فبطل القصة العجوز الذي اشترى لأحفاده ملا بس العيد سقط مضرجا بدمائه قبل أن يقدمها لهم في باحة المسجد الأقصى في القدس. (أما الصديق رياض خليل فقد قدم قصته :" الرجيمة " ، وهي مستوحاة من أجواء التراث القديم للمسيحية ،ومن كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر ، ولكنها جاءت بإسقاطات معاصرة وموفقة ) في العشية .. وأنا أتأمل غبش الطريق في ا لعودة إلى القامشلي فالحسكة في سيارة الصديق محمد العلي ( والذي يستحق أن أذكره بامتنان فقد تولى الإشراف على مركز القامشلي لمدة سنتين مجانا إضافة إلى عمله ، وأبدة نشاطا لاينسى ) . أثناء وجودنا في المالكية جرت في الحسكة ندوة أدبية للروائي الصديق نبيل سليمان ، تمت فيها مناقشة روايته الرباعبة (مدارات الشرق ) بمشاركة الزميلين : حسن حميد ومحمود موعد . وعندما وصلنا المدينة سهرنا حتى الصباح ، ولكن ليس لمتابعة مناقشة ا لرواية ، وإنما ناقشنا وبصخب قضية العصر كما يمكن أن تسمى ، وهي ( التطبيع ،وفصل أدونيس ) على وزن رواية عبد الرحمن منيف ( الأشجار واغتيال مرزون ) . وكم شعرت بأننا نحن المثقفين نكاد نحول المسألة برمتها إلى حالة من حالات الكوميديا السوداء . الأمسية القصصية الأخيرة تمت في ا لحسكة ، وشارك فيها محمد نديم ، باقي محمد ، رياض خليل ، وهيب سراي الدين ، وأنا . كانت أمسية وداعية ، وسمعت فيها الصديق القديم محمد نديم باقي يلقي قصته ( القانون ) ، لم أكن سمعته منذ عقدين ونصف من الزمن ، وإن كنت تابعت مجموعاته القصصية بإعجاب ، إنه هو الأخ الودود الهادئ المبتسم دائما ، والذي منحني الأمل في بداية حياتي العملية في الجزيرة ، هو الصديق الخالد للثقافة هنا ، ورئيس اتحاد الكتاب العرب فيها ، قصته البسيطة السهلة الممتنعة عن إنسان تبنى طفلا أصبح كابنه تماما 4 عندما تدخل القانون الصارم ليعيده لأبيه الشرعي الذي ظهر فجأة . عالم الناس البسطاء الذين يمدون أخي محمد بقصصه الجميلة حقا . وهيب سراي الدين في قصته (سيرة حب) قدم حالة جديدة لمقاتل يشعر بدنو أجله بعد صمت المعركة ، وجسده المثخن بالجراح ، وإجهاض زوجته العروس ، لقد فقد كل شيء فعلا ، ولكنه وهو يموت أصر على زوجته بأن تتابع حياتها ، وان تتزوج ، الفكرة الخالدة أن تتابع الحياة وتتغلب على الموت . الزميل محمد باقي محمد ، عضو اتحاد الكتاب العرب ،كنت اسمعه للمرة الأولى . لقد نسج قصته الواقعية " الانتقام" بطريقة شاعرية وحديثة على طريقة المشاهد والسيناريو . رجل يعود من الحرب ليدلف إلى المنزل نحو فراش زوجته ، ولكن أمه التي لم تعرف بعودته تقوم بقتله ظنا منها بأنه عشيق الزوجة ، إنها قصة تمثل قمة التراجيديا الانسانية .. كتبها القاص بأسلوب جميل فعلا . ( رياض خليل ألقى قصة جديدة عنوانها " الرجل الذي فقد وزنه" وهي كما نرى قصة رمزية مفاتيحها واضحة تماما ، وتعرض ذاتها بلغة شاعرية ، ولكني لست أدري لماذا شعرت وأنا أستمع إلى مسار الحدث للرجل الذي فقد وزنه تدريجيا بسبب سلوكه الحياتي الخاطئ ، أن الزميل رياض لم يكن موفقا فيها كما في قصته الأولى .) وألقيت أخيرا قصتي " الاغتيال" كان الراوي يندمج مع شخصية البطل الذي يمثل شخصية الانسان الفلسطيني التائه ،والذي اغتيل على شاطئ البحر في عطلته الصيفية ، ثم عاد أخيرا إلى فلسطين جسدا هامدا .. لقد كنت أمارس طقوس الوداع على مسرح المركز الثقافي العربي بالحسكة لصديق قديم ولى إلى غير رجعة . يجدر القول في الختام أن المهرجان الناجح للقصة القصيرة هذا نظمه اتحاد الكتاب العرب في سوريا بالتعاون مع المركز الثقافي العربي بالحسكة ، وبإشراك عدد من كتاب القصة في محافظتي دير الزور والحسكة ، أشرت إليهم معتذرا للزميل ابراهيم الرويلي رئيس فرع اتحاد الكتاب العرب في دير الزور ، لأنني لم أشر إلى قصته التي ألقاها في الأمسية الأولى من المهرجان في مكانها .
#رياض_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
البحر-:شعر
-
الملك: شعر
-
الكرنفال: شعر
-
سورة الألق: شعر
-
أيها العندليب: شعر
-
أضعتك لحظة مني
-
السؤال: شعر
-
الجريمة: شعر
-
مشاهد الجسد: المشهد الأول : شعر
-
مشاهد الجسد: شعر
-
طائر الكلمات:شعر
-
الرجل المسافر: قصة قصيرة
-
الصندوق : قصة قصيرة
-
خطبة على الهاتف : قصة قصيرة
-
خاتم السوليتير
-
المؤامرة: قصة قصيرة
-
المرآة: قصة قصيرة
-
حادثة أبي طاهر التي لاتصدق
-
الخناس: شعر
-
المسافة: قصة قصيرة
المزيد.....
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|