|
العلوي وفلسفة التاو الصينية : بين المطلق الصيني والآخر الإبراهيمي
علاء اللامي
الحوار المتمدن-العدد: 3499 - 2011 / 9 / 27 - 07:29
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
العلوي وفلسفة التاو الصينية : بين المطلق الصيني والآخر الإبراهيمي
لذكرى المفكر العراقي هادي العلوي في ذكرى رحيله الثالثة عشرة التي تصادف اليوم 27 أيلول 2011 علاء اللامي في الذكرى الثالثة عشرة لرحيل المفكر العراقي هادي العلوي نقدم هذه البسطة التحليلية في علاقته العميقة وقراءته للحكمة الصينية كما تذورنت في فلسفة التاو .. المعنى الأصلي للتاو في اللغة الصينية هو الصراط أو الطريق. ومنه استمد الفيلسوف التاوي المؤسس لاوتسه مفهومه للمطلق الكوني بقرينة الطريق المؤدي إلى الاندماج في الكون أو الطريق إلى السلوك القويم. يمكننا أنْ نفهم - ولو بشيء من التحفظ والحذر- أنَّ التاو الصيني هو المقابل للمطلق الكوني في الديانات الإبراهيمية الثلاث اليهمسلامية أي "الله"، مع أخذ الفارق النوعي بين المطلقين الكونيين بالاعتبار والتأمل. فالتاو ليس هو تماما خالق الموجودات كما هو مطلق الديانات الثلاث، البارئ، الخالق، المنشئ والموجِد ... إلخ، بل هو القوة السارية في الموجودات. إنَّ التاو الصيني يختلف عن الهيلوي الأرسطي الإغريقي. فالهيولي هو المادة مع أن الأدق هو القول إنَّ الهيولي هو أصل المادة الذي تصدر عنه الأشياء. وفي علوم الحياة "البايولوجيا" هو السايتوبلازم الذي يملأ كيان الخلية وأصل الكلمة في اليونانية الخشب وفي العربية نقرأ: هَيُولٌ هو هَبَاءٌ مُنْبَثٌّ وهو ما تراه في البيت من ضوء الشمس يدخل من الكوة . وهي أزلية في تصورها بحسب الفلاسفة المشائين. فالهيولي لا تنفك عن الصورة، وهي ليست قوة فاعلة بل منفعلة تتقبل الصورة، والفاعل فيها هي الصورة. أما التاو فهو القوة السارية في الموجودات، ويحققه التاويون كبديل عن فكرة الخلق وهو ما يفسر عندهم مصدر الحركة في الوجود ولكن من داخل الوجود. و للمطلق التاوي وشيجة تماثل أو تقارب مع لوغوس فيلون الفيلسوف اليهودي المعاصر ليسوع المسيح. واللوغوس هو العقل الأول أو القانون الكوني الكلي عند هيرقليطس. أما عند فيلون فهو روح إلهية كونية غير متشخصة – وبهذا تفترق عن الله المتشخص عند السماويين في الأديان الإبراهيمية – ويلاحظ العلوي أن التاو يمكن أنْ يشبه العقل الأول عند أفلوطين ، ويضيف ( لأن المؤسس – لا أستطيع الجزم إن كان العلوي يقصد لاوتسه أو تشوانغ تسه فكلاهما مؤسس إذا رصدناه من زاوية تاريخية معينة .ع ل - نصَّ على تسلسل (فيضي؟) يولد فيه التاو واحدا ، ومن الواحد يأتي اثنان، ومن الاثنين ثلاثة، ومن الثلاثة تأتي كل الأشياء/ مقدمة التاو ص17) إلى هنا والأمر واضح مضمونيا، ويمكن ان نفهم كيف ابتدأ تسلسل التاو، ولكنَّ ما يضيفه شيخي بعد المقتبس السالف، يشوش هذا الاستنتاج. فهو يقول ( لكنَّ التاوية تتحدث عن الصدور ، عن المبدأ دون أن تدخل في متاهات من نوع "الواحد لا يصدر إلا عن واحد". فكيف يستقيم الصدور بنفي الواحد يأتي من الواحد مع التسلسل الفيضي المولود من واحد ومنه تأتي اثنان .. الخ ؟ بصرف النظر عن هذا التفصيل غير الرئيس، على ما فيه من أهمية، وبالعودة إلى تأرخة التاو، نتعرف على ثلاث مراحل ملتبسة بعض الشيء من حيث التحقيب التأريخي للتاوية : - المرحلة الأولى : بدأت مع الفيلسوف "ياو تشو" ما بين القرنين الخامس والثالث ق م . - المرحلة الثانية ترجع إلى الوراء زمنيا أي إلى الفيلسوف لاوتسه مؤسس التاو الحقيقي، ولكنه عاش في القرن السادس ق م، أي قبل ياو تشو وهو معاصر لكونفشيوس. ونظرا للدور المهم والرئيس الذي قام به لاوتسه في التأسيس والتأصيل الفلسفي للتاو فإن أغلب المؤرخين يعتبرون مرحلته هي الأولى تأسيسيا، رغم تأخرها زمنيا. - المرحلة الثالثة هي مرحلة الفيلسوف تشوانغ تسه. وهو الداعي إلى إهمال التمييز والفروق بين الأشياء، والتمسك بالمساواة بينهما من أجل تجاوز العالم الكائن إلى عالم آخر تتروحن فيه النفس البشرية.. و للتاوية مراحل أو أطوار فرعية أخرى منها مرحلة "كوو شيانغ" وطور انقسام التاوية إلى فلسفة ودين بعد أن تم تحوير أصول لاوتسه الفلسفية لتكون طقوسا مشوبة بالعقائد والأساطير. لو قصرنا محاولتنا التحليلية على مقاربة المنحى المشاعي في التاوية كما رصده هادي العلوي - وسنفعل ذلك من خلال استقراء واستنطاق ما كتبه بلغة أكثر بساطة وأقل تركيبية - فسنلاحظ أنَّ الأمر لا يخلو من بعض الغموض، بل والصعوبة، ولكن ليس الاستحالة. فبغض النظر عن التحقيب السالف لمراحل التاوية وتفرعاتها، يمكننا الإقرار على ضوء شواهد كثيرة بأنَّ لاوتسه هو الفيلسوف الأول للتاوية وليس كونفشيوس الأكثر شهرة منه، مع أنَّ الأخير وجد قبل الأول بنصف قرن. والسبب هو أنَّ التأليف الفلسفي الناضج لم يبدأ إلا مع لاوتسه في الـ "تاوتي تشنغ". وقد استمد التاو أصوله الأولية من المرحلة التي يسميها المؤرخون " القبتاوية"، ثم يأتي دور كونفشيوس وكتابه "الأغاني" الذي يضم فلسفاته الأولى و تنظيراته الأخلاقية المستندة إلى تقاليد مجتمعه آنذاك. أما تنظيراته حول الدولة فهي من إبداعه الشخصي كما يؤكد العلوي. وهكذا، بدأت التاوية بمعالجات قضايا المجتمع السياسية والاقتصادية في عهد لاوتسه وكونفشيوس، ثم جاءت مرحلة التاويين الذين انشغلوا بقضايا الوجود والطبيعة "الفيزيقياء" كما في مدرسة "التاو شييه" والتي تسمى أحيانا بالكونفشيوسية الجديدة. عَبَّرَ كونفشيوس عن مرحلة تبلور الدولة، وهي دولة طبقية تحكم مجتمعا طبقيا. واختار أن ينضم هو شخصيا إليها للمشاركة في عملية التأسيس المدني في ميدان التعليم كما يعتقد العلوي وليس لأسباب انتهازية كما يمكن أن يقال ويُفهَم. أما لاوتسه فقد اتجه في نشاطه الفلسفي وغير الفلسفي إلى معارضة الدولة والحضارة معا، وقارب محاولة تأسيس فلسفة قريبة من الناس ومتأثرة بالوضع المشاعي في المجتمع الصيني السابق لمرحلة نضج المجتمع الطبقي. وفلسفة لاوتسه عميقة ومعقدة، تعتمد لغة الديالكتيك لدرجة يمكن اعتباره هو أبا الديالكتيك وليس هيغل الألماني أو هيراقليطس اليوناني الذي يعتبر السلف الأقدم لهيغل. تبدأ التعقيدات والغموض مع التاو عند لاوتسه الذي هو الأقرب لمراد هادي العلوي المشاعي حين ننطلق من أن فلسفة لاوتسه تصرح بعدائها للدولة والمدينة والحضارة ولكن ليس لأسباب عدمية كما هي الحال في بعض الفلسفات الوجودية الغربية الحديثة، بل ضمن عدائها لما هو "غير بسيط". فما المقصود بالبسيط وغير البسيط والمركب و كيف فكَّ العلوي التناقض القائم ما بين عداء لاوتسه صريح للمَدَنية والحضارة يقربه من العدمية و صداقة لدرجة التبني للمشاعية والحرية و كيف جعل التاو رمزا للحكمة الصينية الواجبة إدراجها أو إدماجها في محاولته التنظيرية التركيبية؟ إن البسيط محموله "البساطة" في التاو.و هي بساطة الجوهر المحرك للأشياء والساري فيها ولكن ليس هو خالقها. يلاحظ العلوي أنَّ الفيلسوف المسلم الملا صدرا الشيرازي الذي كان قد دَرَسَهُ في بداياته البحثية في بغداد السبعينات، وأَلَّفَ عنه كتابه الأبكر "نظرية الشيرازي في الحركة الجوهرية" أقرب في فلسفته لبسيط التاو. فالبسيط عند الملا صدرا هو أصل الأشياء. كما أن الأمر ذاته تؤيده الفيزياء الحديثة من حيث الشكل والتقنيات الدالة - في الجزء الذي لا يتجزأ – على جهة التخصيص. لكن ما الفرق بين تاو الطبيعة وتاو المجتمع؟ بساطة التاو في الطبيعة نجدها في بساطة العالم المادي الصرف " الفيزيقي"، وبساطة تاو المجتمع تستمد مادها وتستند إلى الإنسان . إنها تجعل الإنسان مادتها وتعتبر بساطة الإنسان في حالة اللافعل.
#علاء_اللامي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عزّت الدوري يعزّي البرزاني فيثير غضب البعثيّين
-
هل أحبط المالكي انفصالا عشائريا في الأنبار؟
-
مجزرة «النخيب» العراقيّة: طائفيّة وعشائريّة وغياب للمركز
-
-تطوير- غاز البصرة : صفقة مشبوهة مع -شِل- وكارثة يتحمل مسؤول
...
-
أتهم جلال طالباني وآخرين باغتيال هادي المهدي!
-
خرافة -جاموس الحجاج- وحقائق التراث الرافديني
-
كيف قرأ الراحل هادي العلوي التصوف الإسلامي -القطباني- وتجربة
...
-
عقود المشاركة في إنتاج النفط العراقي: سرقات وفق القانون/ج3
-
مشروع قانون النفط -المالكي- في مواجهة المشروع - الكردوعلاوي-
...
-
نفط العراق المحتلّ: قصّة سرقة أقرب إلى الخيال
-
التضامن النقدي مع -الربيع العربي-: قراءة في مثال نظري وعملي
...
-
رمضانيات عراقية: أزمة دينية أم سياسية؟
-
الحضور المندائي في اللهجة العراقية و العربية الفصحى
-
نماذج طريفة من الكلمات الأكدية والآرامية في اللهجة العراقية
-
قراءة جديدة في-محاكمة- كافكا: تشريح شعري ساخر لعبث الوجود
-
العراق: الصراع الطائفي بلغ المراقد المقدسة!
-
المزيد من الكلمات الآرامية والأكدية في اللهجة العراقية /ج3
-
كلمات أكدية وآرامية أخرى في اللهجة العراقية
-
إيران في العراق: من التدخل إلى الهيمنة إلى الافتراس
-
الحضور الأكدي والآرامي في اللهجة العراقية المعاصرة
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|