|
غياث مطر من دارَيَّا...
ياسين الحاج صالح
الحوار المتمدن-العدد: 3497 - 2011 / 9 / 25 - 17:30
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
بات اسم غياث مطر (26 عاما) معروفا في سورية ولدى عموم المهتمين بالشأن السوري. اعتقل الشاب ذي الستة وعشرين عاما في كمين نصب ليحيى شربجي (32 عاما)، الناشط المعارض ومعتقل الرأي السابق، وأحد قادة الاحتجاجات الشعبية في بلدته داريا. كان شقيق يحيى أجبر على الاتصال بأخيه المتواري ليبلّغه أنه مصاب. غياث ذهب مع يحيى للمساعدة. بعد اعتقالهما بقليل، يوم 6/9، اتصل ضابط من جهاز الأمن الجوي بأهل غياث ليعبر عن اغتباطه باعتقال ابنهم، ويتلذذ بإبلاغهم ما يعتزمون فعله به. وبعد 3 أيام سلم غياث لأهله جثة هامدة. كان هناك شق جراحي طولاني في بطنه، وآثار تعذيب. أما يحيى فلا يُعرف عنه شيء مؤكد. مساء اليوم الثالث من العزاء حضر سفراء عدد من الدول المهمة: الولايات المتحدة وفرنسا وإنكلترا وهولندا وألمانيا والدانمرك واليابان. لكن لم يكد السفراء يديرون ظهورهم حتى كان المخابرات والشبيحة يهاجمون خيمة العزاء، ويضربون المعزين ويفرقونهم. وفي قسم النساء، كانت زوجته ذات الثمانية عشر عاما والحامل في الشهر السابع تستقبل المعزيات، وهي ترتدي فستانا أبيض مُورّدا. تصرفت كعروس. في الأيام التالية وجد أهل غياث كتابات على جدار منزلهم، تُسقِّط آل مطر لاستقبالهم السفير الأميركي. لم يكن الشاب المتزوج حديثا معارضا أو ناشطا سياسيا قبل الثورة. لكن مثل كثيرين، أكثر المشاركين في الثورة، وجد نفسه ثوريا وأحد أبرز منظمي الاحتجاجات في دارَيّا. كانت دارَيَّا، البلدة الواقعة جنوب غرب دمشق، إحدى بؤر الاحتجاج الباكرة. ولقد تفاوت حجم مظاهراتها، ليبلغ يوم "الجمعة العظمية" في نيسان 15000 متظاهر. في هذا اليوم سقط 3 شهداء، وسيشارك في تشييعهم في اليوم التالي 40 ألفا من السكان. ولبعض الوقت، غاب عناصر الأمن عن البلدة فعمت فيها المظاهرات و...الأمن. دام هذا أسابيع قليلة، بعدها وضعت داريا تحت الاحتلال الأمني، وخضعت لاستنزاف بشري مستمر في صورة اعتقالات يومية. هناك 300 معتقل معروفون بالاسم، ويحتمل أن إجمالي معتقلي داريا يصل إلى الألف (الشهداء 12 حتى اليوم). في مواجهة هذا الاحتلال المباشر لجأ الشباب إلى المظاهرات الطيارة، يتجمعون في مكان متفق عليه، ويطلقون هتافاتهم، ويتفرقون بسرعة قبل أن تدهمهم قوات الاحتلال الأمني. يعمل سكان داريا في زارعة الأشجار المثمرة، العنب بخاصة، وفي صناعة المفروشات. غياث مطر كان يعمل في التنجيد. وهم مسلمون (سنيون) في أكثريتهم، لكن بين سكان البلدة مسيحيين أيضا. والمسلمون بين الأهالي أقرب إلى التدين المحافظ المعتدل، من الصنف الذي يميز الطبقة الوسطى الشامية. من المحتمل أن نصف سكان داريا "شوام" أصلا. ومتوسط مستوى المعيشة فيها أعلى مما في المعضمية المجاورة ومن دوما. ويتجه تدين السكان فيها إلى انفتاح أكبر. وهي في ذلك تختلف عن بلدات أخرى حول دمشق مثل المعضمية ودوما وحرستا...، كانت بدورها بؤر احتجاج نشطة جدا. هذه البلدات الأخيرة أكثر ريفية. أما مسيحيو داريا فشاركوا في نصب خيم العزاء، وكانت الكنائس تقرع الأجراس عند مرور مواكب الشهداء، وأعلنت الحداد يوم عيد الفصح الماضي. على أن لداريا ميزة عن غيرها من بؤر الاحتجاج الناشطة في البلد. ففي حين أن الاحتجاجات الشعبية سلمية في الأصل في كل مكان، فإنها في داريا بالذات لا عنفية مذهبيا. فأبرز ناشطي المدينة هم من تلاميذ الشيخ جودت سعيد والمتأثرين به. والرجل صاحب مدرسة تأويل لا عنفي للإسلام، وشخصية محترمة في سورية، ومواقفه السياسية معارضة للنظام. وكان 11 شابا في النصف الأول من عشرينات أعمارهم اعتقلوا عام 2003 ونالوا أحكاما بالسجن بين 3 و4 سنوات من محكمة ميدانية. وكان عدد أكبر، بينهم فتيات، تعرضوا للتحقيق في القضية نفسها. والمشترك بينهم مستواهم التعليمي الجيد، طلاب جامعيون أو متخرجون من الجامعة. كان الشباب قد أسسوا مكتبة لإعارة الكتب مجانا تشجيعا للسكان على القراءة، وشرعوا بتنظيف الشوارع بأنفسهم، ودعوا الموظفين من سكان داريا إلى عدم الارتشاء أو دفع الرشوة (حصل ما يقارب ذلك في قدسيا، في مطلع القرن، قام به أطباء، لكنه أخمد في مهده). أما تهمتهم فتشبه النظام السوري كثيرا: تشكيل جمعية سرية تهدف إلى تغيير كيان الدولة الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. لا حاجة إلى القول إنه ما من كلمة واحدة صحيحة في هذه التهمة. فلا جمعية ولا سرية، ولا تغيير كيان الدولة. لا دولة أصلا. شاركت نساء في بعض مظاهرات داريا، وخرجن وحدهن في بعضها. وربما يعود قسط من الفضل في ذلك إلى الشيخ عبد الأكرم السقا (67 عاما)، المعتقل منذ نحو شهرين. بسبب اجتهاداته الدينية ورعايته تجمعات الشباب والبنات في المسجد الذي كان يخطب الجمعة فيه، تعرض السقا للمحاربة من وزارة الأوقاف والمخابرات، ومن مشايخهما، وهم أكثر تشددا دينيا، كما يتعين أن نتوقع. وبعد تفجر الثورة وقف إلى جانبها علانية. غياث، الذي كان يصلي ويصوم و... يكره المشايخ، لم يكن من تلاميذ الشيخ جودت سعيد (ولا الشيخ عبد الأكرم السقا)، لكن كان هو صاحب فكرة حمل قناني مياه وورود يقدمها المتظاهرون إلى الجنود. ليست الفكرة نادرة بالمناسبة. كان أهالي حماة اشتروا ورودا بخمسين ألف ليرة على الأقل لتقديمها للجنود والمخابرات في مظاهراتهم الباكرة. ولقد اعتبرت في المكانين عدوانا لا يطاق على النظام. فعبر محاولة إقامة تواصل إنساني سوي بين من يفترض النظام أنهم أدواته الخاصة وبين عموم السكان، يفسد المتظاهرون على النظام أثبت ثوابت حكمه: أن لا تمر تفاعلاتهم إلا عبره، وأن لا تجري أية تفاعلات مستقلة بينهم، بخاصة أن كان أحد طرفيها هو الجيش. غياث ابن الثورة، يقول أصدقاءه. قبلها كان شابا عاديا، مهتما بعمله. الثورة أعطته حلما وقضية. كان يتظاهر ويشارك في تنظيم المظاهرات، وظل يشارك مباشرة حتى بعد أن صار مطلوبا ودوهم منزله ومنازل أقاربه مرات بحثا عنه. لكن صار يعمل أكثر على تنظيم المظاهرات وتأمين مستلزماتها من لافتات ومنشورات وكتابة شعارات على الجدران، وتأمين مكبرات الصوت من أجل إذاعة الهتافات والخطب التي تلقى في المتظاهرين. ابن الثورة قتله النظام. لكن حلمه يتخلق ويكبر. بعد شهرين تلد امرأة في الثامنة عشر طفلة. ابنتها وابنة غياث مطر الذي من داريا.
#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الثورة السورية وخطر -الوضع الطبيعي-
-
من -تحالف الأقليات- إلى أين؟ -استبداد الأكثرية- أم سياسة الم
...
-
أية نهاية لنظام الحرب الأهلية؟
-
حوار: سورية بعد ليبيا
-
قبول تحدي التغيير دون بديل ناجز
-
حوار متجدد في الشأن السوري
-
في شأن النظام السوري وشركائه الإيديولوجيين
-
في أم معاركه، النظام يخوض حروبه السابقة
-
المعضلة السورية ومآلاتها المحتملة
-
إنقاذ النظام من نفسه أم إنقاذ سورية منه؟
-
-العامية- السورية: انتفاضة مجتمع العمل!
-
الجهلُ مكتفيا بذاته: ردا على أسعد أبو خليل
-
في ذاكرة الانتفاضة السورية وإدراكها السياسي
-
حوار حول الثورات العربية
-
في أصول حرب -النظام- ضد الانتفاضة
-
الطائفية ضد الانتفاضة، الانتفاضة ضد الطائفية!
-
قليل من الأمانة: رد على إبراهيم الأمين
-
ثأر -ربيع دمشق-!
-
النظام في أزمة، وهو من عليه أن يتراجع
-
النظام يتصرف كشبيح، والثورة لن تخمد أو تتراجع
المزيد.....
-
أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن
...
-
-سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا
...
-
-الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل
...
-
صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
-
هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ
...
-
بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
-
مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ
...
-
الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم
...
-
البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
-
قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|