|
الانتخابات في موعدها انتصار للديمقراطية؟
عبدالخالق حسين
الحوار المتمدن-العدد: 1040 - 2004 / 12 / 7 - 05:54
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من حقنا كعراقيين أن نختلف، فالاختلاف بالرأي من ألفباء الديمقراطية التي نحلم بها لعراقنا الجديد بعد تاريخ طويل من حكم الحزب الواحد والرأي الواحد والاستبداد والآيديولوجيات الشمولية والظلم والقهر والاستلاب. ولكن احترام الرأي الآخر لا يعني الموافقة عليه بدون قناعة أو حتى عدم مناقشته. لذلك أن نصف من يختلف معنا في الرأي أنه من أعداء الديمقراطية ونضعه في مصاف الإرهابيين، فهذا هو الإرهاب الفكري بعينه. في الحقيقة لم أصدق عيني وأنا أقرأ مقالة بعنوان (عراقنا) في (الشرق الأوسط) في عددها الصادر يوم 1 كانون الأول(ديسمبر) الجاري أن صاحبها هو السيد عدنان حسين الذي عرفناه مؤمناً بالديمقراطية، أن يضع كل من يختلف معه في خانة الإرهابيين.
نعم، من حق عدنان حسين، أن يكون له رأي مختلف فيما يخص تأجيل الانتخابات العراقية عن موعدها المقرر أو أي أمر آخر. ولكن المفترض به وهو الصحفي المحترف، أن يتناول الموضوع بهدوء وروية وبأسلوب مقنع، لا بالانفعال والتشنج وتوزيع الاتهامات الظالمة على من يختلف معهم. يبدأ الكاتب مقالته بمقدمة جيدة فيمتدح موقف الحكومة العراقية الانتقالية في «...الإعلان عن وجود معارضين لها وعن اظهار الاحترام لهم بالالتقاء بهم على ارفع مستوى والذهاب اليهم اينما كانوا والتفاوض معهم وترغيبهم بالدخول في العملية السياسية حتى من موقع المعارضة». ولكن بعد هذه المقدمة الجميلة يفاجئنا الكاتب بهجومه الظالم على الذين يريدون إجراء الانتخابات في موعدها المقرر فيصفهم بأنهم أعداء الديمقراطية، إذ يقول: أن « الحملة التي شنّت على الداعين الى التأجيل كانت مقرفة ومثيرة للغثيان .. انحدرت بالعمل السياسي الى اوطأ مستوى وادنى درجة». وليت الأمر توقف عند هذا الحد، بل ذهب الكاتب إلى أبعد من ذلك فوضعهم في مصاف الإرهابيين، حيث أضاف قائلاً: « هؤلاء لا يفرقون بشيء عن الجماعات الارهابية من فلول نظام صدام وأنصار «القاعدة» وعناصر عصابات الجريمة المنظمة الذين عارضوا إجراء الانتخابات وهددوا بمنعها وتخريبها.. هؤلاء يريدون بالقوة فرض موقفها واولئك بالقوة ايضا يريدون إملاء موقفهم...». ونحن إذ نسأل الكاتب، هل حقاً هذا هو السجال الديمقراطي الصحيح؟ أليس هذا الأسلوب هو الموروث الذي يستخدمه فلول نظام صدام حسين وحلفائهم. فهؤلاء يستخدمون تهمة التخوين والتكفير ضد خصومهم وهذا يصف من يختلف معه بالإرهاب. والسؤال هو: أين هي الحملة التي شنت ضد دعاة التأجيل؟ إذ كل ما جرى هو نقاش ديمقراطي في وسائل الإعلام بين الفريقين، ليس غير.
أولاً، كنت أتمنى على الكاتب أن يتناول الموضوع بهدوء وموضوعية وبحجج مقنعة لإقناع القارئ لا بلغة التسقيط التي تصف الجماعات التي يختلف معها أنها «... انحدرت بالعمل السياسي الى اوطأ مستوى وادنى درجة». ثانياً، إن دعاة عدم التأجيل لا يمتلكون وسائل القوة، والحمد لله، ليفرضوا آراءهم بها على الآخرين كما يعمل الإرهابيون البعثيون وحلفائهم، لذلك فوضعهم في خانة واحدة «مع فلول نظام صدام وانصار «القاعدة» وعناصر عصابات الجريمة المنظمة فلول الإرهابيين» أمر غريب وغير مستساغ وعسير على الفهم. ثالثا، الأغلبية الساحقة من القوى السياسية الديمقراطية مثل الحزبين الكرديين الكبيرين والحزب الشيوعي وعشرات التنظيمات الأخرى ومئات الشخصيات الوطنية وكافة القوى السياسية الدينية الشيعية وعلى رأسها آية الله السيستاني، وجمع غفير من المثقفين العراقيين، وعدد غير قليل من خيرة المثقفين العرب وغير العرب من أصدقاء شعبنا، أمثال أمير طاهري وشاكر النابلسي واحسان الطرابلسي وغيرهم كثيرون، وحتى الحكومة الإنتقالية والرئيس الياور والمجلس الوطني أعلنوا دعمهم وتأييدهم لإجراء الانتخابات في موعدها المقرر. فهل كل هؤلاء هم أعداء الديمقراطية ولا «يختلفون بشيء عن عصابات الجريمة المنظمة فلول الإرهابيين»؟
لقد تناول عدد كبير من الكتاب العراقيين وأنا واحد منهم، موضوع تأجيل الانتخابات بمنتهى الهدوء والحجة المقنعة وتوصلوا إلى نتيجة مفادها عدم شرعية تأجيل الانتخابات، بل ولها أضراراً بالغة على مستقبل العراق. أوجز ذلك بما يلي : 1- يتعارض التأجيل مع المادة الثانية من (قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية)، التي تقضي بإجراء الانتخابات قبل 31 كانون الثاني 2005. وفي حالة التأجيل سيفقد هذا القانون قيمته ويصبح سابقة خطيرة للاستهانة بقوانين الدولة مستقبلاً في العراق الجديد الذي نأمل منه أن يكون دولة تحترم فيها القوانين، ولا تكون القوانين فيها مجرد حبر على ورق، كما كان في عهد صدام حسين. 2- يتعارض التأجيل مع قرارات المؤتمرات الدولية مثل مؤتمر شرم الشيخ ومؤتمر طهران الأخيرين اللذين رحبا بإجراء الانتخابات في موعدها المحدد وطالبا العالم بتقديم الدعم للحكومة العراقية لتنفيذ هذه الخطوة الضرورية لتحقيق الأمن والاستقرار في العراق وإرساء الديمقراطية وحكم القانون فيه. 3- يتعارض التأجيل مع قرار مجلس الأمن الدولي 1546 في بنده الثالث فقرة (ج) الذي ينص بإجراء الانتخابات (.. في موعد لا يتجاوز بأي حال من الأحوال 31 كانون الثاني (يناير) 2005). 4- تأجيل الانتخابات لن يساعد على استتباب الأمن بل يفاقم الوضع الأمني. فكما أكد ذلك الرئيس غازي الياور في تصريح له أن تأجيل الانتخابات سيزيد من العمليات المسلحة. ويا للمفارقة، فحتى السيد عدنان الباجه الذي يقود حملةالتأجيل الآن قال قبل ستة أسابيع أن التأجيل يبعث برسالة سيئة للشعب.
وبناءً على ما تقدم، فإن الجهة التي لها الصلاحية بتأجيل الانتخابات هي البرلمان العراقي المنتخب في 30/1/2005 فقط والجهة المستفيدة من تأجيلها هي تلك القوى المتضررة من الديمقراطية ولا تريدها للعراق وبمختلف المعاذير. كما وإن الجماعات الداعية للتأجيل هي الأقلية جداً من مجموع القوى السياسية. أما الجماعات الإرهابية (البعثيون والزرقاويون) فهم ضد الانتخابات إلى الأبد وفي جميع الأحوال ولا يرضون بأقل من عودة نظام صدام حسين إلى الحكم بالقوة الغاشمة وترويع الشعب. علماً بأن الوضع الأمني الآن أفضل بكثير مما كان عليه سابقاً. فهاهي الفلوجة وغيرها من المدن التي كانت تحت سيطرة الإرهابيين قد تحررت من الجناة، وكل يوم يتم إلقاء القبض على المئات من الإرهابيين الدخلاء وأغلبهم بدأوا يفرون إلى الدول التي جاءوا منها... كذلك يجب أن لا ننسى أن أمامنا ثمانية أسابيع وكما يقول الإنكليز : a week is long time in politics وعليه فهناك الكثير من الدلائل تشير إلى تحسن الوضع الأمني، وإجراء الانتخابات في موعدها المقرر هو الضمانة الأكيدة لولادة العراق الديمقراطي بكل معنى الكلمة وتأجيلها رسالة سيئة للشعب.
#عبدالخالق_حسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
متى ينال المجرمون جزاءهم؟
-
محنة سنة العراق
-
تأجيل الانتخابات العراقية انتصار لصدام والزرقاوي
-
في العراق.. الطائفية أقوى من الوطنية
-
الشرطة العراقية والموت المجاني؟
-
حذار من تكرار خدعة بن العاص في الفلوجة
-
ماذا يعني فوز بوش للولاية الثانية؟
-
لماذا نداء المجتمع المدني ضد التدخل الفرنسي في الشأن العراقي
...
-
المثقفون الأحرار في مواجهة فقهاء الإرهاب
-
متى تتوقف المجازر في العراق؟
-
دور الأردن في تخريب العراق
-
حول(عقلية التدمير) والدقة العلمية..!!
-
هل مازال صدام يحكم العراق؟
-
ازدواجية الموقف العربي من الإرهاب
-
الأمن في العراق ضحية الطوباوية والمزايدات السياسية
-
تعقيباً على ردود العرب وعقلية التدمير
-
العرب وعقلية التدمير
-
حجب الفكر عن الشعب دليل على الإفلاس الفكري
-
لماذا التحالف ضد الانتخابات في العراق؟
-
يفتون بالإرهاب ويتبرّأون من عواقبه!
المزيد.....
-
-نيويورك تايمز-: المهاجرون في الولايات المتحدة يستعدون للترح
...
-
الإمارات تعتقل ثلاثة أشخاص بشبهة مقتل حاخام إسرائيلي في ظروف
...
-
حزب الله يمطر إسرائيل بالصواريخ والضاحية الجنوبية تتعرض لقصف
...
-
محادثات -نووية- جديدة.. إيران تسابق الزمن بتكتيك -خطير-
-
لماذا كثفت إسرائيل وحزب الله الهجمات المتبادلة؟
-
خبراء عسكريون يدرسون حطام صاروخ -أوريشنيك- في أوكرانيا
-
النيجر تطالب الاتحاد الأوروبي بسحب سفيره الحالي وتغييره في أ
...
-
أكبر عدد في يوم واحد.. -حزب الله- ينشر -الحصاد اليومي- لعملي
...
-
-هروب مستوطنين وآثار دمار واندلاع حرائق-.. -حزب الله- يعرض م
...
-
عالم سياسة نرويجي: الدعاية الغربية المعادية لروسيا قد تقود ا
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|