جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3493 - 2011 / 9 / 21 - 15:51
المحور:
كتابات ساخرة
لي صديق مخلصٌ جدا ومحترم جدا وبه أكثر من 99 خُصلة رائعة ولكن عنده مشكلة واحدة أو عيباً واحداً أو خصلة واحدة سيئة جدا وهي أنني حين أحتاجه لا أجده أمامي , وتمر الأيام والأسابيع دون أن أراه حتى أنه يرفض الرد على اتصالي حين أطلبه على الجوال وفجأة ومن دون سابق إنذار يظهر في وجهي مثل العفريت أو العفريته (كهرمانه) فيلازمني كأنه خيالي ليلا ونهارا ..ويظهر أن هذا النمط المعكوس من الحياة تعيشه أغلب الناس فكل شيء يمشي بالمعكوس حتى الله ينسانا حين نكون بأمس وبأشد الحاجة إليه كما هو أنا اليوم بحاجته فعلا, فكم طلبت منه أن يروي لي ظمئي حين كنت وما زلت في بعض الأحيان أموت من شدة العطش !!!...ويمطر علينا أحيانا من غير أن نسأله ومن غير أن نطلب منه الغيث, أوالمطر, أو النجدة والفزعة والحمية, وحين نقول كما يقول المثل (هبين الريح وين راحوا)؟ لا نجد أحدا منهم, وأكثر الناس الذين لا نحتاج إليهم يظهرون أمامنا ولا يفارقوننا لا ليلا ولا نهارا و حين نقع في أزمة أو حين نحتاجهم لأي سبب لا يظهرون لنا كما كانوا سابقاً في كل ساعة وفي كل دقيقة وفي كل لحظة وحين نحتاج فعلا إليهم لا نجدهم لا أمامنا ولا وراءنا ولا إلى جانبنا ولا حتى في الشارع أو السوق ولا على وسائل الاتصال والتواصل الإلكترونيه مثل الياهو والفيس بوك والتويتر ولا حتى على الهوت ميل,وهذا معناه أن البيئة التي نعيش فيها معكوسة ومخالفة لتطلعاتنا , هذا يعني أن الدنيا لا تمشي كما نريد حتى أن الله يخالفنا في كل شيء وحين نسأل أحد العارفين بالدين يقولون لنا إن ألله حين يغضب على عباده يجعل صيفهم شتاء وشتائهم صيفا ما هذه الحياة المقلوبة رأسا على عقب؟ إنها أولا معكوسة وثانيا مقلوبة وثالثة مخالفة لنا في كل شيء حتى ساعة المنبه المعلقة على الحائط تعمل بعكس ما نريده منها فتوقظنا في الوقت الذي نحن بحاجة به للنوم وللراحة وتسكت عن التنبيه و الطنين والرنين في الوقت الذي نحتاج به لسماع نباحها أو زقزقتها حين تزقزق مثل العصفور لنا لكي نفيق من الحلم الطويل ومن النعاس الشديد...و كل شيء في هذه الدنيا معكوس ومشاكس لنا أو كما يقول الناسُ العوام(كل شي فيها إفكح أو إفجح)...ويسكننا الخوف في الوقت الذي نحتاج فيه إلى الشعور بأننا وصلنا إلى بر الأمان ويبددنا الظلام ويقتلنا الجوع بعكس ما نتمنى فنحن نتمنى أن يقتلنا الشبع الزائد... وأيهما أفضل أن نموت من شدة العطش وقلة المياه أم أن نموت من الغرق في الماء حين يكون الماء أمامنا بحرا من دموعنا نغرق به حتى تمتلئ رئتينا؟ كلاهما مرٌ وأحلاهما مرُ,ويحرقنا الشوق في الوقت الذي لا يحترق به غيرنا من الشوق وأحيانا يقتلنا الحزن واللوعة والفراق في الوقت الذي يموت ويُقتلُ فيها غيرنا من كثرة اللقاءات ومن تزايد عدد ساعات وأيام الوصل ,وكل شيء يمشي بالمقلوب ولا يوجد أي شيء في حياتنا من الممكن أن نطلق عليه كلمة منطقي أو عقلاني فكل حياتنا عبارة عن نفاق اجتماعي وصدف متلاحقة ومتتابعة تباعا في كل شيء وغير منطقية...إن أرواحنا رخيصة جدا وإن قلوبنا رخيصة جدا ونهون على أهلنا ويرضيهم أن يروننا نتألم معتقدين أنهم يريدون سعادتنا غير أنهم يقمعوننا قمعا أبديا بشتى الوسائل وبمختلف الطرق.. إن حياتنا رخيصة جدا وتافهة جدا لا تحترم نبواتنا المستقبلية عن الحب فكل العارفين بالسحر وبالتنجيم قالوا لي بأن امرأة جميلة ستظهر في حياتك وستحبها وستحبك حبا أبديا وتنبأ لي عراف آخر قائلا بأنني سأعيش معها أياما سعيدة وسنين عديدة وتنبئة لي قارئة الفنجان بأن نجمة جديدة ظهرت في السماء كمؤشر على ظهور امرأة تنسيك الدنيا وما فيها من أحزان , وها أنا أنتظر علما أن كل شيء يحدث في المقلوب والمعكوس والشقلوب و(آخ يا زمان الشقلبه ويش سويت؟) ولا يمكن أن نجد امرأة تحترم مشاعرنا وقلّما نجدُ إنسانا يحترم مشاعرنا ويولينا اهتمامه بنا ولو لساعة من الزمن أو مرة واحدة في العمر, نحن نعيش في بيئة كل شيء فيها مقلوب ومعكوس فعندما يصبح لون الإشارة الضوئية أخضر نتوقف وعند الأحمر ننطلق وهي ليست مثالية في كل شيء ونكاد أن نحسد بعض الحيوانات مثل الكلب على صحته وعافيته وتشرده هنا وهناك ...وأرواحنا أرخص مما نتوقع حين ندرك أننا نعيش في وطن عربي لا يحترم لا الإنسان ولا حتى الحيوانات وتكاد قيمتنا أن تصل إلى مستوى قيمة الكلاب بل وأدنى من الكلاب في التعامل معنا وحين نكتشف أيضاً بأن من نحبهم يكرهوننا دونما سبب أو دونما أذية... ومن نحافظ على حياتهم ونفديهم بأرواحنا يريدون قتلنا ومن ندافع عنهم يريدون حبسنا ومن لم نخنهم يخونونا في عز الليل الساتر وفي وضح النهار مع حثالة الناس والأمم.
ما هي هذه الحياة التافهة جدا؟والرخيصة جدا والمملة جدا والمُتعبة جدا ولا يوجد فيها ما يسعدنا وكل شيء يسير بعكس التيار,يقتلنا فيها من نرجوا منه أن يحينا ويزورنا في البيت بشكل فجائي من لا نريده أن يزورنا أو من لا نتوقع منه زيارتنا, ويفتح لنا الطريق للعبور من كنا نتوقع بأنه سيغلقها أمامنا وينتظرنا على طرف الطريق من لم نتوقع منه كل هذا الحب, ويخوننا في الحب من لا نخونه ويهجرنا في الحب من لا نهجره ويصد عنا من نرجوا وصاله,ويهربُ منا من نلاحقه, ويقع في غرامنا من ننظر إليه كأخٍ أو كأخت ,وكما قيل (نحن جننا بليلى...وليلى جُنت بغيرنا...وأخرى جُنت بنا ونحن جننا بغيرها) ويزعل منا من نفعل له أي شيء يسعده , ويبتزنا في مالنا فلذات أكبادنا, وأعداؤنا يترحمون علينا وأحبابنا يشمتون بنا علانية وعلاوة على ذلك ينصبون لنا المصائد والشباك لنقع في خبث أعمالهم.
...إنها هذه الحياة مليئة بالتناقضات ومليئة بالمفاجئات ومزعجة جدا ومقرفة جدا ولست أدري لماذا نحن متمسكون بها من حرارة الروح!! ما هذه الحياة المقلوب فيها كل شيء بالعكس. أنا أمشي عكس التيار والتيار يمشي بعكس الاتجاه الذي أريده و(الريح تجري بما لا تشتهي السفن ), ويُحبُنا ويغازلنا من لم نتوقع منه أن يحبنا أو يغازلنا أو يرسل لنا بغمرة من طرف عينه, ويتسبب بعذابنا من كنا نتوقع بأنه سيسعدنا, ويموت من نريده أن يبقى حيا وبعض الناس يظهرون فجأة بشكل مرعب لأنني أكون مقتنعاً بأنهم ماتوا من عدة سنين وقبل أكثر من سنة صادفني رجل أعرفه عز المعرفة وسألته قائلا له (ألم تمت؟) فقال معجبا بي (طول عمرك خفيف الدم) وعدت لأسأله: لا عن جد مش أنت متت؟ يا رجل توقعت بأنك فعلا متت من زمن بعيد...إلخ..., ويغادرنا من نحبه إلى غير رجعة..ويتصل بنا على الموبايل من لا نريد أن نسمع صوته أو من لا نتوقع بأنه سيتصل بنا, ويمدنا بالطاقة اللازمة للحياة من نتوقع بأنه سبب انقطاع الماء والكهرباء عن قلوبنا, ونخسر من الناس من لا نريد أن نخسره, ونكسب من الناس من لا نريد أن نكسبه ويبتعد عنا من نرجو منه أن يبقى قريبا منا ويسافر إلى بلاد لا نعرفها من نرجو منه أن يتربع على قلوبنا.
وإما أن تكون هذه الدنيا فعلا معكوسة وإما أن نكون نحن الذين نمشي بالمقلوب وبالمعكوس وبالشقلوب.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟