|
حسن دربو / قصة قصيرة
مراد سليمان علو
شاعر وكاتب
(Murad Hakrash)
الحوار المتمدن-العدد: 3493 - 2011 / 9 / 21 - 08:30
المحور:
الادب والفن
حسن دربو
قصة قصيرة إلى روح صديقي الشهيد حسن دربو
دخل الفتى إلى البيت الطيني المكوّن من غرفة واحدة وهو يصرّخ : ( أمّاه ، أمّاه وافق عمر البناّ على اصطحابي معه . هل سمعت يا أمّي سأعمل ، أخيرا سأذهب للعمل كالآخرين ). وأخذ يقفز في أرجاء الغرفة محاولا لمس العمود الخشبي الكبير الذي يتوسط السقف بيده . ـ وما هو العمل الذي ستقوم به .؟ وكيف .؟ ـ سأعمل ... لا أدري كيف ولكني سأعمل وسأحصل على يوميتي مثل بقية العمّال هذا ما قاله لي عمر ... عمر جارنا أنت تعرفيه . ـ طبعا أعرفه يا مجنون ، ولكنك لا تقدر على حمل الحجارة والسمنت فانت جلد وعظم وو ... وصغير . قال الفتى بعصبية : ـ أعلم ... أعلم ولكن ليس الشغل كله نقل حجارة ، ثم يجب أن أتعوّد على العمل منذ الآن حتى لو كان قاسيا بعض الشيء في البداية . ـ هل هذا كلامك أم إن عمر لقنك إياه .؟ ـ حسنا ... منذ اليوم وصاعدا أعتبريه كلامي أنا . ـ يا بني إن قلبي لا يطاوعني أن أدعك تبتعد عني ، فهل قلبك يطاوعك أن تتركني وحدي .؟ أجاب حسن وقد تغيّرت نبرات صوته وكأنها بداية بكاء : ( ولكنك كنت تشجعينني على العمل دائما ، وها هي الفرصة مواتية فلماذا تحاولين منعي .؟ ما الأمر .؟ ) ابتسمت المرأة قائلة : لاشيء ياحبيبي ... لاشيء ، كنت أمزح معك لا غير أنا سعيدة من أجلك ... عل الخير ... عل الخير ، على الأقل سنقدر على ردّ معروف من أحسنوا إلينا طوال هذه السنين . واحتفظت المرأة بسرّ ذهابها إلى جارتها أمّ عمر من أجله ثم التفتت إليه ثانية قائلة : ( هل أقدم لك العشاء .؟) ـ لا يا أمي أكلت مع عمر ... أصرّ على أن أشاركه الطعام ... سأذهب لأنام ... أيقظيني قبل الفجر لأتهيأ قبل الجميع . رفعت الأم يديها للسماء وهي تشكر الله على بقاءها حيّة لليوم الذي رأت فيه ابنها وهو يذهب للعمل كالرجال وتوّجهت لبقجة ( البرات ) المعّلقة في الحائط الشرقي من الغرفة ... تمتمت بدعاء ونذرت نذرا توفيه حال رجوع حسن ورفاقه سالمين . تهيأت هي الأخرى للصعود على السطح وكانت فرحتها لا تقل عن فرحة صغيرها بل إنها تشعر بالسرور منذ أن أخبرتها جارتها الطيبة عصر هذا اليوم بأنها تكلمت مع ابنها عمر وأقنعته بأخذ حسن معه ... شعرت وكأنها صغرت عشرة أعوام فرجعت للبيت تنظفه وترتبه وأعدّت طعاما ثم أخذت فرشتيهما للسطح كالعادة ونزلت تنتظر أبنها الحبيب لتزفّ إليه البشرى ... ورغم الشعور القوي بالرضى كانت حائرة لا تعرف كيف تبدأ معه الكلام إذا ما أتى ... ربّما عليها أن تختبر رغبته في العمل أوّلا فهو قبل كل شيء لا يزال غضّا صغيرا ولم يسبق له أن عمل ... بدأت المرأة وكأنها تشجع نفسها قبل ولدها ، وعندما وصل صارخا بأنه سيذهب للعمل ... أزاح بقوله حملا ثقيلا عن كاهلها ويبدو إن عمر قد سبقتها إليه وأخبره بالأمر ( عمر هذا يعرف الأصول ... ) فما كان منها إلا أن تأكدت من رغبته الحقيقية في الذهاب للعمل وبذلك أطمأنت أكثر ... خرجت من الغرفة المظلمة ... غمرها ضوء القمر ، كانت تشع بملابسها البيضاء وكان القمر قد بلغ كبد السماء الآن ، شعرت ببعض النسمات على وجهها ... فقد قارب الليل منتصفه والقمر يحيله نهارا بضوءه الفضيّ القويّ أما النجوم فتبدو خافتة وكأنها خجلى منه ... ( إنه وقت النوم ... ) صعدت إلى السطح وقبل أن تتمدد على سريرها إلى جانبه انحنت وأخذت تحدق بحبّ في وجهه وسألته : ( ألم تنم بعد ياحسن ) .؟ ـ لا ، ليس بعد يا أمي . ـ نم يا صغيري وأطمئن سأوقظك قبل مجيئهم . طبعت قبلة بحنان على جبينه وآوت إلى فراشها وهي تقول : ( ... صدق من قال إن الحشيش لا يموت تحت الحجارة ) أماهو فانقلب على جنبه موليّا إياّها ظهره . كانت ليلة صيّف صافية وهادئة ،لا تزال حارّة بعض الشّيء ولكن هادئة وكان الفرح بالكاد يبان في نظراته القلقة التوّاقة لاكتشاف العالم الجديد الذي سيدخله غدا لأول مرة ، أمّا السرور في قلبه فهو غير عادي لم يشعر بمثله من قبل وكأنه شعور يبعث على البكاء ، بكاء صامت ومستمر لحين عودته من الشغل محمّلا بالنقود والهدايا ليثير إعجاب ودهشة أمّه ورضا عمر البناّ وجماعته وإمكانيات قبوله بصورة دائمة ضمن جوقته ليستمر في زرع البسمة على وجه والدته وجلب المزيد من الهدايا لها ... إن السفر بالسيارة لأبعد مسافة قطعها في حياته ورؤية أشياء لم يرها والنوم لأول مرة خارج البيت يثير فيه الفضول وشحذ الخيال ... بالتأكيد ستبكي أمّه على فراقه لأوّل مرة ولكنها ستعتاد على ذلك كما هو حال جارتهم أمّ عمر البناّ والتي استجابت لتوسلات والدته هذه المرة وأقنعت أبنها بأخذه معه وفوق كل هذا وبعد فترة ليست بالبعيدة ستتباهى به أمام نساء المحلة وستردد ... لامثيل لحسن ... جلب لي حسن الشيء الفلاني ... إبن حلال هو حسن ... وحسن ينقلب في فراشه ... نامت أمه وهو لايستطيع النوم وكأنه عاشق مصاب بسهام الحبّ لأول مرة . وفي الصباح وما أن نادت عليه أمّه من الأسفل حتى نهض سريعا وكأنه كان ينتظر ندائها ووجدها قد هيأت له كل ما يحتاجه من ملابس عمل وملابس إضافية وأغطية نوم . ـ هيا ... أغسل وجهك وتناول فطورك قبل مجيء رفاقك . وأتت الجوقة وكانوا مستعدين للانطلاق بعد أن حشر حسن نفسه بينهم بسهوله ولكن قبل أن تنطلق السيارة وللمرة الثانية قالت المرأة بشفاه ترتجف لجميع من فيها ( فديتكم اعتنوا بحسن ، إنه طفل ، و و و... ) وجلست على الأرض وأجهشت بالبكاء هذه المرة ... فصاح حسن بحنق وهو يشعر بأنها تهينه أمام الآخرين ( أمّي ... أمّي ... ) ثم نزل عمر من السيارة وجلس القرفصاء قبالتها مخاطبا : ( لا تقلقي ياجارة ... حسن في عيوني ... شغلنا مضمون هذه المرة عند مقاول أعرفه ولن أدعه يتعب أبدا ... وهل يمكن أن لا أعتني بحسن يا أم حسن ... أقسم بالله سأرعاه كأخي الصغير . هيا اذهبي للداخل واطمئني ) . وفي فجر اليوم التالي في ميدان العمّال بدا المنظر غريبا بالنسبة لحسن رأى وكأن السموات قد أمطرت عمالا ... شعر ببعض الضيق ... تخيّل للحظة وكأن تاجرا يهوديا سيأتي ويقنعه لقاء بعض المال أن يذهب معه إلى مكان بعيد وخطير وبعد أن ينهي اليهودي عمله الذي جاء من أجله سيتركه وحيدا هناك ثم بطريقة ما سيعثر على كنز مفقود ويملئ جيوبه بالحجارة الكريمة وسيعود للبيت ويشتري قصرا لوالدته ... تماما كما الأمر في حكاية من حكايات السندباد ... وفي نفس الوقت بدا المنظر مضحكا للمقاول وهو يتجه نحو الأسطة عمر وجماعته العماّل فهم مفتولي العضلات طوال القامة وفي وسطهم فتى لايتجاوز عمره الرابعة عشرة نحيل وأصفر الوجه وذو عيون سوداء قلقة ، سلمّ المقاول على عمر البناّ والتفت إلى الفتى مبتسما وهويسأله عن أسمه .؟ ردّ العامل الصغيرمن فوره وبصوت عالي : ( حسن دربو فرمان ... ) أخذ المقاول يقهقه وبأشارة من يده أتبعوه وهو يسير نحو السيارة ، كان الجميع يبتسمون وهم يمشون خلف المقاول فقد ولد اليوم عامل أيزيدي جديد .
البرات = طين أبيض معمول بأشكال كروية صغيرة يجلب من وادي لالش المقدس للتبرك . مراد سليمان علو [email protected]
#مراد_سليمان_علو (هاشتاغ)
Murad_Hakrash#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بتلات الورد 8
-
سارق البقرة
-
حكايات من شنكال 24
-
بتلات الورد / 7
-
حكايات من شنكال 23
-
بتلات الورد / 6
-
حكايات من شنكال 22
-
بتلات الورد / 312
-
حكايات من شنكال 21
-
بتلات الورد /5
-
حكايات من شنكال 20
-
الهروب / قصة قصيرة
-
بتلات الورد / 4
-
حكايات من شنكال 19
-
حكايات من شنكال 10
-
بتلات الورد / 3
-
بتلات الورد /2
-
حكايات من شنكال ... 18
-
بتلات الورد /1
-
الموعد الأخير /قصة قصيرة
المزيد.....
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|