|
الديمقراطيات لم تعد استثناءا...؟!
شادي عمر الشربيني
الحوار المتمدن-العدد: 3485 - 2011 / 9 / 13 - 10:55
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ما الذي يحدث...؟ لماذا تجتاح الثورة الجميع، و تتبخر وعود الاستقرار و الرخاء و التقدم التي سادت العالم...!!! لماذا تبدوا الجماهير في كل مكان مستنفرة و غاضبة..؟! لماذا لا يبدوا انه هناك احد يستطيع أن يفلت من الثورة، أو يدعي أنه جزيرة الاستقرار وسط البحر الصاخب..؟! عندما اندلعت مظاهرات تونس، لم يخطر ببال أحد تقريبا أن تحمل بذور ثورة ستطيح بنظام بن علي، ذلك النظام الذي بدت تونس في ظله هادئة مستقرة، بلد سياحي متقدم، بمقاييس العالم الثالث، يحقق معدلات تنمية متفوقة و متسارعة، حسب شهادات البنك الدولي و المنظمات الاقتصادية الدولية، و فوق ذلك هو بلد يحقق تنمية بشرية بمعدلات سريعة، بشهادة نفس المنظمات، و إذا أضفنا إلى كل ما سبق أننا نتحدث عن نظام بوليسي قوي ذو قبضة حديدية، لا يعاني من أي انكسارات أو هزائم، فإذا..كيف يخطر ببال أحد إمكان لثورة ..؟!! ثم كان ما حدث في مصر، نظام مبارك العتيد، القوي المستقر من حوالي ثلاثين عاما، حليف أخر، بل و محوري هذه المرة، للمنظومة الأمريكية- الصهيونية في المنطقة العربية، و كان صدره مزين أيضا بشهادات البنك الدولي و أخواته، عن نجاحه في التحول إلى اقتصاد السوق و تحقيق معدلات تنمية عالية، و، يا الدهشة، كان يحمل نفس خصائص النظام التونسي من قبضة بوليسية قوية، و إن كانت ساحقة هذه المرة، و سيطرة تقريبا كاملة على مفاصل القوة و التأثير في المجتمع، فمن الذي يستطيع الحديث عن الإطاحة أو ثورة..؟!! ثم إن المد الثوري لم يتوقف عند الحدود المصرية، بل مضت أصداءه تفعل فعلها، فكان الصدام الراهن و المخاض الصعب بالحديد و النار في ليبيا و اليمن و سوريا..!! لم يتمخض عن إسقاط النظام، في مصر و تونس، قيام نظام ثوري بديل، يسعى لتصدير الثورة في مختلف أرجاء الوطن العربي، بل على العكس، كان الارتباك و التخبط هو سيد الموقف في البلدين، إذا ما الذي يغري و يدفع إلى تكرار التجربتين..؟! بدا أن هناك خيط واحد، ليس رفيعا، بل هو واضح و غليظ و مجدول من الشوك و الألم، يربط بين جميع هذه الأنظمة، و هو أن جميعها أنظمة ديكتاتورية، صادرت المجال السياسي و احتكرته، و مثلت سلطة شاخت فوق مقاعدها و استولت، عنفا و بلطجة، على حق أجيال جديدة في الصعود و النمو و التحقق، و هكذا فإنه لا يمكن وصف ما يحدث في المنطقة العربية، إلا بأنه ثورة ديمقراطية، تنهي احتكار السلطة و تفتح الباب لتداولها، و تقريبا أستقر الوصف على أنها أصداء متأخرة للثورات المخملية في أوروبا الشرقية و روسيا التي أنهت الحكم الشمولي و أسقطت الشيوعية، و لكن...!!! لم تقف أصداء تلك الثورات عند حدود المنطقة العربية، فقد تدافعت موجات المد الثوري حتى وصلت أوروبا، و رأينا أسبانيا تنتفض ، ثم تبعتها احتجاجات واسعة، من مئات الآلاف من اليهود داخل الكيان الصهيوني، إن مشهد الاضطرابات السياسية و الاجتماعية في الكيان الصهيوني كان تقريبا منعدم، عبر أكثر من ستين عاما هي عمر هذا الكيان، الذي يتم وصفه دائما بأنه واحة الديمقراطية وسط ديكتاتوريات الشرق الأوسط، فما هو هذا التحول الهائل الذي دفع الصهاينة للنزول في مظاهرات ضخمة، مئات الآلاف، تطالب بإسقاط النظام...!!! ثم كانت المفاجأة عندما صحونا على مشاهد الحرائق تلتهم مدن أعرق الديمقراطيات في التاريخ، و العنف الشرس يتمدد في شوارع الدولة الكبرى المستقرة اجتماعيا، و حتى هذه اللحظة لا أحد يستطيع أن يصدق عينيه على الرغم من توالي صور الاحتجاجات و الحرائق و العنف في بريطانيا العظمى...!!! لا يستطيع أحد أن يدعي أن دولا مثل بريطانيا و إسرائيل تعاني من انسداد ديمقراطي، أو غياب للحريات السياسية، إننا نتكلم عن بلدان تعرف جيدا الحريات السياسة، تعيش على تداول السلطة و حرمة احتكارها، نتكلم هنا عن الكيان الصهيوني، بل و بريطانيا ذاتها، أم الديمقراطيات البرلمانية و الليبرالية في التاريخ...!! عند هذه النقطة، اندفاع الموجات الثورية لتصل إلى شواطئ ديمقراطيات عريقة، يبدوا أن التفسير السابق لما يحدث في المنطقة العربية عن تحول ديمقراطي طال انتظاره، لا يكفي لفهم ما حدث، الأكيد انه صحيح، و لكنه يبدوا عاجزا خاويا متهاويا، أمام تفسير ما يحدث في أوروبا و الكيان الصهيوني. هل هناك بالفعل جزر مشترك لحالة الفوران الثوري في المنطقة العربية و أوروبا، أم أن ما نراه مجرد مصادفة بحته، و ليس هناك سباب جامع يقف وراء هذه الموجة الثورية التي تكاد أن تكون عالمية...؟!! هذه السطور تنحاز للتفسير الأول، و ستحاول أن تكشف في المرة القادمة عن هذا السبب الذي يمكن أن يشكل الأرضية التي تلتقي فيها كل حركات التمرد و الثورة التي نشهدها الآن.
#شادي_عمر_الشربيني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يوليو...و خيارات يناير 1 - عن رثاء الحقبة الليبرالية
-
حتى تكون ثورة...1- في معنى الثورة
المزيد.....
-
-نيويورك تايمز-: المهاجرون في الولايات المتحدة يستعدون للترح
...
-
الإمارات تعتقل ثلاثة أشخاص بشبهة مقتل حاخام إسرائيلي في ظروف
...
-
حزب الله يمطر إسرائيل بالصواريخ والضاحية الجنوبية تتعرض لقصف
...
-
محادثات -نووية- جديدة.. إيران تسابق الزمن بتكتيك -خطير-
-
لماذا كثفت إسرائيل وحزب الله الهجمات المتبادلة؟
-
خبراء عسكريون يدرسون حطام صاروخ -أوريشنيك- في أوكرانيا
-
النيجر تطالب الاتحاد الأوروبي بسحب سفيره الحالي وتغييره في أ
...
-
أكبر عدد في يوم واحد.. -حزب الله- ينشر -الحصاد اليومي- لعملي
...
-
-هروب مستوطنين وآثار دمار واندلاع حرائق-.. -حزب الله- يعرض م
...
-
عالم سياسة نرويجي: الدعاية الغربية المعادية لروسيا قد تقود ا
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|