محمود فنون
الحوار المتمدن-العدد: 3483 - 2011 / 9 / 11 - 16:10
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
يقال ان الثورة تبدأ من فكرة ,تتطور وتتحول الى فعل ,يتعالى هذا الفعل في وجه الحاكم ونظامه ويتراكم الى ان يصل الحال بالحاكم انه لم يعد قادرا على الحكم بالطرائق القديمة, وبعد ان يجرب كل وسائل القهر والترهيب والترغيب, فيبدأ في تغيير طرائقه ,وهذا التغيير على الاغلب يؤجج الثورة ويتطلب المزيد من التغيير الى ان يصبح الحاكم عاجزا عن الاستمرار وعاجزا عن الوجود في السلطة فيحمل عصاه ويرحل اما الى السجن او الى القبر او الى دولة اخرى.
هذا مسار الثورات الشعبية مبسطا .
ولكن الثورات هي نتاج الرفض الحازم للواقع القائم والرغبة الاكيدة في تغييره ,وهنا نواجه نوعين من التجارب:
الاول:رغبة في التغيير على العموم مصحوبة بالهجوم الثوري في الشارع, والتعبير عن هذه الرغبة بحزم واصرار ثوريين حتى الاجهاز على الوضع المرفوض, ومن ثم تبدأ الحركة الثورية في تلمس مسارها .كما هو حال الثورة في تونس ومصر,فلم تكن لهما قيادة محنكة وقديرة وتحمل برنامج التغيير الاجتماعي الاقتصادي السياسي ,وانما رفعشباب الفيس بوك شعار اسقاط النظام حيث تمثل هذا الشعار باسقاط مبارك وجماعته ,واتى بعد ذلك مباشرة الغاء حالة الطواريء والمطالبة بتعديل او تغيير الدستور وقانون الانتخابات وبالحريات العامة وبعض الشعارات المطلبية الاخرى.وهم الآن يتلمسون طريقهم وبعضهم رضي بالنصيب واعتبره النصر المؤزر وبعضهم يشعر انه ادرك قوة الجماهير في احداث التغيير وادرك ضرورة الاستمرار بالثورة.
ان هذا النمط من المطالب يعرف في التاريخ وحسب القاموس السياسي بالثورة الديموقراطية والذي مآله اجراء بعض الاصلاحات على التراكيب العليا للسلطة وطرائق بنائها وتغييرها.وتعتمد جدية التغيير على مقدار الضغوط الشعبية على السلطات من اسفل وتواصلها .
هنا تحاول القيادات التغلب على العفوية التي تصبغ مثل هذا الحراك الثوري وتستلحق نفسها بالتوافق على مطالب برنامجية تستجيب للاطوار الجديدة.مثل وضع دستور جديد او المطالبة بتعديلات دستورية.وهنا تشعر القوى الثورية صاحبة المصلحة في التغيير الجذري ان الثورة لم تنتهي باستقالة الحاكم واعوانه مع بقاء الية جهاز الدولة على حاله وتستشعر ان الثولرة ما زالت في بدايتها .
او ان الثورة تعي نفسها وتجربتها وتنطلق مجددا ببرامج الإصلاح والتغيير مصحوبة بالتوعية والدعاية الثورية والتحريض والتثقيف والتعبئة ...الخ
الثاني:هي الحالة التي يتراكم فيها الاحتقان والفعل الثوري,وتنضج الحالة الشعبية وقيادتها الثورية الواعية المتمثلة بالمثقفين والمحرضين والدعاة (المنورين) والقيادة السياسية المتمثلة بالاحزاب والقوى الثورية صاحبة المصلحة في التغيير ,وتعي متطلبات الواقع الاجتماعي السياسي وتقرأالوضع الراهن جيدا وتصوغ البرامج والشعارات بمختلف درجاتها , وتفكر بالكيفيات الثورية, وتحضر نفسها لها وتساهم في تحريض وتفجير الحالة الشعبية الى درجة الانتفاض المتواصل, وهي تحمل البرامج والشعارات التي تعبر عن ضرورة التغيير وعن صيغة النظام السياسي الجديد المنوي بناؤه على انقاض القديم .
هنا تكون العملية الثورية اكثر وعيا ,واشمل ,بحيث تطال الثقافة الجماهيرية والذهنية المجتمعية السائدة,وقيم واخلاق المجتمع القديم ومخلفاته وعلاقاته الداخلية.وهذه الحالة لا تزال ارهاصات تحاول ايجاد وترسيخ نفسها .
ان الثورة مطهر للنفس والعقل والوعي الفردي والجماعي ,وهي مناسبة للتنور وقبول الافكار والرؤى الجديدة ودعمها ضد البنى والرؤى القديمة التي يتوجب ان تطالها الثورة مع من تطال.
ان الجماهير التي تثق بقيادة التغيير سوف تعطي ثقة بلا حدود لهذه القيادة ما دامت امينة على الحركة واهداف الجماهير ,وسوف تناصر الجماهير الغفيرة وطلائعها المتنورة فكر وعقيدة الثورة وتوافق على السير بها حتى نهايتها المظفرة .
هنا تكون الثورة في العقول مصاحبة للثورة على تراكيب الواقع الاقتصادي والسياسي المنوي تغييره .هنا تنجح الثورة في احداث نقلة نوعية في المجتمع ,في الانسان ,وتنقله الى عالم الحداثة .
لا بد من الانتباه انه يتراكم في عقلنا ووعينا ,ولنقل في موروثنا الثقافي عموما وخاصة موروث الحالة الجماهيرية, طبقات متراكبة فوق بعضها البعض من الجهل والمحافظة والشعوذة والقيم الباليةواضطهاد واستغلال المرأة ,بل وحالة من الانغلاق الرجعي الذي يتصارع بقوة مع كل جديد تقدمي في الفكر والثقافة وحتى مع المنتجات الحضارية التي تنتشر بين ايدينا من وسائل الطب ووسائل الاتصال ووسائل الثقافة وغيرها.
ان المجتمع القديم الذي تقوم الثورة ضد تراكيبه ونظمه يدافع عن نفسه وعن قيمه وثقافته بنفس القوة واكثر التي يستخدمها في الدفاع عن اسلوب حكمه, فثقافة المجتمع القديم هي جزء من قوته وهي جزء اساسي من اسلحته في اوساط الجماهير المحافظة .ان الجماهير مستعدة للانفتاح الذهني وتقبل الافكار النقدية للحالة السائدة والذهنية والثقافة السائدتين في وقت الثورة بشكل اكثر يسرا منه في ظل النظام القديم المستفيد من المحافظة .ان نقد ثقافة المجتمع وعلاقاته الداخلية بما فيها وضع المرأة يصبح ممكنا وحيويا وضروريا.
نلاحظ هنا الفروقات في شمولية العملية الثورية وجذريتها وصلابة القوى السياسية القائمة عليها وتمسكها بأهداف التغيير ووضوح الرؤيا للجماهير.
وهنا يمكن ان تصل طروحات الثورة في مستوييها الفكري والسياسي ,ضرورة استمرار الثورة لاحداث تغير وطني ديموقراطي جذري لتحرير البلد من النظام الدكتاتوري والدكتاتورية الفردية وتحرير البلد من التبعية للاستعمار واعوان الاستعمار ,وما يستتبع ذلك من ضرورات التحرر الاقتصادي وبناء تجربة اقتصاد وطني مستقل يستجيب في الحدود الدنيا لمصلحة المجتمع والطبقات الراسمالية الوطنية التي ترغب في السيطرة على اقتصاد البلد .
او تكون لدى الثورة وقيادتها الواعية الممثلة للطبقات الشعبية صاحبة المصلحة في استمرار الثورة, رؤيا علمية راسخة مفادها ان التحرر الاقتصادي والتحرر السياسي متلازمين وغير ممكنين باستمرار التبعية للنظام الاقتصادي الراسمالي ,الذي جرب طوال عقود ماضية وادى الى هذه الحالة التي استوجبت الثورة وتضحياتها الجسام.ان تخليص البلد من التبعية والديكتاتورية متلازم مع الثورة الاشتراكية ببناء نظام اقتصادي اجتماعي جديد .
ان البلدان العربية جميعها حبلى بالثورة ومع الاسف فان القيادات التي تتصدر قيادة الجماهير في حالة عجز عن تمثل مصالحها الجذرية ومتخلفة عن حركتها,ولا تباشر دورا كافيا في تعبئة وتنظيم وتحريض الجماهير من اجل القيام بالثورة ,وان جزءا كبيرا منها وضع قدما مع السلطات وابقى قدما مع الجماهير,وذلك بدلا من التصدي للمهمات الثورية, مما يجعل الجماهير المنفلتة لساحتات التغيير عرضة لنهب النهابين وحرف المنحرفين كما الحال في الثورة الليبية التي سيطرت على مواقع القيادة فيها قوى التقارب مع الناتو والغرب الاستعماري.وكما الحال في سوريا الآن حيث تحاول قوى التقارب مع الغرب ان تاخذ الثورة تحت شعارات المطالبة بالحماية الدولية في وجه قمع النظام .
ان المطالب الثورية التي تحرر الجماهير هي تلك المتمثلة بالانفكاك من الروابط الاستعمارية والمعاهدات المذلة مع الدول الغالبة, وبناء المجتمع العربي الاشتراكي الحر الموحد ,بعلاقات متوازنة ومتكافئة مع المحيط العالمي بما يمكن من تحرير الاراضي المحتلة و التقدم والاستفادة من الثروات لصالح الداخل ,وبناء الانسان العربي الحر ,وصياغة العلاقات الاجتماعية الداخلية الحرة من استغلال الانسان للانسان والخالية من استعباد المرأة والتفرقة على اساس الدين والطائفة واللون او اية فروقات بين البشر.
هنا ياتي دور القوى الثورية المعادية للاستعمار والتبعية والرجعية واستغلال الانسان للانسان, القوى المستعدة للسير بالثورة حتى النهاية المظفرةمهما غلت التضحيات.
#محمود_فنون (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟