ناصر اسماعيل جربوع اليافاوي
الحوار المتمدن-العدد: 3483 - 2011 / 9 / 11 - 10:32
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
استحقاق أيلول بين واقع القانون الدولي والمتوقع المحلى والعربي (دراسة تحليلية ) بقلم ناصر إسماعيل جربوع اليافاوي)
كثرت التحليلات والتخمينات والرؤى حول نية الرئيس الفلسطيني محمود عباس التوجه إلى الأمم المتحدة في أيلول من العام الحالي 2011 ،للحصول على الاعتراف الأممى بقيام دولة فلسطينية ، تعطى للشعب الفلسطيني جزء من حقوقه التاريخية المشروعة من ناحية ، وتحقيقاً لبرنامج الرئيس عباس المنسجم مع فلسفته الواقعية التي تعهد بها لشعبه ثانيا ، ليضع فلسطين في مربع الدول المعترف بها ، وصولًا لحياه كريمة افتقدها الفلسطيني منذ أكثر من قرن ..
إن تحرك الرئيس عباس لهذا الهدف عرف في القاموس السياسي الدولي بمصطلح (استحقاق أيلول) ولابد هنا لإيجاد تعريف لهذا المصطلح :
استحقاق أيلول : هو تسمية إعلامية للتوجه الفلسطيني إلي الأمم المتحدة لانتزاع قرار أممي للاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة علي حدود الرابع من حزيران1967, وعاصمتها القدس الشريف (الشرقية)
تداعيات توجه الفلسطينيين للحصول على الاستحقاق الدولي في أيلول :
نتج بطبيعة الحال الفلسطيني تداخلات و صراع سياسي ودبلوماسي يبين مشروعين سياسيين متناقضين لكل منهما أهدافه الخاصة منه المشروع جدا والآخر يعتمد على أوهام تاريخية زائفة .
الأول : يعتمد بشكل أساسي وقانوني على قواعد القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية, تقوده السلطة الوطنية الفلسطينية ممثلة بالرئيس محمود عباس وحكومته ومن خلفها جامعة الدول العربية.
والثاني : تقوده حكومة إسرائيل برئاسة بنيامين نتنياهو يهدف لعرقلة المشروع الفلسطيني, والتنكر لحقوقه التاريخية من منطلق عنجهية تعتمد على أسس تلمودية ، والالتفاف على الشرعية الدولية بخطط ومناورات, هدفها تكريس الاحتلال، وإعطاء الفلسطيني وعود منذ سبتمبر وأكتوبر 1990م ، معتمده في موقفها المماطل والمخادع على نفوذ اللوبي الصهيوني في أوروبا والولايات المتحدة.
لا ننكر كفلسطينيين متابعين بشكل استقرائي موضوعي أن استحقاق أيلول يشكل ثقافة سياسية سيكولوجية تشكل أهم مكونات المشهد السياسي الفلسطيني, من حيث نضوج الفكرة عند المواطن الفلسطيني والعربي على حد سواء بان الشعب الفلسطيني ، بات ناضجا وبشكل يوازى باقي شعوب العالم لإعلان دولة ذات سيادة قادرة على إدارة شئونها الداخلية والخارجية ، والآن وبشكل عملي نراه يتجه إلى استكمال بناء مؤسسات الدولة واستعداد الفلسطينيين لتولي شئونهم السياسية والاقتصادية في إطار دولة مستقلة .
موقف الفصائل والأحزاب الفلسطينية من استحقاق أيلول :
شهد الموقف الفلسطيني بشكل عام تضارب بردود الأفعال والتوقعات من استحقاق أيلول ناتج بالطبع عن خبرات سابقة قد تكون مبررة للكثير منهم ..
موقف حركة فتح : اعتبرت حركة فتح أن هذا التوجه للأمم المتحدة بزعامة الرئيس محمود عباس استحقاقا وطنيا ومعركة وطنية يجب الحشد لها دوليا ومحليا ، لأنها الخطوة التي ستؤدى إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية ، وتتوقع بمنظور ايجابي إلى ما سيليها من خطوت تحقق الحلم الفلسطيني المرحلي ، معتمدة على التأييد والإجماع الدولي لهذه الخطوة ، ونجاح دبلوماسية محمود عباس التي استطاع من خلالها تعرية الرؤية الصهيونية ، وتنظيرها للمنظومة الدولية أننا شعب إرهابي لا نطيق السلام ونعتاش على التناقضات الداخلية .
موقف حركة حماس : تنظر حماس كعادتها إلى أي عمل تقوم به فصائل منظمة التحرير، وخاصة حركة فتح بعين الريبة ، لاعتباراتها وتقديراتها الذاتية والموضوعية ، المعتمدة على أساس تفكيرها أن الأمر قد يسحب البساط من تحت مشروعها المعتمد والمنتظر لسحابة التغير في الربيع العربي ، لذا تتناقض تصريحات قيادتها بين الحين والآخر، وتروج أن هذا الاستحقاق هو طريق تقديم تنازلات جديدة كما تزعم , وهناك اتجاه آخر في حماس يبرر الأمر من خلال تحليلهم للمواقف الصهيوامريكية السابقة ويضعوا توقعاتهم لفشل هذا الاستحقاق بناءا على المنتظر من رد الفعل الإسرائيلي والأمريكي المرتكز على خبرات سابقة , والتي كان آخرها الفيتو الأمريكي ضد القرار الذي يدين الاستيطان ، رغم أن الاستيطان نشاط غير شرعي طبقا للقانون الدولي, وصوت كامل مجلس الأمن بالإدانة ، ولكن الولايات المتحدة استخدمت الفيتو وأوقفت القرار.
موقف باقي فصائل منظمة التحرير الفاعلة على الساحة الفلسطينية :
يتمحور موقف فصائل م-ت- ف اليسارية وغيرها من خلال الرؤى التالية:
عقد اجتماعاً حضره ممثلو الجبهة الشعبية، الجبهة الديمقراطية، جبهة التحرير الفلسطينية، حزب الشعب الفلسطيني، جبهة النضال الشعبي، حزب فدا. لبحث الخطوات التحضيرية للاجتماع الموسع لممثلي الجاليات الفلسطينية في أوروبا تناول الاجتماع بحث استحقاق أيلول سبتمبر المتعلق بالاعتراف بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران وقبولها عضوا كاملا في الجمعية العامة للأمم المتحدة .
وقد أكد المجتمعون على ما يلي:
1- توجيه التحية لعموم الجاليات الفلسطينية في الخارج ودعوتها لاستنفار جهودها وحشد طاقاتها لدعم استحقاق سبتمبر القادم بالاعتراف بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران وقبولها عضوا كاملا في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
2- دعوة الجاليات الفلسطينية في الخارج إلى مخاطبة حكومات وبرلمانات الدول الصديقة لدعم قيام دولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران وقبولها عضوا في الأمم المتحدة.
3- دعوة الجاليات الفلسطينية في الخارج الانخراط في الجهود الوطنية والجماهيرية والسياسية والإعلامية لتحقيق التوجه الفلسطيني لقبول دولة فلسطين عضوا في الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول القادم، وتنسيق هذه الجهود مع كافة القوى وحركات التضامن الدولية المناصرة للشعب الفلسطيني لإحباط التحرك الإسرائيلي في الخارج الهادف إلى إفشال التوجه الفلسطيني للأمم المتحدة لتحقيق استحقاق سبتمبر القادم، بكل قوة وتصميم وليكن دفاعنا عن هذا الحق المشروع لشعبنا أقوى من التحرك الإسرائيلي الذي يهدف الدفاع عن الباطل.
4- التعبير عن الثقة الكاملة بدور الجاليات الفلسطينية في الخارج في إنجاح التوجه الفلسطيني في الأمم المتحدة رغم كل العقبات التي تواجهه سواء من قبل الولايات المتحدة الأمريكية أو من قبل حكومة العدو.
5- وفي ما يتعلق بعقد الاجتماع الموسع للجاليات الفلسطينية المقيمة في الدول الأوروبية المنوي عقده على أرض الوطن في النصف الثاني من العام الحالي بدعوة من دائرة شؤون المغتربين، قرر الاجتماع متابعة التنسيق والتشاور وعقد المزيد من اللقاءات في الوطن والخارج لإنجاز التحضيرات الكفيلة لعقد هذا الاجتماع.
دوافع اختار القيادة الفلسطينية لشهر أيلول سبتمبر للتوجه للأمم المتحدة :
باعتقادنا أن اختيار أبو مازن لشهر أيلول مبني على ثلاثة مرتكزات :
الأول : إعلان اوباما العام الماضي عن( أمنيته في أن يري دولة فلسطينية عضوا في الأمم المتحدة بدءا من أيلول المقبل 2011 )
الثاني :رؤية الرباعية الدولية انه فى حين عودة المفاوضات أنها ستبدأ في أيلول2010 وتنتهي في أيلول2011 ، وهذا ما اعتمد عليه محمود عباس في رؤيته المستندة إلى إعلانات دولية موثقة .
الثالث : الانسجام مع تعهدات الحكومة الفلسطينية برئاسة سلام فياض التي حدد ت موعد أيلول سبتمبر2011 موعدا لاستكمال بناء مؤسسات الدولة، والتأكيدات العالمية على أن فلسطين أصبحت بالفعل ناضجة لاستقبال هذا الحدث التاريخي ..
الرئيس عباس ينجح دبلوماسيا ويضح خيارات واسعة :
الخيار الأول : أكد الرئيس أبو مازن أمام المنظومة العالمية ، وحتى أمام الصهاينة العالميين في أمريكيا وغيرها أن مراهنته على استحقاق أيلول لا تخرج عن التزامه بنهج السلام والشرعية الدولية ، وان ذهابه مباشرة للمجتمع الدولي هو استكمال لخيار السلام وليس خروجا عنه ليرد بذلك على ترويج حكومة نتنياهو أن أبو مازن رجل إرهابي يهدد مصير دولة إسرائيل، وانه أكثر إرهابا من ياسر عرفات وصدام حسين .
ومن وجهة نظر أبو مازن وقيادته السياسية أن استحقاق سبتمبر تصحيح لمسار مفاوضات استمرت لعقدين من الزمن بدون مرجعية دولية واضحة ، وانه يهدف إلى تحديد مرجعية المفاوضات .
نستذكر من خطوات أبو مازن انه الآن أمام جبهة جديدة لمعركة سياسية طويلة سيكون أيلول سبتمبر .بدايتها وليس نهايتها..
الخيار الثاني : تحذير أبو مازن من العواقب الخطيرة المتوقعة في حال تم رفض طلب الاعتراف بالدولة, وقال انه من غير المنطقي أن تعرقل الولايات المتحدة محاولة الفلسطينيين إعلان دولتهم المزمعة في سبتمبر, وان استمرار الوجود الإسرائيلي في الضفة الغربية حسب طرح نتنياهو قد يؤدي إلي انهيار السلطة, لان الاحتلال يلتهم الأرض ويقطع أوصالها, ويقتل كل احتمالات قيام الدولة, وان لدي السلطة الوطنية العديد من الخيارات أحلاها مر) وهو يقصد بالطبع استقالته و حل السلطة الوطنية . وإعادة القضية الفلسطينية برمتها إلي الأمم المتحدة. ونري أيضا انه رسالة للعودة إلى مواجهات مع الصهاينة بغض النظر عن أشكالها ، وهذا ما يخشاه المراقبون الإسرائيليين .
المواقف الدولية تجاه استحقاق أيلول سبتمبر :
أولا : الحقيقة التاريخية تشير إلى أن عشرا ت قرارات الشرعية الدولية صدرت حول فلسطين بدءا من قراري التقسيم وحق العودة القراران181 - و194
حتى قراري242 و338 ، والعديد من القرارات الدولية الأخرى الصادرة لصالح الفلسطينيين ، والتي لم تنفذ الأمر الذي أصاب الفلسطينيين وأشقائهم العرب بإحباط شديد ، وعدم التفاؤل أو الإفراط بالتفاؤل من الأمم المتحدة وجمعياتها .
ثانيا : موقف الولايات المتحدة الأمريكية :
رغم خطاب الرئيس أوباما في19/ مايو/2011, حين قال: (نحن نعتقد أن حدود إسرائيل وفلسطين يجب أن تقوم على أساس خطوط العام1967, مع تبادل متفق عليه في الأراضي بحيث يتم إنشاء حدود معترف بها للدولتين ، إذ يجب أن يكون للشعب الفلسطيني الحق في حكم نفسه بنفسه, ويحقق كامل إمكاناته في دولة ذات سيادة ومتصلة )
إلا أن هذا الإعلان تم تبديله بموقف آخر ينسجم مع الفكرة الصهيونية . حيث أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية عن رفضها للخطط الفلسطينية للحصول على اعتراف أممي بإعلان دولة فلسطينية مستقلة في أيلول/ سبتمبر القادم دون التوصل إلي اتفاق مع إسرائيل, وتري الإدارة الأمريكية المنحازة إسرائيليا إلى ضرورة العودة مجددا في مفاوضات مباشرة للتوصل إلي اتفاق سلام .
ثالثا : الموقف الأوروبي :
رغم إعلان الرباعية عن نيتها الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة, إذا لم يستجب نتنياهو للجهود الدولية لدفع عملية السلام إلي الأمام, ما زالت دول الاتحاد الأوروبي منقسمة على نفسها بين مؤيد ومعارض لتأييد إعلان الدولة الفلسطينية, في ظل الضغوط الأمريكية.
الموقف الاسرائيلى وتحليلات في الشأن الفلسطيني الداخلي :
بدأت الحكومة الإسرائيلية هجوما دبلوماسيا واسع النطاق على التحرك الفلسطيني هذا الهجوم الذي يحمل في طياته عنجهية فريدة ملؤها التحدي للإرادة الداخلية والدولية , ويحرك من تحته آلية القوة, بالتهديد برد أحادي الجانب إزاء التجاوب الدولي بهذا الشأن, للضغط على الفلسطينيين, للتراجع عن هذا التحرك, وترمي إسرائيل إلي خلق موقف لدي الرأي العام العالمي, ضد إقامة دولة فلسطينية بمزاعم شتي, خصوصا لدي الموالين لإسرائيل, وترسيخ الاعتقاد أن الاعتراف بدولة فلسطينية هو نزع الشرعية عن إسرائيل.
أما فيما يختص بالجانب الفلسطيني فيري احد المحللين الإسرائيليين المختصين بالشأن الفلسطيني: أن شخصية محمود عباس تبدو هادئة وانه رجل السلام ولا يؤيد العنف، لكنه فاجأنا بأكثر من قرار لم يكن عرفات نفسه يتخذه بسهولة مثل وقف المفاوضات أو الانتخابات أو تسليم حماس سدة الحكم - بعد الانتخابات الأخيرة - وتشكيل حكومتها أو عقد مؤتمر فتح السادس، ولذلك فإننا كإسرائيليين لا نستبعد أن يواصل أبو مازن خطوة الأمم المتحدة ، وما يمكن أن ينتج عن هذه الخطوة من انقلاب الأوضاع كلها في الشرق الأوسط.
أما المحلل العسكري للقناة التلفزيونية الإسرائيلية العاشرة قال: إن الجيش الإسرائيلي أكمل استعداداته للتصدي لأية تظاهرات فلسطينية تخرج من مناطق السلطة باتجاه الحواجز العسكرية أو المستوطنات اليهودية، ولكن السؤال الذي يحير الضباط الإسرائيليين كيف سيواجهون المسيرات إذا كانت هذه المسيرات سلمية!!!.
ورغم كل التخرصات الصهيو أمريكية إلا أن الدبلوماسية الفلسطينية لا تلتفت إلى الوراء ، وتواصل حراكها ووصلت إلي جمع أكثر من 125 صوتا من اصل193 في الجمعية العامة، ومازال الحشد مستمرا والحراك لا ينقطع ، ورغم تهديدات الفيتو الامريكى المتوقع, ,إلا أن هناك خيارات وبدائل تبدأ بالذهاب إلي مجلس الأمن ومطالبته بالاعتراف بدولة فلسطين, ,ثم بعد ذلك يتم التحول إلي الجمعية العامة للأمم المتحدة التي ستوفر الاعتراف المطلوب بالدولة الجديدة, بغالبية أصوات أعضائها المعترفين بها أصلا ومسبقا, وكل هذا يكون مقدمه دولية ستعمل على تحيد الشريك الأمريكي.
الخطوات الإسرائيلية المتوقعة على الأرض الفلسطينية :.
1- إجراءات أحادية الجانب على الأرض مثل ( الضم وتكثيف الاستيطان )
3- قيام نتنياهو بمبادرة إلتفافية من جانبه تتضمن اعترافه بدولة فلسطينية بحدود مؤقتة, تحاصر الاعتراف بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران, ثم البدء بمفاوضات بين الدولتين, وهو ما ترفضه مسبقا السلطة الفلسطينية.
ورغم كل تلك التهديدات إلا أننا نرى ان الرئيس محمود عباس يسير في الاتجاه الصحيح، وعليه المطلوب من سيادته أن يعجل في تحقيق اللحمة الداخلية لمواجهة وتمزيق ثوب الغطرسة الصهيونية ، وان نعمل نحن كفلسطينيين على تحقيق مصالحتنا مع ذاتنا لأن ديسمبر هو بداية المعركة .. د ناصر إسماعيل جربوع اليافاوي -كاتب باحث فلسطيني الأمين العام المساعد لمبادرة المثقفين العرب (وفاق )
#ناصر_اسماعيل_جربوع_اليافاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟