|
غربان الشؤم تطير الى أوكرانيا
سناء الموصلي
الحوار المتمدن-العدد: 1036 - 2004 / 12 / 3 - 08:33
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
غربان الشؤم تطير الى أوكرانيا د. سناء الموصلي انطلاقاً من المقولة الروسية الشعبية المشهورة « يقسم جلد الدب وهو مازال حياً » نلقي نظرة أخرى على الانتخابات في جمهورية أوكرانيا التي تمر بمرحلة عصيبة في هذه الأيام الحاسمة لمصير هذا البلد الذي لا يريد له الغرب وحلفائه أن يستقر. فبالأمس القريب طار الى هناك رئيس جمهورية جيكيا السابق هافل ورئيس جمهورية بولندا السابق ليخ فالينسا والحالي أليكسندر كفاشنيفسكي وخافيير سولانا رئيس هيئة العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي ورئيس جمهورية لتوانيا من دول بحر البلطيق وغيرهم من السياسيين الغربيين للمساهمة في صب الزيت على النار في الأزمة الانتخابية الأوكرانية. وهنا لابد من التذكير بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المزرية التي آلت اليها جيكيا أيام حكم الكاتب والمناضل السياسي المعروف بكفاحه ضد الاشتراكية هافل والذي كان يعد من أشهر السياسيين الموالين للغرب ابتداءاً من أزمة ربيع 1968 ومروراً بالسبعينات والثمانينات حتى خروجه من السجن وانتخابه رئيساً لجمهورية جيكوسلوفاكيا. لقد كان أول عمل قام به هو تقسيم جيكوسلوفاكيا الى قسمين- جيكيا وسلوفاكيا التي اصبحت كل منهما جمهورية مستقلة. ومن مقارنة الوضع الاقتصادي والاجتماعي في سلوفاكيا مع جيكيا، فكل المعلومات والأرقام تؤكد أن التطور والاستقرار الاقتصادي في سلوفاكيا أفضل بكثير مما هو عليه في جيكيا التي انتشرت فيها المافيات على مختلف أنواعها، ناهيك عن سوء العلاقات الاجتماعية هناك وانتشار بيوت الدعارة في العاصمة براغ مع ارتفاع نسبة الجريمة بشكل ملحوظ بسبب تدهور الوضع المعاشي والحياتي لفئات كثيرة من السكان نتيجة غلق كثير من المصانع والمشاريع التي كانت تدعمها الدولة قبل مجيئ هافل الى سدة الحكم. فقد ازداد ارتباط جيكيا بالغرب في عهد هافل، الأمر الذي فتح البلاد على مصراعيها للرأسمال الغربي الذي هدف بالأساس الى تقويض الاقتصاد الوطني الجيكي وهذا ماحصل عليه بفضل هافل. أما الحائز على جائزة نوبل للسلام ليخ فالينسا ورئيس "حركة التضامن" في السبعينات - عامل مصنع السفن في مدينة كدانسك الذي لم يتخل عن منصبه بسهولة بعد فوز منافسه عليه في الانتخابات الرئاسية أواسط تسعينات القرن الماضي، إذ امتنع عن تسليم وثائق رسمية مهمة الى رئيس الجمهورية الجديد. وبعد مفاوضات عسيرة معه استمرت مايقارب الشهر استسلم للأمر الواقع وقام بارجاعها للرئيس الجديد، فيكفينا أن نلقي نظرة سريعة على الوضع الاقتصادي والمعاشي للشعب البولندي الذي دعم هذا الدجال في السبعينات من القرن الماضي ولحركة التضامن. فالوضع الاقتصادي في بلده بولندا ليس هو بأفضل مما عليه في جيكيا. فقد بلغت البطالة أيام حكم فالنسيا مايقارب 40% من مجموع السكان القادرين على العمل. وشهدت الدول الاسكندنافية وباقي دول أوروبا الغربية هجرة كبيرة من البولنديين العاطلين عن العمل في بداية التسعينات. وتم استغلالهم بشكل كبير من قبل أرباب العمل الأوروبيين الذين كانوا يعتبرونهم قوة عمل رخيصة جداً. أضرب مثالاً على ذلك مدى الاستغلال الكبير للبولنديين في النرويج من قبل اصحاب العمل، حيث أن العامل البولندي كان يتقاضى حوالي 14% من أجر العامل النرويجي في الساعة الواحدة، ناهيك عن الاستغلال الكبير لهم حينما كانوا يعملون في جني المحاصيل الزراعية وقطف الثمار أو تصليح البيوت وترميمها. أما عن دخول بولندا للاتحاد الأوروبي فهذا لن يحسن وضعها الاقتصادي فقد بدأ الفلاح البولندي يأن من شروط الاتحاد الأوروبي في مجال زراعة نوعيات معينة من الخضروات والفواكه والمحاصيل الزراعية تقيد وتحد من حريته في انتخاب زراعة هذه الأصناف غير المرغوبة في بلده. أما مايخص النتائج الاقتصادية السيئة لدخول لتوانيا كعضوة في الاتحاد الاوروبي مقارنة مع ما حصل من تقدم اقتصادي في جمهورية بيلوروسيا فقد لمستها وتعرفت عليها اثناء زيارتي لهذه الجمهوريتين في الصيف الماضي. فقد ارتفع معدل الانتاج الزراعي والصناعي في بيلوروسيا بمعدل 7% و 15% على التوالي مقارنة مع لتوانيا في هذه السنة. وارتفع معدل دخل الفرد بنسبة 20% في بيلوروسيا مقارنة مع لتوانيا في السنوات الخمسة الأخيرة. وبلغت نسبة الموارد المخصصة للتعليم العالي هذه السنة في ميزانية بيلوروسيا 6% في حين لم تبلغ 4% في لتوانيا. وتعتمد بيلوروسيا على نفسها في انتاج الثلاجات والغسالات والتلفزيونات وبقية الأدوات الكهربائية والمنزلية بالاضافة الى الصناعات الخفيفة والغذائية ، في حين لم يكن الأمر كذلك في لتوانيا التي دخلت في عضوية الاتحاد الأوروبي الذي يفرض عليها سياسته الاقتصادية في القطاعات الصناعية والزراعية والاستثمارية وما تجره معها من نتائج سلبية تجعلها تابعة لأوروبا الغربية وأمريكا ، وهذا ما تريده المعارضة الأوكرانية من جر بلدها نحو التبعية الاقتصادية والسياسية. أما عن الأساليب غير الشريفة وغير القانونية التي اتبعها فيكتور يوشينكو وأتباعه في حملتهما الانتخابية فهذا ما تؤكده الاتصالات الهاتفية التي أجريتها مع الأصدقاء في أوديسا وكييف الذي اتضح أن يوشينكو وزمرته قاموا بتأجير باصات أرسل فيها الطلاب من مدن أوديسا ولفوف وفولين وجيتومير وغيرها من مدن غرب أوكرانيا مع دفع مبالغ مالية لهم لقاء اشتراكهم في المظاهرات المؤيدة ليوشينكو في كييف حيث وفر لهم الأخير الخيام والغذاء والملابس وحتى مستحضرات الهلوسة المثيرة للأعصاب كالمادة المعروفة بالأستاسي التي تخلط مع الشاي والقهوة التي توزع على المتظاهرين في العاصمة كيف. أما عن اتهام يوشينكو بأن الحكومة مسؤولة عن تسميمه وهذا ما أدى الى تشوه وجه ، فهذا ادعاء خال من الصحة وأثبتته التقارير الصحية التي كتبها أطباء مستقلون. في حين يعرف الناس في كييف وأوديسا علاقة يوشينكو وزوجته بالمافيات الغربية وفروعها في بولندا ودول بحر البلطيق مثل لتوانيا ولاتفيا التي تمول حملته الانتخابية. أما في حالة انقسام أوكرانيا الى شرقية وغربية وهذا ماصوت له 3500 ممثل عن المنظمات السياسية والاجتماعية والنقابية في مدينة دونيتسك قبل حوالي اسبوع فسوف تلحق نتائجه السيئة غرب اوكرانيا. والسبب في ذلك هو تركز صناعات استخراج الفحم الحجري والمتالوروجيا (الحديد والصلب) والصناعات الكيمياوية والكهربائية والسيارات وغيرها في شرق اوكرانيا وهذا ما يخاف منه الغربيون. يراهن القوميون الأوكرانيون على حصان طروادة الذي سوف يؤدي الى قصم ظهورهم ويأتي بنتائج لاتحمد عقباها على الشعب الأوكراني الذي بدأ يشعر للتو بتحسن أوضاعه الاقتصادية في ظل حكومة فيكتور يانكوفيتش الذي رفعت الرواتب والمعاشات التقاعدية وتسمح بازدواج الجنسية وقرارها في سحب القوات الأوكرانية من العراق وغيرها من الاصلاحات الاقتصادية والسياسية التي انتظرها بفارغ من الصبروالذي لا يريد أن يفقدها بمجيئ يوشينكو وأتباعه الموالين للغرب. وهنا لابد من أن نؤكد على الأخطاء اتي ارتكبها كوتشما رئيس الجمهورية في مجال حقوق الانسان والاعتقالات التعسفية في عهده وقمع الحريات وغيرها من السلبيات التي يستغلها القوميون الذي هو واحد منهم في الهجوم على فيكتور يانكوفيتش وأنصاره. أنا متأكد من أن الشعب الأوكراني الواعي لمصالحه سوف يفهم أهداف الغربان الغربية الأمريكية التي طارت على عجلة اليه من بولندا ولتوانيا والاتحاد الأوروبي اللذين يظهرون له وكأنهم يدافعون عن حريته ومستقبله وما يضمرون له من نوايا سيئة ستظهر نتائجها سريعاً كما حدث في جمهورية جورجيا وتبديل شفيرنادزه بآخر أكثر منه ميلاً للغرب وهو ما حدا به الى ارسال 1000 جندي الى العراق لمساندة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في إدامة احتلال وطننا الحبيب.
#سناء_الموصلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نظرة على الانتخابات الاوكرانية
-
يوم تصبح نظرية مالثوس صحيحة على الرغم من خطئها
-
تعليق على مقالة فاتن نور في العدد 1006 بتاريخ 03.11.04
-
سلام عبود في روايته السادسة - زهرة الرازقي
-
النومينكلاتورا -الطبقة التي حكمت الاتحاد السوفيتي
-
المعيشة المقننة في ظل النومينكلاتورا
-
اسماعيل فتاح الترك لم يرحل عنا
-
وأخيراً كشر الشيشان عن أنيابهم في قضية الشعب العراقي
-
الأجر المنخفض في ظل اطالة وقت العمل وتكثيفه
-
نزار دعنا- شهيد الصحافة الحرة
المزيد.....
-
سحب الدخان تغطي الضاحية الجنوبية.. والجيش الإسرائيلي يعلن قص
...
-
السفير يوسف العتيبة: مقتل الحاخام كوغان هجوم على الإمارات
-
النعمة صارت نقمة.. أمطار بعد أشهر من الجفاف تتسبب في انهيارا
...
-
لأول مرة منذ صدور مذكرة الاعتقال.. غالانت يتوجه لواشنطن ويلت
...
-
فيتسو: الغرب يريد إضعاف روسيا وهذا لا يمكن تحقيقه
-
-حزب الله- وتدمير الدبابات الإسرائيلية.. هل يتكرر سيناريو -م
...
-
-الروس يستمرون في الانتصار-.. خبير بريطاني يعلق على الوضع في
...
-
-حزب الله- ينفذ أكبر عدد من العمليات ضد إسرائيل في يوم واحد
...
-
اندلاع حريق بمحرك طائرة ركاب روسية أثناء هبوطها في مطار أنطا
...
-
روسيا للغرب.. ضربة صاروخ -أوريشنيك- ستكون بالغة
المزيد.....
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
المزيد.....
|