ناهدة شحادة
الحوار المتمدن-العدد: 1034 - 2004 / 12 / 1 - 08:02
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
منذ عام 1981 وفي الفترة الواقعة بين 25/11 الى 10/12 ,أليوم ألعالمي لحقوق الآنسان , من كل عام , تحيي نساء العالم ومعهن القوى التقدمية وحركات حقوق الانسان ذكرى النساء اللواتي قتلن على يد رجال واللواتي يتعرضن للعنف لكونهن نساء فقط .
مع اقتراب يوم 25/11 "اليوم العالمي لمحاربة العنف ضد النساء" من حقنا ان نتساءل بأعلى صوت ماذا فعلت دولة اسرائيل ؟ وماذا فعلنا
نحن كمجتمع عربي فلسطيني يعاني منذ سنين طوال من أفة التمييز وسياسة الاضطهاد القومي بشكل يومي لتغيير واقع المرأة المرير والقاسي ؟.
نحن اليوم وبعد مضي كل هذه السنوات , وبالرغم من ان دولة اسرائيل قامت عام 1980 بالتوقيع على اتفاقية القضاء على كافة اشكال التمييز ضد المرأة والتي تمت المصادقة عليها بشكل نهائي عام 1991 الامر الذي الزم دولة اسرائيل تنفيذ مباديء هذه الاتفاقية وبالاساس مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة وذلك بادراج هذا المبدا في قوانينها وتشريعاتها مع تحديد الضمانات اللازمة والكافية لضمان تحقيق هذا المبدأ على ارض الواقع وذلك عن طريق اتخاذ كافة الاجراءات والتدابير اللازمة والواجبة لتغيير او تعديل او ابطال او الغاء القوانين والتشريعات والانظمة والممارسات والاعراف التي تشكل تمييزا ضد المرأة . رغم كل ذلك نرى أن التقرير الاخير الذي وضع امام لجنة مكانة المرأة في الكنيست مؤخرا يشير الى انه في عام 2003 قتلت 22 امرأة بدم بارد على يد ازواجهن او احد افراد العائلة الذكور, منهن 4 نساء عربيات قتلن على خلفية ما يسمى " شرف العائلة". ويشير هذا التقرير على انه خلال العشر سنوات الماضية تم هدر دم 248 امرأة وان 13% من مجموع النساء التي تصل نسبتهم العامة الى حوالي 51%
من مجموع سكان الدولة ، يتعرضن للعنف باشكاله المختلفة الكلامي، الجسدي، الجنسي والنفسي وانه تم فتح 20 الف ملف على خلفية ارتكاب جرائم العنف في العائلة و 3425 ملف على خلفية ارتكاب جرائم اعتداء جنسي و 1763 ملف على خلفية ارتكاب جرائم تحرش جنسي وانه بالسنة الاخيرة عالجت ملاجيء النساء (14 ملجأ) فضايا ل 642 امرأة .
غني عن القول بأن هذه المعطيات المؤلمة والارقام التي تتكلم عن نفسها لا تصور الواقع الحقيقي لظاهرة العنف ضد النساء حيث ان نسبة النساء المعنفات الموجودات بيننا تفوق بكثير المعطيات الواردة في التقرير المشار اليه اعلاه لان غالبية هؤلاء النساء لم
يقدمن شكاوى ولم يلتجئن لطلب المساعدة من احد ولهذا لم يسمع عنهن احد .
ان هذه المعطيات رغم خطورتها وتهديدها للامن الاجتماعي لم
تحفز حكومات
اسرائيل ألمتعاقبة ,بشكل عام , لبذل الجهود الجدية
لمحاربة ظاهرة العنف حيث
لا تضع مسألة معالجة هذه القضية المزمنة على سلم اولوياتها الامر الذي يظهر بشكل جلي في شحة الميزانيات المرصودة لمعالجة هذا المرض القاتل للمجتمع وبسياسة التقليص في ميزانيات البرامج التعليمية والتربوية الهادفة الى تغيير المفاهيم الاجتماعية السائدة حول مكانة المرأة
ودورها في المشاركة المتساوية في جميع مجالات الحياة,
وحق المرأة في العيش بامان واطمئنان بالاضافة الى عدم فعلها شيء لتغيير القوانين والتشريعات المميزة ضد المرأة , وخاصة قوانين الاحوال الشخصية وتحديدا
في المسائل المتعلقة بالزواج والطلاق .
أما فيما يخص مجتمعنا العربي الفلسطيني , على الآخص , فنرى بان الدولة بمؤساستها الرسمية المكلفة بالعناية بهذه المسألة
, جهاز الشرطة والجهاز
القضائي,
فنراها في اغلب الاحيان تقف مكتوفة الايدي امام محاربة هذه الظاهرة الاجرامية بذرائع مختلفة اهمها عدم التدخل بعادات وتقاليد واعراف مجتمعنا التي وبحسب أدعائهم
, تبيح العنف ضد النساء وتصفح عن جريمة القتل بحجة " شرف العائلة" . و ينعكس ذلك بشكل واضح اولا بتعامل جهاز الشرطة بالرغم من تحسنه الطفيف في الفترة الاخيرة ¸مع
قضايا النساء العربيات المعنفات اللواتي يتقدمن بشكاوي ضد ازواجهن او احد افراد عائلاتهن, أذ غالبا ما يتصف هذا التعامل
بعدم
الجدية
وبالتجاهل المقصود لمشاكلهن واحيانا بالآستهزاء.
ونحن نعلم بان هذا التعامل وعدم الجدية ادت في احيان عديدة الى نهايات مؤسفة دفعت بعض النساء حياتهن ثمنا لها.
ومن ناحية أخرى ينطلق الجهاز القضائي في تعامله مع هذه المسالة من منطلق, ان مجتمعنا يصفح عن الجريمة ويعتقد بان هذه الجريمة تخص العائلة المعنية وليس المجتمع ككل.
ويبرز هذا التعامل
في الاسلوب والطريقة التي يوجه فيها المدعي العام الدولة الاتهام الى الجاني فنرى بانه بدلا من اتهام الجاني بالقتل المتعمد مع سبق الاصرار والترصد غالبا ما يتهم بالقتل غير المتعمد لتخفيف الحكم.
وفي هذه النقطة بالذات لا يمكننا ان نبري انفسنا من هذا التعامل حيث اننا نرى ونسمع ونشارك كمجتمع بالسكوت على توجه البعض للجهاز القضائي بهدف التأثير عليه لتخفيف الاحكام في الحالات التي يكون فيها الجاني متهم بارتكابه جريمة قتل امرأة على خليفة ما يسمى "شرف العائلة".
اما في الحالات التي يحكم فيها رجال عرب اعتدوا على نسائهم بعد توجه النساء الى القضاء,
يتضح لنا من خلال مراجعة الاحكام بحقهم واعتمادا على معرفة شخصية, بانه في معظم الحالات كان الحكم غرامة مالية وفي احسن الاحوال غرامة مالية وسجن مع وقف التنفيذ وليس سجنا فعليا وتقريبا وفي اغلبية الحالات لا نرى ان الجهاز القضائي تبنى مبدا فرض العقوبة القصوى على الجاني كما ينص القانون.
وعليه وانطلاقا من هذه النقطة بالذات ولمنع التدهور الحاصل بانتشار ظاهرة العنف بشكل عام والعنف الممارس ضد النساء بشكل خاص والذي تصب نتائجه في مصلحة السياسة الحكومية التي تعمل على عدم وحدتنا وزيادة الخلافات بيننا عملا بمبدأ فرق تسد, علينا جميعا العمل على تغير الرأي والموقف السائد لدى الاغلبية الساحقة من ابناء وبنات مجتمعنا الذي يبيح ويشرعن العنف ضد النساء الامر الذي نراه بوضوح عندما يدور الحديث حول جريمة قتل ارتكبت داخل اطار العائلة ضحيتها كانت امراة,
في هذه الحالة يمتنع المجتمع ككل بالتدخل بالمسألة ويقف موقف المتفرج من بعيد وكان المسألة هذه لا تخصه ولا تعنيه عملا بالمنطق الاعوج الذي يقول بان هذه الامر هو شأن عائلي لا نتدخل به.
بينما
في حالة معاكسة عندما يدور الحديث حول جريمة قتل ارتكبت كذلك داخل اطار العائلة ولكن ضحيتها هذه المرة كان رجل هنا تصبح القضية, بقدرة قادر,
قضية اجتماعية تمس سلامة المجتمع ككل وتكثر الاستنكارات والوفود المتضامنة والمستنكرة وتتكاثف جهود الشخصيات الاجتماعية والسياسية والشرطة لمعالجة القضية , الامر الذي نباركه طبعا,
وفي نفس الوقت نتمنى على جميع المؤسسات والهيئات الرسمية والقيادات الاجتماعية والسياسية بان لا تملآ فمها بالماء عندما تحدث جريمة
قتل امرأة او جريمة اعتداء على امراة وانما نطالبها
برفع مستوى محاربتها للعنف ليشمل كذلك العنف الممارس ضد النساء انطلاقا من قناعتنا بان العنف هو العنف والجريمة هي الجريمة من جهة
, ومن الجهة الاخرى ,
وعدم شرعنة واباحة العنف والجريمة اذا ارتكبت بحق امراة . كما ونطالبهم بالكف عن هذا التعامل المزدوج لان هذا التعامل ومعه الاحكام المخفضة المفروضة بحق مجرمي العنف في العائلة لا يمكن ان تؤدي في نهاية المطاف باي شكل من الاشكال الى رفع قضية مكانة المراة ومساواتها وبالتحديد مسالة محاربة العنف الممارس ضد المرأة الى المستوى الذي يجب ان نرتقي اليه لتصبح قضية اجتماعية تهم كل واحد منا بغض النظر عن جنسه ولغته ودينه وعمره وثقافته وانتمائه الحزبي والسياسي.
وعليه فنحن في جمعية نساء ضد العنف التي وضعت, منذ تأسست, على رأس سلم اولوياتها ونشاطاتها وفعالياتها محاربة العنف بشكل عام,
والعنف ضد النساء, بشكل خاص,
نتوجه الى كل فرد من افراد مجتمعنا الذي تهمه هذه القضية والى جميع المؤسسات الرسمية والاهلية الفعالة والاحزاب السياسية والتيارات الاجتماعية والسياسية والدينية ان يتخذ كل واحد منا موقعه من المسؤولية الجماعية والفردية,
قناعة وايمانا منا بأن محاربة العنف ضد النساء هو جزء لا يتجزأ من محاربة العنف عامة, وهي مسؤولية وطنية بالدرجة الاولى تقع على عاتق كل فرد منا بالوقوف بالمرصاد بوجه سياسة حكومة اسرائيل الموجهه ضدنا والتي تهدف الى تغذية انتشار العنف بيننا ومطالبتها ان تتحمل مسؤوليتها اتجاهنا بزيادة الميزانيات المخصصة لمحاربة ظاهرة العنف وان تكف عن التذرع بحجج مثل
عدم الرغبة بالتدخل في عادات وتقاليد مجتمعنا,
بينما هي تتدخل يوميا في لقمة عيشنا ومطالبتها بالتقيد ومحاربة ظاهرة العنف وفقا للقانون ودون تميز. من هنا ولكي نخطو الى الامام في هذا الاتجاه تتوجه جمعية نساء ضد العنف للجميع بهدف التعاون ووضع برنامج متكامل متفق عليه يهدف الى قلع ظاهرة العنف من مجتمعنا من جذورها.
(المحامية ناهدة شحادة، هي رئيسة جمعية نساء ضد العنف)
*من النشرة الخاصة التي أصدرتها "جمعية نساء ضد العنف" بمناسبة "اليوم العالمي لمحاربة العنف ضد النساء"
#ناهدة_شحادة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟