أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زهدي الداوودي - الحاج طرشي و الفأرة














المزيد.....

الحاج طرشي و الفأرة


زهدي الداوودي

الحوار المتمدن-العدد: 3473 - 2011 / 8 / 31 - 21:22
المحور: الادب والفن
    




نه سوء حظ لا يبتلى به سوى إنسان طيب القلب، كريم، صادق مع زبائنه، يقدم لهم أحسن أنواع الطرشي المصنوع من خيار الترعوزي المزروع على جانبي النهر. ومن الباذنجان الطري الطازج ومن خل التمر المصنوع في البيوت العريقة ومن أحسن أنواع الزيتون المستورد من اليونان. طرشي لا يمكن لعابر السبيل أن يمر به مر الكرام، دون أن يتوقف عنده ودون أن يتمكن من قمع لعابه الذي يسيل بمجرد شمه لرائحته. والنتيجة أن الزبون يمد يده إلى جيبه ويخرج محفظته قائلا:
" حجي، من فضلك كيلو من هذا "
ويتناول "الحاج طرشي" المغرفة الكبيرة، قائلا ببشاشة:
" تؤمر أغاتي"
وحين يودعه الزبون، يتمنى له العافية والصحة. وسرعان ما يقف أمام الواجهة زبون آخر.

طرشي "الحاج طرشي". هذا الاسم أو بالأحرى اللقب لم يحصل عليه "الحاج طرشي" عبثا. إنه حصل عليه بجدارة وبسبب إخلاصه لسر مهنته التي تقف على رأسها النظافة وأصالة التوابل الخاصة المستوردة من الهند. والدليل على نظافته شهادة مديرية الصحة العامة المعلقة على الحائط في مكان بارز.
تمتم "الحاج طرشي" مع نفسه وراح يشتم مدير الشرطة المدمن على طرشيه الذي يتناوله يوميا مع كباب الاسطة قادر وأرسل أطنان اللعنات إلى أجداد وآباء فراشه الذي خابره قبل دقائق، مبلغا إياه بوجود فأرة ميتة في طرشيه الذي أرسله إليه هذا اليوم مع صانعه وطلب منه أن يأتي إليه فورا:
" من أين أتت هذه الفأرة يا إلهي، من أين. كيف أتخلص من عقاب مدير الشرطة الذي سيضعني حتما في صفوف المحتالين والمجرمين، بعد أن كان يثني على ويعتبرني صاحب أحسن طرشي في العالم"
ومما أدخل الرعب في نفسه أكثر، تهديدات الفراش له. وعلم منه خلال المكالمة التلفونية أن مدير الشرطة لا يعرف بالموضوع وأنه سيتأخر في تناول وجبة الغداء هذا اليوم بسبب اجتماع طارئ. وأنه يمكنه أن ينقذه من هذه الورطة التي إذا عرف بها المدير، فسيكسر ظهره لا محالة.
ردد "الحاج طرشي" في نفسه كلمات الفراش باستهزاء: " إنه يمكنه أن ينقذه من هذه الورطة.." ولكن منذ متى يساعد هذا الفراش اللعين والجشع الناس؟. إنها لاشك مساعدة لا يعلم إلا الله ثمنها. وراح يشك في أمر الفأرة التي لم يتوصل إلى سرها، ولكنه سرعان ما انتقل من الشك إلى اليقين. إذ ليس من المعقول أن أمسك الفراش فأرة وقتلها ثم دفنها في ثنايا الطرشي. إن الفأرة الطرية بدمها ولحمها تختلف عن الفأرة الميتة المشربة بسائل الطرشي والمتخمرة فيه. والتفت حواليه، يجيل عينيه في زوايا المحل كأنه يبحث عن شيء ما. وراح يحرك المناضد التي وضعت فوقها قوارير الطرشي والمواد الأولية. أنتبه فجأة إلى خيار مقضوم تبدو عليه آثار أسنان صغيرة. قال بصوت عال:
" لعنة الله عليك أيتها الفأرة الحقيرة "
وراح يدقق في الزوايا المختفية وراء قوائم المناضد المصطفة جنب الجدران، فوجد ثلاثة جحور لم تصنعها سوى الفئران الخبيرة بصناعة الأنفاق. قطع أنفاسه وأخفى نفسه وراء ستارة وراح يراقب الجحور. خرجت فأرة صغيرة بكل تحد وهي واثقة من خلو المكان ووقفت أمام باب الجحر، تستطلع يمينا ويسارا كأنها تبحث عن شئ معين. وراحت تطلق أصواتا خافتة تشبه الأنين، خرجت على أثرها فارة أخرى، من جحر آخر، سرعان ما اتجهت إلى الفأرة الأولى. وبعد أن تبادلتا القبل ذهبتا إلى حيث الخيار المقضوم. وراحتا تحاولان سحبه إلى جحرهما.
هز "الحاج طرشي" رأسه واقتنع بأن الفأرة التي اقتحمت الطرشي المعد لجناب مدير الشرطة العام، إنما ترعرعت في محله هو وأنها لابد أخت أو ابنة عم إحدى هاتين الفأرتين اللتين ستنالان عقابهما في وقت آخر، ذلك أنه الآن على عجلة من أمره. وعليه قبل كل شئ أن يحل مشكلة فارة الطرشي المطلوب للمدير. نصح الصانع أن لا يترك المحل ويظل ينتظره. كان محله يقع مقابل مركز الشرطة العام في الجانب الثاني من الشارع العام. بعد دقائق معدودة بلغ غرفة مدير الشرطة الذي كان لا يزال مشغولا بالاجتماع. نظر إليه الفراش بسخرية وهو يقول:
" هذا اليوم جاء أجلك يا حاج. سيجعلك المدير طرشيا حقيقيا. كيف تواجهه بعد انتهائه من الاجتماع، ماذا ستقول له "
وقبل أن يفتح "الحاج طرشي" فمه راح الفراش يواصل ثرثرته على أمل ابتزازه وأخذ اتاوة محترمة منه مقابل سكوته ومسح حكاية الفأرة من الوجود. المشكلة تبقى إذا محصورة بينهما دون أن تصل إلى المدير. قال "الحاج طرشي" مقاطعا صاحبه:
" لا داعي لإطالة الكلام. فهمت كل شئ. أنت تؤمر وأنا أنفذ "
تنفس الفراش الصعداء. مد الحاج يده إلى تحت إبطه كي يحكه. تصور الفراش أنه يريد أن يخرج محفظته فقال:
" ليس الآن يا حاج، خارج الدائرة "
سحب "الحاج طرشي" يده من تحت إبطه وقال:
" ولكنني أريد أن أرى الفأرة "
أخذه الفراش إلى غرفة جانبية صغيرة بمنضدة وعدة كراسي. كان طبق الطرشي موضوعا على منضدة صغيرة. وقف الحاج جنب المنضدة يدقق في الطرشي ويبحث عن الفأرة. وعندما وجدها بين طيات الطرشي مسكها من ذيلها ورفعها إلى أعلى وهو يحدق فيها بعينين غاضبتين وحادتين قائلا بارتياح:
" هذه ليست فأرة يا وليدي، إنها باذنجان لحيمي طازج "
وقبل أن يفتح الفراش فمه، دفع "الحاج طرشي" الفأرة إلى فمه المفتوح وأبتلعها جاعلا منها لقمة سائغة.
انهارت أحلام الفراش التي لم تدم طويلا.
أنصرف "الحاج طرشي" إلى سبيله، قائلا للفراش المذهول بتهكم:
" بلغ تحياتي إلى المدير وقل له شهية طيبة "



#زهدي_الداوودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قسم
- معطف الشقيق الأكبر
- إلى روح الشهيد جالاك سعيد مجيد
- رجاء، أوجدوا هذا المخطوف
- ذكريات مع مظفر النواب
- أسطورة أسمها عرفة
- تحولات من نوع آخر
- حركة الشباب: قوة محركة جديدة
- الزمن الرديء
- إلى الصديق ييلماز جاويد
- بين الديمقراطية والفوضى يسقط الظل
- صديقي العزيز كاظم حبيب
- زهرة الثلج
- نخب الشعب المصري العظيم
- المثقف المصري والانتفاضة
- ثورة أهل الكهف
- لمحة عن تطور الكورد منذ أقدم العصور
- موضوعات حول التيار الديمقراطي العراقي
- من تاريخ الحركة العمالية العالمية صعود وأفول حركة سوليدارنوش ...
- وداعا محي الدين زنكنه


المزيد.....




- صور| بيت المدى ومعهد غوتا يقيمان جلسة فن المصغرات للفنان طلا ...
- -القلم أقوى من المدافع-.. رسالة ناشرين لبنانيين من معرض كتاب ...
- ما الذي كشف عنه التشريح الأولي لجثة ليام باين؟
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور) ...
- إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر ...
- روسيا.. العثور على آثار كنائس كاثوليكية في القرم تعود إلى ال ...
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- -الأخ-.. يدخل الممثل المغربي يونس بواب عالم الإخراج السينمائ ...
- عودة كاميرون دياز إلى السينما بعد 11 عاما من الاعتزال -لاستع ...


المزيد.....

- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زهدي الداوودي - الحاج طرشي و الفأرة