|
المغرب وسياسة تدبير الملهاة
عذري مازغ
الحوار المتمدن-العدد: 3471 - 2011 / 8 / 29 - 22:26
المحور:
كتابات ساخرة
كم هو مدهش مغربنا الجميل، اجمل بلد في العالم، بلد التحديات العظام، وبلد التحولات السريعة والكبيرة بكل رحابة الخيال، بلد الأساطير السياسية الجميلة، بلد يتمتع سجناؤه الأعزاء بخوارق غير مألوفة ومحيرة إلى درجة تاه معها مهندسي البنايات الإسمنتية، فالسجون المغربية لا تؤدي دورها الفعال في كتم الأنفاس، بشكل يستطيع مناضل كبير ككبوري مثلا أن يخلخل موازين القوى السياسية في بوعرفة انطلاقا من سجن بعيد عنها يوجد بمدينة وجدة، بوعرفة المحادية للحدود الجزائرية، النائمة نومة مخزنية في سراب الصحاري لم يعد نومها مريحا في الآونة الأخيرة، بل أصبحت الشؤون فيها متقلبة، واصبحت الديكة السياسية مصابة بالهلع وغير مرتاحة تماما بعد ان شيع خبر جلل، قيل بأن كبوري تحول في الساعة الفلانية من سجن وجدة إلى سجن بوعرفة، كان وقع الخبر في بوعرفة هائلا جدا، فالديكة فجلت وصاحت في كل الإتجاهات بشكل نتساءل حقا:كيف تكون الحكمة لدى إدارة السجون ان تقرب للديكة ما يؤثر هلعها السياسي؟ والنتيجة انه لأول مرة في التاريخ يلبى طلب ملح للمجتمع السياسي البوعرفي، فالمغرب مقبل على انتخابات جديدة تدشن مرحلة القفزات أو التحولات الكبيرة التي فتح شهيتها الدستور الجديد، والمرحلة تتطلب استعدادا رزينا لتدبير نجاح العملية، والديكة لن تصيح وفق ساعتها البيولوجية المعروفة مادام هناك بالقرب مايعكر صفوها، بل وهذا هو البرهان، صاحت وفق هلعها المفاجيء، وتاهت في كل الإتجاهات، لتتعقل السلطة وفق رزانتها الحكيمة وتعيد صفو الأحوال ببوعرفة، والحقيقة أن السجين السياسي كبوري هو المستفيد الوحيد من كل هذا الإبداع المغربي الحازم رغم القرارات المخلبطة: تمتع بجولة سياحية من وإلى سجن وجدة، واستنشق نقاء هواء الحرية في جولة قصيرة: خرج من سجن وجدة في اتجاه سجن بوعرفة، هلعت الديكة فأعيد مرة ثانية إلى وجدة، ضحكت كل الزواحف الصغيرة على مسار وجدة بوعرفة، اليس الرفيق كبوري حكيما إلى هذه الدرجة وأسطورة رائعة في مغرب رائع؟ خلبطة رائعة بين إدارة تصدير القرار وفق قوانينها الداخلية (إدارة السجون) وإدارة رفض القرار وفق طول يدها على كل المؤسسات (وزارة الداخلية)، أما الدستور الجديد وما يؤسسه فهو نباح أسطوري على قافلة أسطورية لا تتحرك. لكن في الحقيقة فإن المرحلة الجديدة، تؤسس أيضا لمرحلة من التخبط، فالبغال الكبيرة التي ألفت وحشية الخلاء تحتاج ترويدا طويلا حتى لا يجفلها ضجيج المحركات الهيدروكربونية. كم هي مهولة سرعة السلاحف حقا. لكن الجديد أيضا هو ان يراعي المخزن متطلبات مجتمع الديكة الصغيرة المفجوعة، تتطلب المرحلة أن يبقى سجين مثير في سجن مثير أيضا للجدل، فالمرحلة المقبلة تؤسس لإبداع جديد وفق المعطيات التكنولوجية الجديدة، وقد تكون “النازا” الأمريكية مفيدة أكثر في هذا المجال: ان تبني سجونا في القمر تأوي هذه المخلوقات الخارقة، وتنشط حاسة الشعر عند السجناء على مقاس أبي فراس الحمداني، ونستمتع بروائع أخرى على مقاس: “في الليلة الظلماء يفتقد البدر”. آه يا أمريكا أيتها النازا العجيبة لوتبني لنا سجونا كبيرة بعيدة عنا كبعد القمر خجولة منا كضوء القمر. تبدو ايضا محاكمة كبوري ورفاقه في ذلك المغرب النائي الذي يحادي القمر أسطورة وإبداع جديد، فاعتقاله واستنطاقة وتلفيق التهم له كانت أيضا بإرادة سياسية، مطلب سياسي ملح أيضا، وهو لذلك يمكن اعتباره مطلب ديموقراطي ملح أيضا، وتدبير او إدارة الملهاة، يفترض أن يكون لكل معارض سياسي مقام في السجن، في البداية سيكون الأمر جسيما، ستكون التهمة ملفقة وكبيرة جدا كالتحريض على التظاهر والمس بهدوء الديكة،، وعلى طريقة العقيد الامريكي داريل هندرسون في تدبير الأخبار السيئة، سنربح الكثير من الوقت، سيحتج أهله ورفاقه على المحاكمة وهذا معروف وطبيعي جدا، لكن سنمضيها رغما عن ذلك وسيتحول المشهد في الشارع من المطالبة بالإصلاحات أو التغيير إلى مطلب ملح هو إطلاق صراح المعتقلين، سنكون قد حرفنا الإتجاه العام للمطالب، ونكون قد ربحنا الوقت على المدى البعيد. في المرة الثانية عندما ينطق الحكم بسجنهم سنسجنهم بعيدا عن اهلهم حتى يتحول مطلب تحريرهم من حجمه الكبير إلى مطلب صغير هو تحويلهم إلى سجن قريب، سنبدي خلالها ليونة في التعامل ونظهر لهم كم نحن ديموقراطيون ومتسامحون، وفي المرحلة الأخيرة، بعد أن ننجز عملنا السياسي سنبدي عفوا صريحا ويكون الامر بمثابة هدية في عيد من اعيادنا الخرافية، هم سيقولون بأن العفو عليهم نتيجة ضغطهم ونضالهم، ونحن نكون قد أنجزنا المهم، ولا يهم قولهم.. هكذا تدار الملهاة عندنا وهكذا يفتضح الامر انطلاقا من سجنه، فهو مروع للديكة السياسية وهو حسب النيابة العامة ببوعرفة: كبوري كان سينجح في الإنتخابات المحلية الفائتة لو دبر الامور قليلا، فهو كان يريد ان ينجح بدون إقامة الولائم، وهو المعطى الغير قائم في السياسة المغربية، لكن كبوري هذا ركب انفه، “أراد أن ينجح ببلاش” . هذه قصاصة مقدسة في المغرب، مصدرها رحم القضاء البوعرفي نفسه، وصحافة الطمس الإعلامي لم تثرها رغم بلاغتها الفجة، وكيل ملك في النيابة العامة يصرح لمحامي المعتقلين بأن التعليمات عنده هو تأديب هؤلاء المزعجين، فلله التكبير على الطريقة الليبية على عدالة القضاء عندنا. أليس من الحكمة الجليلة أيضا ان نقدم للوكيل الصريح هذا تحية إجلال وتقدير لبشارة القضاء المحايد في مطبخ الدستور الجديد. لقد فضحت جولة كبوري القصيرة من وإلى سجن وجدة كل التربص المجيد، والتربص هذا في قاموس داريل هندرسون ضروري لربح الوقت في العمليات العسكرية وإدارة أزمة الفواجع كقنبلة قرية كبيرة من قرى أفغانستان أو العراق أو غيرهما، لكن لاندري مالفاجعة في نقل سجين ومعتقل سياسي إلى سجن قرب أهله غير هذا التدبير المفرط في العمليات الإدارية المغربية، فكبوري ورفاقه قد سجنوا بالتمام الصافي، حكموا بعرف جديد هو كما أشرت إدارة الملهاة، وهم بتمام التدبير الملهي هذا قد قضي الأمر وسجنهم هنا أو هناك لا يغير من الملهاة شيء اللهم هذا الجهد الأخرق لكائنات قزمية لاتدرك ان الشعب يعرف السيناريو من ألفه إلى بائه، وان المسألة كلها يدفع ثمنها فقط اهالي الضحايا ورفاقهم وأن العدالة المغربية مهزوزة الأساس ولا تخدم الدولة بما هي مؤسسات قائمة الذات بل هي دولة تخدم بغلا كبيرا اسمه المخزن. فهونا علينا أيها المخزن والقوة والصمود لكل معتقلي الحراك الشعبي المغربي، والمجد الأبدي لأرواح شهدائه.
#عذري_مازغ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ليبيا وثورة التراويح: بالأحضان أيتها الإمبريالية المجيدة
-
يوميات مغارة الموت (4): تحية لروح الشهيد أوجديد قسو
-
20 فبراير هي الضمير الوطني لجميع المغاربة
-
القديس آمو
-
الماركسية في تفكيك أمير الغندور، الغندور منتحلا شخثص الفاهم
...
-
الماركسية في تفكيك امير الغندور: عودة إلى القياس الفقهي
-
الماركسية في تفكيك الأستاذ أمير الغندور: في غياب السؤال المع
...
-
الماركسية في تفكيك ألأستاذ امير الغندور: النزعة التلفيقية
-
الماركسية في فقه الأستاذ أمير الغندور
-
من حكايا العبور: سعيد الميركرودي
-
عودة إلى الصراع الطبقي والماركسية
-
لقاء مع بيكاسو: حي الجيتو
-
حول الصراع الطبقي والماركسية
-
حول الصراع الطبقي، رد على الزميلة مكارم
-
مغرب الإجماع البليد
-
نحو آلية عالمية للتنسيق بين ثورات الشباب في كل العالم
-
حول الدستور المغربي الجديد.. لتستمر الثورة
-
كلمة حق في استشهاد مهدي عامل
-
مارك فلوباييه:إعادة تأسيس المساواة هي في نفس الوقت استحالة ت
...
-
صلاة لأجل المرأة
المزيد.....
-
دراسة تحليلية لتحديات -العمل الشعبي الفلسطيني في أوروبا- في
...
-
مكانة اللغة العربية وفرص العمل بها في العالم..
-
اختيار فيلم فلسطيني بالقائمة الطويلة لترشيحات جوائز الأوسكار
...
-
كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل
...
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|