من أجل أممية جديدة*

رشيد غويلب

الحوار المتمدن-العدد: 3469 - 2011 / 8 / 27 - 23:31
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    

ترجمة: رشيد غويلب
من اجل إثارة نقاش مفيد وعميق بشأن أممية جديدة، نحتاج إلى تحليل دقيق للرأسمالية المعاصرة، لقد حجمنا ماركس عندما اعتقدنا خطأ أن الرأسمالية في جميع أنحاء العالم قد دخلت مرحلة نهايتها. في الواقع تلتهم الرأسمالية دائما مناطق جديدة من الأرض وتطبع مناحي الحياة فيها، وان ما يميز الرأسمالية الحديثة هو عدم وجود حدود لفضاءاتها المكانية و الزمانية و قدرتها على تحويل جميع العلاقات إلى علاقات سلعية ، و تحويلها السريع و بنحو متزايد من القوة المنتجة إلى قوى تدميرية، وإليكم بعض الملاحظات بهذا الخصوص:

طبيعة الإنتاج اليوم ليست مرتبطة حصرا بمواقع إنتاج ثابتة، ويتمتع التوزيع و التجارة بالسلع الوهمية باستقلالية نسبية عن إنتاج السلع، و القوى العاملة متاحة، بلا حدود زمنية، و في جميع أنحاء العالم. تتم المتاجرة، والأصح، إخضاع جميع الأشياء في الحياة، المواد الغذائية، الجينات البشرية و النباتية، الثروة الطبيعية و الثقافية...الخ، للاستغلال الرأسمالي، ولكن التناقض بين الموارد الطبيعة المحدودة و السعي اللامحدود للربح يدفع لتأمينها بالقوة، وهذا يزج بالمزيد من البلدان في دوامة العنف، ولعل أفغانستان مثال على ذلك. لقد نشأ توازن جديد للقوى، و الأصح نشأت اختلالات جديدة لتوازن القوى في العالم وفق المعايير الرأسمالية، لقد تحول العالم من القطبية الثنائية إلى عالم أحادي القطبية، في لوحة غير واضحة بعد توزيع القوى صعودا و نزولا.
لقد أصبحت الحدود بين القوى المنتجة و المدمرة متداخلة، فالرأسمالية لا تنتج، في شكل البروليتاريا، حفاري قبورها فقط، بل تنتج أدوات سقوطها و سقوطنا معا، إلا إذا استطاعت البشرية تغيير اتجاه التطور.

الاتجاه الآخر للتطور

انتاج و استهلاك و توزيع بشكل مختلف، هذه الثلاثية تؤشر لتطور باتجاه إنتاج مفيد اجتماعيا و بيئيا، فالتوزيع المختلف يقتضي تدخلا عالميا في علاقات الملكية، وطريقة أخرى في الإنتاج و الاستهلاك تستند على حلقة إقليمه تجلب معها أشكالا جديدة للديمقراطية. هذه العملية ستعزز وفرة عامل الزمن، ويمكن أن تؤدي إلى علاقة جديدة بين الجنسين. في المرحلة الانتقالية من الإقطاعية للرأسمالية وجد نموذج جديد من المنتجين هم العمال الأجراء الأحرار مرتين، مرة من العبودية و أخرى من امتلاك وسائل الإنتاج. تجاوز علاقات الملكية الرأسمالية سيجلب هو الآخر نموذجا جديدا من المنتجين سيكون حرا حقا، عندها يمكن ان تتحقق رؤية ماركس في إن البرولتاريا لا تحرر فقط نفسها ، بل تحرر معها جميع الطبقات و الفئات، ولكن ليس بالتعسف بل بالقانون، وليس بالعنف بل بالحقوق، وليس بالأبوية بل بكرامة الإنسان، هذه الدعائم التي تعطي السند لعالم منهار. سيادة القانون تنطوي على تنظيم واضح و قواعد للسيطرة على الأسواق و تحرير مؤسسات و قطاعات مؤثرة اقتصاديا و اجتماعيا، كالبنوك و النقل والطاقة و الصحة و الرعاية والتعليم و الثقافة، من منطق الربح.إن أطر الدولة الوطنية ضيقة لتحقيق هذه الأهداف، ويمكن فقط أمميا تحقيق تغيير مستقر في علاقات الملكية.

ما العمل؟

في المقام الأول يجب أن تعود الأممية لأحزاب اليسار، وان ينمو التفكير بأبعاد ونزعة أممية، ولن نفعل شيئاً إذا أعلنا نسخة جديدة للأممية تضاف إلى النسخ الكثيرة التي سبقتها، فضلا عن ضعف الاستعداد للمشاركة بعمل كهذا. لقد حل ستالين الأممية الشيوعية عندما لم تعد مفيدة له، و الاشتراكية الدولية القائمة تدعم قوى الثورة المضادة أكثر من تمثيلها لحركة تضامنية.
يعد التنسيق النشيط بين المؤسسات خطوة باتجاه العمل ألأممي المشترك، إذا استطاعت تلك المؤسسات تحرير نفسها من الارتباطات الضيقة بين الدول، ويمكن لحزب اليسار الأوربي ان يعطي زخما للفعاليات العابرة للحدود، إذا بدأ بالتفكير الاستراتيجي والممارسة العملية المطلوبة، رغم الصعوبات التي تواجهه في هذا المجال. علينا أن نكون قادرين في أوربا على التحرك المشترك ضد إملاءات البنوك وضد تصاعد قوة الأحزاب اليمينية داخل و خارج البرلمان. تمثل المنتديات الاجتماعية، بمشاركة أحزاب اليسار، أماكن لتبادل الخبرة و الرأي. نحن نحتاج التوجه إلى إقامة "نادي روما" يساري يشكل ورشة عمل فكرية- برنامجية، وهناك على غراره يوجد في أمريكا اللاتينية "منتدى ساو باولو، في حين نفتقد نحن في أوربا إطاراً كهذا.
تطرح علينا التطورات في شمال أفريقيا و البلدان العربية الكثير من الأسئلة، رغم إن مآل هذه الحركات ما يزال مفتوحا، ولكن هناك في جميع أنحاء العالم لنا شريكات و شركاء في العمل من اجل أممية جديدة، وعامل الوقت يضغط بهذا الاتجاه، فالأممية في النهاية توحد البشر.
-----------------------
* - مساهمة قدمها فولفغانغ جيركه، الشخصية البارزة في حزب اليسار الألماني وعضو قيادة الحزب و كتلته البرلمانية، وممثل الحزب في لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الألماني، في الجامعة الصيفية لحزب اليسار الأوربي في الرابع عشر من تموز في مدينة تريفي الايطالية

#رشيد_غويلب (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات