|
المدينة الصناعية وقصائد أخرى
حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)
الحوار المتمدن-العدد: 1032 - 2004 / 11 / 29 - 07:33
المحور:
الادب والفن
المدينة الصناعية وقصائد أخرى للشاعر السويدي آرتور لوندكفيست ARTUR LUNDKVIST ( 1906- 1991) ترجمة: حميد كشكولي المصانع: متاهة بردهات طويلة منخفضة ، ومكعبات عالية حادة ترفع أكتافها بتحدٍّ. مداخن تعدو إلى السماء مثل أذرع سمراء. مكائن ناصعة الأوصال و أذرع فولاذية سريعة، و عجلات يتصور المرء أنها صامتة لكنها تغلي بصوت عالٍ.
الهواء يرتعش؛ رماد الفحم ممدود على الأرض و يهتز. مصانع تطنّ: حشرات هائلات يمتصن العسل من قلب العالم. المداخن: أعمدة مستقيمة تحت سماء المدينة الصناعية السابحة في الدخان.
و في الضباب وردة الشمس النارية. ناس في الأزقة بين المجمعات السكنية؛ بشرتهم بيضاء مثل الجص و ظلالهم زرقاء. ( لكن فوق الوجوه النسائية تحوم خصلات الشعر و ترفرف مثل أغصان التفاح فوق مسكن.)
شرائح كالحة من نور الشمس. لا شئ أزرق؛ الأشجار خضراء، ساكنة ، ثقيلة: كأنها صبّت في حديد. زعيق سيرانات المصنع يمرق خلال الفضاء كصيحة خارجة من فم الحياة الأسود: جوع للخبز، جوع للشمس!
أريد تناول قطعة فحم وأرسم: مداخنَ : غابةً سوداء بتاج من دخان يموج في الريح. و جمهرة المصانع بنهر بشري أسود ينبع من بوابة: دم ا لمسخ الأسمر. و ثم ّ سأتناول الأرجوان و به أطارد الأفق إلى الوراء.
تعال تأمّلْ مدينة العمل حين الغروب حيث يغدو تاجها الدخان مجدا أدكن نحاسي اللون يبرق.
تعال انظرْ مدينة العمل في الليل: أشعة ذهبية و ظلال ترقص، سماء السخام و نور يدمي، صفائح من ضوء أبيض يمزّق الظلام، و لهيب يتمرأى في ماء يرتعش.
ففي سماء السخام قمر كالح الخضرة. ( من مجموعته الشعرية " حياة عارية")
الجاز
الجاز: إيقاع يتشبث بالأطراف و العضلات و الدم و الحواس لا يمكن مطاردته : شحنة يجب إشباع رغباتها باستمرار: شئ يصعد فيه، يتعلق به ، و يحل فيه: الأجساد تذوب في بعضها، تترنح حول ذاتها ، و هي أسيرة في ذات الإيقاع: البشر يتحررون من ذواتهم، من أناهم ، و قيمهم ، و مهماتهم ، و مهنهم، و وعودهم ، و واجباتهم ، و ماضيهم و مستقبلهم، يصبحون إيقاعا، يمسون الجاز، يغدون أجسادا ، و أطرافا ، و عضلات-
الجاز قطعة جنون و محاولة اغتصاب . الجاز إفلاس السعادة.
الجاز يكوّر نفسه في انتشاء كهرّة جميلة.
الجاز بقعي باكيا كطفل جالس لوحده على بلاط وسيع. الجاز يثب لاهثا مثل امرأة هستيرية ، يصيح ، يعض ، و يخدش ، يغضب ، و يثور ، ويلوك الزبد حول فمه. الجاز ينسل مثل لص ، و يظهر خلسة : المسدس معدّ في اليد.
والجاز بإمكانه أن يهزّز حين يتنفس موجات طويلة ، و مثل محيط يبلع كلّ سفن العالم: سلاسل الساعات تتأرجح و مدن كبيرة تدور ، و البحارة يتهادون في الطرقات و فتيات الميناء تلوّين أجسادهن البيضاء، و الشمس تتوقد و البحر – هو الجاز النقي! ( من مجموعته الشعرية " الشبّان الخمسة")
***** ******* ******** ينبغي علينا تعلم الألحان الجديدة، و اقتطاف الكلمات الجديدة من الفضاء بشفاهنا. علينا أن نأسر الأغاني الألف في تقاطعات طرقنا، و نسجن حفرة تجمع صفير المصانع و البكاء المذهّب للساكسفونات. علينا أ، نتعلّم الإيقاعات الجديدة عن المكائن السريعة و القوية و المصقولة الفولاذ.
ثمة جديد َقدِم إلى العالم – نتصوره ، نرى بصيصا منه في الحشد. علينا البحث عنه، البحث عنه بلا كلل!
علينا عزف لحن الحياة الجديد للبشر، المثير ، و المتصاعد، بسرعة، بجرأة، يلمع كالفولاذ. ( من مجموعته الشعرية" مدينة سوداء")
Sandburg, Amerika
ساندبورغ، أمريكا
أنا أتحدر من مروج تعزف ألحان البذور، من جبال حمراء حمرة الصبح و وديان زرقاء زرقة الليل، من مدن ، وشوارع ، وأنهار ، و غابات الأخشاب – أنحني فوق آلة الطباعة و أرمي للأسفل ضحكة " شيكاغو" البحة.
اعطني عشرة آلاف صفحة من الورق ! جيوبي مليئة بمصير البشر، أملك شروقا من العشق و ليلا من الكراهية، عندي المطر و الريح لمائة فصل ربيع و خريف، لي محيطان أزرقان و حفنة من نجيمات لامعة- أنحني إلى الأمام فوق آلة الطباعة، ً و أرمي إلى الأسفل ضحكة " شيكاغو" البحّة! ( من جموعته الشعرية" مدينة سوداء") ******** ****** ********
هذه السكينة ، و هذه الطمأنينة- الماء الداكن لموت الأحياء! جوهر الحياة الحركة- ماء يتدفق لامعا.
حيِّ العواصف كلها، كلّ ما يمزّق و يغيّر، كلّ تيارات العمق الخفية التي تحفظ الحياة طازجة، القوى الداكنة التي تنقذنا من الانقضاء في سعادة دسمة-!
الحياة ليست إلا القوة، قوة للسعادة، قوة للمعاناة- قوة كبيرة تنجزنا وترمينا إلى العمل ، و الخلق ، والعشق-
لا تتكلم عن السعادة. ليست ثمة من شئ سوى التوتر بين القوى و سعادة مصارعة القوى!
بقي لنا إيمان واحد- الإيمان بعمق الحياة في الدم الأحمر.
في مرة ما سنهزم مآسينا و معاناتنا،
و سنغذّي سعادتنا عند رحمة الأرض، سنصبح إنسانيين، حيوانيين ، و لن ننكر حيوانيتنا:
طبيعيتنا، رفاقتنا للثرى، والبذور و سديم الكون. .( من مجموعته الشعرية " مدينة سوداء")
#حميد_كشكولي (هاشتاغ)
Hamid_Kashkoli#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دماء شيوعية
-
أرملة قائد الثورة ستقاتل في سبيل الثروة
-
بمناسبة ثورة أكتوبر العظمى
-
الليل في ثياب رومانية
-
ابن لادن باحثا عن أسياد جدد
-
اللبراليون الجدد والقدماء- لو خلتْ منهم لانقلبتْ
-
تشومسكي - المهاجم الذي لا يحسن الدفاع
-
المستفيدون من عدم قبول تركيا في الإتحاد الأوروبي
-
شتّان بين التعاليم الدينية و سلوكيات شعب العراق السمحاء
-
لماذا تراجعت الثقافة التقدمية و التحررية في العراق؟
-
شفاه الموت
-
بين المادة التاسعة من القانون الأساسي في العهد الملكي و الما
...
-
الأديب السويدي المنتحر ستيغ داغرمان و حفرياته في النفس الإنس
...
-
الحياة مثل العشب
-
صلاح الدين و صدام
-
أحلام خضراء تخضب خطواتي
-
الشرق و الغرب التقيا في اسطنبول قلبيا
-
عربدة مقتدى زوبعة في فنجان
-
في المربد عرس واوية حقيقي
-
العفاف الإسلامي المغلوط
المزيد.....
-
بيت المدى ومعهد -غوته- يستذكران الفنان سامي نسيم
-
وفاة الممثلة المغربية الشهيرة نعيمة المشرقي عن 81 عاما
-
فنانون لبنانيون ردا على جرائم الاحتلال..إما أن نَنتَصر أو ن
...
-
مخرج يعلن مقاضاة مصر للطيران بسبب فيلم سينمائي
-
خبيرة صناعة الأرشيف الرقمي كارولين كارويل: أرشيف اليوتيوب و(
...
-
-من أمن العقوبة أساء الأدب-.. حمد بن جاسم يتحدث عن مخاطر تجا
...
-
إعلان أول مترجم.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 166 مترجمة على قص
...
-
رحال عماني في موسكو
-
الجزائر: مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي يستقبل ضيوفه من ج
...
-
أحلام تتفاعل مع تأثر ماجد المهندس بالغناء لعبدالله الرويشد
المزيد.....
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال
...
/ مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
-
المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر
...
/ أحمد محمد الشريف
-
مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية
/ أكد الجبوري
-
هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ
/ آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
-
توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ
/ وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
-
مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي
...
/ د. ياسر جابر الجمال
-
الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال
...
/ إيـــمـــان جــبــــــارى
-
ظروف استثنائية
/ عبد الباقي يوسف
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل
...
/ رانيا سحنون - بسمة زريق
المزيد.....
|