|
الزواج السريع .. والطلاق الأسرع
عبد الهادي بسام شنن
الحوار المتمدن-العدد: 3467 - 2011 / 8 / 25 - 19:01
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
المقدمة : الزواج نظام اجتماعي شامل تتشابك عناصره مع بقية الأنظمة الاقتصادية والقانونية والسياسية إلا أن هذا النظام نجم عنه جملة ظواهر وعادات وتقاليد تركت آثارها على سلوك الأفراد ومواقفهم واتجاهاتهم ، وإن هذا النظام له ايجابيات وسلبيات ولعل أبرز مايرجح سلبياته الفهم الخاطئ له وطريقة التعامل معه. إن عدوى السرعة انتقلت من المواصلات والوجبات السريعة، إلى الزواج والطلاق بسرعة. فكأن الناس، على عجلة في البناء والهدم. وأصبح الزواج شطيرة يتناولها الناس بسرعة، ويسارعون بهضمها بمساعدة المياه الغازية، ثم سرعان ما ينتهي، ويبدأ البحث عن شطيرة أخرى، ومشروب غازي آخر، يسهل هضمه فهؤلاء الرجال يظنون أن من الرجولة عدم التردد في استخدام كلمة الطلاق وبالعكس فإنه يزداد رجولة وفحولة وجرأة عندما يطلق ويتزوج من جديد .. وفي المقابل فإن المرأة تختبئ وراء شعارات الحرية والإستقلال فتطلب الطلاق عند اصغر مشكلة في حياتها الزوجية رافعة علم الإستقلال... وبالرجوع إلى ماقبل الطلاق نرى طريقة غير واعية في اختيار الزوج وتنظيم عملية الزواج ، ومن أبرز سماتها السرعة في الاختيار والتنفيذ إن هذه الظاهرة تبدأ بالإنتشار في مجتمعاتنا..فيجب التصدي لها والتوعية لوجوب وجود فترة منظمة وطويلة إلى حد ما قبل الزواج. 1-العوامل والأسباب المؤدية للظاهرة إن الزواج الناجح بدون شك يعتمد على الاختيار السليم فلاختيار السليم لشريك الحياة هو الأساس الأول في عملية الزواج فنجاح هذا الاختيار يترتب عليه نجاح واستقرار الزواج. تختلف المجتمعات البشرية في النظم التي تتبعها في اختيار الزوج أو الزوجة وبالرغم من ذلك فهناك قاعدة عامة تسير عليها وهي إما الاختيار من داخل العائلة أو العشيرة أو القبيلة أو من المجتمع المحلي وهو مايعرف بالزواج (الاندوجامي) وهو نظام يفرض على الشخص أن يتزوج من داخل الجماعة التي ينتمي إليها اجتماعيا أو قرابيا أو دينيا أو جغرافيا. أما الاختيار الثاني فهو الذي يتم فيه الاختيار من خارج الجماعة التي ينتسب اليها الشخص ويعرف هذا النظام بالنظام الخارجي (الاكسوجامي ) وهذا النظام هو الأكثر انتشارا في المجتمعات البشرية حيث أن معظم المجتمعات في العصر الحاضر تبيح لأفرادها الزواج من خارج جماعاتهم الثقافية اي من اولئك الذين لايشتركون معهم في الاصول العرقية أو الدين أو المركز الاجتماعي. واننا نرى ان النظام الأول الداخلي يسهل عملية التعارف وقد يكون الزوجان على علاقة قرابة أو صداقة عرفتهم ببعضهم إلى حد كبير ممايجعلهم أكثر تأهيلا للدخول في علاقة جديدة أبدية . أما النظام الثاني الخارجي فيحتاج إلى فترة طويلة ليتعرف الزوجان على بعضهم ليتمكنوا من إقامة علاقة ناجحة. ولكن هناك الكثير من العائلات التي لاتهتم بهذه الأمور بل إن أكثر مايهمها هو المال أو الثقافة أو المكانة الإجتماعية وعند توافر هذه المقومات تصبح الفتاة أول مبذول لأول مجتدي وإن من أبرز سمات هذه الزيجات هي السرعة ، فالزواج المرتب من قبل الوالدين لايأخذ فيه رأي العروسين على الأغلب ومن المؤكد أنهم لايتيحوا لهم فرصة للتعرف والتفاعل الاجتماعي مع بعضهم فعندما تكثر اللقاءات والتفاعلات يصبح الزواج أكثر نجاحا وهناك حالات لاتقوم على قاعدة اختيار معنية ولاتعرف نظم معينة تتبعها ، أساسها هو الحب ، الحب القائم على الانسجام والتوافق في الاتجاهات والطباع وهذا الحب لايأتي بالتأكيد بين ليلة وضحاها بل يحتاج إلى الانجذاب ومن ثم المزيد من التفاعل واللقاءات فالزواج الناجح لا يقوم على الحب من النظرة الأولى بالتأكيد وهذا التفاعل يحتاج إلى فترة ليست قصيرة فإن كانت السرعة مفيدة في كثير من الأمور فإنها مضرة كثيرا في الحب والزواج وهناك أسباب للسرعة في الزواج قد تكون مادية وقد تكون اجتماعية أو اقتصادية أو جنسية أو انتشار المفهوم الخاطئ للزواج فإن معنى الزواج ليس واضحاً في ذهن الشباب المقبلين على الزواج سواء كانوا رجال أو فتيات، فالكثير من الفتيات تتخيل أن الزواج هو الجنة الواسعة التي ستهرب فيها من سيطرة الأهل وقيود الأسرة، وكذلك الأمر بالنسبة للشباب الذين ينظرون للزواج بشكل مثالي وأنه مملوء بالرومانسية والهدوء وأن شريكة الحياة هي مخلوق بدون عيوب أو سلبيات ، فعلى الطرفين أن يفهموا معنى الزواج وأن يكونوا واقعيين في مطالبهم وواجباتهم فنحن بشر ولايوجد شخص كامل. 2-نتائج الظاهرة إن بإنتظار أغلب الأزواج الكثير من المفاجئات بعد أن يتم الزواج فعندما يكون الزواج سريعا ، لن يتثنى لهم معرفة بعضهم جيدا قبله ،وستكون المفاجئات حينئذ أكبر وقد تؤدي إلى طلاق سيكون أسرع من زواجهم أو سيختبئ وراء هذه العلاقة طرف مضحِِ وصابر أو طرف قتل كرامته واستباح نفسه للطرف الآخر، وفي كلا الحالتين ستكون العلاقة فاشلة بإمتياز. تقول د. فيروز عمر المتخصصة في الاستشارات ومشاكل الأسرة : إن ما يحدث بالضبط هو أن كلا الطرفين أو احدهما يستيقظ بعد أيام من الزواج على مفاجأة أن كثيرا من الصفات المطلوبة غير موجودة، ولكن هناك صفات أخرى غير التي كان يفكر فيها وغير التي تمثل مواصفات أساسية بالنسبة له، فتكون هذه إحدى الشرارات التي يبدأ معها اشتعال نيران الخلافات الزوجية ومن ثم حدوث الطلاق أو الخلع بمرور الوقت. وطبقا لأحدث احصاء سكني تم اصداره في مصر مؤخرا: تبين أن النسبة الأكبر من حالات الطلاق تقع بين المتزوجين حديثاً حيث تصل نسبة الطلاق في العام الأول 34% ، بينما تقل النسبة إلى 21.5 % خلال العام الثاني من الزواج ، وهذا يشير إلى الإختيار الخاطئ من كلا الطرفين أو إحداهما. وبقول آخر إن زواج رجل وإمرأة قبل أن يعرف كل منهما الآخر بصورة مناسبة يكفي لأن يرفضان بعضهما كاشركاء في الزواج. ويعتبر الطلاق بدون شك حادثا مشئوما للأشخاص الذين يشملهم كما يعتبر مؤشرا واضحا لفشل نسق الأسرة ، بالإضافة إلى اعتباره دليلا على محنة شخصية. 3-الحلول المفترضة إن الحل الأمثل لهذه المشكلة هو الإعداد المكثف خلال فترة ما قبل الزواج، وهذا الأمر يتطلب تعاون كافة مؤسسات المجتمع من الجمعيات الأهلية الناشطة في المجال الأسري وتفعيل دور المسجد، والمدرسة، والأسرة ،فالأب والأم لا بد أن يبذلوا جهدهم في إعداد أبنائهم للزواج من خلال رسمهم صورة أكثر واقعية عن الزواج ، وأن يهيئوا جوا مناسبا للعروسين ليتعرفوا على مساوئهم ومحاسنهم وهذا الجو يجب أن يمتد لفترة طويلة إلى حد ما وكثيرا ما يتسائل الناس عن الفترة المناسبة التي يستغرقها شخصان ليعرف كل منهما الآخر قبل أن يتزوجا وقد تبين ان هناك علاقة بين طول مدة التعارف وبين النجاح في الزواج حيث ان طول فترة التعارف او التلاقي بين الشابين المقبلين على الزواج تؤدي إلى التوافق الزواجي . وقد تبين ايضا انه عندما يتزوج شخصان بعد فترة قصيرة من التعارف فانهما يعرفان اشياء عن بعضهما بعد الزواج كان من الافضل لو عرفاها قبله حيث ان معرفة هذه الاشياء في ظروف جديدة مختلفة قد تحول دون حرية الاختيار وهنا تظهر بوادر ضغوط كبيرة سواء نحو الموافقة او الصراع وهذا يعتمد على مدى امكانية تعديل توقعات كل منهما تجاه الاخر وتعتبر عدم القدرة على تعديل التوقعات وتقبل الشخص الاخر كما هو وليس كما كان يتوقع من العوامل الهامة المؤدية الى الفشل الزواجي. الخاتمة وفي النهاية لابد من الإقرار بأن الزواج وتكوين الأسرة هي نواة المجتمع الأولى وأن التكوين السليم لهذه النواة لابد أن ينعكس ايجابا على الهيكل العام للمجتمع وأنه لاشك قائم على أسس وقواعد يجب أن تراعى ولعل من أهمها ماأسلفنا ذكره وهو الاختيار السليم لشريك الحياة والذي يتجلى من خلال التروي في اتخاذ القرار بلإرتباط به، ومعرفة أكثر مايمكن معرفته عن اتجاهاته وميوله وعقائده وطموحاته ومن ثم تقييمه تقييما واقعيا علميا بعيدا عن العادات والتقاليد البالية ، فإذا لم تطبق هذه الشروط مجتمعة كان الطلاق السريع بانتظار هذا الإرتباط ، أو في أفضل الأحوال سيكون هناك طرف قد تخلى عن كرامته وأبسط حقوقه وبالتالي سيكون الزواج مشتتا ممايتسبب في ايجاد كم كبير من المطلقات والمطلقين ، وهذا مايحدث جرحا في شريان المجتمع والأسرة . المراجع 1-الخولي(سناء)،الزواج والعلاقات الأسرية،دار النهضة العربية،بيروت،1983 2- السيد زايد، 240 حكم طلاق تصدره محاكم الأحوال الشخصية يوميا،8،4،2010، http://www.alarabiya.net/articles/2007/12/03/42459.html 3-بيري (الوحيشي أحمد)،الأسرة والزواج،جامعة الفاتح،طرابلس،1998 4-نعامة(ميساء)،الزواج والأسرة،ط1،دار السوسن،دمشق،2004
#عبد_الهادي_بسام_شنن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|