أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد القادر أنيس - الجزيرة تسخّر العلم والتقدم لخدمة الخرافة والتجهيل















المزيد.....

الجزيرة تسخّر العلم والتقدم لخدمة الخرافة والتجهيل


عبد القادر أنيس

الحوار المتمدن-العدد: 3466 - 2011 / 8 / 24 - 00:28
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


هذه مقالة أولى ضمن عدة مقالات حول فيلم وثائقي شاهدت حلقتين منه إلى حد الآن في قناة الجزيرة القطرية حول هجرة الرسول محمد من مكة إلى المدينة تحت عنوان بدا مغريا ومستفزا في آن واحد "هجرة غيرت وجه التاريخ" فتحملت عناء مشاهدته ولكن ما رأيته حتى الآن لا يعدو أن يكون تبجحا لفظيا وترويجا للخرافة وابتعادا عن الروح العلمية التي توحي بها مقدمته والإمكانيات العصرية التي رصدت لإنتاجه.
http://www.youtube.com/watch?v=ZZseNsDDITc&NR=1
استخدمت هذه القناة لإنتاج هذا الفيلم التجهيلي أرقى منجزات الفكر العلمي الحديث وسخرت إمكانياتها الكبيرة لتسويق التخلف في مظهر حداثي براق: لجأت، لهذا الغرض، إلى شهادة شخصيات كبيرة متواجدة في شتى بقاع العالم (المفكر الإسلامي التونسي راشد الغنوشي، الدكتور أحمد فال ولد صالح وزير الشؤون الإسلامية في موريتانيا، علي بردك أوغلو وزير الأوقاف التركي، عبد الله علي أبو سيف، مفكر إسلامي، حمزة زهير سالم، مفكر إسلامي وآخرون بالإضافة إلى منشط الحصة خالد أبو الخير الذي قدِّم على أنه مؤسس متحف المدينة الإسلامي دون أن نرى في هذا الفيلم أي عمل متحفي جديد بهذا الاسم)) لكنها شخصيات مستنسخة من بعضها ولا يوجد بينها الرأي والرأي الآخر كما هو شعار هذه القناة المثير، بالإضافة إلى طائرة هليوكبتر، أجهزة مسح جيولوجي راقية لم أر جدوى لها في الفيلم غير قياس الارتفاعات عن سطح الأرض، مقتطفات من أفلام إسلامية كبيرة، خلفية موسيقية عصرية ثم صور من السماء لمكة والمدينة بعمرانهما الحديث بفضل نعمة البترول ولم يكن للفكر الإسلامي المتخلف أي دخل في ذلك. سخرت الجزيرة كل هذا إلى جانب تسخير ألسنة مفكرين وسياسيين وصحافيين حرصوا على وقف التاريخ في هذا الفيلم في القرن القرن السابع الميلادي حيث أفرغ كامل حمولته وتوقف بعد أن قدم أفضل ما عنده من دين وسياسة وإدارة.
ينطبق على هذا الفيلم المثل العربي الشهير ((تمخض الجبل فولد فأرا)). مجرد تكرار لروايات قديمة ممجوجة لا تبرر المدة الطويلة التي استغرق إنتاجه والإمكانيات المسخرة له.
قال منشط الحصة (مؤسس متحف المدينة الإسلامي): ((أنا خالد أبو الخير، وسأصحبكم في رحلة نستكشف بها طريق هجرة رسول الله محمد بن صلعم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة. استغرق عمل هذا الفيلم عامين كاملين واحتجنا لتوثيق الطريق استخدام طائرة هليوكبتر، ولأول مرة، لأن الطريق يمتد مسافة 450 كلم، قمنا بذلك بالتعاون مع الهيئة السعودية للمساحة الجيولوجية)).
عندما ترتفع الطائرة يجد المشاهد نفسه أمام مناظر صحراوية مهولة، أراض جافة جرداء حجرية قاسية جدا لعلها تفسر بقدر كبير قساوة هذا الدين خاصة عندما نستعرض مشاهد جهنم اللاهبة المفزعة من جهة وقسوة العقوبات التي فرضها على مخالفيه من جهة ثانية، كما نتذكر من جهة ثالثة مشاهد الجنة المحمدية التي تعج بالأنهار والمياه والاخضرار والفاكهة.
بعد ذلك نسمع جميل عازر ((خرج من مكة مهاجرا بدينه وأصحابه إلى المدينة في رحلة محفوفة بالمخاطر والمفاجآت، إذ رصدت قريش من يحضره حيا أو ميتا مائة ناقة)). يقول هذا الكلام على خلفية موسيقية عصرية تذكرنا بأفلام الكاوبوي (Dead or Alive).
لكن المستمع الذي لم يتلوث عقله بهذه الخرافة الدينية أن تمكن من تنقيته منها لا بد أن يكتشف مفاجآت أخرى غير هذه. سيكتشف المستمع أن محمدا كان منذ خروجه من بيته، تاركا ابن عمه علي مكانه لتمويه غير مبرر، مزودا بمعجزات إلهية تحميه حتى بلغ المدينة، كما سنرى في مقال لاحق، فكيف يصدق القول بأن الرحلة كانت محفوفة بالمخاطر؟ هذه الطريقة في مخاطبة الناس شائعة في العقل الإسلامي الذي لا يأبه لما يمليه المنطق من انسجام في القول والفعل مادام المستمع أعزل من أي حق في الاعتراض والنقد.
ثم نسمع خديجة بن قنة: ((أنا محمد بن عبد الله رسول الله إليكم لأخرجكم من عبادة الأوثان إلى عبادة الله الذي خلقكم وخلق لكم هذا الكون)). ثم تقول ((هذا كل ما كان يقوله رسول الله صلعم لقريش؟))
فهل فعلا، هذا كل ما كان يقوله (رسول الله) لقريش؟ القرآن يكذب هذا الكلام. نحن نعرف أن محمدا دعا إلى دينه 13 سنة في مكة. صحيح عارضه أغلب سكان مكة ومن حقهم، ولكن هذه المعارضة كانت متمدنة حتى بمفهوم عصرنا إذا رأينا كيف كان القرآن يكفر معارضيه (قل يا أيها الكافرون..) ويسفه معتقداتهم ويحرض ضدهم ما استطاع.
ولولا أن مكة أيام ظهور محمد ودعوته الإسلامية كانت تشبه عاصمة غربية في أيامنا من حيث التعدد الديني والعرقي والتوازن الطائفي والتفتح على الآخر والتمتع بالحريات المختلفة لما أمكن لمحمد الذهاب بعيدا في دعوته. ما كان بوسعه أن ينشر دعوته لو عاش في هذه العواصم العربية الاستبدادية التي ساهم دينه في صنعها مساهمة حاسمة.
ثم تواصل خديجة: ((آمن معه قليل من رجال قريش ونسائها، لكن أكثر المؤمنين كانوا من الضعفاء والعبيد. كانت قريش ترى أن هذا الدين برغم توافقه مع دين إبراهيم عليه السلام وتعظيمه لمكة ولبيتها العتيق إلا أنه مصدر خطر اقتصادي وسياسي عليهم. فالدين الجديد يساوي بين الناس نساء ورجالا، أحرارا وعبيدا كلهم في ميزان الإسلام سواسية في الحقوق والواجبات. إذن كيف تتنازل قريش عن مكانتها التي وضعتها لنفسها وأقرها عليها العرب قاطبة. لقد أدركوا أنه يأتي بكلام ليس بالشعر ولا بالنثر إنه بالعربية التي يتقنونها لكنهم لم يستطيعوا أن يقولوا مثله عندما تحداهم بأن يأتي بعشر سور من مثله أو بسورة واحدة أو حتى آية واحدة))
هكذا إذن ((فالدين الجديد يساوي بين الناس نساء ورجالا، أحرارا وعبيدا كلهم في ميزان الإسلام سواسية في الحقوق والواجبات)). هكذا يحاول الفكر الإسلامي اليوم تسويق فضاعات لا تصدقها حتى نصوص الإسلام الصحيحة ولا ممارسات المسلمين. حتى القرآن والحديث النبوي لم يقل هذا، فمجرد كون البعض عبيدا والبعض أحرارا (كما ورد في كلام خديجة) ينسف هذه المساواة الغبية. الإسلام، نصوصا وممارسات، وطوال 14 قرنا، أباح الرق سبيا وشراء وبيعا، ومع ذلك يصر العقل الإسلامي على قبول هذه الفكرة الغريبة حول تساوي الحقوق والواجبات. أي عقل هذا الذي مازال يدافع عن هذه الحماقة حول تساوي النساء والرجال في الإسلام؟ ما هو العقل الذي يخاطبه أهل الجزيرة القطرية بهذا الكلام؟
ثم يتدخل المفكر الإسلامي الغنوشي قائلا : ((لأن الأصنام هذه كانت تمثل الأساس العقائدي للمجتمع الجاهلي فنقد الأصنام كان عبارة عن فأس يقوض، فيه تقويضٌ لبنيانهم ولمصالحهم لأن مصالحهم كلها كانت قائمة على الموارد التي تأتيهم من وراء هذه الأصنام)).
نلاحظ أننا سمعنا قبيل قليل من خديجة كلاما يكاد يتناقض مع قول الغنوشي، في حديث خديجة بن قنة ((كانت قريش ترى أن هذا الدين برغم توافقه مع دين إبراهيم عليه السلام وتعظيمه لمكة ولبيتها العتيق))، وهو ما يعني أن هذا الدين لم يأت ليهدد مكانة مكة الدينية والاقتصادية في نفس الوقت. فهل يجهل الغنوشي أن محمد لم يهدد مكانة قريش الاقتصادية بين العرب كونه لم يشكك في الحج الوثني الذي كان عبارة عن تظاهرة اقتصادية موسمية مهمة جدا للمدينة، بل جاء الإسلام مؤيدا لخرافتها حول الأصل الإبراهيمي لمعتقداتها وهي خرافة لا تستقيم أمام أي بحث تاريخي.
ثم نسمع خديجة بن قنة بعد جولة في سماء تلك الصحراء الجهنمية: ((أخذ الإحباط يتسلل إلى قلوبهم، فالعرب بدأت تسمع في مواسم الحج عن هذا النبي القرشي الذي يدعو إلى وحدانية الله في حين أن قريشا والعرب معها يعبدون 360 صنما داخل الكعبة وحولها)).
فهل فكرة وحدانية الله كانت فكرة جديدة غريبة عن الفكر الديني العربي؟ القرآن يكذب هذا الزعم (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) أي الأصنام ولا فرق بين تلك العبادة (الوثنية) وما يفعله المسلمون اليوم من طواف حول الكعبة والعتبات المقدسة، بل وحتى حجارة كربلاء. والتاريخ العربي الإسلامي يكذب هذا الزعم. العرب كانوا محتكين باستمرار مع أتباع الأديان التوحيدية الأخرى المسيحية واليهودية، في مكة خاصة، وفي الشام واليمن خلال الرحلات التجارية، كما أن ظاهرة الحنيفية الموحدة كانت منتشرة في الجزيرة العربية ولم يكن محمد سباقا إليها. ورغم الهيمنة الإسلامية فقد وصلت إلينا أصداء هذه الظاهرة الدينية وبعض الأسماء، مثل قس بن ساعدة الإيادي الذي قال فيه محمد ((ذاك نبي أضاعه قومه))، كما يروى أن محمدا التقى بأمية بن أبي الصلت الذي وصلنا شعر له توحيدي وتبادلا أفكارهما، فقال له محمد: إن الذي معك مثل الذي معي.
نقرأ مثلا لقس بن ساعدة ما يشبه القرآن تماما: ((أيها الناس، اسمعوا وعوا، وإذا سمعتم شيئا فانتفعوا، إنه من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت. إن في السماء لخبرا، وإن في الأرض لعبرا. ليل داج، ونهار ساج، وسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج. ما لي أرى الناس يذهبون ولا يرجعون؟ أرضوا بالمقام فأقاموا أم تُرِكوا هناك فناموا؟ تبا لأرباب الغافلة والأمم الخالية والقرون الماضية.
يا معشر إياد، أين الآباء والأجداد؟ وأين المريض والعواد؟ وأين الفراعنة الشداد؟ أين من بنى وشيد، وزخرف ونجد؟ أين من بغى وطغى، وجمع فأوعى، وقال أنا ربكم الأعلى؟ ألم يكونوا أكثر منكم أموالا، وأطول منكم آجالا؟ طحنهم الثرى بكلكله، ومزقهم الدهر بتطاوله، فتلك عظامهم بالية، وبيوتهم خاوية، عمرتها الذئاب العاوية. كلا بل هو الله الواحد المعبود، ليس بوالد ولا مولود".
ونقرأ لأمية بن أبي الصلت ما يشبه أخبار القرآن:
قَد كانَ ذو القَرنَينِ قَبلي مُسلِماً
مَلِكاً عَلا في الأَرضَ غَيرَ مُعَبَّدُ
بَلَغَ المَشارِقَ وَالمَغارِبَ يَبتَغي
أَسـبـابَ مُـلـكٍ مِـن كَـريـمٍ سَـيِّدِ
فَرَأى مَغيبَ الشَمسِ عِندَ مَآبِها
فـي عَـيـنِ ذي خُلُبٍ وَيأطِ حَرمَدِ
مِـن قَـبـلِـهِ بَـلقيسُ كانَت عَمَّتي
حَـتـى تَـقَـضّـى مُـلـكُـها بِالهُدهُدِ

نواصل الاستماع إلى خديجة: (( وغادر أصحاب رسول الله صلعم مكة في رجب من السنة الخامسة للبعثة وكانوا عشرة رجال وأربع نسوة وقيل خمس نساء وحاولت قريش أن تدركهم لتردهم إلى مكة وخرجوا في أثرهم حتى وصلوا البحر ولكن المسلمين كانوا قد أبحروا متجهين إلى الحبشة ففيها النجاشي ملك وصفه رسول الله صلعم بأنه ملك عادل لا يظلم الناس عنده. لكن قريشا لحقتهم وحاولت تشويه سمعتهم بل استثاروا حمية النجاشي المسيحية ليدعوا أن محمدا ينتقص من مريم وابنها عيسى عليها السلام وكاد النجاشي أن يردهم مع رسل قريش مقيدين بالأصفاد إلا أن جعفر بن أبي طالب قرأ للنجاشي صدر سورة مريم ليظهر قدر نبي الله عيسى عند النبي محمد عليهم السلام فرحب النجاشي بالمسلمين المهاجرين وجعلهم في ضيافته وحمايته وعادت رسل قريش إلى قومهم محبطين)).
وهنا أيضا خرافة لا يصدقها عقل حديث. هؤلاء المسلمون المهاجرون إلى الحبشة كانوا في مكة ولم يمسسهم سوء من طرف قريش خاصة وأنهم لم يكونوا من العبيد أو الفقراء. لماذا إذن تقرر قريش اللحاق بهم وإعادتهم إلى مكة مع ما في هذا المشروع من العناء والتكاليف؟
كل هذا العناء لإعادتهم إلى مكة يتبخر بسرعة فيقرر المهاجرون العودة إلى مكة بإرادتهم. لماذا؟ هذا ما نفهمه من قول خديجة التي تعود لتقول بعد جولة أخرى في شعاب مكة بالطائرة: (( وحدث تغير كبير على حياة المسلمين في مكة بعث في المسلمين الأمل في إمكانية نشر الدعوة في مكة حيث أسلم في تلك الفترة حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله عصبيةً لأبن أخيه ثم شرح الله صدره للإسلام فثبت عليه وكان حمزة أعز فتيان قريش وأشدهم شكيمة فعرفت قريش أن رسول الله قد عز شأنه فكفوا عما كانوا ينالون منه وبعد إسلام حمزة أسلم عمر بن الخطاب وكان عمر ذا شكيمة لا يرام فلم أسلم استقوى به وبحمزة أصحاب رسول الله ص وكان إسلام الرجلين بعد خروج المسلمين إلى الحبشة فكان إسلامهما عزة للمسلمين وقهرا للمشركين وتشجيعا لأصحاب رسول الله على المجاهرة بعقيدتهم)).
كل هذا بسبب إسلام رجلين، بينما يحدثنا التاريخ الإسلامي أن قريشا كانت قادرة على حشد جيش بأكمله، وقد رأينا ذلك في حروب بدر وأحد والخندق.
بعد هذا الكلام يقدم لنا هذا الفيلم الوثائقي لقطة من فيلم آخر حيث نرى حمزة يصفع أبا جهل أحد زعماء قريش حتى يسقطه أرضا، ثم يمسكه من تلابيبه ويوقفه ويقول له: ((هيا ردها لي إن استطعت)).. ثم يتوجه إلى الكعبة ويصيح: ((يا أهل مكة، يا أهل مكة، إني أعلن أمامكم أني على دين محمد ومن أراد منكم إيذائي فليأت)). بينما كان العديد من العبيد المسلمين مقيدين نصف عراة إلى أعمدة تحت الشمس.
ونسمع منها أيضا : ((ورجع المهاجرون من الحبشة بسبب ما علموا من إسلام حمزة وعمر لاعتقادهم أن إسلام هذين الصحابيين الجليلين سيعتز به المسلمون وتقوى به شوكتهم)).
ثم نسمع: ((اجتمع قادة قريش كثيرا في دار الندوة وفي منتدياته حول الكعبة فتدارسوا وتآمروا واتخذوا قرارات كثيرة بدؤوها بحملة إعلامية لتشويه صورة النبي محمد صلعم أمام كل قادم إلى مكة فاتفقوا أن يقولوا عليه: إنه مجنون، ساحر، كاهن، احذروا منه، إنه يفرق بين المرء وزوجه وبين المرء وأمه وأبيه وبدأت الحملة الإسلامية تؤتي بعضا من ثمارها حتى وصل الأمر أن يضع بعض زوار مكة القطن في آذانهم خوفا من أن يستمعوا إليه لكن هذه الحملة أيضا لم تفلح فقد رفع بعض الزائرين القطن من آذانهم وفتحوا عقولهم وسمعوا كلامه فقبلتهم قلوبهم وآمنوا به)).
كيف يستقيم هذا الكلام مع ما سمعنا قبله؟ قريش بعثت لإعادة المهاجرين من الحبشة لمعاقبتهم، ثم ها هي تكثر من الاجتماعات وتتمخض عن القرار بشن حملة إعلامية لتشويه صورة محمد. أليس هذا الكلام شهادة بليغة على كذب كل المزاعم السابقة. ودلالة أخرى على المناخ (اللبرالي) الذي كان سائدا في مكة؟ مجرد حملة إعلامية مضادة للحملة الإعلامية التي كان يقوم بها محمد وهو ينشر دينه وقرآنه بين الناس ويسفه معتقدات قريش. بل نستنتج ما هو أفضل: وهو أن محمدا وصحبه كانوا يبشرون بدينهم على الملأ حتى يضطر زوار مكة إلى وضع القطن في آذانهم حتى لا يسمعوا. بل هناك من يقرر رفع القطن من آذانهم وفتح عقولهم وسماع كلام محمد ويقبله قلبه ويؤمن به؛ دون أن تجهز قريش جيشا لمحاربتهم وهم في عقر دارها. فهل هناك سماحة وحرية أسمى من هذه؟ هل تمتع الناس في ظل الدولة الإسلامية بهذا القدر من حرية المعتقد؟ كلا، ماعدا في الفترات التي خفت فيها سطوة رجال الدين على الدولة، وهي فترات نادرة.
هنا يتدخل الغنوشي فيقول: ((في مكة كان هنا دعوة الإسلام، صحيح كانت مضطهدة ولكنها كانت قائمة. لكن لم يكن هناك مشروعا سياسيا إلا بالاستتباعات. أهل مكة رأوا فيه ملامح مشروع سياسي. ملامح تغيير لمصالح وتغيير لطبقات وتغيير لأوضاع ولكن لم يكن النبي صلعم يدعوهم لذلك لم تكن دعوته دعوة سياسية بهذا بالمعنى المباشر)).
وكان يجب أن يرى في دعوة محمد وغيره من الحنيفية إرهاصات لوحدة عربية تتجاوز التشظي القبلي، بعد أن تحققت مجموعة من الشروط مثل الوحدة اللغوية النسبية والوحدة الدينية في مكة كمركز روحي واقتصادي هام، وكانت النظرة الضيقة لزعماء قريش قد عارضتها برفض دعوة محمد ولكنها قطفت ثمارها في نهاية المطاف عندما عادت السلطة بعد أربعين سنة من تاريخ الهجرة إلى الطلقاء من بني أمية أقوى بطون قريش وأشدها عداء للإسلام وكان محمد هو الذي مكنهم من ذلك بقولته : اذهبوا فأنتم الطلقاء.
تقديري أن الغنوشي وغيره من المفكرين المسلمين يجهلون أو يتجاهلون جانبين هامين من الحقيقة حول معارضة قريش للإسلام وإفشاله بطريقة سلمية حتى اضطر صاحبه إلى الهجرة والعودة إليها غازيا وأسلمتها تحت السيف.
الحقيقة الأولى أن الصراع كان سياسيا بين الأطراف المكونة للمجتمع المكي، ولهذا فأي خضوع لمحمد كرسول له صلة مباشرة بالله وله سلطة تشريعية وروحية لا بد أن ينظر إليها البعض على أنها محاولة من عشيرته للاستفراد بالسلطة دونهم.
والحقيقة الثانية أن محمد لم يستطع أن يقنع القرشيين بدينه الجديد؛ فأغلب ما فيه يعرفونه، بل يعرفون أكثر منه، كما رأينا مع الحنيفية وكما يخبرنا التاريخ الإسلامي نفسه حول فشل محمد مرارا في الجدل والنجاح في الامتحان بينه وبين (مثقفي) قريش الذين كانوا يتحدونه في معرفته الدينية التي يزعم أنه يستقيها من الله، وكان أشهرهم النضر بن الحارث كبير مثقفي قريش الذي أعدمه محمد عندما وقع في الأسر ورفض افتداءه دون سائر الأسرى.
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=214433
يتبع



#عبد_القادر_أنيس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن المؤامرة مرة ومرة ومرة
- دينهم سياسة وسياستهم دين
- هل نتعرض فعلا لمؤامرة غربية؟
- القرضاوي ومكيافللي
- السياسة في الإسلام: ساس الدابة يسوسها
- لماذا نقد الدين؟
- تمخض الجبل فولد فأرا
- ما حقيقة الدولة الإسلامية (المدنية)؟
- هل العلمانية مسيحية متنكرة؟
- هل في الإسلام مواطنة: قراءة في فكر راشد الغنوشي 5
- هل في الإسلام مواطنة؟ قراءة في فكر راشد الغنوشي
- راشد الغنوشي هل في الإسلام مواطنة؟ 3
- راشد الغنوشي: هل في الإسلام مواطنة 2
- قراءة في فكر راشد الغنوشي: هل في الإسلام مواطنة
- العلمانية مفهوم للترك أم للتبني؟ 2
- العلمانية: مفهوم للترك أم للتبني؟
- انتفاضة الشباب في الجزائر من وجهة نظر لبرالية ويساري
- قراءة (2) في مقال ((الماركسية والتنوير المزيف)) لوليد مهدي
- قراءة في مقال ((الماركسية ُ والتنويرُ المزيفُ)) لوليد مهدي
- قراءة في مقال -الحزب الديمقراطي الاشتراكي الإسلامي هو الحل- ...


المزيد.....




- استقبل تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024 بجودة عالية
- 82 قتيلاً خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
- 82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
- 1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
- أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
- غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في ...
- بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
- بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
- قائد الثورة الاسلامية آية الله‌خامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع ...
- اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد القادر أنيس - الجزيرة تسخّر العلم والتقدم لخدمة الخرافة والتجهيل