|
تأملات / قانون لتكبيل الأحزاب !
رضا الظاهر
الحوار المتمدن-العدد: 3464 - 2011 / 8 / 22 - 17:38
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تأملات قانون لتكبيل الأحزاب !
أنهى البرلمان، مؤخراً، القراءة الأولى لمشروع قانون الأحزاب بعد ما يقرب من عامين إذ ظل ينتظر كل هذه الفترة المديدة لمناقشته. ولم يكن مثيراً للاستغراب أن تتكرر الطريقة نفسها التي تعد بها مشاريع القوانين، وهي طريقة تتسم، من بين ثغرات أخرى، بالعجالة والتناقض في المواد والركاكة اللغوية والمفردات الغائمة حمالة الأوجه، ناهيكم عن عزل معنيين وخبراء وإقصائهم عن المشاركة في إعداد قوانين تخصهم، بسبب غلبة نزعة الكواليس لدى الحكام المتنفذين وخشيتهم على سلطة المال والنفوذ. وبوسعنا أن نتذكر، على سبيل المثال لا الحصر، مشروع قانون النفط والغاز الأخير الذي ظل معلقاً لسنوات بسبب الخضوع للصراعات السياسية. وعندما اجتهدت لجنة الطاقة في البرلمان، مؤخراً، في إعداد مشروع هذا القانون ثارت ثائرة متنفذين لأنه لم يأت من خلال الحكومة، وانسحب نواب من جلسة البرلمان احتجاجاً، ثم جاء مشهد "التسييس"، كالعادة، فسوّيت الأمور تحت خيمة التواطؤ المتبادل، وتوقفت حتى القراءة الأولى بانتظار موقف الحكومة ورأيها ومشروع قانونها. ويمكننا في هذا السياق الاشارة الى جملة من الحقائق التي تعكس العقل المهيمن على المشهد السياسي. فالمشروع انعكاس للثقافة السائدة ونمط تفكير السلطة وتكريس لنزعات الخوف من الديمقراطية الحقيقية، وهو جزء من الصراع السياسي والفكري في المجتمع. وبصمات الحكام المتنفذين واضحة في صياغة المشروع، وهم اللامبالون بصياغة برامج لانهاء معاناة الناس المريرة وإخراج البلاد من أزمتها ووضعها على طريق التطور الاجتماعي الحقيقي. ولكن ما سر إبقاء القانون على رفوف الانتظار لمدة عامين ؟ هناك بالطبع أكثر من سر لغياب القانون منذ إقرار الدستور عام 2005. وهو ما يجسد خللاً فاضحاً في العملية السياسية تجلى في النتائج الوخيمة للانتخابات والتجاوزات الخطيرة خصوصاً في مجال تمويل الأحزاب وإفراغ العملية الانتخابية من محتواها الديمقراطي وفرض هيمنة المتنفذين وتكريس المحاصصات نهجاً للحكم وتعمق الأزمة الاجتماعية في البلاد. ومن الجلي أن السياسة التشريعية تتعمد البطء والمماطلة وتفتقر الى الرؤية الواضحة. وقد حق لمحللين اعتبار هذا السلوك مقصوداً لخلق بيئة سياسية مضطربة توفر شروط استمرار النهب والاستحواذ على المغانم. ولا غرابة في أن "تتحفظ" أحزاب متنفذة على تشريع هذا القانون خشية الحد من صلاحياتها ونفوذها وإعاقة استثماراتها المالية والدعم الخارجي الذي تتلقاه. ومعلوم أن أحزاباً رئيسية متنفذة تمتلك أموالاً طائلة، بينما بات بعض قادتها يمتلكون موارد هائلة في إطار الظاهرة المالية الطفيلية بالتزامن مع نشاط تجارة تمتد من تهريب النفط، وتمر بصفقات إعادة الاعمار وسواها، ولا تنتهي عند امتلاك قنوات فضائية مسخرة لمآرب أخرى. وكان من الطبيعي أن يثير مشروع قانون الأحزاب الجدل بسبب ثغراته الجدية التي تشكل انتهاكاً فظاً للدستور وما نص عليه من ضمانات للحريات. ولسنا هنا بصدد مناقشة تفصيلية لكل ثغرات القانون، فقد أضاء مختصون ومعنيون مثل هذه التفاصيل، لكننا سنركز على الانتهاكات الأخطر. وأول هذه الانتهاكات تشكيل "دائرة الأحزاب السياسية" لتتبع وزارة العدل ويرأسها موظف بدرجة مدير عام. وهو ما يكشف عن مدى التدخل السافر الذي يمارسه "الرقباء" و"السدنة" الحاكمون في شؤون الأحزاب. وفي ضوء هذه المادة يصبح بوسع "تقرير" يعده موظف في هذه "الدائرة" إيقاف نشاط أي حزب ... وعلى "الديمقراطية" السلام ! ومن بين هذه الثغرات الخطيرة في المشروع أنه يتعامل مع الحزب كجهاز من أجهزة الدولة لا كتنظيم سياسي مستقل. أما أنماط التعصب الطائفي أو القومي (الديني لا يذكر) التي لا يجوز تأسيس الأحزاب على أساسها فلا يعلم طبيعتها أو مداها الا الراسخون في العلم ! أما من يحدد منح إجازة الأحزاب فمحكمة القضاء الاداري التابعة للسلطة التنفيذية. وأما من يشارك في تأسيس حزب فيجب أن لا يكون دون سن الخامسة والعشرين، وهو ما يفرض تقييدات تعسفية على الشباب. * * * من المثير للسخط والأسى أن تجري صياغة مشاريع قوانين خطيرة تمس مستقبل البلاد السياسي وسيادتها وثروتها الوطنية بمعزل عن البرلمان، وبتجاهل مقيت لدور الناس ومنظمات المجتمع المدني. ومن المؤكد أن هناك حاجة الى معالجة جذرية للأسس التي قامت عليها العملية السياسية باتجاه إصلاحها لتوفير مناخ بناء مقومات نظام ديمقراطي بما في ذلك نظام انتخابي تشكل قوانين الأحزاب والمفوضية وسواها جزءاً أساسياً منه. أما ما يجري خلف الكواليس ليخرج بطريقة مشوهة فلن تنفع معه التعديلات الترقيعية لأن الجوهر سيبقى في ظل برلمان خاضع أساساً للقوى ذاتها التي صاغت مشروع قانون الأحزاب. فهذا البرلمان أداة طيعة بيد المتنفذين ويقف عاجزاً أمام الانتهاكات بل ويسعى الى تمكين صفقات المحاصصة والتسويات من البقاء على حساب معاناة الملايين ومصالحهم. كل حديث عن "ديمقراطية" ودولة مؤسسات حقيقية ... مجرد أوهام، والغاية الأولى والأخيرة حفاظ سدنة الواقع المهيمن على امتيازاتهم. فبدون التخلي عن نهج المحاصصات وتغيير العقل السياسي القاصر تستمر الكواليس والتضليل والضحك على الذقون وشراء السكوت المتبادل وسط أجواء مآسٍ طاحنة وأزمة عميقة تعصف بالبلاد.
#رضا_الظاهر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تأملات / حماية من !؟
-
تأملات / ومن نهب لا يشبعون !
-
تأملات / ملهاة التسييس ومأساة -التغليس- !
-
تأملات / وللترشيق في خلقه شؤون !
-
تأملات / كم يتشدقون باسمك .. أيتها الحرية !
-
تأملات / هل أتاكم حديث المعاقات !؟
-
تأملات / قميص -الضحية- في جمهورية موز عراقية !
-
تأملات / ليس بتبويس اللحى !
-
تأملات / -مبادرات- في حلقة مفرغة !
-
تأملات / سيارات الاسعاف المصفحة باطل !
-
تأملات / نظرة ترقيعية لأزمة بنيوية
-
تأملات / قصة الأيام !
-
تأملات / أإلى حتفها تسير هذه البلاد !؟
-
تأملات / أميون في بلاد الأبجدية الأولى !
-
تأملات / من الفردوس الى التحرير .. الخنوع سجية غيركم !
-
تأملات / للاحتجاج ربيعه .. وللمحتجين مشاعلهم !
-
تأملات / أديمقراطية وسط انتهاك حقوق الانسان !؟
-
تأملات / صوب المرتجى بأناشيد سلم وحرية !
-
تأملات / -غيبوبة- مساءلة .. وفساد وترقيع !
-
تأملات / الشعب يريد إصلاح النظام !
المزيد.....
-
دراما رمضان.. دانييلا رحمة مشتتة بين عابد فهد ومعتصم النهار
...
-
يتطرق لسقوط حكم بشار الأسد.. الإعلان الترويجي للمسلسل السوري
...
-
ما مدى واقعية خطة ترامب لسيطرة أمريكا على غزة؟
-
سوريا.. الأمن يُعلن خطف اثنين من عناصره في اشتباكات مع -مطلو
...
-
بريطانيا تعلن عن مساعدات جديدة لكييف
-
الجزائر تبحث قانون تجريم الاستعمار
-
بونتلاند والريفييرا مناطق تدور في فلك جغرافيا ترامب حول مخطط
...
-
بعد 20 عاماً من التوقف..إسرائيل تُعلن إنشاء مستوطنة جديدة بي
...
-
الرئيس الإيراني: طهران لا تسعى للحصول على سلاح نووي و-يمكن ا
...
-
الرئيس الكولومبي: الكوكايين ليس أسوأ من الويسكي
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|