سعد تركي
الحوار المتمدن-العدد: 3464 - 2011 / 8 / 22 - 15:47
المحور:
الادب والفن
أن تكون ذكراً وبِكراً في آن معاً، معناه أن تتحمل مسؤوليات لا يمكن أن تُلقى على أقران لديهم إخوةٌ كبار.. عليك أن تتنازل ـ كرهاً ـ عن بعض متع طفولة تتسرّبُ سريعاً لتكبر وتنضج و(تعقل)، برغم أن أصحابك ما زالوا يلهون ويلعبون ويرتكبون حماقات لو (تجرأتَ) على ارتكاب أهونها خطراً وضرراً لقامت الدنيا ولم تقعد، فأنت ببساطة تخيّبُ أمل ورجاء أبٍ وأمٍّ يستعجلان رؤيتك شابّاً قويّاً و"سبع" يشاطر والده إعالة الأسرة!!
حين تكبرُ وتحاولُ أن تستعيد ذكريات طفولة ولّت واندرست، لا تجد في تلافيف الذاكرة ما يجده آخرون.. لا تجد غير مخاوف بدائية كان عليك أن تطمرها وتتجاهلها، عليك ألاّ تبوح بها لأحد.. السعالي والطناطل التي تقضّ مضجعك حين تنام، وتتربّص بك حين يكون لزاماً عليك أن ترمي القمامة ليلاً، أو تذهب لشراء علبة سكائر لأبٍ عاد منهوكاً من العمل، ونسي أن ما يطرد همومه قد نفد!!.
تتمنى لو كان الخوف ثوباً تخلعه ببساطة فتنجو من انسحاقك وانهزامك أمامه، أو بعض وساخة تغسلها بالماء فلا تخشى افتضاح أمرك وانكشافك. لكنه كفقرك وسوء حظك ملتصق بجلدك ويفرّخ بقلبك وتسكبه عيناك اللتان تعودتا ألاّ تجودا بدمع هو ـ كما قيل لك ـ من شيم الأطفال والضعفاء.
إذ تكبر وتعود بك الذاكرة، تضحك ـ بنصف فمٍ ـ من حيلة بارعة ابتدعتَها لتتغلّب على خوفك حين تجد نفسك ـ لضرورة ما ـ وحيداً في الطرقات.. يباغتك ظلك الذي يأتي دائماً من الخلف، ويتمدّد ويكبر ويستطيل أمامك فتبحثُ عن أي غريب تبادره بـ(السلام عليك) لتجد في رده (وعليك السلام، هلو عمو) راحة وأمنا ودفئاً.. تُسعد لأنك ـ أخيراً ــ تسير إلى جنب عمّ طارئ لك، وان كان لبضع خطوات..
وإذ كبرتَ وصرتَ رجلاً.. وإذ كبرتْ مخاوفُك وصارت أكثر وضوحاً وتهديداً وخطراً.. تُوزعُ السلام والتحايا بكل ما أوتيتَ من أُلفة وحبٍ ورجاء.. تنتظر ـ على أمل ألاّ يطول انتظارك إلى الأبد ـ مَن يدرأ عنك الخوف والرعب والقلق.. يعصرك الألم والهمُّ لأن الريح والظلمة لا تحملُ معها صوتاً حبيباً أليفاً دافئاً يهمس (وعليك السلام...)!!
ـــــــــــــــــــــــ
* ليست قصة
#سعد_تركي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟