أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - عبد السلام أديب - دور البرجوازية الصغرى في الحراك الجماهيري المغاربي والعربي















المزيد.....


دور البرجوازية الصغرى في الحراك الجماهيري المغاربي والعربي


عبد السلام أديب

الحوار المتمدن-العدد: 3464 - 2011 / 8 / 22 - 08:40
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


التشكل التاريخي للبرجوازية الصغرى

تكونت البرجوازية الصغرى مع صيرورة التشكل الطبقي الذي باشرته البرجوازية عقب ثورات الفلاحين الفقراء المضطهدين على أمراء الإقطاع والملكية المطلقة المستبدة، في كل من بريطانيا وفرنسا. فخلال هذه الثورات التي استغلتها الارستقراطية البرجوازية في بريطانيا والبرجوازية الصاعدة في فرنسا، للهيمنة على السلطة السياسية وبالتالي فرض نمطها الإنتاجي الرأسمالي، حدث فرز طبقي عنيف بين ثلاث بنيات طبقية أساسية ولو أن كل بنية منها تتضمن العديد من الشرائح تتمايز فيما بينها بحسب القطاع الإنتاجي الذي تشتغل فيه.

فمن اجل خلق طبقة عاملة تبيع قوة عملها في معامل البرجوازية ومركباتها الإنتاجية بثمن بخس، لجأت البرجوازية إلى العديد من الحيل والقوانين لفبركة الهجرة القروية وحرمان الفلاحين من أراضيهم ووسائل إنتاجهم حتى يصبحون مضطرين إلى بيع قوتهم العضلية مقابل أجور زهيدة في المدن ويمكن الرجوع إلى الأساليب المعتمدة في هذا المجال إلى الجزء الأول من كتاب رأس المال لكارل ماركس. ومع تطور المجتمع المديني بدأت تظهر البرجوازية الصغرى التي تمتهن العديد من المهن الخدماتية الضرورية المرتبطة بالإنتاج الرأسمالي: كالنقل والمحاماة والكتبة والأطباء ... الخ؛ كما أصبح رجال الدين والمثقفون والموظفون والجنود بحكم وظائفهم الخدماتية غير الإنتاجية ينتمون أيضا إلى البرجوازية الصغرى والتي اشتهرت بالطبقة الوسطى.

ولم تشكل البرجوازية طبقة متكاملة، بل ظلت تظهر كنصف طبقة نظرا لالتصاق حرفها بنمط الإنتاج الرأسمالي والتصاقها بالطبقة البرجوازية ومحاولتها تشبهها بها. فأصبحت كالدودة الزائدة الملتصقة بشريان الإنتاج الرأسمالي، كما أن مشروعها المجتمعي لا يختلف عن المشروع البرجوازي أما دورها السياسي والذي أتقنته عبر التاريخ فهو الوساطة والتوافقات والميل للتحالف مع الطرف الأقوى وخدمة مصالحه خاصة في مجال تخدير الطبقة العاملة من أجل ضمان استمرار الاستغلال الرأسمالي لها. وقد دفعها دورها هذا الى امتهان الوظائف السياسية والنقابية فاستطاعت أن تتحكم في الأحزاب السياسية اليمينية واليسارية والاسلاموية بعد ذلك في المنطقة المغاربية والعربية وكذا التحكم في قيادة النقابات العمالية، ومن خلال مواقعها هذه استطاعت اتقانا أدوارها التاريخية الانتهازية. وإذا كانت شرائح البرجوازية الصغرى لا تمارس بكاملها هذه الأدوار الا أن غالبيتها تتبنى وتزكي ثقافتها التوفيقية المحافظة.
ونظرا لعدم خضوع البرجوازية الصغرى للاستغلال المفرط كما يحدث مع الطبقة العاملة وقدرتها على ضمان مداخيل قارة ومهمة، فقد أصبحت طبقة محافظة أكثر انشغالا بضمان استمرار النظام القائم والتشبث بالمطالب "الديمقراطية البرجوازية" التي تمكنها من القيام بأدوارها أحسن قيام، لذلك تطبع برامجها السياسية الروح الإصلاحية الواضحة، فحتى وان استعملت هذه الطبقة خطابا شعبويا يمينيا أو يساريا أو اسلامويا للاستهلاك فذلك لإيهام الطبقة العاملة بقدرتها على تغيير الأشياء تدريجيا لصالحها، مع أن نمط الإنتاج الرأسمالي الذي تعمل هذه البرجوازية على إصلاحه وتكريسه لا ينتج سوى الاستغلال والإفقار للطبقة العاملة وعموم الكادحين، وهو الواقع الذي لا تعيشه البرجوازية الصغرى فكيف لها أن تكون طبقة "ثورية"؟ بل ستكون باستمرار الطابور الخامس لإخماد الثورة.

إن تخلص الشعوب المغاربية والعربية اليوم تدريجيا من عدد من رموز الدكتاتورية الكومبرادورية بكفاح مرير هو في حد ذاته شيء عظيم فعلا ويندرج في طريق التحرر الفعلي للطبقة العاملة وعموم الكادحين. وقد جاءت الانفجارات الجماهيرية منذ نهاية سنة 2010 نتيجة تفاقم بؤس واستغلال الطبقة العاملة وتدهور الأوضاع الاقتصادية لشرائح واسعة من البرجوازية الصغرى في ظل تعمق الأزمة الاقتصادية والسياسية للنظام الرأسمالي العالمي الشيء الذي جعلها تنظم مضطرة انطلاقا من منطقها الانتهازي إلى الانتفاضات الجماهيرية القوية في المنطقة وبدأت تسعى بمهاراتها المعتادة الى تحولها تدريجيا لمصلحتها خاصة عدم تدمير المنظومة الرأسمالية القائمة والاقتصار على إجراء عملية جراحية لاستئصال العناصر الأكثر فسادا وعفونة.
فكيف تطورت الأحداث في المنطقة المغاربية والعربية؟ وما هو دور البرجوازية الصغرى المغاربية والعربية في هذا الحراك الشعبي؟ ثم ما هي أهم الدروس المستخلصة منها؟ ثم ما هو موقع الطبقة العاملة في هذا الحراك الجماهيري في المنطقة؟

واقع الشعوب المغاربية والعربية منذ الاستقلالات الشكلية عن الاستعمار المباشر

يتشابه واقع الشعوب المغاربية والعربية التي حصلت على استقلالاتها الشكلية منذ عقد الخمسينات من القرن العشرين. فقد استغلت البرجوازيات الصغرى الوطنية في هذه البلدان الهبات الجماهيرية القوية المنتفضة على واقع الاستغلال الاستعماري والتفقير والتجويع والاحتقار الذي كانوا يرزحون تحته، فبدأت تساوم الاستعمار بهذه الانتفاظات فحصلت بذلك على استقلالات ناقصة، أي ابقاء هذه البلدان والشعوب تحت الوصاية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمستعمر السابق، مقابل دعم هذا الأخير لهيمنة هذه البرجوازية الصغرى الوطنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتسخير بلدانها وشعوبها لاستغلال مزدوج، من جهة استغلال كومبرادوري محلي من اجل خلق التراكم الرأسمالي البدائي ومن جهة أخرى إطلاق يد الامبريالية من خلال تشديد استغلال شركاتها متعددة الاستيطان لشعوبها.

على المستوى السياسي والايديولوجي عملت البرجوازية الصغرى المحلية والتي تحولت تدريجيا الى برجوازية كومبرادورية، على بناء مؤسسات سياسية شكلية لا علاقة لها بالديموقراطية حتى بصيغتها البرجوازية، حيث ظل التزوير واستعمال المال والنفوذ سلوكا سياسيا عاديا الى جانب اختطاف واغتيال وقمع وحشي لكل اشكال المعارضة السياسية لتحكم الكومبرادور وتبعيته المفضوحة للامبريالية. ومع نجاح الممارسات الدكتاتورية للكومبرادور المهيمن، اصبحت الأنظمة المغاربية والعربية أنظمة بوليسية وعسكرية بامتياز، بل أضحت عبارة عن عائلات مافيوية تسخر مختلف القدرات الاقتصادية لصالحها موظفة من اجل ذلك جهازا بيروقراطيا ضخما ظل يستفيد من الوضع القائم وشكل جزءا من البرجوازية الصغرى المتحلقة والمدافعة على النظام الكومبرادوري.
ولا تقتصر البرجوازية الصغرى الناشئة في هذه البلدان على الجهاز البيروقراطي البوليسي والعسكري والموظفين الاداريين الكبار، بل تتكون أيضا من رجال الدين بمختلف مشاربهم الفكرية نظرا لتعاظم دورهم في تزكية النظام الكومبرادوري بمنحه صفة الدفاع عن المقدسات الدينية للأمة أو كتيارات دينية معارضة للنظام القائم تطالب بإقرار ديكتاتورية دينية أكبر تستلهم تعاليمها من "السلف الصالح" لبناء نظام الخلافة السياسي لكنه يعتمد كما هو الحال في إيران وتركيا والسعودية على نظام اقتصادي رأسمالي أكثر تشددا وصرامة في استغلال اليد العاملة التي يتم تخديرها وإغراقها في الأوهام الدينية الغيبية من اجل تسهيل انقيادها لآلياتها الاستغلالية. كما تتضمن البرجوازية الصغرى مختلف المحترفين السياسيين الاشتراكيين والليبيراليين والاسلامويين على السواء والذين استطاعوا امتهان ادوار تنظيمية تربوية للكادحين بوأتهم مراكز اجتماعية هامة كقيادات حزبية ونقابية وجمعوية، ويتمثل دور هذه البرجوازية الصغرى في احداث المزيد من التخدير والاغتراب والاستقطاب للكادحين، فجزأتهم بين العشرات من الأحزاب والمركزيات النقابية تحت تسميات مختلفة )ليبرالية، اشتراكية، إسلامية، شيوعية) بدون مضمون آخر غير نمط الإنتاج الرأسمالي، متفادية أي توحد للكادحين من اجل تحررهم الذاتي.

إذن فمسلسل الهيمنة الكومبرادورية الامبريالية على الجماهير الكادحة من أجن حسن استغلالها يمر أساسا عبر الدور الانتهازي الأساسي للبرجوازية الصغرى والتي مهما عبرت عن مواقف سياسية معارضة الا أنها تظل مواقف اصلاحية توهم الطبقة العاملة بإمكانيات اصلاح هذه الأنظمة المتعفنة وبالتالي تحقيق عائدات اقتصادية لهذه الطبقة، وتطالبها في نفس الآن ببدل المزيد من التضحيات والاستمرار في الخضوع للاستغلال القائم في انتظار الفجر الموعود الوهمي طبعا.

انفجار الانتفاضات الجماهيرية العربية

لكن الطبقة العاملة والشعوب المستغلة والمهانة في كرامتها لا تنطلي عليها المؤامرات الامبريالية والكومبرادورية ولا خداع البرجوازية الصغرى التي تشكل ذيلا للأنظمة القائمة، ولا تخضع الا صاغرة للقمع الوحشي الذي يطالها كلما خرجت للاحتجاج الجماعي، فتاريخ البلدان المغاربية والعربية غني بالمآسي ويحمل ذاكرة سوداء من القمع والاغتيالات وهناك قوائم بالآلاف من الشهداء الذين سقطوا خلال الانتفاضات الجماهيرية أو الذين تمت تصفيتهم داخل السجون المظلمة أو الذين تم اغتيالهم في الشارع العمومي.

وعقب كل انتفاظة قوية للطبقة العاملة والجماهير المستغلة والتي يتم قمعها بقوة الحديد والنار تبدأ الآلة الايديولوجية للنظام وللبرجوازية الصغرى في العمل من أجل اعادة تخدير الطبقة العاملة وافحامها بالوعود الإصلاحية المعسولة وبالدخول دائما ومجددا إلى غرفة انتظار الفجر الموعود. لكن هذه الاستراتيجية التي تعتمدها الكومبرادورية والقائمة على القمع من جهة وعلى التخذير الايديولوجي من جهة أخرى بدأت تفقد تأثيرها مع مرور الزمن ومع تعمق الأزمة الرأسمالية واتساع الفقر والبطالة والتهميش واندثار الامل في المستقبل في عيون الكادحين الذين عليهم أن يتحملوا المزيد من الاستغلال والحرمان من ابسط الخدمات العمومية.

أن الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية التي تضغط على المركبات الانتاجية الامبريالية والكمبرادورية فتقلص من معدلات ارباحها بل وتؤدي الى انهيارات وافلاسات متواصلة للعديد من هذه المركبات، جعلت الامبريالية والبلدان التابعة لها تتخذ قرارات خطيرة في اطار اجتماعات مجموعة العشرين منذ سنة 2008 ترمي الى تحميل ميزانيات الدول فاتورة انقاد مركباتها الاقتصادية المنهارة، وتدبير موارد مالية هائلة لهذا الغرض عبر اقتطاع حصص مهمة من نفقاتها المعتادة الاجتماعية والاقتصادية وسن سياسات تقشفية صارمة وابرام عقود استدانة مع المؤسسات المالية اضافة الى اصدارات متتالية لسندات الخزينة. لكن هذا الاختيار الذي تقع تبعاته مباشرة على الكادحين، لا يقف عند هذا الحد، بل يتعداه الى خلق مديونية عمومية هائلة يرهن مستقبل شعوب هذه البلدان لمدى عقود مقبلة من التقشف بل يهدد هده الدول بالإفلاس.

ضحايا هذا الواقع الجديد المأزوم المركب من الأزمتين السياسية والاقتصادية ليس فقط الطبقة العاملة وعموم الكادحين، بل أصابت الأزمة شرائح واسعة من البرجوازية الصغرى سواء داخل الجيش أو البوليس أو بين رجال الدين والموظفين الكبار والصغار بل وحتى القضاة والمحامون والأطباء... فمستوى معيشة الجميع انحدر بقسوة بسبب تسليع المرافق العمومية والحياة وتعميم الخوصصة حولهم وارتفاع الأسعار، اضافة الى صعوبة الولوج الى المناصب العليا على ابنائها نظرا لاحتكار أبناء وأحفاد الكومبرادور لها.

إذن فمع تطور الأزمة تعمقت التناقضات مما عطل عمل الآلة الايديولوجية على احداث المزيد من التخدير للطبقة العاملة، وانطلاقا من الواقع البئيس للطبقة العاملة فإن أقل انفجار سيؤدي حتما الى ثورة جماهيرية عارمة على مستغليهم. وهذا ما حدث فعلا عقب احراق محمد البوعزيزي لذاته في سيدي بوزيد بتونس في 17 دجنبر 2010. فقد انتفضت الجماهير الغاضبة التي اصبحت تفتقد الى كل شيء في الوقت الذي ترى فيه عصابة الكومبرادور المهيمنة على الحكم تستغلها الى جانب الامبريالية وتعيش في ثراء فاحش. كما خرجت الى جانب هذه الجماهير الغاضبة شرائح واسعة من البرجوازية الصغرى التي لم تستفذ من النظام الكومبرادوري القائم كثيرا وبدأت ترى مستواها الاجتماعي يتدهور، وقد عملت الآلة الايديولوجية للبرجوازية الصغرى في اتجاه معاكس ولخدمة مصالحها بالدرجة الأولى، فصورت للكادحين أن الاشكالية ليس في النظام الرأسمالي الذي يمكن إصلاحه عبر إقامة الديمقراطية البرجوازية وإنما المشكل هو في الدكتاتور زين العابدبن بن على وعائلته وأن بزواله ستتاح فرصة للإصلاح الديمقراطي. وهذا ما قاد تدريجيا البرجوازية الصغرى في تونس الى الاستيلاء على السلطة بنفس المضمون الرأسمالي الاستغلالي السابق.

نفس الشيء حصل في مصر، فقد أدى تعمق الأزمتين السياسية والاقتصادية الى تدهور أوضاع الكادحين الى أقصى الدرجات. كما تدهورت أوضاع شرائح هامة من البرجوازية الصغرى وقد تبلور رفض هذا الواقع عبر نضالات اقتصادية للطبقة العاملة احتجاجا على تجميد الأجور وارتفاع الاسعار والبطالة والتنديد بالفساد المستشري في القطاع العمومي. كما التقت هذه المطالب مع مطالب سياسية للبرجوازية الصغري ضد التوريت واعادة ترشح مبارك لفترة جديدة وبالديمقراطية أو بالمشاركة السياسية للإخوان المسلمين في المؤسسات. وقد أفرزت هذه التناقضات والزخم النضالي خروجا جماعيا دعى اليه الشباب يوم 25 يناير، وحيث ظل هذا الاحتجاج مستمرا رغم القمع الوحشي للنظام الى حين تنحي الدكتاتور مبارك عن السلطة وتسلم المجلس العسكري للقيادة وهو أحد التعبيرات السياسية للبرجوازية الصغرى المحافظة والتي عملت منذ ذلك الحين على تشغيل آلياتها الايديولوجية لتخذير الطبقة العاملة باصلاحات دستورية وديموقراطية وتمثيلية الفصائل المتعددة للبرجوازية الصغرى في المؤسسات السياسية.

نستخلص أن الانتفاضات العارمة التي فجرتها الأوضاع المأساوية للطبقة العاملة استغلتها البرجوازية الصغرى من اجل اجراء عملية جراحية للنظام الكومبرادوري لاقتطاع الجزء الأكثر فسادا منه والمتمثل في الرئيسين بنعلي ومبارك وعائلاتهما والتابعين لهما ومن تم الحفاظ على استمرارية النظام الرأسمالي التابع ونشر الوهم بإمكانية إصلاحه.


تحول الانتفاضات الجماهيرية إلى شبه انقلابات تقودها البرجوازية الصغرى

إن ما يؤكد أن ما حدث في تونس ومصر هو بمثابة انقلابات جماهرية على النظام القائم استغلتها البرجوازية الصغرى هو كون هذه الأخيرة كانت دائما تشكل ذيلا للنظام الكومبرادوري القائم وتساهم في تكريس هيمنة النظام الإيديولوجية والقمعية. ثم ان احساس هذه البرجوازية الصغرى بأن التعبيرات السياسية للطبقة العاملة لا تزال ضعيفة وغير قادرة على الاستيلاء على السلطة من اجل اقامة نظامها الاشتراكي من خلال مجالس عمالية وطنية ومحلية تمارس بها ديكتاتوريتها البروليتارية الى حين بلورة مجتمعها الإنساني البديل، وأن أي استمرار للثورة سيعجل بتأسيس هذه البنيات الطبقية واسقاط الطبقات الأخرى لصالح المشروع الاشتراكي. كما أن تمرس البرجوازية الصغرى على الآليات الإيديولوجية لتخدير الطبقة العاملة سواء عبر الدين أو عبر القمع والايديولوجية سمح لها بانجاح انقلاباتها وترسيم رموزها السياسية في كل من تونس ومصر والاستمرار في سن نفس السياسات السابقة والتوقيع على نفس المعاهدات مع الامبريالية لضمان استمرار أواصر التبعية.

الصراع الدائر حاليا في ليبيا يعبر بوضوح عن هذه الحقيقة الانقلابية للبرجوازية الصغرى على الكومبرادور في محاولتها استبدال القدافي بنشر وهم نشر الديمقراطية البرجوازية. فنظرا لغياب طبقة عاملة ليبية حيث أن اليد العاملة بكاملها في هذا البلد مستوردة من افريقيا والبلدان العربية، فإن البرجوازية الصغرى المحلية لم تمتلك نفس الطاقات الثورية التي شاهدناها في تونس ومصر، لذلك اسعاضت عن هذا الغياب بتحالفها المبكر مع الامبريالية التي دعمتها سياسيا وتم تقويتها بالدعم المادي وبالأسلحة في حربها الأهلية ضد كتائب الدكتاتور العقيد القدافي. لقد أبرمت البرجوازية الصغرى خلال تحالفها هذا مع الامبريالية العديد من العقود التي سترهن مستقبلها السياسي والاقتصادي بإرادة الامبريالية الفرنسية والأمريكية.

انتفاضة الشعبين اليمني والسوري ضد الكومبرادور الحاكم حكمته أيضا نفس التناقضات وتعمق الأزمتين الاقتصادية والسياسية وتهميش شرائح واسعة من البرجوازية الصغرى التي حولت آلياتها الايديولوجية من خدمة النظام القائم الى خدمة تطلعاتها التسلقية من خلال قيادتها السياسية من الخارج لانتفاضة الكادحين وعقد تحالفات مع الامبريالية لضمان دعمها، حيث نلاحظ تشكل العديد من المجالس في الداخل والخارج بين رموز البرجوازية الصغرى كإطارات للتفكير في وضع البلاد ما بعد إسقاط الدكتاتورين علي عبد الله صالح وبشار الأسد، ومن اجل اقرار انظمة "ديموقراطية" رأسمالية في تناغم تام مع ما تمليه الامبريالية. لكن الشعبين مستعدان للتحالف مع الشيطان لاسقاط الدكتاتورين.

في المغرب هناك نفس الواقع السياسي والاقتصادي المتأزم وهناك التاريخ النضالي الطويل للجماهير الشعبية سواء كطبقة عاملة واجهت طويلا تدهور أوضاعها المعيشية وإفقارها وعطالة أبنائها كما أن المغرب عرف أقوى حركة للشباب حاملي الشهادات العليا المعطلين على الصعيد المنطقة كما كان يعرف دائما أقوى حركة طلابية نقابية في اطار الاتحاد الوطني لطلبة المغرب والتي جعلت لها كشعار " لكل معركة جماهيرية صداها في الجامعة". كما أدى النظال الثوري للطبقة العاملة الى العديد من الاعتقالات والاغتيالات والقمع بالحديد والنار ولا زالت مطالب العائلات والمنظمات الحقوقية في الكشف عن ماضي الانتهاكات الجسيمة لسنوات الرصاص مستمرة.

وإذا كان النظام القائم في المغرب قد استطاع تدجين كافة قوى البرجوازية الصغرى السياسية والنقابية واستطاع فرض رقابة أمنية مشددة على المدن الكبرى حتى لا تقع الانفجارات الجماهيرية الكبرى كتلك التي حدثت سنوات 1965 و1981 و1984 و1990، فإن الحركة الجماهيرية لم تنتظر قوى البرجوازية الصغرى اليمينية واليسارية والاسلاموية ان تقودها بل فجرت احتجاجاتها في كل مكان، بل انفجرت في أبعد المدن والمداشر، كتالسينت وتاماسينت وبني تادجيت وأزيلال وبوعرفة وخريبكة واليوسفية وسيدي افني وميسور وتاوريرت وكلميم وآسفي ... كما اتسعت الحركة الاحتجاجية وشملت مختلف المضامين كان أبرزها تنسيقيات مناهضة الغلاء وتدهور الخدمات العمومية، بل أن قوى البرجوازية الصغرى كانت تسارع دائما الى تهدئة الأوضاع والتغطية عليها بتقارير مفبركة لا تعكس الواقع كما هو محاولة المساومة بواسطتها من اجل الحصول على مكتسبات سياسية ومادية. إلى جانب هذا الحراك الجماهيري الواسع والمستمر عرفت شرائح واسعة من البرجوازية الصغرى تدني في مستواها المعيشي وعدم قدرتها على ولوج المناصب السامية نتيجة احتكارها من طرف الكومبرادور وعائلاتهم. فكان أن وجدت هذه الشريحة من البرجوازية الصغرى في الانتفاضات الأخيرة في تونس ومصر مناسبة دعم المعارك الشعبية عبر إطلاق مبادرة شباب حركة 20 فبراير وبالتالي المساومة بواسطتها من أجل الحصول لاحقا على مكتسبات سياسية واقتصادية في افق الانتخابات التشريعية في 25 نونبر 2011.

ورغم اعتدال مطالب حركة 20 فبراير التي لا تتجاوز مطلب اسقاط الفساد والاستبداد وشعار حرية، كرامة، عدالة اجتماعية ، فلم تحاول التنظيمات التقليدية للبرجوازية الصغرى الانخراط فيها بل اكتفت بمجلس وطني ومجالس محلية لدعم حركة 20 فبراير، كصمام أمان لعدم انحراف شعارات الحركة وعدم الاستئثار بها من طرف أحد فصائل البرجوازية الصغرى، وهذا ما يفسر قبول مكونات يسارية ذات المرجعية الماركسية الجلوس في هذه المجالس الى جانب مكونات دينية ذات مرجعية دينية اسلاموية.

ونظرا الى أن هذه القوى لا تعبر سياسيا عن مصالح الطبقة العاملة في اطار حركة 20 فبراير بل فقط عن تصوراتها السياسية الخاصة كالملكية البرلمانية أو الجمهورية أو دولة الخلافة بدون المساس بجوهر النظام الرأسمالي الذي يستغل الطبقة الكادحة ويستنزفها ويكرس الفقر والبطالة والتهميش، فلم تعرف الحركة انخراطا قويا للطبقة العاملة كما لعبت الارستقراطية النقابية دورا في تخذير وتحييد الطبقة العاملة دون خروجها في الاحتجاجات الجماهيرية العارمة الأسبوعية لحركة 20 فبراير.

وبدلا من أن تعمد الدولة الى الاستجابة لمطالب حركة 20 فبراير، إلا أن ادراكها لانتهازية البرجوازية الصغرى وعدم الانخراط القوي للطبقة العاملة في نضالات حركة 20 فبراير، جعلتها توحي للجميع باجرائها لاصلاحات دستورية عميقة في اتجاه ديموقراطية أكثر، لكن ما حدث في الواقع هو تقديم مشروع دستور ممنوح أقل ما يقال عنه أنه يكرس الملكية المطلقة ويدستر العمل بالنظام الاقتصادي الليبرالي الذي تعمقت أزمته. ورغم مقاطعة حوالي 16 مليون مغربي للاستفتاء على هذا الدستور، لم تحتسب وزارة الداخلية سوى التسعة ملايين من المغاربة المسجلون والمصوتون فأعلنت عن الموافقة على الدستور الممنوح بنسبة 98 في المائة (عدد المغاربة المستوجبين للتصويت حوالي 25 مليون).

استمرت حركة 20 فبراير في الاحتجاج بعد الاستفتاء على الدستور الممنوح بنفس شعاراتها السابقة المطالبة باسقاط الفساد والاستبداد، كما بدأت السلطات تصعد من ممارستها للقمع بهدف إفراغ الشارع من أجل بدأ حملة تنظيم الانتخابات التشريعية في 25 نونبر 2011. كما بدأت مكونات البرجوازية الصغرى داخل حركة 20 فبراير وداخل المجلس الوطني لدعم الحركة تعبر عن ارادتها الدخول في هذه الانتخابات. من هنا يمكن انتظار بيع مكونات حركة 20 فبراير نضالات الحركة للنظام مقابل بعض المكتسبات الانتخابوية التي ترضي التطلعات الانتهازية للبرجوازية الصغرى.

الخلاصة هي أنه بالنظر إلى غياب قيادة سياسية للطبقة العاملة المنظمة والواعية لتثوير الجماهير في البلدان المغاربية والعربية من اجل الاستيلاء على السلطة وإسقاط الكومبرادور وإقامة نظام اقتصادي وسياسي اشتراكي من خلال المجالس العمالية، فان المجال ظل فارغا احتلته بسرعة أجنحة البرجوازية الصغرى ذات التطلعات الانتهازية من اجل إجراء شبه انقلابات وعمليات جراحية لاستئصال الجزء المتعفن وبالتالي احتلالها لمواقع متقدمة في نفس النظام الاستغلالي القائم أو من أجل مسامة الانظمة القائمة لتحقيق أهدافها التسلقية. فإذا كانت تضحيات الطبقة العاملة كبيرة جدا عند انفجار الانتفاضات فإن النتائج السياسية المترتبة عنها وعائداتها تستثمر من طرف البرجوازية الصغرى الجائعة للسلطة واقرار نظام سياسي استغلالي جديد تدفع الطبقة العاملة مرة أخرى فاتورته الغالية.

واقع الطبقة العاملة في ظل الحراك الجماهيري

مفهوم الثورة يعني انفجار طبقة مستغلة في وجه الطبقة التي تستغلها، والطبقة المستغلة في البلدان المغاربية والعربية هي الطبقة العاملة أساسا وعموم الكادحين عموما، أما مستغلي هذه الطبقة فهي البرجوازية التبعية (الكومبرادور) من جهة والشركات الامبريالية التابعة للمتربول الامبريالي من جهة أخرى. كما أن حدوث انفجار الطبقة العاملة في وجه مستغليها من كومبرادور وامبريالية لا يمكنه أن يحدث عفويا، بل يجب أن تقوده منظمة سياسية عمالية تستطيع الارتقاء بالوعي الطبقي للكادحين الى مستوى ادراك دورها التاريخي في اسقاط النظام الرأسمالي الاستغلالي الذي تمارسه الكومبرادورية والامبريالية، واقامة نظام اشتراكي سياسيا واقتصاديا.

بعودتنا الى الانتفاظات التي شهدتها البلدان المغاربية والعربية ومقارنتنا بين مفهوم الثورة وحقيقة ما جرى فعلا، فسوف نجزم بأن ما وقع هو شبه انقلابات تمت على يد البرجوازية الصغرى الانتهازية والتي لا تمتلك مشروعا مجتمعيا مغايرا للنظام الكومبرادوري القائم، بل ترمي بنفسها في احضان الامبريالية من أجل تحقيق تطلعاتها التسلقية وبالتالي العودة الى استغلال الطبقة العاملة من جديد لتحقيق تراكمها البدائي.

لا زالت الطبقة العاملة العربية رغم امكانياتها الهائلة تفتقر الى ادواتها السياسية للمقاومة وانجاز الثورة البروليتارية من اجل مشروع مجتمعي اشتراكي انساني. كما أن نضال الطبقة العاملة المغاربية والعربية يجب أن يشكل جزءا من نضال الطبقة العاملة العالمية من أجل التحرر والاشتراكية لذلك يجب مد أواصر التضامن بين معارك الطبقة العاملة أينما وجدت. لأن الطبقة العاملة لا وطن ولا حدود ولا لغة ولا دين لها، ولأن مختلف هذه الاطارات هي الأسلحة التي تستعملها البرجوازية العالمية وخادمتها البرجوازية الصغرى في تعميق استيلاب الطبقة العاملة وتجزيئها وتشديد استغلالها.



#عبد_السلام_أديب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بركان الانتفاضات المغاربية والعربية
- كيف تتحرك الأشياء؟
- تعمق الأزمة الثورية عالميا ومواجهة البروليتارية لعملية تفريغ ...
- الأزمة الاقتصادية والثورة البروليتارية
- الانظمة الرجعية تشن الحرب على شعوبها الآن !!!
- الشعب يريد اسقاط النظام
- مسار الحراك الاجتماعي المغاربي والعربي
- احتجاجات حركة 20 فبراير وارتسامات المشاركين
- تعمق الصراع الطبقي وضرورات مواجهة الكادحين للثورة البرجوازية ...
- استراتيجيات خداع الجماهير
- ميكانيزمات التمرد الشعبي في البلدان المغاربية والعربية ودور ...
- الوعي الثوري في المغرب
- من أجل تحرر شعوب البلدان المغاربية والعربية
- شباب البوعزيزي يواجه الأنظمة المجرمة المجوعة لشعوبها
- تساقط حكم المافيات المغاربية والعربية الواحدة تلو الأخر
- الاستغلال الامبريالي – الكومبرادوري والفقر والجوع والتهميش ا ...
- تبخر وهم الاستقلال الشكلي وحكامة الكومبرادور في بلدان الشرق ...
- أية آفاق للانتفاضات المغاربية؟
- شعوب البلدان المغاربية تنتفض بعد سنين من المعاناة
- في كل مكان من العالم، تتحرك ردود فعل قوية للطبقة العاملة ضد ...


المزيد.....




- الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
- متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
- نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
- اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا ...
- الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
- اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
- مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع ...
- رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51 ...
- العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل ...
- أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع ...


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - عبد السلام أديب - دور البرجوازية الصغرى في الحراك الجماهيري المغاربي والعربي