أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علاء اللامي - رمضانيات عراقية: أزمة دينية أم سياسية؟















المزيد.....

رمضانيات عراقية: أزمة دينية أم سياسية؟


علاء اللامي

الحوار المتمدن-العدد: 3462 - 2011 / 8 / 20 - 09:01
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ظاهرة جديدة كَثُر الحديث عنها في وسائل الإعلام العراقية خلال شهر رمضان الجاري. تتمثل في عزوف جماهير واسعة من الناس عن الصيام وعدم القيام ببعض الطقوس والممارسات الدينية الموروثة، ولم تتوقف الظاهرة عند هذه الحدود بل تعدتها إلى ما يمكن اعتباره تمردا ورفضا لإطاعة زعامات دينية سياسية.
قبل أيام قليلة، نشرت إحدى الصحف البغدادية تحقيقا لافتا أوردت فيه تصريحات لرجال دين سجلوا فيها أن الناس أصبحوا ( أقل التزاما بأداء المناسك الدينية في رمضان الحالي، بينما اتفق نشطاء وإعلاميون على أن الإحباط المتزايد لدى السكان، بسبب النقص الحاد في الخدمات الحياتية الضرورية، بدّد فرحة حلول شهر رمضان ..العالم 7/8/2011) وقد نسبت الصحيفة إلى الشيخ مهند الغراوي مسؤول التيار الصدري في الرصافة قوله ( لمستُ أنّ موسم الصيام هذا العام وشهر رمضان المبارك، مختلف عن باقي المواسم، ولا اعرف ما السبب... ) يعبر الشيخ عن حيرته إزاء هذه الظاهرة متسائلا إن كانت أسبابها تكمن في ( الناس، أم بسبب المناخ وارتفاع درجات الحرارة، أم بسبب عدم وجود الخدمات، أم بسبب الإحباط في نفوس المواطنين من خلال عدم الانسجام والانصياع لأوامر الله سبحانه وتعالى، أم بسبب الفضائيات وقلة الإيمان في صدور الناس؟ ) صحيح أنّ درجات الحرارة ارتفعت فعلا إلى درجة لم يعهدها العراقيون حتى بلغت 54 درجة مئوية ما حدا بالحكومة إلى تعطيل العمل في الدوائر والمؤسسات الحكومية في جنوب ووسط البلاد، ومن المعبر أن معظم الموظفين رفضوا البقاء في منازلهم خلال تلك العطلة الاستثنائية وحضروا إلى دوائرهم وأماكن عملهم لأنها -كما علّل بعضهم - مكيفة الهواء وأفضل من تلك "الجهنمات" التي تسمى بيوتا!
ربما يُفسِر ارتفاعُ درجات الحرارة ظاهرةَ عدم صوم بعض الناس خلال شهر رمضان، ولكنه قد لا يفسر لنا ظاهرة قريبة أخرى لاحظها أحد رجال الدين ومفادها أنّ ( مجالس – العزاء الدينية - للإمام الحسين فاترة جدا، وهناك عزوف عن زيارة حضرة أمير المؤمنين – علي بن أبي طالب - صباحا، في الوقت الذي كانت تغص بالمؤمنين في سنين خلت، أما اليوم فهي فارغة...) لهذا ينبغي البحث عن الأسباب في مكان آخر. محللون وكتاب وخبراء عللوا هذه الظاهرة بوجود شعور عام بالإحباط. فالعراق، كما قال أحدهم ( يعيش مشهد القرون الوسطى، بسبب النقص الحاد في الخدمات والظلم الواقع على الشعب، نتيجة لتعسف السلطة وفشلها الذريع على جميع الأصعدة ...) يمكن أن نضيف إلى ذلك شبكة متنوعة من المشاكل والصعوبات التي تحاصر المواطن العراقي وتنغص يومياته. غير أن هذه الصعوبات ومسببات الإحباط ليست جديدة، ولا هي طارئة، فلماذا لم تتفاقم هذه الظواهر المتعلقة بالشأن الديني إلا الآن ؟ وهل يتعلق الأمر بأزمة دينية عارضة وذات مساس بطبيعة ما يدعى أحيانا الإيمان الشعبي، أم هي أزمة سياسية اجتماعية عميقة تتعلق بطبيعة نظام الحكم القائم على المحاصصة الطائفية الدينية القومية؟
نسجل أولا، أن هذه الظاهرة ليست جديدة تماما إنما يتجدد الحديث عنها ويستعاد مع مَقْدَم شهر رمضان كل عام ومنذ عدة سنوات هيمنت فيها الأحزاب السياسية الإسلامية الشيعية المتحالفة مع أحزاب أخرى كردية قومية على الحكم والحياة العامة. نسجل ثانيا، أن عددا محدودا من رجال الدين الشيعة تمايزوا وابتعدوا عن التوجهات الطائفية التحريمية وجاهروا باستقلاليتهم وحتى بدعواتهم الصريحة لعلمانية الدولة كالشيخين أحمد القبانجي وإياد جمال الدين ولكنّ هذه الأصوات ظلت أشبه بأصداء موحشة في البرية فيما بقيت أصوات السلفيين والمحافظين الطائفيين هي الأقوى لأسباب مختلفة منها :
- هيمنة أحزاب إسلامية ورجال دين نافذين على مصادر تمويل مهمة ومنظومة واسعة وفعالة من وسائل الإعلام واستعمالها لترويج أفكارها ومشاريعها.
- هشاشة وضعف الأحزاب والقوى السياسية العلمانية والتقدمية بعد أن تحول أغلبها وأقدمها إلى مؤسسات تابعة لهذه القوة السياسية الكبيرة أو تلك وتورط بعضها في مشاريع ومؤسسات الاحتلال السياسية.
- الاستقطاب الطائفي المتفاقم في الميادين الاجتماعية والثقافية والاقتصادية وما يفرزه من ظواهر التجْييش والاستنفار والاضطرار للاحتماء بكيانات و تشكيلات مسلحة وغير مسلحة في ظل ضعف وتشرذم مؤسسات الدولة أو ما تبقى منها بعد الاحتلال.
ومع ذلك فقد مرّت سيرورة تكرس الهيمنة الطائفية بمراحل مختلفة، بلغت ذروتها في هيمنة المليشيات والمحاكم الدينية الشيعية أو السنية في أرجاء واسعة من البلاد هددت بالاستيلاء المسلح على ثالث محافظات العراق وعاصمة الجنوب البصرة، وكادت تنجح في إنشاء دولة دينية مسلحة في المناطق الغربية، ولكنها دخلت في مرحلة جزر وضمور قد لا تكون الضربات العسكرية كـ "صولة الفرسان" وغيرها التي وجهتها حكومة المالكي سببها الرئيسي، بمقدار ما كان النفور العام والاستياء الشعبي الذي تركته ممارسات تلك المليشيات والأحزاب الدينية الطائفية وراء ذلك.
إن ظاهرة التدين الشعبي في العراق لا تختلف كثيرا في سماتها العامة عنها في أي بلد آخر، ولكنها أيضا تحوز خصوصياتها النابعة من النسيج المجتمعي العراقي التعددي دينيا وطائفيا وقوميا، ومن التراث الحضاري المنجز والبالغ ذروته في إنجازات الدولة العباسية في قرنيها الأول والثاني. لقد تميز التدين الشعبي العراقي ومنذ القِدم بطابع التسامح والوسطية من جهة، وبقوة وجرأة التيارات والمذاهب العقلانية و النقدية التحررية من جهة أخرى لدرجة يمكن الحديث معها عن وجود نوع خاص من العلمانية المعاشة وسمت بميسمها الحياة اليومية للعراقيين على مرِّ العصور. غير أن المتغيرات التي دخلت حياتهم في هذا المجال، بدءً بما سمي "الحملة الإيمانية" التي أطلقها الرئيس السابق صدام حسين، وهي حملة حكومية كان الهدف منها نشر مظاهر التدين على الحياة اليومية باستخدام مؤسسات الدولة والحزب الحاكم، مرورا بالغزو الأجنبي وتشكيل الحكم المحلي الذي لعبت فيه الأحزاب والمليشيات الإسلامية "الشيعية والسنية والكردية" دورا رئيسيا، جعلت التراث العراقي الزاهر مجرد ذكريات جميلة يتحسر عليها الجيل الحالي.
لكل ما تقدم، لا يمكن لمن يرصد هذه الظاهرة أنْ يوافق رجال الدين على تفسيراتهم لها أو على تصويرهم لها وكأنها أزمة تتعلق بالتدين و درجاته أو ( بقلة الإيمان في قلوب الناس) فالظاهرة الإيمانية الدينية ليست بهذه البساطة والسطحية بل هي أكثر تعقيدا وعمقا مما يبدو للوهلة الأولى. غير أنّ قراءة الواقع السياسي والاجتماعي الذي رصدنا قبل قليل بعض أبرز ملامحه يشي بأن ظاهرة العزوف عن صيام رمضان ومختلف الظواهر الشبيهة لا تخرج عن إطار تعبيرات احتجاجية شعبية على الهيمنة السياسية للأحزاب الدينية وعلى الدور الكبير الذي انتزعته المرجعيات الدينية والقوى السياسية الدينية سواء تعلق الأمر بميدان العمل السياسي أو بمظاهر وتجليات الحياة اليومية.
قضية أخرى أثيرت وتتعلق بالرفض الذي جابه به العشرات من عناصر التيار الصدري الذين تم اختيارهم من شبكة "المبلغِين" للقيام بنشاطات دينية وسياسية في المحافظات من قبل زعيمهم مقتدى الصدر حيث رفض عشرون من مجموع خمسين إطاعة توجيهاته مما حدا به لإلغاء "مشروع المبلغين" برمته. هذه الحادثة قد لا تخرج عن إطار ما يشهده هذا التيار من انشقاقات وتكتلات تزخر بها الأحزاب الأخرى ولكنها تؤشر أيضا على تطورات جديدة نوعية في شكل العلاقات الداخلية في الحركات السياسية الدينية بخاصة. مؤشر آخر نختم به قراءتنا هذه و يتعلق بقلة اكتراث الجمهور بقضية المسلسل الديني "الحسن والحسين" الذي أنتجته شركة "المها" الكويتية رغم كل ما أثير حوله من طرف المرجعيات الدينية والكيانات السياسية المختلفة ورغم وصول الموضوع إلى البرلمان الذي صوّت بالأغلبية على منعه. وبالمناسبة، فالاسم الرسمي والكامل لهذا المسلسل هو " معاوية والحسن والحسين" ولكن الجميع يتجاهلون هذا الاسم ربما لأنه يستبطن شيئا من الاستفزاز بقَرْنِهِ اسم معاوية باسمي الإمامين. أما اللافت حقاً فهو أنّ بعض المراجع، منهم خطيب الجمعة المعتمَد من قبل المرجع السيستاني، أجازوا لأنفسهم مشاهدة المسلسل وخرجوا بما اعتقدوه من استنتاجات حوله، ولكنهم منعوا الآخرين من مشاهدته وطالبوا بمعاقبة القنوات التي بثته. إنّ ظاهرة العزوف عن القيام بالطقوس والممارسات الدينية، و ما وصفناه بعدم اكتراث الجمهور بحدث ديني معين، يوضح لنا المدى الواعد الذي بلغه الرفض الشعبي لهيمنة الإسلاميين الشيعة وحلفائهم المتحالفين مع الاحتلال على الحياة العامة والسياسية معا.



#علاء_اللامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحضور المندائي في اللهجة العراقية و العربية الفصحى
- نماذج طريفة من الكلمات الأكدية والآرامية في اللهجة العراقية
- قراءة جديدة في-محاكمة- كافكا: تشريح شعري ساخر لعبث الوجود
- العراق: الصراع الطائفي بلغ المراقد المقدسة!
- المزيد من الكلمات الآرامية والأكدية في اللهجة العراقية /ج3
- كلمات أكدية وآرامية أخرى في اللهجة العراقية
- إيران في العراق: من التدخل إلى الهيمنة إلى الافتراس
- الحضور الأكدي والآرامي في اللهجة العراقية المعاصرة
- إشكالات التصنيف المنهجي والسِيَّري: هادي العلوي نموذجا!
- تصريحات النجيفي : الانفصال الطائفي وخلفياته
- النضال الأيديولوجي والعلاقة المباشرة مع الناس
- العراق ومجازر من الأرشيف .. مجزرة -زفاف التاجي- نموذجا!
- مرة أخرى عن القديس فالنتاين.. وهل هو مالطي أو روماني أو خراف ...
- مَن هذا الفالنتاين الذي يعلم سمنون البغدادي الحب؟
- كمين أميركي اسمه الجنرال-عمر سليمان-
- خطر التصارع الحزبي على الانتفاضة العراقية ومقترحات لتفاديه / ...
- خطر الاستقطاب الطائفي والعرقي على الانتفاضة العراقية ومقترحا ...
- رفض الاجتثاث وتجريم تمجيد الجلادين
- ثلاثة أخطار تحدق بالانتفاضة العراقية ومقترحات لتفاديها
- تطبيقات من تجربة المصالحة في جنوب أفريقيا:الضحايا كشهود


المزيد.....




- بعد وصفه بـ-عابر للقارات-.. أمريكا تكشف نوع الصاروخ الذي أُط ...
- بوتين يُعلن نوع الصاروخ الذي أطلقته روسيا على دنيبرو الأوكرا ...
- مستشار رئيس غينيا بيساو أم محتال.. هل تعرضت حكومة شرق ليبيا ...
- كارثة في فلاديفوستوك: حافلة تسقط من من ارتفاع 12 متراً وتخلف ...
- ماذا تعرف عن الصاروخ الباليستي العابر للقارات؟ كييف تقول إن ...
- معظمها ليست عربية.. ما الدول الـ 124 التي تضع نتنياهو وغالان ...
- المؤتمر الأربعون لجمعية الصيارفة الآسيويين يلتئم في تايوان.. ...
- إطلاق نبيذ -بوجوليه نوفو- وسط احتفالات كبيرة في فرنسا وخارجه ...
- في ظل تزايد العنف في هاييتي.. روسيا والصين تعارضان تحويل جنو ...
- السعودية.. سقوط سيارة من أعلى جسر في الرياض و-المرور- يصدر ب ...


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علاء اللامي - رمضانيات عراقية: أزمة دينية أم سياسية؟