|
أخلعي الحجاب!
إلهام مانع
إستاذة العلوم السياسية بجامعة زيوريخ
الحوار المتمدن-العدد: 3460 - 2011 / 8 / 18 - 11:33
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
هذه دعوة لك أختي المسلمة لنزع الحجاب.
دعوة صادقة.
ليست خبيثة.
وهي طاهرة.
لا تسعى إلى تدنيس طرفك.
كما لا تحثك من خلالها على الانحلال.
بل تدعوك إلى إعمال عقلك،
وإلى استخدامه،
وحدك.
فأنت وعقلك، وحدكما تكفيان.
دون حاجة إلى البحث في الكتب والتاريخ.
دون حاجة إلى التنقيب في الدفاتر عن أراء المفسرين.
وأسألك لذلك وأنا أحدثك عدم الخوف مني.
أسألك الاستماع إلي والتمعن في كلماتي دون تشكيك في نواياي.
وأنت فيما بعد حرة.
حرة في قرارك.
حرة في مصيرك.
تفعلين ما تشاءين.
أنتِ أنتِ سيدة نفسك.
وحدك.
لا وصاية لأحد عليك.
لا أحد غيرك.
ألبسي الحجاب بعد ذلك، أو اخلعيه، سأحترم قرارك مهما كان.
ففي النهاية يجب أن يكون القرار قرارك.
دعيني إذن أهيئ النقاش لدعوتي تلك.
قلتُ في يومية سابقة إن ارتداء الحجاب بدأ فعلياً في العالم الإسلامي مع الثورة الإسلامية الإيرانية، التي فرضت الحجاب فرضاً على النساء بعد أن نجح رجال الدين في قلب المائدة على رأس الطبقة الوسطى والفئات اليسارية، التي دفعت من دمها للتخلص من حكم الشاه محمد رضا بهلوي.
رغم ذلك، لأن تلك الثورة مثلت أول انتفاضة حياة حقيقة في المنطقة فإنها بدت للكثيرين نموذجاً يحتذي به، هي والزي الذي أصبحت النساء ترتديه هناك (بطبيعة الحال، تجاهلت وسائل الإعلام آنذاك التظاهرات النسائية التي خرجت معارضة لفرض ارتداء الحجاب، لكن تلك قصة أخرى).
زاد على ذلك عامل أخر معروف، أعني الطفرة النفطية التي هيئت للمملكة العربية السعودية وبعض من شخصياتها الغنية تقديمَ الدعم المالي لنشر ثقافة الدعوة الإسلامية، الوهابية، إضافة إلى تأسيسها لآلة إعلامية ضخمة تؤكد صباح مساء على أن حجاب المرأة ضرورة.
وتلاقحت تقاليد الدعوة الإسلامية تلك مع فكر الأخوان المسلمين، والتفرعات الحزبية العربية والإسلامية التي انبثقت منه، لينتشر في المجتمع فكر جديد، فكر غريب، غير الكثير من السلوكيات وطرق التفكير.
إذن، المهد الذي ولُدت فيه قضية حجاب المرأة سياسي الطابع.
دولتان، تحكم النخبة السياسية فيهما باسم الدين، تسعى كل منها إلى نشر نموذجها والتأكيد في الوقت ذاته على شرعية وجودها، وتفرضُ كل منهما على المرأة لديها ارتداء الحجاب، معتبرة إياه رمزاً لتدينها، شاءت تلك المرأة أم أبت.
شاءت تلك المرأة أم أبت!
وفكرٌ إخواني يهدف أولاً وأخيراً إلى الوصول إلى السلطة السياسية، لكنه لأنه يبرر لفكره من خلال الدين كان لزاماً عليه أن يخرج علينا أيضاً بنموذج ل"سلوك إسلامي"، يتماشى مع الفكر وينسجم معه، وكان "الزي" جزءاً محورياً منه.
أعود إذن لأقول إن طابع قضية حجاب المرأة سياسي، لا أكثر ولا أقل.
سياسي بحت.
لكن التبرير له، وإقناع المرأة بوجوبه، أخذ ثلاثة أشكال: أولهما وثانيهما إنساني وثالثهما ديني.
الأول يقول إن المرأة عند ارتداءها الحجاب تغطي مفاتنها وتحمي الرجل من الغواية.
والثاني يقول إنها عندما تفعل ذلك إنما تؤسس لمجتمع فاضل.
والثالث يقول إن جوهر تلك الدعوة ديني.
التبرير الأول يفترض أن الرجل العربي حيوان شهواني، رجل يجب تفاديه، فهو لا يستطيع أن يسيطر على غرائزه، والجنس يسيطر على تفكيره، ولذلك لا يمكن الوثوق به بل تجب تغطية عورات المرأة، وهي كثيرات، كي نحميه من الشيطان الذي بداخله.
وهو افتراض مجحف وغير عادل في حق الرجل العربي، الذي عرفناه أخاً وأباً وزوجاً، عرفناه أيضاً إنساناً.
لأنه قادر على التعامل مع المرأة على أنها إنسان، لا بضاعة متعة.
لأنه قادر على ضبط غرائزه رغم وجودها، وإحساسه بها، تماماً كما أن المرأة قادرة على فعل ذلك.
لأني كامرأة أفترض عند التعامل معه أنه إنسان.
إنسان يحترمني.
بنفس النسق، فإن التبرير الأول يتضمن افتراضاً مجحفاً بحق المرأة نفسها، فهو يصورها كوعاء جنسي لا أكثر، عورة، ليست بشراً، ليست كياناً ساميا، أو إنساناً عاقلاً، بل كل ما فيها يثير الغرائز، كلها عورات، صوتها، شعرها، جسدها، كلها عورات تشقلب كيان الرجل.
ويتناسى أن المرأة قادرة بسلوكها، بطريقة تعاملها مع غيرها، أن تفرض احترامها على الرجل وعلى من حولها، ليس بغطاء رأسها أو بعباءتها أو بشرشفها.
بسلوكها هي.
بطريقة تعاملها.
باحترامها لنفسها.
التبرير الثاني في المقابل يفترض أن هناك علاقة ارتباط بين ارتداء الحجاب وقيام المجتمع الفاضل، والمجتمع الفاضل حسب هذا المنطق هو ذلك الذي لا يعرف علاقات حسية بين أفراده خارج نطاق الزواج.
لكنه رغم ذلك افتراض أقل ما يمكن القول عنه إنه خاطئ.
فكل المجتمعات التي فرضت الحجاب فرضاً، وأصرت على الفصل بين الجنسين، ليست في الواقع أقلها ممارسة للعلاقات الجنسية خارج إطار الزواج.
بل على العكس.
نجد أن عملية الفصل القسري أدت في الواقع إلى قيام العلاقات المثلية الجنسية فيها، تماماً كما أن ارتداء الفتيات للحجاب في العديد من المجتمعات العربية والإسلامية لم يمنع بعضهن، كما تشير بعض التحقيقات والدراسات المنشورة، من ممارسة الحب خارج إطار الزواج، و هن في العادة يلجأن بعد ذلك كغيرهن إلى عمليات ترميم البكارة.
أما التبرير الثالث فإنه يفترض أن الدين أخذ موقفاً حاسماً من قضية حجاب المرأة، رغم أن النصوص الدينية المتواجدة تظل فضفاضة في الواقع، وكانت فضفاضة منذ الأزل، وأنتِ قادرة على قراءة النصوص بنفسك، لستِ في حاجة إلى وسيط، وسترين إنها ليست فقط فضفاضة، بل إنها حمالة أوجه.
لكننا قررنا أن نضيق النصوص ونفصلها على مقاس تفسيرات يعود تاريخها إلى القرون الوسطى.
ولو أردتِ الصدق، فإن التبرير الثالث الذي يقول لكِ و لي إن الدين هو الذي يفرض على المرأة الحجاب هو في الواقع أضعف تلك التبريرات، لأننا لم نسمع هذا القول إلا في نهاية السبعينات، ولم نراه واقعاً إلا بعد أن أصبح التفسير الأرثوذكسي للدين الإسلامي هو السائد في العالم العربي والإسلامي.
هذا هو المنطق الذي أؤسس عليه دعوتي لكِ.
أعرضه عليك راجية منك التمعن في كلماتي، وإلى ما أطلبه منك.
أنا لا أدعوك إلى الكف عن صلاتك.
لا أدعوك إلى التوقف عن صيامك.
لا أدعوك إلى الكف عن الإيمان بالله عز وجل.
بل أدعوك إلى نزع حجابك.
فشعركِ كشعري، ليس رمزاً جنسياً أخجل منه.
جسدكِ كجسدي، ليس مسرحاً لتهيؤات شهوانية.
جسدكِ كجسدي، كيان أحترمه وأفخر به.
أنت كأنا، كائن سامي،
بشعري،
بجسدي.
أنتِ كأنا، قادرة على أن أكون "فاضلة" في الخلقِ والتعاملِ، دون حجاب يغطيني.
سلوكي هو الحكم، لا قطعة من قماش.
كوني ما شئت سيدتي.
فأنا سأحترم قرارك مهما كان.
لكن في النهاية كوني أنتِ نفسك.
امرأة.
لا عورة.
#إلهام_مانع (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الهوية إنسان 12 (ب)
-
الهوية إنسان 12 (أ)
-
كيف أؤمن بالله؟
-
مواطنون لا ذميون 10
-
إلهام مانع في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: افاق التغي
...
-
الشريعة تنتهك حقوق المرأة 9
-
قانون مدني علماني عادل
-
الشريعة ليست عادلة 7
-
-معاً مع حسن البنا ضد الحداثة-!
-
الوطن... الإنسان!
-
أمة تكره؟
-
لأن الأمة لم توجد قط!
-
أمة؟
-
علينا أن نختار!
-
لا صوت يعلو فوق صوت الثورة! حقاً؟
-
اليمن.. أمام مُفترق الطريق من جديد!
-
صباح الخير يايمن، صباح الخير ياوطن!
-
مصر على مفترق الطريق!
المزيد.....
-
مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %
...
-
نيويورك تلغي تجريم الخيانة الزوجية
-
روسيا.. غرامات بالملايين على الدعاية لأيديولوجيات من شأنها ت
...
-
فرنسا: مئات المنظمات والشخصيات تدعو لمظاهرات مناهضة للعنف بح
...
-
السعودية.. إعدام شخص اعتدى جنسيا على أطفال بالقوة وامرأة هرب
...
-
تطبيق لتوزيع المهام المنزلية وتجنب الخلافات داخل الأسرة
-
-دعت إلى قتل النساء الفلسطينيات-.. أستراليا ترفض منح تأشيرة
...
-
مشهد يحبس الأنفاس.. شاهد مصير امرأة حاصرتها النيران داخل منز
...
-
السعودية.. الداخلية تعلن إعدام امرأة -تعزيرا- وتكشف عن اسمها
...
-
الكويت.. مراسيم جديدة بسحب الجنسية من 1145 امرأة و13 رجلا
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|