|
الديمقراطية والمجتمع.. من يُنضج من؟
ماجد الشيخ
الحوار المتمدن-العدد: 3459 - 2011 / 8 / 17 - 14:24
المحور:
المجتمع المدني
هل تستطيع التجربة الديمقراطية في واقع متخلف أن تقدم للمجتمع أو للسلطة أية معايير أو آليات للتقدم؟ وإلى متى تبقى تدور حول الساقية من دون أن تخرج عن نمط أو أنماط تكرارية، حيث لا تطوّر البتة في واقع مجتمعات تفتقد إلى أية آليات تغيير تحويلية، تقوم على أكتاف قوى مجتمعية أو سياسية لا ترتبط بدورة المال والثروة والسلطة؛ هذه الدورة التي يمكن وصمها بنوع من "الستاتيك السلطوي" الحامل لعناصر "استقرار" تجميدية أو تجريدية، ليست متعيّنة في واقع مجتمعات متعيّنة، الحراك فيها حياة، و"الاستقرار" ليس جمودا فحسب، بل موت مقيم.
بذا لا تسعى المجتمعات التي عاشت ردحا طويلا من الزمن، تحت ظل استبداد بطريركي وسلطوي مهيمن، للحصول على مجرد ديمقراطية ديكورية، مشبعة بالأشكال الخارجية البرّاقة، من دون امتلاكها لأية مضامين جوهرية لأفعال وممارسات حرة؛ لبشر أحرار، لا تلجم أفعالهم وفعالياتهم ومسلكياتهم مجموع العلاقات والارتباطات السلطوية على اختلاف أشكالها السياسية أو الدينية أو حتى العائلية؛ وفي احتكامها إلى عالم من البيع والشراء ونخاسة الأصوات، حيث المال سيّد العملية الشكلية والإشكالية التي عادة ما أدت وتؤدي إلى ابتلاع الصوت، وإشهار الصمت "سياسة حكيمة" لدى أرباب وأتباع الهيمنات المختلفة.
ليس هناك من ديمقراطية يمكن إنضاجها خارج التجربة، خارج السلوك الحي لخبرات بشرية يمكنها أن تمتلك أو تكتسب حيزّات إنضاجها لذاتها أولا، قبل أن تسقطها على التجرية، الناس هم الذين يُنضجون بأنفسهم ذواتهم، ومن ثم يعمدون إلى إنضاج تجاربهم، استنادا إلى خبرات مدفوعة الثمن؛ لأناس آخرين ممن سبقوهم إلى ارتياد ساحات وميادين التجربة. لذلك لا يمكننا أن نمارس ديمقراطية الخيارات الحرة، من دون أن تمارس ذواتنا نحن أولا؛ كقوى بشرية فاعلة، تطويرها لآليات خياراتها الحرة، من دون مصالحة المصالح الخاصة، وتوفيقية النرجسة وانحيازاتها للذات/لذوات أنانية ليست خليقة بالانحياز إلاّ لمصالحها ومنافعها الخاصة.
لهذا لم يكن ممكنا في غياب ممارسة ديمقراطية سليمة، وابتناء تجربة ناهضة؛ إلاّ أن تنبت في حديقة الدولة؛ أشواك المجتمعات الأهلوية، مولدة أمثال هذه الأنظمة الأبوية التسلطية، وهي تعيث فسادا وإفسادا في كامل بُنى المجتمع وما سمي "دولة"، من دون أن تأخذ في الاعتبار أي تشكلات طبقية و/أو اجتماعية، يمكن أن تنشأ جراء هذه العملية غير التاريخية، حيث أن الأنظمة الاستبدادية لم تلعب بـ "الملك"، بل لعبت وتلعب بالمجتمع والدولة وطبقاتها الاجتماعية، كما لعبت وتلعب بالاقتصاد الوطني كأحد معاقلها الرئيسة، ما أمّن لها اللعب بطبيعة التشكلات الطبقية، واختلاقها لها على صورة "الملك العضوض"، وتبعيتها لسلطة الغلبة والإكراه التي تراكمت وتراكبت مع الزمن، لتصبح هي "السلطة العليا"؛ سلطة الأب المستبد (القائد)، العائلة المالكة، الأسرة الحاكمة.. إلخ من تسميات هي في جوهرها مضمونا لسلطة استبدادية شمولية واحدة، وإن تنوّعت من دون أن تتعدّد.
إن انقلابية أنظمة فساد استبدادية، كالتي نعايشها في أيامنا هذه، ونعايش مجموعة من أشكال ومضامين الانتفاض والثورة عليها، لم تحصل مرة واحدة وفي أزمنة قصيرة، فحتى استقر بها المقام، مرت بالعديد من الأطوار، وعلى مدار تلك الأطوار، لم يكن "استقرارها" ممكنا؛ لولا غياب المساءلة وغياب الرقابة الشعبية والبرلمانية، وغياب سلطة التقاضي والتحاكم القانوني، وغياب الإرادة السياسية للمواطن ولمؤسساته التمثيلية، ولقدرة الأحزاب وقوى المجتمع المدني/الوطني على ابتناء قوة ضغط تسهّل تنشيط العملية الديمقراطية وتفعّلها، في مواجهة تغوّل سلطة استملاك إستفرادية، هيمنت في ليل، وكان ليلها طويلا.
وإذ تنفتح الآن كوة في جدار هذا الليل الذي طال أكثر مما يجب، فلأن شعوبا بأكملها باتت أكثر توقا لاستعادة حريتها وكرامتها التي هدرتها أنظمة طغيانية، ولو دفعت الثمن غاليا من دماء بنيها وبناتها. المهم ألاّ تتحول حركاتها الانتفاضية وثوراتها الهادفة للتغيير، إلى مأساة، على ما يحاول ذلك اليوم عناصر النظام القديم وأنصاره من قوى الثورة المضادة، أو الاكتفاء بتحقيقها لـ "نصف ثورة " يجري استكمالها بـ "نصف انقلاب عسكري" في كل من مصر وتونس. بحسب ما عبر عن ذلك إزاء الثورة المصرية أستاذ تاريخ الشرق الأوسط في جامعة ستانفورد البروفيسور جويل بينين، الذي أشار إلى إدراك الشباب مؤخرا أن الجيش ليس محايدا تماما، وأنه لا يؤيد إجراء تغيير جذري في بُنى النظام رغم تأييده إجراء انتخابات ديمقراطية.
إن افتقاد آليات تغيير تحويلية، معادل موضوعي لفقدان ديمقراطية حقيقية ناضجة، وبالعكس كذلك، فإن فقدان المجتمعات للديمقراطية، ولقوى ناهضة تنويرية، تؤمن بالتعددية وبتداول السلطة من دون مركزتها، وبضرورة إقامة الدولة على أسس مدنية حديثة، وتعميم الفرص وليس خصخصتها، وسيطرة المجتمع والدولة على الاقتصاد الوطني من أجل أن يعم خيره على الجميع؛ بدل تركه نهبا لسلطة فساد وإفساد طغيانية واستبدادية ونخبها العائلية والمنفعية والزبائنية، كل هذه المحاذير والمخاطر تعني استمرارا ومركزة لاستبداد مقيم، في ظل استباحة للمجتمع الوطني، واحتلال السلطة للدولة، وتعميم أحكام شمولية، وخصخصة قوانين تحضّ على عدم تطبيق أي مستوى من مستويات عدالة تنتهكها السلطة الشمولية، وتمارس عدوانها العميم عليها، عبر آليات سطوتها وأدواتها الوظيفية والمنفعية زبائنية الطابع، على ما يفعل اليوم بلطجيو وشبّيحة أنظمة استبداد إفسادية، استباحوا ويستبيحون مجتمع الدولة التي غيّبها ويغيّبها القمع والإرهاب والصمت والخوف، تحت طبقات من ممارسات ومسلكيات لا دولتية، هيمنت في فضاءات دول جرى النكوص عنها خطوات إلى الوراء، بفضل سلطات الإكراه والغلبة الإفسادية وشموليتها الاستبدادية، حيث اللادولة، وأهلوية مجتمع ما قبل الدولة في كل مندرجاتها ومستوياتها، حتى على الضد من دولة ما قبل الاستقلال.
#ماجد_الشيخ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في حاجة تاريخنا ومجتمعاتنا للحرية
-
نقائض الدولة ونواقص السلطة
-
صناعة الطغاة والهويات الأكثر التباسا
-
دفاعا عن وطنية الشعب والمجتمع والدولة
-
مأزق نخب أضاعت بوصلاتها
-
سيرورات التغيير والثورة والديمقراطية
-
ثورات الانعطاف التاريخي الراهن ومحنة الاستبداد
-
حداثة متجددة لا عثمانية جديدة
-
في شأن الطبيعة العفوية للثورات الشعبية
-
بناء الدولة وسط ركام التحولات
-
حطابات لفظية ضيّعت فلسطينية الدولة
-
المجتمع الجديد والمواطنة
-
ربيعنا الديمقراطي وحلم النهضة المؤجل
-
الهوية لا يصنعها الطغاة
-
اي مصالحة في ظل نظام إشكالي؟
-
سلطويات مانعة للمواطنة
-
الإصلاح الشامل كمسألة وجودية
-
سلطويات الذات الاغترابية ونزعتها النيرونية
-
آلام التغيير وثقل الستاتيك الفلسطيني
-
فجر ليبيا وغروب الأوديسة
المزيد.....
-
ماذا يعني أمر اعتقال نتنياهو وجالانت ومن المخاطبون بالتنفيذ
...
-
أول تعليق من أمريكا على إصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغال
...
-
الحكومة العراقية: إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتق
...
-
العفو الدولية: نتنياهو بات ملاحقا رسميا بعد مذكرة المحكمة ال
...
-
البيت الابيض يعلن رسميا رفضه قرار الجنائية الدولية باعتقال ن
...
-
اعلام غربي: قرار اعتقال نتنياهو وغالانت زلزال عالمي!
-
البيت الأبيض للحرة: نرفض بشكل قاطع أوامر اعتقال نتانياهو وغا
...
-
جوزيب بوريل يعلق على قرار المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنيا
...
-
عاجل| الجيش الإسرائيلي يتحدث عن مخاوف جدية من أوامر اعتقال س
...
-
حماس عن مذكرتي اعتقال نتنياهو وغالانت: سابقة تاريخية مهمة
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|