|
سينما العرب/ شاهد الغرب
مرح البقاعي
الحوار المتمدن-العدد: 1030 - 2004 / 11 / 27 - 09:02
المحور:
الادب والفن
لعل الشاشة الفضية هي على وجه الإطلاق المساحة المحصلة للفنون الوضعية مجتمعة، كونها تولف في هذا المستطيل الأشهب بين لغة التشكيل المشهدي، والبوح الشعري، والتجاذب الموسيقي، والنبض المسرحي قابضة بذلك على حيز الزمن المنفلت، مسجلة له في وثيقة بصرية لا تزول.
كانت السينما وتبقى، بلا منازع، المكان الحيادي الذي يجمع المثقف إلى رجل الشارع العادي على مقاعد موحدة، مهيئة الفضاء لأحلامهما المتصلة. وفي عصر طغيان ثقافة "المنظور" على ثقافة "المكتوب"، وفي سؤال السينما العربية المعاصرة، هل حققت هذه الوسيلة الترفيهية الأكثر انتشارا وشعبية طموح الأغلبية في رسمها لملامح "الصورة الموعودة" التي تجسد قضايا المواطن العربي في مواجهة ضراوة مقومات العالم الحداثي المفتوح، بلا حدود؟ وهل لهذه السينما معايير تكسبها بعدا عالميا من خلال تميزها في محليتها أولا، وعمق تناولها لعناصرالمشهد العربي تاليا، وتقديمه إلى العالم في أصالة تجعل منها فنا ركنا وليس تابعا في خارطة سينما العالم؟
يحاول مهرجان واشنطن السينمائي الدولي الإجابة عن هذه الأسئلة من خلال إدراجه للفيلم العربي الريادي، سنويا منذ عام 1996، تحت عنوان"مشاهد عربية" Arabian Sights وهو البرنامج الذي أسسته وتديره شيرين غريب التي تحدثت عن تجربتها في هذا المهرجان قائلة:" عقد مهرجان واشنطن السينمائي الدولي لأول مرة عام 1987. إلا أن الفيلم العربي لم يدرج ضمن برنامج العروض إلا عام 1991 حين عرض فيلم مغربي يحمل عنوان "باديس"Badis إلى جانب أفلام عالمية أخرى من أوروبا وآسيا وأميركا اللاتينية.ولم تنفرد السينما العربية بحيز خاص في المهرجان إلا في العام 1996بعد أن أثبتت حضورا مميزا ومنافسا على مستوى الفيلم العالمي". بدأت العروض الدورية للفيلم العربي ضمن مهرجان واشنطن السينمائي الدولي، لأول مرة، في ظل برنامج مشاهد عربية التي سعت إليه السيدة غريب بحماس وإصرار شديدين، دافعها الخالص قراءة مشهدية معمقة للفيلم العربي المعاصر أكدت لها إمكانية حضوره بزخم على ساحة السينما العالمية بل والمنافسة على الجوائز الدولية أيضا، و كذلك الإقبال الذي شهدته هذه الأفلام حين كانت تعرض، فرادى، من خلال فعاليات المهرجان السنوية. أما عن آلية اختيار الأفلام المؤهلة للمشاركة في المهرجان فتقول غريب:"المعيار الفصل الذي نعتمد عليه في اختيار الفيلم هو القيمة الفنية للعمل وهي الخطوة الأولى والأهم. نحن لا نقيَم الفيلم تبعا للقضية التي يطرحها سياسية كانت أم اجتماعية أم حتى ترفيهية خفيفة. تركز الجنة المكلفة باختيار الأفلام ـ وأنا عضو فيهاـ على التنويع في المواضيع والتعددية في الطرح والمعالجة السينمائية". يساعد الطابع الخاص الذي يميز مدينة واشنطن حيث يقام المهرجان على هذا التوجه. فواشنطن ليست العاصمة السياسية للولايات المتحدة فحسب، بل هي مدينة ذات صبغة ديموغرافية دولية أيضا (Cosmopolitan)، والمهرجان مناسبة قيمة لتخاطب الثقافات من خلال أفلام تحكي قصص شعوب أخرى باختلاف شرطها الاجتماعي والثقافي والتاريخي، وتمنح عشاق السينما هنا فرصة نادرة لمشاهدة أفلام جوائز مميزة والتعرف على نماذج وتجارب سينمائية ترسم صورا وأحلاما مغايرة للمألوف والمتعارف عليه في التركيبة الذهنية الغربية المعاصرة.
الأفلام المشاركة في مهرجان كانت من المغرب و تونس و الجزائر ولبنان وفلسطين، ومعظمها أفلام حازت على جوائز عديدة في مهرجانات دولية أخرى قبل عرضها في مهرجان واشنطن. ومن أبرزها كان فيلم "فورد ترانزيت"Ford transit من فلسطين للمخرج هاني أبو أسعد والذي يسجل لقصة سائق سيارة أجرة من طراز فورد يدعى راجي، حيث نتعرف إليه خلف المقود من خلال مشاهد الفيلم الشبه توثيقية، ونراه متنقلا بصعوبة ومناورا بين الحواجز على الطرقات التي تصل بين رام الله والقدس الشرقية و نتابع حوارالركاب في السيارة بلغة من المصداقية تشوبها من حين لآخر روح النكتة المتبرمة . يقول هاني في اتصال هاتفي أجرته معه المجلة:" إنه فيلم روائي ـ وثائقي حيث تتحول حركة سيارات الأجرة الفورد إلى مسرح للحياة اليومية للمواطن الفلسطيني متنقلا بين الحواجز.هناك اهتمام متصاعد بالفيلم العربي في العالم و بالمقابل هناك حاجة استراتيجية عليا أن يروي العربي قصته بنفسه قبل أن يرويها أحد نيابة عنه بطريقة قد لا تخلو من تشويه و قلب للحقائق". بالفعل هناك حاجة ماسة إلى رواية القصة وهناك بالمقابل من يرغب في الاستماع إلى هذه الرواية ومشاهدتها من مصادرها الأصلية وبلغة أهلها. وقد ساعد هذا الأمر على خلق سوقا للفيلم العربي في المهرجانات الدولية ومنها مهرجان واشنطن، ما هيأ الفرصة لتسويق هذه الأفلام خارج دائرة المهرجان. فقد قامت قناة صاندانسSundance Chanel مؤخرا بشراء حقوق عرض فيلم فورد ترانزيت وسيتمكن المشاهد الأميركي من متابعته قريبا( مترجما) على شاشة القناة التي عرفت بانتقائيتها و تخيرها لصفوة الأفلام العالمية. كذلك فإن المفاوضات جارية مع شركة التوزيع الأميركية"فيلم فورم"Film Forum المهتمة لمنحها حقوق توزيع الفيلم. للمخرج أبو أسعد مشاركات في مهرجانات عالمية عديدة و فيلمه "عرس رنا" الذي شارك في مهرجان واشنطن عام 2002 كان قد حاز على جوائز عالمية في العام نفسه كجائزة أسبوع النقاد التقديرية في مهرجان كان، و جائزة أفضل ممثلة في مهرجان مراكش و أفضل فيلم في مهرجان مونبيليية. و كذلك فإن فيلمه الذي عرض مؤخرا في واشنطن حاز على جائزة هيومن رايت واتش فيلم فيلم فيستيفال Human Right Watch Film Festival في نيويورك. من الأفلام الملفتة في المهرجان أيضا كان فيلم "المكتبة" للمخرج التونسي الشاب نوفل صاحب الطابع الذي يصور لطبيعة العلاقات الاجتماعية و الأسرية لأفراد عائلة عربية تنتمي إلى البرجوازية المثقفة، و يحكي عن درجات الصراع الذاتي الذي يعيشه كل واحد منهم على طريقته من خلال التعامل مع المتغيرات الاجتماعية وظروف الانفتاح الاقتصادي الذي يعزز طغيان صناعة المال على لغة القيمة. وفي حديث مع صاحب الطابع قبل ساعات من مغادرته واشنطن بعد أن حضر افتتاح المهرجان أفاد:" لقد أردت أن أقول من خلال شبكة العلاقات بين أفراد الأكثرية المثقفة التي تشكل نسيج الطبقة الوسطى الأعرض في معظم بلدان العالم العربي أن الركود عامل سلبي وهدام في حياة الشعوب وأن التغيير والاجتهاد المبرمج والموضوعي والقدرة على استيعاب المتغيرات العالمية وتوظيفها لتفعيل حركة التطوير الذاتي والتحديث الاجتماعي إنما هو من أسس رقي الشعوب وعلامة من علاماتها الحيوية في البناء والتجديد." شارك فيلم المكتبة في مهرجان برلين الدولي للعام 2003 و كذلك مهرجان مونتريال السينمائي الدولي للعام نفسه حيث حاز على جائزة أفضل فيلم عن قارة أفريقيا.
أما عن جمهور المهرجان فقد تنوع بين وعرب وأميركيين من المهتمين بالحركة السينمائية والفنية لشعوب وثقافات العالم، وهم غالبا من الأكادميين، والطلبة الجامعيين، والمشتغلين بالشأن الثقافي والمؤسسات الدولية، المتواجدين بكثافة في دائرة الحياة الثقافية في مدينة واشنطن. تقول غريب في هذا الشأن:" في هذا العام يكون برنامج"مشاهد عربية" المدرج ضمن فعاليات مهرجان واشنطن السينمائي الدولي واشنطن قد طوى عامه الثامن بنجاح مطرد. وإقبال الجمهور وتجاوبه مع عروضه كان إيجابيا و محفزا تماما كما عهدناه حتى في أحلك الظروف.. ففي عام 2001 عرضت مجموعة الأفلام العربية في موعدها المخصص مسبقا في 3 تشرين الأول/أكتوبر، يفصل بينها و بين أحداث 11 أيلول/سبتمبر بضعة أسابيع فقط، و بالرغم من ذلك فقد تلقى مكتبنا في ذلك الوقت العديد من الاتصالات الهاتفية المشجعة و المؤازرة و التي كانت تؤكد على ضرورة المتابعة في تقديم الصورة " الغير مشوهة" للشخصية العربية بعيدا عن اللغط والتشهير النمطي التي تتناوله بعض وسائل الإعلام هنا وهناك". فإلى أي مدى سيذهب السينمائيون الشباب في توصيف الواقع العربي بأمانة العارف ومسؤولية الشاهد على التاريخ ؟ وهل سيتابعون نحت صورة الشخصية العربية كما ينبغي لها أن تكون وتقديمها ندا للشخصية الغربية في شرطها الموضوعي؟ وهل ستكون السينما عاملا نوعيا في شحذ الطاقة الإبداعية الكامنة في نفس الشاب العربي الطامح إلى مستقبل مغاير لحاضره؟.
#مرح_البقاعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شــعر: جــدل
-
شــعر: آه
-
الغرافيك..بين الغائر والنافر
-
سأقاطــع خبزكــم
-
شعــر: جـزيــرة
-
شــعر: مــاء الذَهــاب
-
عصابات الغرافيتي.. والجداريات
-
ثلاث قصائد: رمل - بجعة - كهف
-
الصَعْقة
-
دانتيللا الجهات
-
الكاوبوي مترجلا.. وشاعرا
-
الفيديرالية الإسلامية
-
شعـر: السـاجدة
-
الفن الرقمي بين مطرقة الأصولية الفنية وسندان التطرف التكنولو
...
-
الفن : تكنولوجيا الروح
-
حوار مع رئيس معهد الشرق الأوسط في واشنطن السفير إدوارد ووكر
-
شعـر: مستجدات الوطن.. والحب
-
الحليب الأسود
-
مقامات التنوير في موسيقى الغرب
-
شعر: نحن الذين لا ينتظرنا أحد
المزيد.....
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|