جعفر المظفر
الحوار المتمدن-العدد: 3457 - 2011 / 8 / 15 - 18:41
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في آب من هذا العام.. لا زال الوقت مبكرا للاعتقاد أن الحرب مع إيران قد توقفت فعليا إلا من خلال التعريف العسكري لها, أي ذلك الذي يتعلق بحركة الجيوش على الأرض, ومثلها في ذلك حرب الكويت أيضا.
بأشكال واضحة وبمستويات مختلفة يعود الإيرانيون للتأكيد على تحديهم لعلاقات الجيرة من خلال تدخلاتهم المباشرة بالشأن العراقي: سياسيا حيث الهيمنة والنفوذ, وجغرافيا حيث التجاوزات على الحدود ومنابع النفط وتجفيف الأنهار, وحتى عسكريا من خلال التناوب على قصف مناطق كردستان العراق المتاخمة.
وتأتي الدعوة الإيرانية للحصول من العراق على التعويض الترليوني ( ألف مليار دولار ) لتؤكد بدورها على أن الإدعاء بوجود علاقات جيرة طيبة أو شراكة دينية أو حتى مذهبية يتراجع بالكامل أمام أمام أطماع إيرانية تستخدم اليوم ضعف العراق من أجل أن تنال أطماعها. وليس بإمكان هذا التراجع سوى أن يعيد من جديد طرح التساؤل الذي لم يكن وجد إجابته لحد الآن.. من كان بدأ الحرب, وذلك على ضوء وقائع جديدة على الأرض تدعو حقا إلى مراجعة تستند أيضا على الحقائق الحالية مثلما تستند على حيادية النوايا.
من ناحية أخرى فإن المناوشات الكلامية بين العراق والكويت والتي تدعمها على الأرض تصرفات كويتية غير متوازنة وحتى عدوانية, منها مثلا بناء ميناء مبارك الذي سيهدد بشكل أكيد منفذ العراق البحري وشريط ساحله, والتجاوزات الكويتية على حدود العراق وسرقة ثروته النفطية, وأخرى تتعلق بالشتائم التي يشنها بعض الكتاب الكويتين المأبونين ضد شعب العراق. هذه المناوشات, مع أخرى غيرها, تؤسس الحاجة الفعلية لإعادة قراءة أسباب حرب الكويت بشكل منصف, لا بل وإعادة طرح السؤال نفسه.. من كان بدأ الحرب, العراق أم الكويت.. !!.
لا مانع من التذكير بأن صدام كان ميالا للعنف والقسوة والجنوح وإن لديه سجلا إجراميا بحق شعبه وخصومه من جميع الفئات والقوميات والطوائف, ولكن ذلك لا يعني أن سلوك جيرانه كان معقولا وطيبا بالشكل الذي يعطيهم صك البراءة من الكوارث التي أحاقت بكل المنطقة.
والقول أنه كان ممكنا حل تلك المشاكل بطرق سلمية لو أن صدام كان حكم عقله لا يلغي القول أن حروبا متعددة في مناطق أخرى من العالم كانت قد قامت لنصف الأسباب التي قامت من أجلها الحربان الإيرانية والكويتية. ولقد قام الغزو الأمريكي للعراق على (الظن) بوجود أسلحة دمار شامل أو علاقة (مفترضة) لصدام مع الإرهاب.
وإذا ما وقنا أمام أحد أهم العناوين الأمريكية لتلك الحرب وهي إزالة الدكتاتورية وإقامة الديمقراطية فإن بإمكاننا أن نعلم كيف يمكن لمنطق القوة أن يحور ويحرف معاني الأشياء.
نعم, سوف نختلف نحن العراقيين على الطريقة الأمثل والأفضل التي كان يجب اللجوء إليها لحل الإشكالات التي تسببت بإشعال شرارة تلكما الحربين, ومن حقنا أن ندين صدام لذهابه إلى ساحة النزال بشكل مفتوح ومغامر. لكننا سنخطأ حتما إذا اعتقدنا ولو للحظة أن الحكومتين الإيرانية والكويتية كانتا بريئتين تماما من الذنب أو هما لم يكونا جزء من المشكلة.
إن عودة سريعة للتعرف على طبيعة العلاقات العراقية الإيرانية بعد توقف الحرب بين البلدين, وفي العامين اللتين سبقتا حرب الكويت, سيؤكد لنا أن كثيرا من العلاقات بين حكومتي البلدين كانت قد بدأت تتعافى, ولم تكن تلك العلاقات احتاجت إلى أكثر من سنتين, بين نهاية الحرب وبداية غزو الكويت, حتى عادت العلاقات الدبلوماسية لتنتعش بعودة السفيرين. وعلى مستويات أخرى كانت دبلوماسية تهريب النفط قد أفلحت بتقديم دعم اقتصادي لنظام صدام الذي ما كان ممكنا له أن يستمر لولا الأموال التي عادت عليه من تلك التجارة التي كان من أنشط أشخاصها ابنة رافسنجاني التي حظيت باستضافة عدي صدام حسين لمرات عديدة في بغداد. وبإمكان المرء أن يتعرف على الخط البياني المتصاعد للعلاقات الإيجابية بين البلدين والتي إمتدت إيرانيا لتشمل التضييق على نشاط المعارضة العراقية المقيمة في إيران آنذاك. أما خطوة إرسال الطائرات العراقية إلى إيران قبل الضربة العسكرية الأمريكية فلم تكن أتت بمعزل عن ذلك التطور والذي عبر عن واقعية قبول إيران بفتح صفحة جديدة يتم من خلالها حل عقد الماضي بأساليب بعيدة عن منطق القوة العسكرية, ولم يحدث أن طرحت إيران قضية التعويضات إلا بعد الغزو الأمريكي لأراضي العراق حيث تصاعدت أيضا صيغ التدخل بالشؤون العراقية وأشكال التجاوزات على الحدود والثروة النفطية.
أما الكويت التي دخل الغزو الأمريكي من بوابتها فهي تتشارك قانونيا مسؤولية الدمار الذي لحق بالعراق من جراء الغزو, ولن تفلح كافة الإدعاءات للتغطية على حقيقة أن الكويت كانت قد استعادت جميع حقوقها التي رتبتها لها الأمم المتحدة وإن مشاركتها الحرب ضد العراق بعد ذلك لا يمكن ترتيبها قانونيا وسياسيا إلا في خانة العدوان على شعب العراق والتجاوز على حقوقه. ويعبر التجاوز الكويتي عن نفسه يوميا من خلال عدة صيغ واعتبارات, وهو مع التجاوزات الإيرانية لا يمكن تفسيره إلا على أساس المثل الشعبي العراقي كونه "ولية مخانيث", ولو صح أن المواقف الإيرانية والكويتية كانت تستهدف صدام وحكومته وأعوانه لما امتدت تلك المواقف لتتصاعد بشكل سريع بعد سقوط نظام صدام وبالشكل الذي يؤكد أن صدام, وإن كان مخطئا في الذهاب سريعا إلى الحرب إلا أنه لم يكن مخطئا في تأشير أسبابها ودواعيها, وأن هاتين الدولتين كانتا جزءا أساسيا من المشاكل والكوارث.
لقد وفر رصيد الكراهية المفتوح لصدام حسين فرصة ثمينة لتلكما الدولتين لكي يُسّوِقا كافة إشكال الإضرار بمصالح الشعب العراقي. عراقيا هناك الكثير مما يدعم تلك الكراهية ويجعلها حقا مشروعا, غير أن محاولة الآخرين تطوير تلك الكراهية باتجاهات إستخدامية على حساب مصالح العراقيين هي محاولة مرفوضة, ويمكن التعرف على جانب كبير من تلك الإشكالية من خلال واقعية التداخل التاريخي بين بعض الحركات المعارضة لصدام وبين إيران والكويت والتي تلجم أفواه شخوص تلك المعارضة وتجعلها غير قادرة أو غير مهتمة بالتمييز بين شكل كراهيتها لصدام وشكل كراهية الإيرانيين والكويتيين له.
ولنعلم أن الكويتيين والإيرانيين لا يكرهون صدام حبا بالعراقيين أبدا وإنما حبا بقضيتهم, وإذا كان من حقهم أن يفعلوا ذلك فإن من حقنا أيضا كعراقيين أن نكره صدام لحسابنا وليس لحساب الإيرانيين والكويتيين. وإذا ما كان علينا أن نكون إنسانيين مع جيراننا فنكره من يعتدي عليهم حتى ولو كان عراقيا, فإن غياب هذه المشاعر على الجانب المقابل سوف يشجعه على استخدام رصيد كراهيتنا المفتوح بالاتجاهات التي تبغي الإضرار بنا لا بصدام.
واليوم فإن الدولتين معا, إيران والكويت, هما اللتان تعيدان الاعتبار لصدام حسين من خلال استخفافهما الشنيع بالمصالح العراقية وبأشكال السيادة التي يتم امتهانها يوميا داخل العراق وعلى حدوده, وهما اللتان تؤكدان يوميا على أن صدام لم يكن كله على خطأ.
وليس المطلوب هنا أن يتخلى كارهي صدام عن كراهيتهم له, لكن المطلوب أن لا يذهبوا بها ولا يُعَبِروا عنها بالأشكال التي تؤدي إلى الإضرار بمصالح العراق, فإن هم لم يفلحوا بذلك, فسيكونون هم, مع الإيرانيين والكويتيين من سيعيد الاعتبار لصدام حسين ومن سيجعله بطلا في عيون الكثيرين.
وليس امتداحا لصدام أن يقال أن الإيرانيين كانوا ساهموا بنصب سرادق حربهم معنا, وإن الكويتيين لم يكونوا بعيدين عن توفير الكثير من أسباب احتلال بلادهم, ولهذا ينبغي فك الاشتباك والتداخل بين الكراهية الثلاث, العراقية والإيرانية والكويتية, ومنع أي محاولة, من أي جهة كانت, لإدخال الواحدة في الأخرى.
إن ثقافة الكراهية العراقية المفتوحة لصدام حسين قد جرى تطويرها, إيرانيا وكويتيا ومن بعض السياسيين العراقيين, باتجاهات تضر بالمصالح الوطنية العراقية. وإذا لم تلجأ حكومتا البلدين إلى مراجعة سياستيهما المعادية للعراق وشعبه, وإذا لم تلجأ الحركات السياسية إلى تعريف موقعها الخاص والمستقل في ثقافة الكراهية تلك فلن يكون بمقدور الثلاثة أن يقفوا ضد ثقافة عراقية معاكسة يتم تراكمها يوميا في أعماق النفس والعقل العراقي والتي ستعبر عن نفسها من خلالها إعادة الاعتبار لسياسة صدام المعادية لتلكما البلدين وللحركات السياسية العراقية التي لم تعد مصالحها ولا تاريخها يسمح لها بفك اشتباكها مع الجانب السلبي لثقافة الكراهية المفتوحة لصدام.
أبدا ليس المطلوب منا كعراقيين أن نحب صدام, وتكفينا سياسته القمعية في الداخل العراقي وهينمة عائلته وقبيلته على مقدرات العراق لكي نكرهه بقوة, وكل شيء تضيفه الدولتان على رصيد هذه الكراهية يجب أن يتم فحصه على ضوء تجاوزه على المصلحة الوطنية العراقية, وخلاف ذلك سوف لن يمر الوقت الطويل حتى يجد العراقي نفسه عير قادر أبدا على التفريق بين صدام والمصالح الوطنية واعتبارهما معا يشكلان معادلة واحدة أخشى ستغطي تدريجيا حتى على سياسته القمعية في الداخل.
#جعفر_المظفر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟