|
من مذكرات المحامي داوود سيبا يلدو في ذكرى الخامسه لرحيله
عربي الخميسي
الحوار المتمدن-العدد: 3455 - 2011 / 8 / 13 - 13:09
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من مذكرات المحامي داوود حبيب سيبا يلدو في الذكرى الخامسة لرحيله تعليق وإعداد / عربي الخميسي المقدمه هناك مقولة تقول ان الزمان كفيل بالنسيان ،الا اني قد اختلف مع هذا الرأي، وارى من جانبي ان الانسان وبحواسه الخمسه ومشاعره الانسانيه ، لم ولن ينسى ابدا حدث مهم او واقعه وقعت ، اوموقف معين من شخص معين .. ترك كل منها اثرا او منعطفا بليغا في حياته ، واصبحت جزءأ لا يتجزأ من ذاته وضميره ، يتعايش معها اينما حل وحيثما وجد وإلا ، لا يمكن ان يكون هذا الانسان انسانا سويا .
اردت بهذه المقدمه ان اعبر عن ذاتي ، وقد فارقني منذ خمس سنوات ، اخ عزيز على نفسي ، َوصديق صدوق ، واستاذ فاضل ، وانسان كل ما تعنيه هذه الكلمه من معنى ، طيب الخلق والاخلاق ، نزيها ، مسالما ، هادئا ، ميالا لعمل الخير واشاعة روح المحبة والتسامح ، كيف لا ؟ وهوعنصر معروف كان من نشطاء حركة انصار السلام العالمي !! ومن اوائل رجال السياسه من ذوي التوجه الديموقراطي التقدمي حاملا الفكر الماركسي .. متمكنا من اختصاصه المهني –المحاماة - وهو اب فاضل ومربي مثالي لأربعة .... إبنا بارا واحدا اكبرهم سلام ، ولثلاث كريمات فاضلات ، وكلهم ذوي مواقع متقدمه علما ومعرفه وثقافة وحسن تربية واخلاق.
ومما يحفزني ويشدني ايضا على استذكار هذه الشخصيه الرائعه ، هو خزين كتاباته الحافله بسرد واستذكار الكثير من احداث الماضي البعيد والقريب في العهدين الملكي والجمهوري ، وحتى الاحتلال وسقوط النظام البعثي ، حيث وافاه الاجل
يروي لنا الراحل المرحوم ابوسلام كثير من الاحداث والوقائع الاجتماعيه والسياسيه والمنعطفات الوطنية والتاريخيه التي عاصرها ، تلك التي مرت وعصفت بالعراق منذ بداية الحكم الوطني ، وهي تعد بحق وحقيقه ، مصدر مهم من المصادر والشهادات العيانيه التي لا يمكن للباحث الاستغناء عنها لتوثيق بحوثه واغناء معرفته ، واستقطع منها هنا شيئا عما كتبه عن معتقل العماره والشخصيات العراقيه التي دخلت هذا المعتقل بعد عودة الوصي ونوري السعيد وبعض اقطاب النظام الملكي السابق الى العراق ، على اثر هروبهم الى الخارج عند فشل حركة رشيد عالي الكيلاني في مايس سنة 1941 ... والملفت للنظر بهذه المعلومه ، ان صاحب المذكرات جهة حيادية وشخصية اجتماعيه مهمه ، وكان متواجدا في وسط المشهد ، حركة رشيد عالي الكيلاني وكشاهد عيان يصف لنا هذه الاحداث بدقه ، وللقارئ الكريم انقل جزءأ من النص الذي جاء على لسان الراحل ، كما اشير الى معلومه بغاية من الاهميه لم يسبق وان تطرق اليها احد من قبل عند بحث احداث عام 1941 حول ما سمي حركة رشيد عالي الكيلاني حيث يقول نصا:--- بعد ثلاثة ايام او اربعه من هروب الوصي الى خارج العراق ، اجتمع مجلسا النواب والاعيان وفقا للدستور ، وعقدا جلسة مشتركه تم بموجبها خلع الوصي عبد الاله لتركه العراق وتعيين الشريف شرف .. وهو من العائله الهاشميه كذلك ، وصيا على العرش بدلا من عبد الاله بالرغم من انه كان شخصا مغمورا ... ودعا الزعيم الوطني السيد جعفر ابو التمن بتاريخ 5/4/1941 جماعة الاهالي وعناصر اخرى يساريه وتقدميه الى الاجتماع في بيته حيث ، تم التأكيد على وجوب دعم واسناد حكومة رشيد عالي الكيلاني من قبل كافة القوى الديمقراطيه والتقدميه واليساريه واصدر الحزب الشيوعي العراقي السري منشورا يؤيد به موقف حكومة رشيد عالي الكيلاني من بريطانيا وقد بادرت العناصر القوميه ومن ضمنها جماعة ( نادي المثنى ) الى تأييد الكيلاني . وقد تحفظ بعض الموجودين وخاصة كامل الجادرجي وابو التمن بشأن رشيد عالي شخصيا .. . كان تشرشل ( رئيس وزراء بريطانيا آنذاك ) يطالب الحكومه العراقيه بالحاح شديد بتنفيذ كامل بنود معاهدة 1930 التي تنص على الأخذ بمبدأ الدفاع المشترك بين البلدين ( ويظهر ان تشرشل قد بيّت خطة لأحتلال العراق مجددا ) والوقوف بجانب بريطانيا ، وكان يدرك هو دون شك ان رد فعل العقداء الاربعه سيكون اشد عنفا وصلابه من معاداة بريطانيا. هكذااصبحت الحكومه العراقيه(بين المطرقه والسندان ) تشرشل يلح على تأييد بريطانيا في حربها مع المانيا ..! والعقداء الاربعه ومن ورائهم الجيش يؤكدون على وجوب مقاطعة بريطانيا وتأييد المانيا لتأمين سلامة العراق واستقلاله ..! لأنهم كانوا يعتقدون بان المانيا ستنتصر حتما على بريطانيا في هذه الحرب ولذلك ، فالواجب الوطني يلزم بكسب رضا المانيا لحفظ استقلال وسلامة العراق ، وقد حاول نوري السعيد ثني العقداء الاربعه عن رأيهم موضحا لهم بان بريطانيا ليست وحيده بمواجهة المانيا ، وكيف ان الولايات المتحده بدأت بالتعبئه العامه لدخول الحرب بجانب بريطانيا للقضاء على النظام النازي ... ويستمر صاحب المذكرات بسرد حقيقة الموقف وملابساته حتى يعود فيؤكد .. لكن العقداء الاربعه صلاح الدين الصباغ وجماعته لم يلتفتوا الى كل ذلك.. ولما بلغت الازمه المرحله الحتميه لأصطدام الجيش العراقي بالقوه البريطانيه ، حاولت جماعه من اعضاء مجلسي الشيوخ والنواب التوسط بين العقداء والوصي لأيجاد حل وسط يرضي الطرفين . ولكن الوساطه ذهبت هدرا سواء كانت جماعيه او فرديه ..وفي هذه المرحله تدخل الجيش .... وثم يقول ( وبهذا يكون الجزء الرئيسي من خطة تشرشل لأعادة احتلال العراق قد تحقق من جديد ) وحين عاد الوصي والمسؤولون الكبار وعلى راسهم نوري السعيد الى ممارسة الحكم ، جاءوا بقلوب ملؤها الحقد والكراهيه لكل من أيد الكيلاني وسانده سؤاء كان عسكريا او مدنيا ، وبدأت حملة الانتقام بابشع صورها وشملت هذه الحملة حتى بعض افراد كتائب الشباب اؤلئك الذين كانت دائرة الآمن ( التحقيقات الجنائيه كما كانت تسمى ) قد احتفظت باسمائهم وكنت انا احدهم .. وهكذا وجدت نفسي موقوفا في الموقف العام القريب من السجن المركزي- بغداد حيث بقيت ثلاثة اشهر وكان معي اربعة او ستة موقوفين آخرين من كتائب الشباب ، ولا بد من الاعتراف باننا كنا نعتبر ضيوف وليس موقوفين لحسن المعامله ... وكنا ايضا نلاقي التقدير والاحترام لمجرد اننا كنا من مؤيدي الكيلاني ، وإن تصرف المسؤولين في هذا الشكل يدل على عمق الحس الوطني لدى الناس لكل من كان ضد الانكليز والحكومه العميله ، اي الوصي وجماعته دون الالتفات الى المبدأ السياسي والفكري او الديني ..وان جميع الموقوفين كانوا متآلفين ومتآخين يربطهم احساس واحد وهو الشعور الوطني ، ولم يبد اي واحد منهم بحالة الانكسار والندم بما قام به ..... الاعتقال بالعماره وبعد خروجي من الموقف بيومين ذهبت لألتحق بوظيفتي التي كنت اشغلها ، فقد سبق وتعينت معلما بمدرسة الرشيد الابتدائيه ببغداد بعد التخرج مباشرة من الثانويه المركزيه عام 1938 براتب قدره ثمانية دنانير شهريا وهذا ما كان يتقاضاه خريجو الثانويات ،وحين واجهت مدير المدرسة ابلغني بصدور امر نقلي الى مديرية تربية بعقوبه لتنسيبي باحدى مدارسها الابتدائيه فقصدت مدينة بعقوبه – مركز لواء ديالى – وواجهت معاون تربيتها وكانت نسخة من كتاب نقلي قد وصلت للمديريه فرحب بي المعاون وقال لي (دير بالك انت مراقب من قبل الشرطه ) وجرى تنسيبي الى مدرسة ناحية بروانه الأبتدائيه ، لعدم وجود شاغر قريب من مدينة بعقوبه ، الا انه اكد لي خلال شهر سيجري نقلي الى قضاء شهربان ، وقد اوفى هذا الانسان بوعده ونقلت من بروانه الى شهربان بعد انقضاء المده التي قررها .. وفي اليوم الثاني قصدت شهربان والتحقت بمدرستها الابتدائيه وكانت المدرسة الوحيده للبنين ، وخلال عملي توثقت علاقاتي مع اهالي البلده ذات الطابع العشائري والعقائدي المتزمت التي يغمر اهلها الشعور الوطني المؤيد لحركة رشيد عالي الكيلاني خاصة بعد ان عرفوا خلفيتي الوطنيه واسباب نقلي . وكنت احضر مناسباتهم الدينيه والدنيويه وبعض المناقشات عن القضايا التي كانت تشغل الرأي العام حينذآك واهمها الحرب بين المانيا النازيه وبين المملكه البريطانيه وحلفاءها وموقف العراق منها من خلال اللقاء بهم في المقاهي العامه او حضور داعوتهم لي تعبيراعن الرضا والقبول لمواقفي الوطنيه والانسانيه والثقافيه ، وذات يوم حدثت لي مشادة كلاميه عنيفه مع رئيس البلدية المدعو ( سلمان الفدعم ) وكان موقفي حازما ورافضا لكل الاتهامات والتشهير والطعون التي وجهها علنا بحق احدى معلمات المدرسة الابتدائيه الوحيده بالقضاء دون وجه حق ، وكان ذلك بحضور حشد كبير من المسئولين والمعلمين وطلاب المدرسة وبعض الاهالي ، وكان الجميع ساكتين خوفا من سطوة المتكلم ، مما حدا بي الرد عليه وايقافه عند حده، وكان الجميع قد بهت لتصرفي الجرئ هذا بحق رئيس البلديه المتهور ، وعلى الاثر غادر رئيس البلديه المكان غاضبا ومعه القائمقام والحاكم والطبيب ،والتفت مدير المدرسة نحوي وقال ( تدري انت خربت بيتي ) فأستغربت من ملاحظته هذه وأتم مدير المدرسه كلامه قائلا ( ان رئيس البلديه هذا محل ثقة ضابط الارتباط البريطاني الذي ينزل في داره كلما يحضر للتفتيش ومراقبة الاوضاع في لواء ديالى وخاصة في معسكرمنصورية الجبل ) اما المعلمين فقد سكتوا هم جميعهم ايضا الا واحدا منهم وهو المعلم (احمد سته ) من اهالي منصورية الجبل الذي أيد موقفي قائلا وبصوت عالي ( اليس من العار او الجبن ان نسمع هذا التهجم على شرف معلمه من نفس بلدتكم وانتم سكوت بينما لم يتحمل ذلك معلم غريب ؟ ) وعلى اثر هذه الحادثه قاطعت ومعي المعلم احمد سته حضور التجمعات اوالمناسبات رغم احترام الناس وتقديرهم لنا اينما ذهبنا على موقفنا اتجاه ريئس البلديه المذكور نتيجة ما يحملونه من حقد مكبوت بصدورهم على هذا العميل .. ولم تمض مده طويله حتى حضر الى المقهى ضابط استخبارات اللواء في معسكر منصورية الجبل المدعو الملازم الاول (عبد المجيد جليل ) – مدير الامن العام زمان عبد الكريم قاسم --- ذلك المقهى الذي كنا نرتاده يوميا انا والمعلم احمد سته وكان صديقا للمعلم احمد سته وابن نفس بلدته (منصورية الجبل ) فسلم وجلس وقام احمد سته ابوخوله بتعريفنا ببعضنا وقال الضابط عبد المجيد – انا اعرف داوود وقد رأيته مرة في المخزن الفلاني ..! المعروضه فيه اعداد من مجلة ( الى الامام ) التي يشرف على تحريرها ( ذنون ايوب ) وهي لسان حال الجماعه المنشقه عن الحزب الشيوعي العراقي بقيادة (فهد ) .. واستمر قائلا .. طبعا انا على علم بأن الاستاذ داوود هو الذي طلب عرضها للبيع --- فأيّته طبعا فقال لي ارى أفضل لك لو تسحبها ، فأنا اليوم جئتكم هنا متعمدا لكي يصطحبني داوود لتفتيش غرفته ، فقد بِِّلغت من قبل ضابط الارتباط البريطاني بأن في المدرسه معلم يدعى داوود يتهجم على القوات البريطانيه ويثير الشقاق في البلد، وطلب مني ان اقوم بالتحقيق لأجراء اللأزم ، وطبعا انتم تعرفون ان أمن المدينه من أمن المعسكر ..! فسألته ان يأتي لتفتيش الغرفه لأني متأكد من نفسي بأني لا أخفي شيئا احاسب عليه وفعلا اصطحبني الى غرفتي وقام بالقاء نظره على محتوياتها ولفت نظره بعض اعداد المجله التي ذكرتها مجلة ( الى الامام ) فاخذها وكنت اعتقد قد اكتفى بهذا الاجراء وانتهى الموضوع .. امام محكمة جزاء بغداد ولكن بعد عدة ايام جاءت الشرطه لتلقي القبض علي وترسلني مخفورا الى بغداد ومباشرة الى مركز شرطة السراي – مديرية شرطة بغداد الكائنه في باب المعظم ، حيث جرى التحقيق معي وكان من يتولى التحقيق معاون شرطه ، وتبين ان هذا المعاون كان احد طلابي في مدرسة الرشيد الابتدائيه التي مر ذكرها ، فجلب لي كرسيا للجلوس وكان مكاني يقع امام باب السراي ، وكان هناك شابان يجري التحقيق معهما من قبل نفس المعاون ، وكنت ارى واسمع صراخ احدهما إثر الضرب المبرح الذي كان يتلقاه منه طالبا منه الاعتراف ، ومن الغريب ان هذا المعاون من عائله فقيره كما اخبرني هو نفسه ، واستمرت هذه المأساة حوالي نصف ساعه دعاني بعدها المعاون فدخلت غرفته فأشار الى كرسي امامه وقال لي تفضل اجلس ، ومن ثم وجه الحديث لي قائلا .. استاذ ارجو أن تخبرني بصراحه عن قصة الكتب والمجلات التي ضبطت في غرفتك ؟ ففهمت من كلامه ان الملازم الاول عبد المجيد جليل هو من كتب عني .. فأجبته اني اعلم تماما بأن ما يعرض في المكتبات لا يمكن ان يكون ممنوعا يحاسب عليه المرء ..! فاجاب هذا حق ولكن نحن ماذا نستطيع ان نعمل مع أمر الباشا ؟؟ ويقصد طبعا (نوري السعيد رئيس الوزراء حينذآك ) وفي تلك الفتره كان العراق قد تبادل مع الاتحاد السوفيتي العلاقات الدبلوماسيه لأول مره فتم التخفيف عن القيود المفروضه على المطبوعات بصوره شبه رسميه .. ثم واصل المحقق حديثه معي فقال ، استاذ مهما كان موقفك فهذه القضيه ستحال الى محكمة الجزاء بموجب القانون ولذلك لا مناص من ارسالك مع هذين المتهمين يقصد الشابين الى الموقف العام والقضاء هو الذي سينظر بالموضوع .. وهكذا دخلت الموقف العام مرة اخرى ووجدت في الموقف (حسين الشبيبي ) وهو من القاده الشيوعين المعروفين ومعه موقوفين آخرين اغلبهم متهمين بالنشاط الشيوعي .. وبعد مضي يومين او ثلاثه تمت احالتنا على محكمة الجزاء .. وقد حضر للدفاع عن الموقوفين اكثرمن عشرة محامين انتدبتهم نقابة المحامين للدفاع عنا .. وكانت التهمه الموجهة للشابين جريمة حيازة مطبوعات ممنوعه ، وبنتيجة النقاش تبين ان القانون يعاقب على جريمة النشر وليس على الحيازه ، وبالنسبة لي فلم توجه المحكمه اية تهمه .. اما حسين الشبيبي فالتهمة الموجهة له كانت ان الموما اليه شريد وليست له وسيله للرزق فأثبت هذا الرجل السياسي المحنك حسين الشبيبي بأن التهمة باطله وانه معلم ويمارس التعليم الخصوصي .. وكانت النتيجه ان قرار الافراج شمل اغلب المتهمين وهكذا انتهت قضيه وستبتدأ قضيه اخرى جديده بعد انتهاء محاكمتي كما ذكرت اعلاه لم يّخلى سبيلي بل اعادوني محجوزا في الموقف المركزي العام التابع للسجن المركزي ومعي هذه المره المعلم ( احمد سته ابو خوله ) وقد تبين فيما بعد وكما اخبرني احمد سته ان رئيس البلديه المدعو ( سلمان الفدعم ) هو السبب ، فقد سبق واخبره هذا العميل من انه لغرض تنفيذ مآربه الخسيسه ضدك وضدي لجأ الى تلفيق بعض الاكاذيب وقدمها الى دائرة التحقيقات الجنائيه العامه في بغداد ، وكل ما جرى لنا اعلاه كان بفعل المخبر المفتري رئيس البلديه سلمان الفدعم عميل ضابط الارتباط البريطاني ..
معتقل العماره يقول---- ابو سلام صاحب المذكرات نصا : ----- بعد عدة ايام وقفت اثنتان او ثلاثة سيارات مع عدد من افراد الشرطه امام باب الموقف العام قبيل فجر احد الايام ، وقامت الشرطه باركاب المعتقلين بها وكنا انا والمعلم احمد سته من ضمنهم ، وكان عددنا حوالي العشرون ، وصعدت بكل سياره مفرزة من الشرطه المسلحه وكان لدى كل امر مفرزه قائمة باسماء ركاب السياره مع معلومات عن سبب الاعتقال ، وسارت بنا تاركة بغداد باتجاه الجنوب وتضح لنا فيما بعد اننا محتجزون وفي طريقنا الى معسكر اعتقال العماره ، كما اخبرنا بهذه المعلومه امر القوه السياره لاحقا ، ذلك المعتقل الذي جرى تهيئته من قبل السلطه الحاكمة الجديده بالعراق لكل من ناصر او أيد حركة رشيد عالي الكيلاني ، وهكذا وصلت قافلتنا ظهيرة اليوم التالي الى مدينة العماره ، وعبرت الجسر الى الضفه الاخرى اليمنى من نهر دجله حيث يقع المعتقل ، والذي كان اصلا معسكرا للجيش العراقي جرى اخلاءه يوم الاصطدام مع بريطانيا ، وقد تم تأهيله وترميمه وتسييجه ليصبح معتقلا للنازيين (حسب زعم وسائل الاعلام البريطانيه وكذلك وسائل اعلام الحكومه العميله) ، وعند وصولنا توقفت السيارات بباب المعتقل وحضر مدير المعتقل ، وهومعاون من شرطة البصره وجرى استلامنا وفق قائمة اسماء المعتقلين مع الاوراق الاخرى التي تبين تهمة كل واحد منهم ، وقام بتسجيل اسماء الذين نزلوا من السيارات ، وكان باستقبال القادمين عند وصول السيارات عدد من نزلاء المعتقل القدامى ظنا منهم التعرف على صديق او قريب لأي منهم ، وكان من ضمن من حضر الشخصيه اليساريه المعروفه ( نوري روفائيل ) ومعه حوالي اربعة اخرين وكنت اعرفه جيدا وعلى صله به قبل الاعتقال وهو باعتقادي شخص نادر وسياسي مثقف فنتصافحنا وتعانقنا بحراره وقمت بتعريفه بصاحبي الذي يرافقني المعلم احمد سته ابوخوله وهكذا جرى توزيع القادمين على قاعات المعتقل حالة المعتقل اما المعتقل كما ذكرت اعلاه كان عباره عن معسكر قديم للجيش العراقي تنقصه المشتملات الضروريه مثل الحمامات والمرافق الصحيه وغيرها من الوسائل التي لا يمكن الاستغناء عنها لحياة الانسان العادي ، فالمعتقل يحتوي على عدد من القاعات (بناكل) وكل قاعه مخصصه لعدد من المعتقلين يجري تصنيفهم وفق رؤيا أمر المعتقل ، وتحت ضغط مطالبه المعتقلين من إدارة المعتقل بضرورة قيامها بالتصليحات والاضافات اللأزمه وتوفير الحد الادنى من مستلزمات الحياة من مرافق ومغاسل وتصريف دورة المياه الآسنة وغيرها من امور قامت الاخيره بالكتابه الى متصرفية اللواء لأبداء الرأي واتخاذ ما ترتأيه ، وعلى اثر ذلك نسًبت مديرية صحة اللواء الطبيب فرحان سيف وهو رجل صابئي طيب السيره ووطني الاحساس للقيام بمعالجة المرضى واجراء الكشف على حالة المعتقل وتقديم تقرير مفصل بذلك ، فقام المذكور بواجبه بفحص المرضى ومعالجتهم واجرى الكشف على مشتملات المعتقل وقدم تقريره الى مدير صحة اللواء بعدم صلاحية المعتقل بوضعه الحالي لعدة اسباب واقترح اضافة بعض المشتملات الصحيه واصلاح الحال بالسرعه الممكنه حفاظا على حياة نزلاء المعتقل ، وقام برفع تقريره الى رئيس دائرته مدير صحة اللواء وهذا بدوره رفعه الى متصرف اللواء ، وبعد بضعة ايام استدعي الطبيب المذكور للتحقيق معه بحجة التواطئ والتعاطف مع المعتقلين ، واحيل الى محكمة جزاء العماره من قبل قاضي التحقيق تحت ضغط وامر متصرف اللواء آنذاك المحامي عبدالرزاق عدوه فحكمت المحكمة على الطبيب حكما جائرا بالحبس سنتان وأدخِل المعتقل نفسه ظلما ولم تنسب ادارة المعتقل بديلا عنه .. كان من الممنوعات إدخال جهاز راديو داخل المعتقل ، وفي احد الايام قام كل من صديق شنشل وفائق السامرائي بمفاتحة صديقي الذي ذكرته اعلاه نوري روفائيل بأن يوافق على الاحتفاظ بجهاز راديو كان لديهم في قاعتنا قاعة المعتقلين الديمقراطين والمستقلين ، إذ يبدو ان هناك من وشى بوجوده لديهم ولكونهم لا يأتمنون جماعتهم من القوميين فوافق نوري روفائيل على مطلبهم ووضع الراديو بعهدتنا نحن ، وللعلم ان هؤلاء هم الذين شكلوا حزب الاستقلال القومي فيما بعد .. نزلاء المعتقل وبالنسبه لنا نحن القادمون الجدد فؤجئنا بكثرة عدد ونوعية المعتقلين من سياسيين وغير سياسيين – لا اعرف عددهم بالضبط - ، ولكن من جنسيات عربيه مختلفه ومن طبقات المجتمع كافة ، فيهم العراقي والسوري والفلسلطيني ورجل الدين وشيخ العشيره والضابط والجندي والموظف والكاسب والتاجر وطالب المدرسه والانسان البسيط المسلم والمسيحي العربي والاشوري والكردي ومن كل الفئات العراقيه اغنياء وفقراء ، جيأ بهم جميعا من معظم نواحي العراق ، والحقيقه كانوا يمثلون سكان العراق من اقصى الشمال الى اقصى الجنوب ، كونهم خليط من القوميات والطوائف والاديان والمذاهب ، وبمختلف الفئات العمريه من كبار السن والشباب ، فيهم العدد الكبير من الشيوخ والسراكيل والفلاحين، كما كان في المعتقل عدد كبير من المحامين والمهندسين والمعلمين والاساتذه بختلف اختصاصاتهم ، وكذلك رؤساء الدوائر الحكوميه كما فيه الكثير من الشباب المثقف وغير المثقف بل الفرد الامي الذي لا يقرأ ولا يكتب من السنة والشيعه ، اضافة الى عشرات بل الميئات من الضباط وخاصة من الرتب الصغيره ملازم ورئيس وكل هؤلاء يجمعهم جامع واحد هو العراق اولا ...! ومن المؤسف كانت بين فترة واخرى تحدث مناوشات بين السنة والشيعه ، بتحريض جمال الآلوسي من السنه وسلمان الصفواني من الشيعه ، وكان الضابط البريطاني المشرف على شئون المعتقل يزور المعتقل بين اسبوع وآخر ، وكان الغرض من المعتقل كما هو معلوم ايقاع الخوف في قلوب العراقيين لضمان سلامة القوات البريطانيه المتواجده بالعراق آنذأك .. فاضافة الى الأشخاص الذين وردت اسماؤهم اعلاه كان المعتقل يضم عدد من الأشخاص الذين برزوا سياسيا اذكر منهم المناضل الفلسطيني عبد القادر الحسيني ، والمحامي صديق شنشل ، والمحامي فائق السامرائي واخرين من القومين .. ومن الاكراد فائق نادر وانور عبدالله والاخيران كانا اصغر الموجودين سنا في المعتقل ولم ينهيا الدراسه الثانويه ، وهذان الأخيران نسبا للعيش في قاعتنا قاعة الشيوعيين والديمقراطيين وقد يكون ذلك بتوجيه من آمرالمعتقل لصغر سنهما ، كما كان القاضي عوني يوسف الكردي من ضمن المعتقليين الذي اصبح وزيرا في عهد عبد الكريم قاسم مع عدد كبير آخر من الشخصيات الكرديه ، وكان يتردد على قاعتنا ضابط عراقي يدعى كاظم جعفر من اهالي النجف كان يعمل بالجيش بصفة مرافق للعقيد كامل شبيب احد قادة الحركه الاربعه الذي جرى اعدامه مع اصحابه العقداء الاخرين بعد فشل الحركه ، وحسب معرفتي ان هذا الضابط بعد خروجه من المعتقل درس الحقوق ومارس المحاماة .... ومن المعتقلين كان الدكتور يوسف عبود اخ الضابط حسن عبود الذي يحمل شهادة الدكتوراه في الكيمياء من المانيا متزوج من سيده نمساويه ولم يكن له رأي سياسي واضح . الفعاليات داخل المعتقل ولكي اعطي فكره واضحه عن المعتقل وفعالياته كما اسلفت ابين ، ان كثير من شيوخ العشائر كانوا في المعتقل وكان من بينهم ( الشيخ علوان الياسري ) وهو الذي ترأس الجلسه المشتركه لمجلسي الاعيان والنواب والتي قررت تنصيب الشريف شرف وصيا على العرش وعزل عبد الاله الذي كان قد غادر العراق ، وكان هذا الشخص ذو نفوذ عشائري وديني ، وقد خصصت له ادارة المعتقل قاعه خاصه به اصبحت هذه القاعه مجلسا او ديوانا اومضيفا كما يطلق عليه اهالي الجنوب يقصده بعض الشيوخ وكبار المعتقلين لشرب القهوه التي يهيئها العبيد الذين احضرهم معه لخدمته ، وكان يصرح دائما بأن الحكومه القادمه يجب ان تتكون من من شيوخ العشائر فقط اما الافنديه فيقومون بادارة شؤون الدوله كموظفين فقط . وكما كان هناك شيخا اخر هو ( الشيخ مظهر الشاوي ) قد اقام وليمه غداء دعا اليها جميع المعتقلين وقد حضرها الكثير ونحن من بينهم ، كما حضرها الضابط البريطاني المسؤول عن شئون المعتقلين ، وكان الغداء يتكون من مجموعه ( صواني ) هائله الحجم مملؤه ( بالهبيط ) اي التمن وفوقه اكداس من لحم الغنم ومعها اللبن والكثير من الفاكهة ، وقد شغلت هذه الصواني الساحه الواسعه امام القاعه ، وجلس الحاضرون حول الصواني على ابسطه مفروشه ، وكان يقوم على خدمة المدعويين عدد كبير من عبيد الشيخ او فلاحيه كان قد احضرهم لهذا الغايه ، وكان من بين من حضر من المعتقلين ( عبد القادر الحسيني ) وهو من القاده الفلسطينيين ، وقد زرناه انا وصديقي احمد سته فوجدناه شخصا مثقفا وخلوقا وتحادثنا معه كثيرا وكان من رأيه ان الاشتراكيه الاسلاميه هي التي تصلح للعرب والمسلمين وليست الاشتراكيه الماركسيه وقد استشهد هذا المناضل فيما بعد في داخل فلسطين .. ويقول الراحل داوود كانت جماعة لواء الناصريه وبينهم شيخ كبير السن وبحالة مرضيه قد ادخلوا المعتقل من قبل امن اللواء عن طريق استغلال حادثة مقتل القائد البريطاني الذي كان يراقب ويشرف على مدينة الناصريه فقد تم القاء القبض عليهم واعتقالهم وارسالهم للعماره دون تمييز اوتمحيص اوتحقيق عن الفاعل الرئيسي ..! وكما كان من بين المعتقلين معنا ايضا (عزيز عبد الهادي ) وكان آنذاك طالبا في الكليه العسكريه وقد اصبح فيما بعد احد اعضاء اللجنه المركزيه للحزب الشيوعي العراقي ------------- الى هنا ينتهي الجزء القليل المقتطع من مذكرات الراحل الاستاذ داوود حبيب يلدو تعليق شخصي لابد منه ارى ان الفائده التي ممكن ان تُجنى من نشر المذكرات ، خاصة لؤلئك الناس الذين لعبوا دورا او كانت لهم مكانة مميزه في المجتمع ، تتلخص باستخلاص الدروس والعبر المستنبطه منها سواء كانت سلبية او ايجابية ، لغرض اخذها بنظر الاعتبار والاستفاده منها والاستئناس بما جاءت به من تجارب ، وما تحتويه من سرد وقائع وقصص تاريخيه تستهوي القارئ ، وتلفت نظر الباحث والمؤرخ على حد سواء .. ايها القارئ الكريم هذه المذكرات اؤكلت لي من قبل اصحابها الشرعيين وحيث اني عاهدتهم وعاهدت نفسي اولا ان اقوم باعداد ونشر بعضها تباعا وبمناسبة حلول ذكرى رحيل مدونها صديقي المحامي القدير الانسان الانسان عضو مجلس السلم العالمي وتنفيذا لما تعهدت به ان اسجل له هذه الصفحة البيضاء من تأريخه وعطائه الثر وختاما اقول الذكرى الطيبه والخلود للراحل داوود حبيب يلدو سيبا الانسان عربي الخميسي آب / 2011
#عربي_الخميسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العالم الفيزيائي الدكتور عبد الجبار عبد الله .. وبدايات الوع
...
-
نجم عراقي وشخصيه مندائيه في ذكرى مولدها ورحيلها الابدي / الق
...
-
نجم عراقي وشخصية مندائيه في ذكرى ميلادها ورحيلها الابدي
-
اضطهاد الاقليات العراقيه
-
الكاتبه العراقيه السيده ميسون البياتي تعتبر ثورة 14 تموز1958
...
-
ديموقراطية الزعيم عبد الكريم قاسم واستحقاقات العالم الصابئي
...
-
عبد الكريم قاسم ومطالبيته بالكويت .. واشياء اخرى - القسم الث
...
-
عبد الكريم قاسم ومطالبته بالكوت واشياء اخرى
-
مقعد تعويضي للبرلمان العراقي القادم معروض بالمزاد العلني ...
...
-
ماذا يعني تخصيص مقعد في البرلمان العراقي بالنسبة للصابئه الم
...
-
العلاقات الدوليه وضيق الافق السياسي وقصة حبس الجواهري الشاعر
...
-
العلاقات الدوليه وضيق الافق السياسي وقصة حبس الجواهري الشاعر
...
-
العلاقات الدوليه وضيق الافق السياسي وقصة حبس الجواهري الشاعر
...
-
يا اهل اوكلاند ماتت كاشين ....؟
-
العالم عبد الجبار عبد الله يوم التقيته
-
العراق خسر الصابئه المندائيين ، ولكن الصابئه المندائيين لم ي
...
-
المراة المندائيه حررها الدين المندائي وظلمها المجنمع
-
أنا شاهد عَيّان على ثورة 14 / تموز
-
القسم الثاني والاخير - كاظم فرهود ابو قاعدة ذلك الشيوعي المن
...
-
كاظم فرهود ابو قاعدة ذلك الشيوعي المناضل يوم عرفته
المزيد.....
-
أثناء إحاطة مباشرة.. مسؤولة روسية تتلقى اتصالًا يأمرها بعدم
...
-
الأردن يدعو لتطبيق قرار محكمة الجنايات
-
تحذير من هجمات إسرائيلية مباشرة على العراق
-
بوتين: استخدام العدو لأسلحة بعيدة المدى لا يمكن أن يؤثرعلى م
...
-
موسكو تدعو لإدانة أعمال إجرامية لكييف كاستهداف المنشآت النوو
...
-
بوتين: الولايات المتحدة دمرت نظام الأمن الدولي وتدفع نحو صرا
...
-
شاهد.. لقاء أطول فتاة في العالم بأقصر فتاة في العالم
-
الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض صاروخ باليستي قرب البحر الميت أ
...
-
بوتين: واشنطن ارتكبت خطأ بتدمير معاهدة الحد من الصواريخ المت
...
-
بوتين: روسيا مستعدة لأي تطورات ودائما سيكون هناك رد
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|