|
شربة !! قصة قصيرة
حمادي بلخشين
الحوار المتمدن-العدد: 3454 - 2011 / 8 / 12 - 20:04
المحور:
الادب والفن
شربة !!
حالما دخلت مكتبي، بادرني زميلي علوان الذيب: ـــ هل سمعت بما حدث للعمّ مسعود؟ سألته بدوري و انا أخلع سترتي: ـــ ماله؟ ـــ الدوام لله . رددّت متاثرا: ـــ انا لله و انا إليه راجعون. أضاف زميلي علوان الذيب متحسرا فيما كان يتناول ملفا من فوق خزانة معدنية بجوار مكتبه: ـــ راح المسكين في شربة ميّة!
فرحت لعم مسعود! ..كنت أعلم ان الموت أفضل لبعض المعذبين في الأرض من حياة لا بهجة فيها و لا أمل.. لقد استراح المسكين من عقوق الأبناء و نكد الزوجة و تكالب الأمراض و مطالبة الدائنين و إهانات الموظفين المتتابعة. رغم ذلك سألت زميلي: ــ وكيف كان ذلك! اجابني زميلي علوان الذيب وهو يفتح ملفه الأول : ـــ سوء تشخيص طبيّ كلّف المسكين حياته.. رددت معلقا: ـــ تعددت الأسباب و الموت واحد ارسلت زفيرا حادا ثم أضفت متحسرا: ــ أن كان عم مسعود رحمه الله قد راح مجازا "في شربة ميّة ّ فقد رحت حقيقةّ! سكت قليلا ثم أضفت مستدركا حين لاحظت علامة استغراب قد ارتسمت على محيا زميلي علوان الذيب: ــ لو اردت الصدق ... فاني لم أرح في شربة مية لوحدي بل رفقة شخص آخر. اقترب زميلي علون الذيب.. جلس على حافة مكتبي .. سألني ساخرا: ـــ و كيف كان ذلك يا دبشليم الموظّـف؟ قلت: ــ زعموا ان شرطيا شابا حديث التخرج يقال له سامي البكّوش كان يقوم بدورية صباحية حين.. قاطعني زميلي علوان الذيب سائلا: ــ هل تعني نفسك؟ ــ أجل. تابعت و انا أضع سماعة الهاتف الإداري فوق درج المكتب : ـــ دعنا الآن من الهزل، فما سارويه لك الآن قد حدث فعلا.. جر زميلي علوان الذيب كرسيّا كان مخصصا للمراجعين اشعل سيجارة ثم جلس مصغيا الي:
ـــ حدث ذلك منذ تسع سنين، حين كنت اشتغل وكما تعلم في سلك الشرطة. رفضت شاكرا سيجارة متأخرة قدمها لي زميلي علوان الذيب معتذرا، ثم واصلت. ــ كانت الساعة تشير الى تمام العاشرة حين وصلتني مكالمة تخبرني بوقوع حادث مرور على طريق مدينة بنزرت كلم 7.. احتجت الى خمس دقائق للوصول الى مكان الواقعة.. كانت السيدة رحمة المتوكل ــ التي كانت تقود سيارتها الفارهة ــ قد انتقلت منذ دقائق الى رحمة الله.. تناولت هاتفها النقال بحثت عن رقم حميم.. حين وجدت رقم زوجها اتصلت به.. حالما رفع السماعة، و قبل ان أتمكن من فتح فمي فاجأني.. في حقيقة الأمر كنت شديد التاثر من هول ما رأيت، فقد كان الحادث مروعا كما كانت الجثة شديدة التشوّه. باختصار شديد كنت... قاطعني زميلي علون الذيب مشيرا الى الساعة الحائطية. ـــ لا تختصر بالله عليك، فلدينا من الوقت ما يكفى لحكّ خصيتينا كما نشاء!
أضحكني قول زميلي علوان الذيب.. ذكرني بطرفة رويتها له منذ الأسبوع الأول من زمالتي له.. ملخص الطرفة ان رجلا مقطوع الخصيتين عين كموظف في مصلحة الضرائب، في أول يوم التقى فيه مديره، نصحه الأخير بمباشرة العمل على الساعة العاشرة بدل الثامنة، رد عليه مقطوع الخصيتين: شكرا سيدي الكريم على نبلك و حسّك الإنساني الرفيع، و لكننى لا أريد أن أشعر بأن إعاقتي يمكنها أن تحول بيني و بين أداء وظيفتي كسائر أصحاب الخصى السليمة.. رد عليه المدير: لقد ذهبت بعيدا يا أستاذ.. فكل ما في الأمر، أن جميع موظفي هاته المصلحة اللّعينة يفتتحون يومهم بدءا من الساعة الثامنة الى العاشرة بحكّ خصاهم فيما هم يتساءلون بضجر كيف يمضون بقيّة ساعات دوامهم !!
طالما استشهد زميلي علوان الذيب بمسألة حكّ الخصى هذه كلما أراد تبليغي بان لنا من الوقت الإداري المزعج ما يحملنا على أخذ راحتنا و الإسترسال في حديثنا دون تعجّل.. هرشت خصيتي ثم أضفت متابعا: ـــ كان مشهدا مريعا بالنسبة لشرطي مثلي حديث التخرّج، لأجل ذلك كنت مروّع الفؤاد مشتت الذهن لحظة رفع زوج القتيلة سمّاعة هاتفه النقال زاعقا في " اللعنة عليك يا فاجرة سأجعلك تندمين ما حييت ".. قبل ان يغلق الخط لأبقى مشدوها و انا اعاين ساعة الهاتف النقال التي كانت تشير الى العاشرة و خمس و عشرين دقيقة .. حين حاولت الأتصال به ثانية كان قد هشّم هاتفه ( كما عاينت ذلك فيما بعد) .. بعد دقائق قليلة و صل آمر الشرطة الى عين المكان، بعد معاينة الحادث و تعرّفه على هويّة القتيلة.. قام باجراء مكالمات عديدة و متشنجة قبل أن يكلفني بالتوجّه الفوريّ الى شقة القتيلة و القيام و بكل عناية، بمصادرة كلّ ما حوته من وثائق و صور شخصية و اشرطة فيديو ( علمت فيما بعد أن الهالكة كانت على علاقة غير شريفة بمسؤول أمني عرف بشدّه طلبه للجنس اللطيف ) لأجل ذلك سلمني جملة مفاتيح كنت رأيتها في شنطة الفقيدة ، أمرا إياي في صورة عدم وجود المفتاح المناسب، باقتحام الشقة و لو بالقوة و إنجاز ما كلفني به حتى قبل إعلام صاحب البيت بمصرع زوجته" أرسلت زفيرا حادا طالبت بسجارة اشعلتها ثم تابعت: ــ كانت الساعة تشير الى العاشرة و النصف حين شغلت محرك السيارة متجها نحو بيت القتيلة..
سكت قليلا ريثما وضعت كلتا رجلي فوق سطح مكتبي ثم اردفت راويا:
ـــ لما كان اليوم قائظا و الحرارة لا تطاق، فقد جذبتني حال وصولي الكيلومتر 2 ، جرّة تتدلى باغراء من شجرة تين.. كنت اعلم ان بها ماءا مبردا، فقد سبق ان شربت منها، لأجل ذلك ملت الى مجموعة عمال كانوا يحفرون خندقا بجوار الطريق ثم استأذنتهم لإرواء عطشي.. ما ان شربت حتى إلتف الجميع حولي و شرعوا يستفسرون عن نتيجة الحادث الذي بلغهم خبره. قبيل انصرفي عنهم سألني أكبرهم سنا عن الساعة.. حين عاينت ساعتى كانت ارقامها الألكترونية تشير الى العاشرة و أربعين دقيقة .. مما يعني انني أهدرت خمس دقائق مأساوية من حياتي التعيسة! صاح زميلي علون الذيب و هو يزيد مني اقترابا: ـــ لم افهم ما تعنيه ـــ حين ركنت سيارتي بجانب فيلا السيد سعيد المتوكل و قبل ان أتمكن من اسكات المحرّك، بلغني صوت رصاصة وحيدة أنهى بها السيد سعيد المتوكل حياته!! ما ان أدركت هذا القدر من قصتي حتى ضرب زميلي علوان الذيب كفا بكف ثم قال متحسرا : ــ راح الرجل في شربة مية! سحق عقب سيجارته ثم أضاف: ـــ لو ادركته قبل دقيقة واحدة بالخبر السعيد، لأنقذت حياته! قلت مؤيدا: ـــ دون شك . ثم معقبا: ــ و لكان انقذ حياتي أيضا! سألني زميلي علون الذيب: ــ و كيف كان ذلك؟ تابعت متحسرا: ــ حين اقتحمت بيت السيد سعيد المتوكل، و فور تأكدي من موته، تناولت قصاصة كانت بجانبه. كان قد كتب عليها " أنا آسف على كل كلمة حب قلتها لك، و لمسة حنان منحتها لك. ايتها الفاجرة.. ستتحملين وزر انتحاري يوم يقوم الناس لرب العالمين، لأنك أجبرتني على هذا المركب الصعب بعد أن وضعتني أمام خيارين أحلاهما علقم، إما تحمّل عار ابقاءك في عصمتي، أو تحمّل ألم فراقك الذي لا أطيقه.. بعد أن حملني بغض معاشرتك.." قاطعني زميلي علون الذيب: ـــ و أين ضياع حياتك من كل هذا؟ صحت بزميلي علوان الذيب و انا انزل رجلي من فوق سطح المكتب قبل اعادة سماعة الهاتف الإداري الى مكانها: ـــ مالذي يحملك على العجلة؟ اضفت و أنا أطالع الساعة الحائطية التي كانت تشير الى العاشرة و خمس دقائق: ــ و الحال أنه قد بقي لدينا ما يكفي من الوقت لهرش خصيتينا! كطفل صغير ألح ّعلي زميلي علوان الذيب: ــ هيا اخبرني أين ضياع حياتك من كل هذا.. قلت و قد تضاعفت حسرتي و اشتدت لوعتي: ـــ لو أمهلتني ايها العجول لأسمعتك بقية ما في القصاصة التي وردت كالآتي " بعد أن حملني بغض معاشرتك إلى حدّ أنني عاهدت ربي مقسما على المصحف بمنح نصف ثروتي لمن جاء يبشرني بمصرعك!" كان زميلي علوان الذين فاغرالفم حين أضفت بلوعة: ــ و هكذا راحت حياة أخيك دبشليم الموظف في شربة ميّة. و كتب عليه الشقاء الدائم و الفقر الملازم. كان زميلي علوان الذيب يوالى ضرب مكتبي بعصبية توحي بانه هو الذي ذهبت حياته في شربة مية و ليس انا، حين أضفت و انا افتح لفافة تضم قطعة جبن رخيص و رغيفين. ـــ و مما ضاعف ألم دبشليمك التعيس و جعله اشقى من إبليس، ما بلغني من استقامة السيد سعيد المتوكل و بره بمن حواليه، و وفائه بما عاهد الله و الناس عليه! أوسلو 14 جوان 2010
#حمادي_بلخشين (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في أوطاننا حتى المجانين يخشون إرهاب الدولة !!
-
بخل قصة قصيرة
-
الإخوان هم بغال المرحلة الأمريكة القادمة
-
من هبوطيات الكاهن السلفي البوطي 2/2
-
من هبوطيات الكاهن السلفي البوطي 1/2
-
التسنن و التشيع وجهان لعملة واحدة اسمها الخيانة
-
زمزم قصة قصيرة
-
لماذا لم ينزع سلاح حزب حسن نصر الله الشيعي؟
-
حوار مع بيانو 2
-
حوار مع بيانو 1
-
اردغان أو فيفي عبده تركيا يطاول السماء بمؤخرته الإخوانية الع
...
-
عن موت بن لادن
-
عن العداء المستحكم بين السنة و الشيعة قصة بالمناسبة
-
بشرى قصة قصيرة
-
رجم قصة قصيرة
-
لا رجم في الإسلام
-
دناءة قصة قصيرة
-
ركاكة قصة قصيرة
-
جفاء قصة قصيرة
-
تفكيك قصة قصيرة
المزيد.....
-
فصل سلاف فواخرجي من نقابة فناني سوريا
-
-بيت مال القدس- تقارب موضوع ترسيخ المعرفة بعناصر الثقافة الم
...
-
الكوميدي الأميركي نيت بارغاتزي يقدم حفل توزيع جوائز إيمي
-
نقابة الفنانين السوريين تشطب سلاف فواخرجي بسبب بشار الاسد!!
...
-
-قصص تروى وتروى-.. مهرجان -أفلام السعودية- بدورته الـ11
-
مناظرة افتراضية تكشف ما يحرّك حياتنا... الطباعة أم GPS؟
-
معرض مسقط للكتاب يراهن على شغف القراءة في مواجهة ارتفاع الحر
...
-
علاء مبارك يهاجم ممارسات فنانين مصريين
-
وزير الثقافة التركي: يجب تحويل غوبكلي تبه الأثرية إلى علامة
...
-
فيلم -استنساخ-.. غياب المنطق والهلع من الذكاء الاصطناعي
المزيد.....
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
-
عشاء حمص الأخير
/ د. خالد زغريت
-
أحلام تانيا
/ ترجمة إحسان الملائكة
-
تحت الركام
/ الشهبي أحمد
-
رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية
...
/ أكد الجبوري
-
نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر
...
/ د. سناء الشعلان
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
المزيد.....
|