أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علا شيب الدين - السلطة السورية: بين خطّين متوازيين















المزيد.....

السلطة السورية: بين خطّين متوازيين


علا شيب الدين

الحوار المتمدن-العدد: 3454 - 2011 / 8 / 12 - 14:46
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قبل أشهر قليلة من اعتقال وتعذيب رجال الأمن لمجموعة من الأطفال في درعا، كانت وزارة التربية قد حدّثت المناهج الدراسية، وجنّدت كوادر تقوم بتدريب وتأهيل المدرِّسين المعتادين على مناهج قديمة، متوعّدة بمعاقبة كل من تسوِّل له نفسه ألا يكون حداثوياً بعد اليوم. والمطّلع على المناهج المحدّثة يشعر وكأنه بات يحيا في مدينة فاضلة، ديمقراطية، تحترم الإنسان وتحرِّض العقل على الإبداع والتفكّر؛ غير أن الواقع والوقائع التي يلفّها البعث وقد استحال منذ زمن بعيد إلى مخابرات (تفصفص) كل شادرة و واردة في كل زاوية من زوايا الوطن؛ تدفع بالمطّلع إيّاه على عدم أخذ أي تحديث وحداثة على محمل الجد. سيما وأن مدير المدرسة الذي كان قد تلقى تدريباً على الحداثة إياها عمد إلى الوشاية بتلامذته الذين خطّوا على جدران المدرسة عبارات تحمل معاني التحرر من نظام مستبد، ثم سلّمهم إلى فرع الأمن السياسي كون هؤلاء الأطفال "يهدّدون أمن الدولة واستقرارها، ويهزّون هيبتها، ويعملون على إضعاف الشعور القومي، ويساهمون في وهن الأمة..!".
تأتي هذه المقدمة كأنموذج ساطع على تطرّفيْن تبرع فيهما السلطة في سوريا، واحد في النَّظر وآخر في العمل. إنهما الخطّان المتوازيان اللذان طالما تأسّست بهما معاً واستمرّت عبرهما معاً. والغريب العجيب أنهما متوازيان يلتقيان.. يلتقيان عند سلطة متطرّفة، فالمحلل لـ"شخصية" السلطة السورية يستنتج عبر تجربة أكثر من أربعين عاماً أنها سلطة تجيد النّظر في حدِّه الأقصى بالتوازي مع العمل في حدِّه الأقصى أيضاً. يتشكّل النَّظر من كل ما تقدر المخيِّلة على التقاطه من قيم وطنية وأخلاقية، ومفاهيم ديمقراطية وحداثوية وعَلمانية، وشعارات عروبيّة وحدوية واشتراكية، وأفكار موغلة في الصمود والتصدي، والممانعة والمقاومة. كل ذلك وأكثر أجادته السلطة وبتطرّف شديد على المستوى النّظري المحض، ويوازي هذا المستوى مستوى آخر عملي محض.. نقيض محض، يوازيه لكنه يلتقي معه عند سلطة تعمل على هذا وذاك بنفس الآلية ونفس الدرجة، وبهذه الآليّة استمرّت في الحكم لعقود طويلة. وسنرى كيف أنها عبر نفس هذين الخطّين المتوازيين تعاطت مع رياح التغيير حين هبّت على العالم العربي مع بداية العام الجاري ووصلت إلى سوريا.
فلمّا كانت رياح التغيير تلك ثورات سلميّة أطاحت برأس نظامين مستبدّين في كل من تونس ومصر؛ فزعت السلطة في سوريا وهجمت مثل وحوش البريّة تنهش لحم المطالبين بالحرية حين بدأت رياح التغيير تحرّك سكون سوريا وجمودها - لا استقرارها- الجاثم على صدور السوريين منذ عقود، خصوصاً وأن حراك السوريين كان من المستحيلات في ذهن السلطة التي اعتقدت أنها بـ"ممانعتها ومقاومتها" من جهة، وبـ "قبضتها الأمنية الحديديّة" من جهة أخرى تجعل مجرّد التفكير في الانتفاض مستحيلاً! لكن السوريين انتفضوا، وزمجرت الحناجر مطالبة بالحرية، وزلزلت الأرض السوريّة ثورة سلميَّة أشعلتها إرادة شعبيّة جبّارة بشجاعتها، توّاقة لدولة مدنية ديمقراطية تعددية.. دولة قانون.. دولة تحترم الإنسان وحقوقه.
ولئن كانت "شخصية" السلطة في سوريا ممعنة في التطرّف كما أشرنا، قرّرت ما يلي: بما أنه من غير المسموح، ومن المعيب أخلاقياً، وإنسانياً، ووجدانياً، ومحلياً، وإقليمياً، ودولياً، وقانونياً، وتاريخياً، وعُرفياً و..و أن يُرفع السلاح بوجه الأعزل المطالِب بمطالب مشروعة ومحقَّة؛ لا بد من اختلاق "جماعة دينية متطرّفة تكفيريّة" تنزع إلى إقامة إمارات سلفيّة في دولة "عَلمانيّة". ولمّا كانت السلطة المتخبِّطة في كيفية التعامل مع احتجاجات شعبية سلميّة قد شعرت أن رواية واحدة لتشويه الاحتجاجات لا تكفي ولا تقنع؛ قرّرت أن تختلق "عصابة مسلّحة إرهابيّة" تروِّع المواطنين الآمنين وتتنقل بين منطقة وأخرى، فيستغيث الأهالي طالبين مساعدة الجيش، فيدخل الجيش "الوطني" المدن السورية المختلفة ليخلّص الأهالي من بطش تلك العصابات. أما الرواية القديمة الحديثة فهي تلك التي تتحدّث عن سوريا المُستهدَفة، والتي تُحاكُ ضدها مؤامرات خارجية قاصية ودانية تريد النّيل من موقفها "الممانِع، المقاوِم"، وراحت تسهب في الحديث عن شتّى المؤامرات، فتارة هي حريريّة وتارة بَندريّة وأخرى موساديّة و.. و.. و ينبغي العلم هنا أن السلطة السورية قررت التعاطي مع هذه "المؤامرة" وبالتحديد مع "العصابات المسلّحة" من خلال "حلّ أمني"، وهو الحلّ الأمثل لتأديب سوريين صاروا بعد عقود من حكم أجهزة أمنية تستشعر الطير الطائر في السماء، وتعرف ما الذي يفعله الجنين في بطن أمه، صاروا بين ليلة وضحاها "عصابات مسلّحة" و"مندسِّين" و"مخرِّبين" و"متآمرين" على الوطن وأمنه واستقراره، هكذا اقتُحمَت المدن السوريّة بالدبابات والمدرَّعات، أي زُجّ بالجيش العربي السوري "حماة الديار" في معركة ضد أبناء جلدته بعد ثنيه لعقود عن القيام بمهمته الأساسية على جبهة الجولان المحتل؛ فأصبح العدو هو السوري المدني الأعزل (ابن الوطن)، وقد أُرفِقَ قمع الجيش بقمع أجهزة الأمن وميليشيات حكوميّة (شبيحة). جنَّدت السلطة فرق موت متعدّدة تتقن القتل والاعتقال والاغتصاب والتجويع والترويع والتهجير والتشريد والتمثيل بالجثث... يأتي "الحل الأمني" هذا ضمن سياق المستوى العملي المحض وهو أحد الخّطين المتوازيين للسلطة.
يوازي المستوى العملي إياه مستوى نظري محض، هو "حل سياسي"، يشتمل هذا الحل على حوار وطني لحل "الأزمة". وقد مُنحت قيادة هذا الحوار لمن يأخذ الدور السياسي في نفس السلطة، حيث وزِّعت الأدوار بخبث ومكر شديدين بين من يتولى قيادة الحلول الأمنية العسكرية القمعيّة، ومن يتولى قيادة الحلول السياسية الحواريّة الإصلاحيّة، وبذلك تكون الحرب على ثورة الحرية والكرامة حرباً على الجبهات كافة. يتضمن الحل السياسي "إصلاحات" اقتصادية وسياسية عبر إصدار قوانين ومراسيم تبيّن للرأي العام، و- لكبريات الدول خصوصاً- أن السلطة في سوريا "جادّة" في الإصلاح وماضية في التغيير نحو الديمقراطية، وأنها دولة تحترم الإنسان وحقوقه و(إن حصل بعض الأخطاء على الأرض فهي أخطاء بسيطة من بعض رجال الأمن والشرطة "غير المؤهلين للتعاطي مع التظاهرات")، وأنها مع الحداثة والإصلاح والمعاصَرة وأنها وأنها.. كل ذلك يسنده إعلام يسهب في التضليل والتعمية ولا يتوانى عن تخوين كل من يخرج على "سنّة" البعث المتعارَف عليها منذ أكثر من نصف قرن، فهو الإعلام الذي صُمِّم كي يكون معبّراً عن السلطة، موالياً لها جملة وتفصيلاً.
وهكذا، بين الحل الأمني والحل السياسي قُسِّم السوريون المحتجّون بين "عصابة مسلّحة" ينبغي التعاطي معها عبر العسكر والأمن و"الشبيحة"، وأخرى - إن تم الاعتراف بها أصلاً- هي صاحبة مطالب مُحِقّة وهي من تسير الإصلاحات "الحقيقية" مواكبة لمطالبها.
وبالعودة إلى الخطّين المتوازيين، ربما ينبغي التأنّي عند الحكم على السلطة السوريّة بأنها كاذبة بالمطلق وأن كل ما تتفوّه به صوريّ وشكلانيّ لا يُطبّق على الأرض؛ فإن كان "الحلّ السياسي" إيّاه كاذباً بلا أدنى شك بشأن الإصلاح والتغيير، فإن "الحلّ الأمني" صادق بلا أدنى شك في قمعه لمتظاهرين سلميين. وإن كانت السلطة لا تقرن القول بالفعل بشأن الإصلاح الذي يؤدي إلى التغيير الديمقراطي، فهي تقرن قولها بفعلها وبأمانة تامة فيما يخص الحلّ الأمني؛ ذلك أن "جيشها" ودباباته، ورجال أمنها و"شبيحتها" برشّاشاتهم وسواطيرهم يطبّقون على الأرض كل قول وبأدق التفاصيل، فأين الصوريّة أو التنظير ها هنا؟!







#علا_شيب_الدين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انتفاضة اللّغة..أم لغة الانتفاضة؟!
- الأصنام..إذ يحطّمها الوعي


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علا شيب الدين - السلطة السورية: بين خطّين متوازيين