أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد العظيم فنجان - رسائل غرامية إلى الملاك / 2















المزيد.....


رسائل غرامية إلى الملاك / 2


عبد العظيم فنجان

الحوار المتمدن-العدد: 3454 - 2011 / 8 / 12 - 13:06
المحور: الادب والفن
    


أنتِ عشتاري ، وأنا سومر كلها : أنا شعبكِ وأنا بلادكِ ..

......................................................................................................................





كنتِ شجرة تنطلقُ منها الريحُ ، وعندما تتيه العاصفة ُ ، ولا تجد مكانا تأمن إليه ، بعد طوافها في العالم ، تسندُ ظهرها إلى جذعكِ ، وتنشرُ ريشَ أجنحتها على أغصانكِ .

وكنتُ أعدّني حارسا لملعب عواطفكِ ، عندما يضربُ البرقُ قنطرة عبوركِ إلى الحب وإلى المطلق ، لأنكِ تمزجين المطلق بالحب ، ومن بينهما تشرقين
بكامل قلبكِ ، لتقولي : احبكَ ..

تشرقين فتطيعكِ المعصية ، ويصيرُ النثرُ شِعرا .

كنتُ اُكرّسُ الحواس ، كلّ الحواس ، لأكثفَّ وجودكِ ، الذي لا يُحد ، في فواصل توصلُ بين غرائزكِ وبين شغف الينابيع في أن تفيض على هواها .

كنتُ أضعُ أحشائي على طاولة الكتابة ، لأنتزعَ من دمي ، الذي كنتُ تسيلين معه ، كلمة شافية : كلمة هي مفتاح ، لو خطر للحياة أن تبقى مصرّة على أن نعيش داخلها ، مثل مَلاكين في قفل ..

كنتُ أتشظى بين تجريد الجمال ، وبين مثالكِ .
وكنتُ أمزجكِ بالجَمال ، وأضيعُ بينكما .

أعرفُ ثمرة لا تفكر أن تخون الغصن ، هي أنا .
أعرفُ غصنا اقتلعته الفأس ، بضربة محكمة ، من مكانه ، هو أنتِ .
أعرفُ أن الثمرة لبثت معلقة في الفراغ .
لكنني أجهلُ ماذا حلَّ بالغصن .

ـ لماذا يسلبنا الرعبُ قدرة المشي على الماء ، ويغتصبُ بكارة رغبتنا في أن نتنفس الهواء ، الهواء الطلق ..؟!

كنتِ تسألين ، فأنظرُ إلى وجهكِ الصغير ، وجهكِ وجهكِ وجهكِ ، وأسكتُ ، لأن هذا ما يحدثُ عندما يكتشفُ العقلُ أن الخيالَ أكثر حنانا منه .
هذا ما يحدثُ عندما تمزّق الساقية بدلة الأرض .
هذا ما يحدثُ عندما تنطلق فراشة بيضاء ، فراشة مثلك ، فراشة بيضاء كعاصفة ، لتغلق فوّهة مدفع.

آه ،
أن أتلوى ، الآن ، بين طرق وأساليب الكتابة ، لأظفرَ بخسارة أليق :أن أجعلكِ الخلاصة : الحب والجنون معا ، فلأنني أعرفُ أن القطرة هي اختصار البحر، ولأنكِ سلبتِ زرقتكِ من زرقتكِ ما أن طرق الرعبُ بابكِ ، فأكل الساقية شيئا فشيئا ، حتى جفَّ النبعُ ، وتبخـّر حتى السراب من مخيلة المسافر .

لا أملكُ ، حتى في الشِعر ، أن أبعثَ فيكِ الذكرى ، تلك الذكرى التي تجعلُ القلب ثملا من الحب أو من الحزن : لقد حوّلكِ الخوفُ إلى خوف ، حتى أنني صرتُ أخافكِ ، حتى أن شككِ في أن كل شيء ليس على ما يرام تحوّل ، فجأة ، إلى يقين في أنكِ أخذتِ نصيبكِ من اليأس أو من الحب ، وكفى .


ما النصيب ، إن لم يكن القبض عليه محفوفا برغبة القبض على المستحيل ؟!
ما اليأس ، إن لم يكن جمرة في القلب تحفر نفقا مضيئا إلى الفرح ؟!

ليس وَلها هذا الذي نمارسه ، كمدعوين في حفلة .
ليس حبا هذا الذي نعيشه ، كتلاميذ في الصف .

ليست ثمة مدرسة لطالب غاضب من التعاليم ، كما ليس ثمة بيت لحمامة تحلم ، أبدا ، بالتقاط ظلها الساقط على الأرض .

أعرفكِ كنتُ .

أعرفُ أن أمراضكِ هي الشفاء .
أعرفكِ كنتُ كوباء ،
كوباء يصيبُ الكراهية بالشلل ، ويمزقُ أورامها .
أعرفكِ كقشة ،
كقشة صغيرة جدا ، تحمل العالم على ظهرها ساعة الطوفان .

أعرفكِ ، أعرفكِ ..
أصيحُ : أعرفكِ ، كلما غزاني القنوط .

كلما قالوا : إنكِ امرأة لا قلب لها ، قلتُ : إنكِ امرأة ومَلاك ، ومَلاك أنتِ وامرأة ، وأنتِ عشتاري ، وأنا سومر كلها : أنا شعبكِ وأنا بلادكِ .

كلما احتلني الليلُ ، صرختُ : أعرفكِ ، كما يعرفُ القنديل شعلته .

أعرفكِ كما تعرفني الهشاشة ُ ، كما تعرفني القوة ُ ، كما يعرفني الضعفُ ، كما يعرفُ العشّاق قصائدي التي تحبكِ عن بعد ، وكما يعرفُ الجميع اسطورتكِ : يا منامي ، يا يقظتي ، يا إلهتي ، يا صبيّتي ، يا امي .

أعرفكِ كما يعرفُ الشاعر قصيدته ،
لكن آه ..
لا أعرفكِ صرتُ .

صرتُ لا أعرفكِ ، كما لا أعرفُ أحدا ، وأعرفكِ .
صرتُ لا أعرفُ كيف أعرفكِ .

مَن أنتِ ؟!

آه ،
لقد أنتظرتُ أن اُصلبَ بين ذراعيكِ ، لأذهب إلى الله بقلب أبيض .
انتظرتُ أن أتدلى من رموشكِ كدمعة لألتحق بالسواقي ، أو أضيع في الينابيع .أنتظرتُ أن أحطّ ، مثل عصفورجريح ، على كتفكِ الأيسر ،
أن أطير نحو كتفكِ الأيمن ،
أن أسقط قتيلا بين أحضانكِ
انتظرتُ أن أبقى عليلا لأنكِ العلة .
لم انتظر أن اكون هذا التائه ، هذا التائه ، الذي يكتبكِ كلما عثر على حسراتكِ بين الكتب ، أو على الأرصفة ..

أيتها المتسكعة العظيمة ،
يا نفسي ،
قفي مع نفسكِ مرة .



توقفي ، أيتها المتسكعة في داخلي ، ودعيني أطوف حول دواخلكِ مرة .
اريدُ أن أعرفني هناك .
اريدُ أن أراني مترنحا في شوارع قلبكِ :
لقد طردني العالمُ من العالم ، ثم طاردني العالم حتى وأنا خارج العالم :
احتاجني هناك في مرايا سرابكِ:
كوني عادلة ، واتركيني ألعبُ لعبتي الأخيرة ، فليس ثمة ما أفعله هناك سوى أن احبكِ .


كثيرا قلتُ لكِ : إن الآلهة لا تعرف ما الحب ، ولسنا من طين أومن ذهب
كثيرا قلتُ : إن الكتابة فعل ، وإن الشِعر موقف .
كثيرا صرختُ : أنا مريض ، فلا تمدي يديكِ نحوي .
كثيرا بكيتُ لأنني رأيتُ النهاية عندما وقفتِ ضد العالم وصرختِ : احبكَ
كثيرا نصحتكِ : إن العائلة رجالي ، وإن وأد البنات ليس عادة جاهلية .
كثيرا دستُ على قلبي لأمنحك النجاة من السحل بحبل التقاليد .
كتيرا وقفتُ ضد هذا وحاربتُ ذاك .
كثيرا جرحتُ كبريائي .
كثيرا لاطفتكِ وأنا يأئس .
عانقتكِ وأن موثوق الى الخلف والى الامام .
لو تعرفين كم انتظرت الرصاصة الطائشة ،
لو تعرفين كم انتظرت أن تصيبني .
لو تعرفين كيف متُّ عندما اخترقتتكِ ..


قلتُ لكِ ما لم أقله إلى نفسي .

لا أحد ، مثلكِ ، يعرفني .
لا أحد .

أن أفقدكِ الآن ، أن لا تخسريني رغم ذلك ، وأن ألبث مخلصا من بعيد ، فلأن ذلك هو الضعف الذي يعتري القوة : هو الصفاء الذي يشي بحرارة الدمعة ، كما أنني مغرم بالمستحيل : مغرمٌ بالهباء العظيم ، باللاشيء ، وبأن أكون خائبا ، لكن ببصمةٍ لن تزول ..

لن أقتل نموذجكِ ، كما يفعل الشعراءُ عادة : سأوقفُ الزمنَ عند لحظة امتزاجكِ بي ، عند دقيقة تشبثكِ بقشة الجنون التي تحمل على ظهرها اليائسين ، والسائرين في نومهم ، وعند ثانية مرورك السريع والخاطف ، مثل نيزك تتحاشاه الكواكب ، كل الكواكب ، غير آبه بتحولاتكِ بعد ذلك .

ليس عدلا أن نطفيء القنديل ، إن قرّرتْ فراشةُ ما أن تأخذ طريقها الخاص إلى النار : هكذا يضرب الشِعر بقبضته على طبل القدر ، و هكذا ـ أيضا ـ ينتزع الشاعرُ ، من قلب اليأس ، مساره الخاص إلى الأمل .


......................................

13ـ 8 ـ 2010 مساء



#عبد_العظيم_فنجان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اينانا ، لماذا تعبثين بحياتي ؟!
- الحبُ ، حسب التوقيت السومري / 4
- الحب حسب التوقيت السومري / 3
- الحبُ ، حسب التوقيت السومري / 2
- قتلتُ مَن اُحبُ ومَن لا اُحبُ ، وأحببتكِ ..
- الحبُ ، حسب التوقيت السومري / 1
- اعجوبة العجائب ..
- الحبُ ، حسب التوقيت السومري ..
- رسائل غرامية إلى الملاك / 1
- حمامة ، حمامة بيضاء ، كحمامة بيضاء ..
- اغنية نفسي ..
- أطوفُ حولكِ ، مثلما تطوفُ ريشة حول عاصفة ..
- أتهمكِ بأخطر الجَمال ..
- الحب حسب التوقيت البغدادي ..
- قصيدة نثر لشاعر جاهلي ..
- عندما شعبٌ من العصافير على كتفيكِ ..
- قصة الحب ، اغنية الحرية ..
- اغنية هي التي ..
- بورتريه الشاعر ..
- لماذا تعشقين شاعرا بسيطا مثلي .. ؟!


المزيد.....




- مكانة اللغة العربية وفرص العمل بها في العالم..
- اختيار فيلم فلسطيني بالقائمة الطويلة لترشيحات جوائز الأوسكار ...
- كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل ...
- -الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر- ...
- الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية ...
- بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص ...
- عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
- بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر ...
- كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
- المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد العظيم فنجان - رسائل غرامية إلى الملاك / 2