|
عن الثورة وجمال عبد الناصر
محمد السعدنى
الحوار المتمدن-العدد: 3451 - 2011 / 8 / 9 - 23:33
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لعل ثورة يوليو هي أكبر وأهم الأحداث التي اختزنها وجدان المصريين عبر تاريخنا المعاصر، والتي ربما تجاوز أثرها حدود الماضي ممتداً إلي فعل المستقبل واحتماله، ولئن غابت الثورة عن عالمنا باعتبارها مشروعاً للتحرر والنهضة فإن مشروعها الفكري مازال مرجعاً لثقافة المقاومة ولدي تيارات سياسية فاعلة في حياتنا العامة وبامتداد الوطن العربي كله، ما يستوجب منا إعادة قراءة تجربة الثورة ومشروعها، لا باعتباره نصاً مقدساً أو فرض عين واجب الطاعة والتنفيذ في كل حين وأوان، كما يتصور البعض، ولا باعتباره مشروعاً للصدام والخروج علي التعايش مع واقع العالم ومعطياته، كما يحلو للبعض الآخر، وإنما ينبغي النظر فيه باعتبار الثورة تجربة برجماتية قصدت مصالح الناس ومستقبلهم وخضعت التجربة للصواب والخطأ ولم تعتمد المواصفات السابقة التجهيز، شأنها في ذلك شأن كل التجارب الإنسانية لشعوب راقية.
ولهذا الجيل الشغوف لأن يعرف ويتعلم، لهؤلاء الشبان والبنات في الجامعة وخارجها والذين مابرحوا يسألون عن الثورة وعن عبد الناصر أقدم شهادتي، كوني وجيلي جزءاً من هذه الثورة ولقد اكتوينا بالتجربة وعشنا معها عمراً عميقاً من الانتصار والانكسار. شكلتنا أحداثها وأجواؤها وتكونت بواكير وعينا في خضم معاركها وتحدياتها، وعندما نضج لدينا الوعي، كانت الثورة تكفكف دمعها لرحيل عبد الناصر وتستر ما انحسر عنه ثوبها من جراء هجمة شرسة حسبناها ثورة مضادة أرادت اقتلاع 23 يوليو بكل ما تمثله لدي جيلنا، جيل السبعينيات في الحركة الطلابية النشطة وجسورها التي امتدت للحركة العمالية، بكل إرهاصاتها وتحدياتها، وزادنا ذلك المناخ عناداً، وكان حافزاً لتأصيل قناعات الثورة في عقولنا وجذوتها في قلوبنا وثوابتها في ضميرنا، فرحنا نفتش الفائت من الأيام ومنذ فجر23 يوليو 1952 وحتي مساء 28 سبتمبر 1970 وكمن يفتش عن فيوضات اللحظة وتجليات الرؤية، رحنا نقلب أوراق الثورة وأدبياتها، ونراجع مبادئها، معاركها، انحيازها للفقراء والمهضومين ونهوضها بالطبقة الوسطي، عقل الأمة وإبداعها، وكذا انتصارها لمعني الإرادة وقيمة العمل وقدرة التحدي وإنسانية المقاصد وأمانة العدل وشروط النهضة.
وكانت رحلة البحث والتدقيق في كل منجزات الثورة وتحدياتها، واستدعانا صدق التوجه وموضوعية النقد لمشروعنا الوطني بدافع الحفاظ علي الثوابت وتصحيح المسار وفهم ما جري، ألاتغفل قراءتنا صفحات في كتاب الثورة وهوامشه، ورغم عناوينها الباهتة: زوار الفجر ومراكز القوي وقضية المخابرات، والتي كان بؤس مقدماتها دليلا علي كارثة نتائجها: نكسة 1967 ثم تستمر القراءة مع استمرار الصمود وإعادة البناء وحرب الاستنزاف وصولاً إلي الخطة جرانيت، تاج العبور في انتصار أكتوبر 1973 وكان لابد من تسجيل شهادة ذلك الجيل المأزوم- بدلالات المصطلح الاجتماعية والسياسية قبل مفهومها الإقتصادي - جيل السبعينيات والذي ولد في أعقاب قيام الثورة، لأنه الجيل الذي مازال يدفع عبء إيمانه بالثورة ومعطياتها فكراً وعملاً وسياسة.
إن ما يثار اليوم من تساؤلات نظرية حول ماذا تبقي من الثورة؟ هل هي فعلاً ثمانية وخمسون عاماً من الثورة أم ثمانية وخمسون عاماً علي قيام الثورة؟ هل انتهت الثورة بموت عبد الناصر 1970 أو بنهاية مشروعه الوطني للتحرر بانتصار اكتوبر 1973 ذلك كله نراه من قبيل لزوم مالا يلزم، فهي رفاهة فكر لا تقتضيها ضرورة أو تدفع إليها حاجة أو تفرضها مبررات وجود، علي الأقل في الظرف الراهن، وإذا كان لابد من أسئلة فاحسب أن لدينا منها قائمة طويلة تستأهل أولوية الإجابة وفي ذلك فنحن لا نصادر حق الجميع في البحث والمعرفة والدرس والتأصيل، غاية ماننبه إليه هو ترتيب الأولويات علي أجندة متنها الموضوعية وابتغاء وجه الحقيقة لاتشويه التاريخ أو تصفية الحسابات، وهوامشها الاجتهاد المؤسس علي العلم والمعرفة في إطار منهج شامل، أما ما يحدث من اجتزاء واقعة هنا أو حدث هناك ثم تأويله وتخريجه والقياس عليه فذلك مدعاة للخلط والالتباس، إذ علمتنا أوليات البحث وشروطه أن الإنتقاء ضد المنهج، ولقد دفعنا من عمر مصر ومستقبل أجيالها ثمناً لا يستهان به من جراء تشويه تاريخنا والإساءة لقادة أدوا أدوارهم ببطولة وتجرد في تاريخنا المعاصر.
وحسنا فعلت الادارة المصرية بأن أعادت للثورة اعتبارها ولجمال عبد الناصر تقديره وزعامته، وأيا كان ما يمكن أن يقال سبباً لاستدعاء عبد الناصر وثورته نموذجاً للإرادة والصمود والتحدي أو طلباً للشرعية المستمدة من مفردات 23 يوليو وإنجازها، إلا أن محصلة الأمر هي في صالح هذا الوطن وأجياله الذين أساءهم ألا تكون لهم مرجعية ومصدر للإلهام ونموذج للفعل والانجاز والقدرة، وها نحن نستعيد لهم ذلك النموذج والمثال ليس من أضابير التاريخ ودهاليز الموروث الشعبي وإنما من أحداث معاصرة هي علي مرمي البصر من أجيال مازالت شاهدة علي العصر وتحدياته قائمة ومستمرة، علي أننا وبحياد أكاديمي لا يمكن أن نوافق علي استدعاء الأبطال والأحداث والمواقف ليقدموا لنا علي مسرح الأحداث المحلية والإقليمية والعالمية نفس أدوارهم وأفكارهم كوصفة سحرية للخلاص والحل، ذلك لاعتبارات عديدة، فلا الزمان هو الزمان ولا المكان هو المكان ولا العالم من حولنا هو نفس العالم الذي كان، فلقد جرت في النهر مياه كثيرة.
إن من يقول بنهاية 23 يوليو عشية وفاة جمال عبد الناصر، فإنما ينطلقون من مفهوم مؤداه أن الثورة يمكن اختزالها في عناصر ثلاثة: كاريزما البطل والمشروع القومي للثورة ثم العقد الاجتماعي ومفرداته، وإزاء ذلك فهم يرون أن البطل قد وري التراب في سبتمبر1970 وأن مشروعه القومي قد تعثر بفعل قوي الثورة المضادة وتحدياتها داخلياً وخارجياً وأن مكاسب الثورة للعمال والفلاحين وأبناء الطبقة الوسطي قد تم التنصل منها أو الإنقلاب عليها فأضحت أثراً بعد عين، وأن العقد الإجتماعي يحتاج لإعادة صياغة لما اعتري مفرداته من تغيير وتبديل وتجاوز ينتقص من حقوق المواطنة وكفالة حق تداول السلطة. وللفكرة في تجريدها وجاهتها، وأحسب أن واحداً من أهم أسباب الخلط والالتباس هو أن كثيرين منا لم يسلموا بعد بأننا نعيش عصر "مابعد السياسة" إنه عصر معاد للأيديولوجيا والأفكار الكبري، عصر التدويل المطرد للعالم، عصرالمعلوماتية وتغير المفاهيم، عصر العولمة الظالمة وتوحش الرأسمالية وسيادة قيم ال "تيك أواي"، عصر يفتقد أبطال القضايا الكبري والتحولات الكبري، فما يطرح اليوم من أفكار وتصورات ليست له عراقة وأصالة الأفكار السابقة حتي وإن تشابهت فخامة الصياغات، إن هي إلا خمر جديدة في زجاجات قديمة. استعرت هذه الكلمات من مقال نشرته تحت نفس العنوان، وأحسبني قدمته للقارئ في مثل هذه الأيام ومثل هذا الظرف، الذي أضحي موسماً للهجوم علي الثورة والتلسين علي جمال عبد الناصر.
ولئن تقول علي الثورة بعض من مجاريح الثورة وأعدائها فلربما تفهمنا تقديراً لما يخص الجانب الإنساني للتجربة، أما وأن يتحدث بذلك بعض المستفيدين من منجزات الثورة فهذا مالايمكن التسامح معه أو تفهم أسبابه، خصوصاً إذا انحصرت تقولاتهم إما في نوع من إدعاء الوجاهة الإجتماعية الزائفة في التنديد بمجانية التعليم وقانون الإصلاح الزراعي والقوي العاملة والتأمين الصحي والتأمينات الإجتماعية والمعاشات، وإما بتداعيات ذهان المعرفة وادعاء العلم ببواطن الأمور، أو بتأثير عدوي ثارات قديمة وأفكار معلبة وسابقة التجهيز لدي بعض التيارات التي ضرب عبد الناصر مصالحها الطفيلية وتطلعاتها الطبقية، فتوقفوا عند حد عداء الثورة حتي ولو كانت منجزاتها في صالحهم وأجيالهم التالية
#محمد_السعدنى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من الثورة إلى النهضة..كيف؟
-
إنتروبيا العلم والسياسة
-
التعليم واقتصاد المعرفة
-
العلم شفرة النهضة ورهانها
-
براءة الثورة ودهاء السياسة - المجلس العسكري والثورة مابين مط
...
-
ثورة تبحث عن مؤلف .. (علي المجلس العسكري أن يتحمل مسئولياته
...
-
-جمعة كشف المستور والبث التجريبي لدولة الخلافة-..
...
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|