أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد الله عنتار - دراسة وصفية:الفضاء العام (الحديقة العمومية-نموذجا)-حديقة الحسن الثاني-مدينة بنسليمان















المزيد.....


دراسة وصفية:الفضاء العام (الحديقة العمومية-نموذجا)-حديقة الحسن الثاني-مدينة بنسليمان


عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .


الحوار المتمدن-العدد: 3448 - 2011 / 8 / 5 - 18:49
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


إعداد:عبد الله عنتار
مقدمة
يعتبر الفضاء العام هو ذاك الفضاء الذي تعمل البنية الإجتماعية على تنظيمه وتأطيره وتسييره،وذلك راجع لنقطتين أساسيتين:
1-يمثل قاعدة النشاط الإجتماعي،وذلك على اعتبار أنه يمثل أرضية لتركز شبكة من التفاعلات الإجتماعية على مستويات متعددة منها الإقتصادية والثقافية والإجتماعية والسياسية............
2-يمثل الحركية داخل المجتمع ،فهو يعطي،ويبلور الإحتكاك والتفاعل والإختلاف وتداول الرموز،وقيم الحرية،والكثير من الأشياء الأخرى.
وإذا كان هذا هو الدور المنوط بالفضاء العام ،فنادرا ما يحدث هذا الشرط داخل فضاءاتنا العمومية،وذلك راجع لثقافة الفضاء العمومي التي لم تتبلور داخل مجتمعنا،وقد زكى هذا المعطى هو التواطؤ الموجود بين مؤسسات الدولة والمجتمع التقليدي أوعقلية هذا المجتمع التي لم تتبلورمع التغيرات التي طرأت على الفاعلين الإجتماعيين،ويبرز هذا التواطؤ في شرطين أساسيين:
1-تجبر مؤسسات الدولة النظام أو المجتمع التقليدي على تطويق الفاعلين من أجل ألا يتسبب في بعث أية انتفاضة قد تطيح بها.
2-يفرض النظام أو المجتمع التقليدي على الدولة ألا تشجع أي تحول قد يطيح به،أو نظام ينافسه على الحياة الإجتماعية التقليدية.
وإذا كانت هذه هي العلاقة بين هاذين النظامين من أجل تطويق الفاعلين ،لكي لا يحدث أي تغيير،أو تتبلور علاقة أخرى بين الفاعلين والفضاء العمومي .
وإذا كانت هذه هي السمات التي تميز فضاءاتنا العمومية،فالفرد الفاعل داخل البنية الإجتماعية ،والتي هي الفضاء العمومي،ليس ستاتيكيا،بل هو عنصر دينامي،يتسم بالحيوية والنشاط،،،، صحيح أن النظامين المذكورين يكرسان وجودهما على الأفراد الفاعلين ،لكن هذا الفرد لا يمكن أن يستلم قيم النظامين بطريقة ميكانيكية،بل سيعمل على بلورتها عن طريق الإستدماج والإستدخال،وهذا يدفعنا إلى طرح الأسئلة التالية:
-ماهي علاقة الفاعلين بفضاء عمومي(الحديقة العمومية)؟
-مع هي علاقة الفاعلين بالفاعلين؟
-كيف يتمظهر التواطؤ المخفي بين مؤسسات الدولة(الحديقة العمومية) والمجتمع التقليدي(تصرفات الفاعلين)؟
بناءا على طرح هذه الأسئلة،يتضح أن مسألة الإجابة عنها،يمكن أن تتبلور في مجموعة من السياقات.
1)السياق المكاني
المكان هوعبارة عن «جردة»،وتعتبر واحدة من أكبر«الجردات» في مدينة بنسليمان،وتسمى هذه « الجردة»،بحديقة الحسن الثاني،وتتواجد بمكان حيوي،ألا وهو الشلال ،وتوجد في نهاية الشارع الرئيسي للمدينة،شارع الحسن الثاني،وبالقرب من الباشوية،وبعيدة نوعا ما عن ضجيج السكان ،هذا على مستوى الخارج،أما على مستوى الداخل،تتوفر «الجردة» على مساحة شاسعة،وتوجد بها مجموعة من الأشجار والكراسي،إضافة إلى حوض ملىء بالمياه،والمساحات الخضراء،والأرصفة المرصصة، ويحيط بها سياج حديدي«الشبيك»،إضافة إلى المرحاض،وحارس يسكن داخلها،وبعض الألعاب«كالزيطة»،وأضواء الإنارة،وبعض العلامات التوجيهية ك«الحفاظ على البيئة»،واحترام المساحات الخضراء.
2)السياق الإقتصادي
بحكم ذهابي المتكرر إلى هذه الحديقة،واحتكاكي بالعديد من زوارها، توضح لدي بأن أغلبيتهم يعانون من البطالة بمفهمومها الإقتصادي،فهم عوض الذهاب إلى المقاهي، أوإلى فضاءات أخرى، تجدهم يذهبون إلى هذا الفضاء،وقد قال لي أحدهم ذات مرة:«التشومير أخويا هو اللي جابنا هنا»،فهم ليست لديهم الإمكانيات المادية التي تخول لهم الذهاب إلى فضاء آخر،فالذهاب المسترسل إلى المقهى مثلا يحتاج إلى المال الكثير،هذا من جانب ، من جانب آخر،إذا لاحظنا البنية التحتية لهذه الحديقة سنجد أنها تنم عن مستوى راق من البناء،سواء شكل الكراسي،أو الإنارة،أو العناية بالحديقة،أو على مستوى الترصيص،وهذا يكلف أثمنة باهضة تسرف من أموال دافعي الضرائب،وهذه الأمور من الكماليات قد يعتبرها البعض ،والبعض الآخر يرى أن هذه الأشياء ضرورية. لكن رغم ما قيل ،فماهو واضح- جلي هو وجود مفارقة paradoxe une ،بين شخوص بطالية ،ومستوى عال من البنية التحتية،لكن ليس بوسعنا قول شيء الآن ،فلنترك الأمور لتتضح مع توالي السياقات الأخرى.
3)السياق الإجتماعي
من خلال الملاحظة العينية التي أجريتها ،توضح لي أن الفاعلين ينتمون إلى الطبقات الكادحة،والطبقة الوسطى،غير أن ممثلي هذه الأخيرة لا يأتون إلى الحديقة إلا في حالات نادرة وبعدد قليل،وأحيانا في أوقات متقطعة،في السياق ذاته يتوجب الإشارة إلى خاصية تميز كل طبقة على حدة:
أ-الطبقة المتوسطة(الوسطى): يتكون أفرادها الذين يزورون الحديقة من الأب والأم والأولاد،ويتركون السيارة خارجا،ويحمل الرضيع على كرسي خاص به(مشاية)،وتقوده (الخدامة-الصخارة)،هؤلاء الأفراد يرتدون ألبسة أنيقة،ومن خلال الملاحظة العينية يظهر مدى الحنان والعلاقات العاطفية بين الأولاد والأباء من ابتسامات ومطاردات ولعب و جري و كلام جميل مع بعضهم البعض.
ب- الطبقات الكادحة(المسحوقة):لا يذهب الآباء أوالأمهات إلى الحديقة،فالآباء في العمل يكدحون، وهم يخوضون صراعا من أجل البقاء في معركة الحياة،وبالتالي لا يجدون متنفسا للخروج مع أبنائهم، أما الأمهات، فهن يمكثن في المنزل،وتحرسهن الأعمال المنزلية الشاقة،والقيم الباتريركية الأشد ضراوة و المفروضة من طرف الأزواج. واستنتجت من خلال تواصلي مع العديد من الزائرين،وملاحظاتي أنهم من "الشماكرية"،وأصحاب"المزيرية"،وأصحاب "التشومير"، والتلاميذ الذين لفظتهم المدرسة،والفتيات اللواتي"فاتهم الكار" يبحثن ويحاولن العثور على بعض الفاعلين للتزوج بهم،و"الملوطون"،و"الملوطات" اللواتي يبحثن عن "التصاحيب"،و"السكايرية".
هذه هي التشكيلات الإجتماعية بعجالة ،وتحاول كل تشكيلة فرض ذاتها في هذه الرقعة،سواء على المستوى القيمي أو المستوى المادي ،وكثيرا مع وقع الصراع لإبراز الوجود،أكان بين هذه الطبقة و أخرى،أو بين الطبقة نفسها،وسأعطي مثالا حيا: في المكان الذي توجد به ألعاب الأطفال«الزيطة»،أو الأرجوحة ،،،، « balançoire la »،قبل أن يأتي أبناء الطبقة الوسطى،يسارع التلاميذ،أو أصحاب "التشومير" إلى اللعب في هذه «الزيطة»،لكي لا يلعب فيها الآخرون،هذا في النهار، أما في الليل،وحسب الملاحظة العينية ،فالطبقة الوسطى لا يظهر وجودها في الحديقة،بالمقابل يظهر وجود أفراد الطبقات الأخرى،ويبرز الصراع بينهم،فالملاحظ لا يمكن أن يسمع إلا كلمات من قبيل "القلاوي"،و"الزب"،وتزداد الأمور تعقيدا حينما يستولي أو يحصل شخص على"قحبة"،أو"تصاحب مع شي درية"،فالطرف الآخر الذي لم يحصل على شيء،يحس بالضجر ،وخيبة الأمل،فيذهب من أجل الإنتقام،ويسكر حد الثمالة،ويدخل إلى "الجردة"،ويشرع في "التربريب"،سب الله،وفي الكلام المتتالي الذي يخرج من فمه،الذي ملؤه "وتاكيفاش دابا هو يطيح على هاذ القوقة،وأنا اللا"،وقد يحضر معه سكينا،وقد تصل الأمور حد الموت،وقد تستمر......
هكذا يتضح في الختام أن بالرغم من وجود طبقتين ،كل طبقة تختلف عن الأخرى في المكانة الإجتماعية(اللعب-وجودالآباء-الألبسة-وجود الصخارة...)،وفي المستوى الإقتصادي(السيارة –المشاية.. )،لكنهما يلتقيان بوجودهما في مكان واحد،لكن الحضور الفعلي والقيمي من نصيب الطبقة الكادحة،وإذا كانت هذه هي وظيفتهما داخل السياق الإجتماعي،فكيف هي هذه الوظيفة داخل السياق السياسي؟
السياق السياسي
من خلال الملاحظة العينية،ومن خلال المباشرة التفاعلية،يتضح أن فاعلي الطبقتين ليس لديهم أي انتماء سياسي،لا مع الأحزاب السياسية،أو النقابات العمالية،أو جمعيات المجتمع المدني،إنهم من الفئات التي خرجت عن هذه المؤسسات ،إنهم من الفئات التي رفضت الإنضمام إلى هذه المؤسسات،إنهم من الفئات التي لم تهتم بها هذه المؤسسات،إنها مؤسسات راعية للزبونية والتملق والنفعية،وبعيدة عن الحس النضالي،وللقرابة،والموكبية والصنمية الزعيمية،والعبادة الولائية،وللقرابة والجاه والإنتماء... باختصار،إنها مؤسسات شكلانية –فلكلورية مفتقدة للطابع المضموني –الفعلاني العملاني.
لكن رغم هذا وذاك،أن هناك من الفاعلين من يتداول قضاياه،في هذا المكان،أ-كان تلميذا،أو طالبا،أو أستاذا،أو بطاليا،أو "شمكارا" ....،فهناك من يتناول القضايا الفلسفية والسياسية والسوسيولوجية،أو الدروس،أو يناقش القضايا السياسية والإقتصادية انطلاقا من الحس المشترك،وهناك من يدرس أو يفكر في الراهن داخل الميادين المذكورة،والتفكير كذلك في "الجردة" ذاتها،والسلوكات الموجودة داخلها،والتفكير كذلك في تلك المؤسسات التي أنيط إليها القيام بالتأطير السياسي والتوعوي،والقيام بدور التداول الفكري داخل هذه "الجردة"،للرقي بالإنسان من أجل التفاعل مع الإنسان،والتفاعل مع هذا الفضاء من أجل الحصول والوصول إلى هذه العلاقة الجدلية:
« تكون علاقة الإنسان بالإنسان هي مباشرة علاقته بالفضاء العمومي،وتكون علاقته بالفضاء العمومي هي مباشرة علاقته بالإنسان»
من خلال هذه العلاقة يتضح أن الإنسان هو المحور،هو الفاعل،هوالأساسي،لا الإنسان المؤقنم،الموجه،الذي تحاول الأنظمة المجتمعية،ومؤسسات الدولة توجيهه،ورسم مساره،التي تحاول أن تعيد إنتاجه سياسيا،واجتماعيا،اقتصاديا،ثقافيا،لكن الفرد لن يوجه،بل هو من يوجه مساره،هو من ينتج،لا أن يكون الإنتاج،أن يكون هو الفاعل لا المفعول به،الإنسان المتلازم والمتماهي مع الفضاء العام.
بيد أن هذه العينة التي تداول النسق السياسي داخل السياق السياسي هي عينة غير منظمة وظرفية،مادامت لم تنبع من صميم جميع الفاعلين،وهذا ما سنتعرف عليه ضمن السياق الثقافي أو السلوكي أو الإيديولوجي.
5)السياق السلوكي-الإيديولوجي- الثقافي
منذ عملية البناء والترميم التي قامت بها السلطات العمومية،لم تقم هذه الأخيرة فيما بعد بعملية المتابعة والمعاينة،اللهم إذا استثنينا عملية السقي التي شملت "الكازو"،ويقوم بها الحارس بين الفينة والأخرى،أما بقية الأوقات يظل نائما في منزله الذي يتواجد داخل "الجردة"،أما الأشياء الأخرى فيتصرف فيها السكان على النحو الذي يريدونه،رغم تواجد الشرطة وهي تقوم "بالمراقبة" في الشارع المجاور لها(الجردة).ويمكننا أن نبرز تجليات الأشياء التي يتصرف فيها السكان أو الناس أو الفاعلون:
أ-على مستوى الخارج:
إن أي مار بالقرب من "الجردة"،سيجد النفايات وهي مرمية،لا أغشية "البيمو" أو "الفانيد"،وكذلك بعض العلب البلاستيكية،و"البانت"،وحتى "الطوارو" الذين وضعوا هناك،تعرضوا للتكسير والتهشيم،وحتى بعض العقلانيين الذين وضعوا أزبالهم،أو"بانتهم" في "الطوارو"،"فالطوارو" قد امتلأت،ولم تأت السلطات العمومية لتفريغها من التراكم الذي طالها،،،،،،،، هذا كان بمثابة استعراض للأشياء،أما بالنسبة للإنسان،فيمكن للمار أن يعاين بائعي "الكلية" و"الزريعة" والسجائر،وكذلك البائعات،إضافة إلى جموع الناس الجالسة والواقفة والمتحركة،وتتداول الجموع الأفكار والنظرات،والحركات،وكذلك قضم "الزريعة"،ورميها و"تلواك" "المسكة"،،،،،،،،،،،، بغض النظر عن هذا،يمكن أن نجد تلاقح "السيطان" و"الساطات"بمعنى "الدراري" و"الدريات"،وهم يتداولون ويتبادلون القبلات (البوسان)،والمداعبات،والتلاقح الأيروسي،واللمسات والعواطف،والنظرات الرومانسية،وكذلك"التشلقيم" و"التموعيش"،بالإضافة إلى هذا،يمكن أن نجد من يقرأ الكتب،ومن يتناقش ويتداول الأفكار، أو من يريد أن يصنع من هذا المكان ساحة "الأغورا" الأثينية في اليونان،وذلك من أجل خلق الجدل الهيغلي والماركسي والأفلاطوني داخل هذا المكان.
وإذا قام الملاحظ بإحاطة خارجية للحديقة العمومية"الجردة"،سيجد أن السور "الشبيك"،قد طاله التخريب والتهشيم،وذلك من جراء التكسير المستعمل عن طريق الركلات التي قام بها الزوار (الفاعلون)،وذلك من جراء"التحنقيز" أو القفز المتكرر، وبالتالي أصبحت فجوات متعددة لدى "الجردة"،وأصبح الناس (الفاعلون) من خلالها يتسللون كالفئران، أو يقفزون كالقرود.
ب- على مستوى الداخل:
*الأشجار: من بين الأشجار الموجودة داخل "الجردة"،أشجار النخيل، وأشجار الكالبتوس،و"الميموز"،والليمون،و"المخينزة" ، لكن إذا لاحظت هذه الأشجار ستجد كتابات،وهي تملأ بعض جوانب سيقان الشجرة،وبعض فروعها،وهذه الكتابات من قبيل: فلان+فلانة= الحب، أو فلان+فلان=الصداقة،وكذلك، فلان +فلانة="ولاد القحاب"،وكذلك،"ديما الرجا"،"ديما الوداد"،إضافة إذا كان الفرد وداديا يكتب على الرجاويين أنهم "قواويد"،أو "زوامل"،والعكس صحيح بالنسبة للرجاويين،زيادة على هذا،فسيقان الأشجار مكتوب عليها كلمات تسب أجهزة الدولة،من شرطة،وأشياء من هذا القبيل،وفي السياق ذاته،إذا ذهبنا إلى أشجار النخيل ،فنجد الكثير من جوانبها مهشمة ومكسرة،إضافة إلى القفز فوقها ،ونفس الشيء بالنسبة لبقية الأشجار الأخرى،وكم منها من تعرض للقطع والتكسير،واستغلالها من طرف جهات مجهولة وخاصة.
*الكراسي: حينما رممت "الجردة"،كم كانت الكراسي باعثة على الجمال والجاذبية،سرعان ما طالها التحطيم التدريجي،فإذا نظرنا لشكل الكرسي سنجد أنه مشكل من الإسمنت ومجموعة من الأخشاب،ومجموعة من "البولونات"،فعملية التهشيم تكون تدريجية،بدءا من "البولونات،ومرورا بالأخشاب،ووصولا إلى الإسمنت،وإذا تصفحنا وقمنا بدورة أوإحاطة بهذه الأمور سنجد الكتابات ،وهي بمختلف الألوان والأشكال والتعابير الإجتماعية والسياسية والعاطفية والإقتصادية،وهي تأخد البعد الإنتقامي في كافة أشكاله لمؤسسات الأسرة والمدرسة والدولة والمرأة والرجل..............
*الحوض المائي: أصبح هذا الحوض جافا ،بعدما كان مليئا بالمياه،لقد كان ماءا أزرقا باعثا على السباحة،وعلى اصطياد حتى الأسماك،وحينما قمت وكنت أقوم بزيارة ليلية nocturne romonadep une إلى جانب أصدقائي،كم كان صوت أونقيق الضفادع مطربا وصداحا،وكم كانت رومانسية الضفادع،وهي تتزاوج باعثة على الحياة،لكن الآن،وأنا أقوم بملاحظاتي،لم يبدو إلا الجفاف والقحالة،وركام الأحجار الذي قذف من لدن الأطفال والشيوخ نحو براءة الضفادع ولهفتها إلى الحياة.بيد أن الأمر لم يقف عند هذا الحد،بل تعداه إلى القنطرة الصغيرة التي تفصل بين جنبات الحوض المائي،الذي كان يبدو كقنطرة نهر الراين من قناطره المتعددة،فتكسرت وتلاشت.
*الأرصفة: في البداية كانت ألوانها براقة، من أحمر قان إلى أزرق باد،لكن كل شيء الآن،تهشم، من قبل كان ممنوعا على الفرد الدخول بدراجته الهوائية أو النارية،لكن الأمور أصبحت مشرعة ومفتوحة،وقد تهشمت أيضا جنبات الرصيف.
*أضواء الإنارة :كان لونها الأخضر براقا،غير أن صباغته،الآن تلاشت ،وفقدت رونقها ،والأمر لم يقف عند الصباغة،فجدار الإنارة بدوره اقتلع من الأرض التي يوجد عليها ،وتفكك أساسه،وكسرت المصابيح وعششت فيها "شنيولة والباصح"، أما المتبقية وهي قليلة فتترك مشتعلة على عواهنها،وهي تبدر في واضح النهار.
*المراحيض:وتتواجد بالقرب من"الزيطة"،وينتابك من بعيد كتابات من قبيل"ديما الرجا"،أو تتعلق بهذا الفريق أو ذاك،أو من قبيل بسملات تتعلق بطقوس التبول"بول في خاطرك"،أو تتعلق بطقوس التغوط"خرا في خاطرك"،أو كتابات تتعلق ببعض الأساتذة ممن لهم علاقة متوترة مع التلاميذ،زيادة على هذا،نجد كتابات تتعلق بالمتبول وتدعوه لكي يطلق سراح قضيبه أثناء عملية التبول،وكذلك كلمات تعبر عن الحب الفاشل،وعن الحط من الجنس الآخر،وعن سيادة السادية،والإعتزاز بالرجولة،وتؤكد مركزية الرجل في الحياة،وهامشية المرأة ودونيتها، هذا من جانب الرجل،أما من جانب المرأة،فنجد بعض الكتابات النسائية،ولاسيما من طرف بعض الفتيات الممدرسات اللواتي يكتبن عن حبهن الضائع،وعن ساديتهن نحو الرجال،ووصفهن لهم بالمكبوتين،ولا يهمهم سوى إشباع نزواتهم العابرة،كما تتكلم بعض الكتابات بصفة عامة عن الطبيعة القمعية والرجعية التي يتصف بها المجتمع،وعن استحالة الحب،وكذلك مفارقة أخرى تتسم بالجدلية،فبقدر ما يهمش الرجل داخل المجتمع تتقدس المرأة،وبقدر ما تتهمش المرأة داخل المجتمع يتقدس الرجل ،وإذا كانت هذه المفارقة تدل على شيء،فإنما تدل على جدلية هذه الكتابات،فهي تارة تقدس الرجل(الحب)،وتارة أخرى تهمشه (زامل)،أما بالنسبة للمرأة،فهي تارة تقدسها (الحبيبة)،وتارة أخرى تكرس دونيتها(القحبة-الشلوطية..)،كما تنم هذه الأمور عن التناقض والنفاق الإجتماعي،والخلخلة والحلحلة التي باتت تمس المسار التاريخي والإجتماعي والقيمي والإقتصادي والسياسي.. للمجتمع المغربي بصفة عامة،والمجتمع السليماني بصفة خاصة.كما تتسم المراحيض بفقدانها لأبوابها ،وفقدانها للرعاية والنظافة،وتجد رائحة التبول و"الخرا" تملأ المكان،إضافة إلى الذباب المتراكم،والناموس بلسعاته السامة.
*الزيطة:ويأتي إليها الصغار والكبار والشباب والنساء،كل شيء وكل واحد يبحث عما ينقصه،فالصغار يأتون لتصريف طاقاتهم،والشباب يأتون ويأخدون أماكن "الزيطة"،ليس من أجل اللعب،وإنما من أجل اقتناص فتاة "ساطة"،أو"التلوط" التحرش harcilement le عليها ووضعها في الشباك،وكذلك الشابات يأتين قصد إسقاط أحد الشبان في الشباك،أما الكبار والكبيرات(الطبقة الوسطى) يأتون مع أولادهم قصد الحديث و التخلص من روتينية العمل والحياة،وتوجد "بالزيطة " أثناء لعب زائريها الغبار والزوابع والضجيج وغياب التنظيم،وحضور "الروينة"،فإذا أخد شخص "الزيطة"،أو سبق إليها ،يستولي عليها بالمرة،ولوطول النهار،ولا يهمه الطرف الآخر المنتظر.
*الفاعلون:إنهم من كل التشكيلات الإجتماعية،من الطبقة الوسطى والطبقات الكادحة،من كل الأصناف والأنواع والأشكال ،ذكور وإناث،فهناك من جاء"ليكورط" بمعنى يلعب "الكارطة"،ويمارسون التحكيم على بعضهم،وهناك من يقرأ،وهناك من"يتلوط"،وهناك من" يتموعش"،وهناك من يمارس الجنس(في الليل)،ويساعد في هذا هو جنح الظلام،وتخلي الشرطة عن ذلك ،وهناك من لا يملك الجاه والمال لذلك،وهناك من يموت "بالغديد"،و"الفقايص"،والظلم والحرمان والخيبة،واللاعدالة،والحزن،والمرارة نظرا لعدم استطاعته الحصول على "ساطة واحدة"،وهوينظر إليها وهي تسير جيئة وإيابا "متمخترة"،بصدرها الضاوي وثديها المدرار،وشعرها المتمايل والمتراقص،وشكلها الفاتن،وفمها المعسل المضيء،وهناك من تموت "بالغديد"،وهي عاجزة عن الحصول على شخص "بكوص"،فاتن وجذاب،وحاصل على مهنة يخرجها من "المزيرية اللي هي فيها"،وهناك من يأتي لإثبات رجولته وقدرته وانتقامه من المجتمع ،وإبراز عضلاته.
إضافة إلى هذا،هناك من يتبول فوق المساحات الخضراء،ويتمرغ فيها ذات اليمين وذات الشمال ،وهناك من يتبول على الكراسي،وهناك من يتبول على الأشجار والحوض المائي،وحتى في "الزيطة"،وكذلك التغوط في مختلف الأماكن،ورمي وتكسير قنينات الخمر،وعلب السجائر.
خاتمة
في الختام يتضح لنا أن علاقة الفاعلين بهذا النوع من الفضاء العمومي،هي علاقة انتقامية لم تأت من فراغ،فهؤلاء الفاعلون داخل بنية الفضاء العمومي هم مرتبطون ببنى أخرى(المدرسة،الأسرة،مؤسسات الدولة كالشرطة...،أرباب الشركات،الإعلام الرسمي...)،تعمل على إقصائهم وقمعهم،وهي من تحدد أساس علاقتهم بهذا الفضاء ،وذلك من أجل إثبات الوجود والكينونة،ورد الفعل من أجل ذواتهم المفقودة من قبل تلك البنى،وأن هذه البنى لا تؤثر في علاقة الفاعل بالفضاء العمومي فقط، وإنما في علاقة الفاعل بالفاعل،سواء كانت امرأة في مقابل امرأة ،أو هي في مقابل رجل ،أو رجل في مقابل رجل،أو طبقة في مقابل طبقة،أو جماعة في مقابل جماعة...،ويتجلى ذلك في البحث اليائس عن الأنا،وفي الحاجة إلى تأكيد الذات،وفي دفع الآخر من أجل الإستجابة إلى حقيقة الأنا الذاتية أو الجماعية:«هذا أنا ،أنا هنا،يجب أن تلاحظ وجودي،إذا لم تلاحظه بمحبتي فعليك أن تدركه من خلال ألمك،إني أنا من يجعلك تتألم،بألمك تعترف بوجودي الذي يصبح أكثر واقعية،بمقدار ما تكبر معاناتك» هذه هي علاقة الفاعل بالفاعل داخل الفضاء العمومي "الجردة"،فهي تكرس السادية من جراء القمع الموجود داخل المؤسسات المسؤولة عن تكوين الفاعلين،وتتكرس من طرف هذه المؤسسات نفسها ما يصطلح عليه بالمازوشية،وذلك عن طريق القهر الأسري والمدرسي والبوليسي والسجني والطبي والإمتحاناتي والسلطوي.......
من هما نخلص إلى درجة التكامل والتواطىء بين نظامين يحيطان بأسوار حديدية الفاعلين ،وهذا يؤدي إلى منع بروز المواطنة،بروز مواطن متفتح نحو التجديد،ويكرس وجود مواطن يخضع للشروط التي تملى عليه،لكن هذا لن يدم طويلا،مادام الإنسان ديناميا ،ومفعما بالحياة،وأن هذه الوضعية ماهي إلا بداية لوضعية أخرى أكثر تقدما تجعله يطيح بجميع الشروط المفروضة عليه،ويهدم أسسها،بانيا أساس حياته،كما يريدها،لا كما فرضت عليه.

نهاية
عبد الله عنتار – 05/05/2011 - ABDELLAH ANTAR



#عبد_الله_عنتار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عنفوان تحت الرماد
- متى تنهض المرأة الكرزازية؟*
- آيروستي
- الإسلام و قيود التاريخ(1)
- سقطت الكفاءة وانتصرت الإنتهازية والتملقية
- مدينة خضراء التي قيل أنها مدينة خضراء؟!!!!
- الثورة المنسية
- أية تنشئة نريدها لمغرب اليوم؟
- نقد الإنتخابات المحلية(1)
- دور الجنس في تغيير الشروط الإجتماعية
- قراءة في الإنتخابات المغربية
- القانون في المجتمع المحلي!(1)
- البذرة المسوسة
- الروائح الكريهة تجوب الأطراف والسلطات المحلية تغط في السهاد
- ملاحظات ماقبل الإستفتاء


المزيد.....




- 4 أضعاف حجم القطط الاعتيادي.. قط ضخم يحب تناول الطعام يصبح ن ...
- تعيين رئيس الحكومة الهولندية المنتهية ولايته مارك روته أمينا ...
- استطلاع يكشف رأي الإسرائيليين بحكم المحكمة العليا بتعديلات ا ...
- محكمة أمريكية تطلق سراح أسانج مؤسس موقع ويكيليكس بعد إقراره ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن القضاء على مسؤول تهريب الأسلحة لـ-حماس ...
- كاميرون للمخادعين فوفان وليكسوس: أوكرانيا لن تدعى إلى حلف -ا ...
- الخارجية الروسية: حجب وسائل الإعلام الأوروبية هو رد فعل مماث ...
- مكتب زيلينسكي يرفض خطة مستشاري ترامب للسلام
- هل يعيد ترامب رسم الخريطة السياسية في الولايات المتحدة؟
- فنلندا تعلن تدريب العسكريين الأوكرانيين على أراضيها وخارجها ...


المزيد.....

- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج
- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد الله عنتار - دراسة وصفية:الفضاء العام (الحديقة العمومية-نموذجا)-حديقة الحسن الثاني-مدينة بنسليمان