|
الملكية العمرية ...
ايليا أرومي كوكو
الحوار المتمدن-العدد: 3448 - 2011 / 8 / 5 - 17:27
المحور:
الادب والفن
قصة قصيرة
بحسب حكايات جدته و امه و ابيه عن سنة ميلاده ، يمكنك ان تستخرج له شهادة التسنين بهذا التاريخ 1 / 1 / ----- م .. أضف أي عام من اعوام القرن الماضي فأنت علي صواب ... وقد تزيد او تنقص من عمره عدة شهوراو عقد من الزمان و هذا لا يفرق بقليل او كثير .. أن تاريخ ميلاده مقرون بسنة المجاعة الذي ضرب قريتهم و اسم رئيس دولة ما تقع في ما وراء البحار .. انه الرئيس الذي اغاث أهله بالذره و القمح و بعض من الزيت ... و لو لا فضل ذلك الرئيس و احسان تلك الدولة لعد واحداً من الاطفال الاموات في تلك السنة .. حيث حصد غول الجوع أروح المئات من المواليد و الكهول من سكان تلك القرية علي حد سواء ...
الاهالي في تلك الاصقاع لا يهتمون بل يبالون كثيراً بشهادات الميلاد .. كما ان الداية او المولدة و الحكيم في الشفخانات الريفية في كثير من الاحاين لا يولون أي أهتمام بمسئلة شهادات الميلاد .. و قد تستخرج الداية او التمرجي شهادة الميلاد عند الطلب و الدف .. الا ان هذه الشهادة ستكون عرضة لمخاطر لا حصر لها .. فبعض الاباء يحسبها ورقة بلا قيمة مادية و بالتالي فهو لا يهتم بتسجيله و يعجزعن دفع قيمة استخراجه .. مع ان جهات الاختصاص يحرصون علي الكتابة عليها باللون بأنها تستخرج مجاناً .. و بعض الاباء يعرفون قيمتها الرمزيه التي ستذكرهم بسنة ولادة نجلهم البكر أي ولي عهدهم .. اما الاباء من الفاهمين و المتعلمين المدركين لقيمة شهادات ميلاد الاولاد و البنات، فهم يحتفظون بها في القطاطي القشية او في غرفهم نومهم الطينية .. انهم يضعونها في شنط الحديد او في كوة القطية .. و شهادة الميلاد دئماً ما تكون معرضة لمخاطر الحرائق التي تلتهم منازل القرية في كل صيف .. و ان سلمت الشهادة من حريق قطية القش في الصيف المنصرم .. فهي سوف لن تسلم ابداً انهيار أوضة الطين في الخريف القادم بفعل السيول المرتقبة .. و حتي ان سلمت فهي بقايا شهادة ممزقة صدئة .. بقايا شهادة تلاشت فيها ألاحرف و الارقام التي دونت عليها بخط يد الداية او الحكيم بقلم الكوبيا ..
و المحظوظون فقط هم من تهتم الداية و الحكيم بأرسال تواريخ ميلادهم الي المسجل العام للمواليد .. فتدون في ارشيف سجلات المواليد و الذين يسجلون هم قلة نادرة جداً من سعداء الحظ.. و لا غرابة ابداً في ان يكون جل السودانيين مولودين في يوم 1 / 1 / ----- م.. و صاحب قصتنا واحد من الذين كانت لهم شهادة ميلاد وقد رأي شهادة ميلاده بعينيه الاثنين في صباه الباكر .. كان اباه مهتماً جداً بالشهادات و كان يحرص علي دسها في كتبه القديمة الموجودة بدارهم العامر ... كبر صاحبنا و تدرج في مراحل تعليمه الي تلك المراحل العمرية التي يسأل فيه المرء عن عمره و سنة ميلاده ...و السؤال عن العمر يلازم الانسان كما يلازمه سؤال الناس عن اسمه .. وانت تسأل عن عمرك متي زرت أي طبيب لمداوة مرض الملاريا التي لا تفارقك حتي في الربيع دعك من الخريف .. و تسأل عن عمرك و شهادة ميلادك عندما تطلب الوظيفة الحكومية حتي ان كانت تلك الوظيفة هي وظيفة بواب بمستشفي الخرطوم التعليمي في العهد القديم او في العصور الغابرة عندما كان لحراس ابواب المستشفيات صولاتهم و جولاتهم .. مع العلم بأن وظائف كل البوابات أضحت تتطلب الحصول علي الشهادات الجامعية و مواصفات الشخصية المدعومة بالوساطة و التذكية ..
و يسألونك عن شهادة ميلادك لحصرك ان كنت طالباً ضمن قائمة الطلاب المطلوبيين لقضاء الخدمة الوطنية او الاجبارية ... و ان كنت موظفاً فعمرك ايضاً مطلوب لنفس المهمة ألزامياً او أجبارياً .. و هنا مربط الفرس فعندما كانت الخدمة الالزمية هي للفئة العمرية بين 1960 الي العام 1964 استخراج بطلنا شهادة تسنين بتاريخ 1 /1 / 1965 م ... تمكن صديقنا منقو من الانفلات من اداء الخدمة و دارات الايا م و استدارت السنين .. اتسعت الرقعة الزمنية للمطلوبيين للخدمة الوطينة بحسب اتساع رقعة الحروب الاهلية في الخارطة السودانية .. لتشمل الفئة العمريةما بين العام 1976 الي العام 1958 م ... جن جنون بطلنا سوف لن تسلم الجرة في كل مره .. انه لا يريد قضاء الخدمة الوطنية و لا يطيق ابداً سماع الاوامر العسكرية حتي تلك التي كانت تمارس في مدارس الاولية عند طابور الصباح من صفا و انتباه ...
لن يعدم الحيلة لمن يبحث عنها .. طرق ابوب السجل المدني العام هذه المرة باحثاً عن تاريخ ميلادة الحقيقي حتي يتمكن من زمامية الملكية العمرية التي تناسب مرحلته الراهنة.. لم يعثر صاحبنا علي اسمة في سجل مواليد السودان لا في قريته و لا في ولايته و لم يجده حتي لدي مكاتب السجل المركزي بالخرطوم .. كان يعلم علم اليقين بأن له شهادة ميلاد اصلية بتاريخ ميلادة الحقيقي .. تلك الشهادة التي فقد ربما بفعل الارضه التي تكثر في منطقته الرطبة .. و الارضة للذين لا يعرفونها تلك الحشرة الصغيرة التي تجرب أكل كل شي حتي الحديد و الحجر . و كان الشك في بعض الاحيان يراوده بأن تكون الشهادة واحدة من المفقودات .. تلك المفقودات التي ضاعت من شنطة والده في الليلة التي سرقت فيها عنزتهم البيضاء ..
اجتهد كثيراً حتي يخرج من ورطة الخدمة الوطنية التي صارت بعبعاً يخافه الكثيرين من الموظفين في كل القطاع العام .. ما عدا القلة التي لها ظهور تسندهم و حوائط يتكئون عليها عند الشدة .. ذلك لان عدم ادائها يهدد مستقبلهم بفقدان وظائهم التي يأكلون منها عيشهم اليابس ..تمكن اخيراً من استخراج شهادة ميلاد اصلية يتوسطها صقردجيان كبير بلون اخضر جميل ... و قد تمكن الصقر الاخضر من انقاذ صاحبنا من اداء الخدمة الوطنية لان الشهادة التي استخرجه بأمضاء المسجل العام تقول بأنه من مواليد العام 1957م .. و هذا كافي لاثبات خروجه من الفئة العمرية المستهدفة لاداء الخدمة الوطنية او الخدمة الالزامية .. و لكن الشهادة التي استخرجها اخيراً كافية ايضاً لأحالته الي التقاعد او المعاش و فقدان الوظيفة .. لا زال القلق و الرعب الوظيفي يساوره في الحل و الترحال ..
فيا تري بماذا تنصح صديقي في هذه المرة ايضاً حتي لا يحال الي المعاش مبكراً .. فهو رب اسرة كبيرة و عياله صغار... أنني أرجوك بان لا تتعب نفسك عناءاً حتي تمد له طوق النجاة ... فهو كفيل بأنقاذ وظيفته .. فقط أرجو ان لا تستغرب ان جاءك غداً بشهادة ميلاد يثبت فيه بأنه من مواليد العام 1977 م ..
#ايليا_أرومي_كوكو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تابيتا بطرس شوكأي:هل تخوض في الوحل فبكلامنا نلعن و نبارك
-
همساتي الي كالو كدلو : ما هذا الكلام الغلط في المكان و الوقت
...
-
الختان نوع أخر من العنف ضد المرأة ..!!
-
تنامي ظاهرة اغتصاب الاطفال في المجتمعات .. !
-
بعض من كلماتي أهمس بها لنفسي ......!!! ( 11 )
-
أحمد محمد شاموق: باقان.. ما كان وما يكون ..!
-
بتوقيع الوثيقة -النهائية- :هل نجحت قطر في صنع سلام دار فور؟
-
بعض من كلماتي أهمس بها لنفسي ...! ( 10 )
-
رسالة شعب جبال النوبة الي لرئيس عمر حسن احمد البشير
-
بعض من كلماتي أهمس بها لنفسي ...! ( 9 )
-
عشية الانفصال : لكم سودانكم و لي وطن ...!
-
التحدي
-
بعض من كلماتي أهمس بها لنفسي ...! ( 8 )
-
ما بين الروح و الجسد ....!!
-
اسدال الستار علي وطن اسمه السودان..!
-
بعض من كلماتي أهمس بها لنفسي ...! ( 7 )
-
بعض من كلماتي أهمس بها لنفسي ...! ( 6 )
-
بعض من كلماتي أهمس بها لنفسي ...! ( 5 )
-
فأس من الطين
-
قطع الأعناق و لا قطع الارزاق
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|