|
لمن سنريق دماءنا؟
علي بوبلاني
الحوار المتمدن-العدد: 3447 - 2011 / 8 / 4 - 07:56
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لمن سنريق دماءنا؟
دأبت غالبية كتابنا ومثقفينا على محاربة أحزابنا السياسية وقادتها بشكل أكبر. هذه المحاربة لا تأتي هكذا عبثا. لا بد أن يكون للأحزاب السياسية وعلى رأسها قادتها ذنب ما حتى تنهال الأقلام عليهم ولفترة طويلة جدا. مهما يكن، علينا جميعا أن نعاين هذه الظاهرة ونعطيها حقها حتى لا نهدم الصحيح من أجل إزالة الخطأ أو لا نهدم المبني على الصح من أجل تصحيح الخطأ غير المفيد. والمرحلة الحالية دقيقة وحساسة إلى درجة لو أننا إذا أخطأنا، ولو قليلا، له تأثيره السيئ.
منذ اندلاع الثورة والمدافع المدوية من مداد كتابنا ومثقفينا تمطر الحركة ببراكين هائلة من النقد والانتقاد. تارة تنتقدها لرغبتها في محاورة النظام، وأخرى بمشاركتها الخجولة في المظاهرات وغيرهما أنها تمنع الشباب من الخروج إلى الشارع... وهكذا، السيول الجارفة من الانتقادات والاتهامات للحركة جارية دون توقف.
كتب الكثير في هذا المجال بشكل لم تدع تلك الكتابات لنا فسحة من التفكير بالواقع القائم وتشخيصه تشخيصا علميا ودقيقا لكي لا نعيد ما حصل مع أسلافنا فيما مضى من الزمن. إن كان ذلك أثناء إبادة إسماعيل شاه الصفوي السنة في إيران خلال القرن السادس عشر أو أثناء انهيار الإمبراطورية العثمانية، وما تبعه من مجيء الأوربيين إلى مناطقنا وانتداب أنفسهم علينا.
تناول الأمور من جانب واحد وهروع الغالبية عليه، لا يبشر بالصواب؛ ولا يطمئن النفس في تحقيق الأمثل وحتى تحقيق المطلوب. قبل الثورة كانت المدافع موجهة ضد الحركة لتقاعسها تحقيق المطلوب، مع اتهامها بتمرير السلطة مشاريعها بحقنا دون ممانعة تذكر. في الواقع كانت السلطة تنفذ مخططاتها دون مقاومة عدا بيانات التنديد والتظاهرات الصغيرة العدد أو الاعتصامات الضعيفة والهزيلة. ولم يقصر الكتاب والمثقفون في التنديد بضعف الحركة وقادتها. إلا أن هؤلاء الكتاب المنتقدون لم يقدموا للجماهير شيئا عن طبيعة الأمور وما يكمن وراءها أي أنهم لم يشخصوا النظام وطبيعته، والوضع الدولي وطبيعته وكذلك وعي الجماهير وطبيعته ومدى استيعاب الشعب للأمور، سوى كتابات التوصيف والتعمق فيه. فوصف السيارة وشكلها ولونها لا يصل بالقارئ إلى ماهية السيارة. نعم يتكون لديه صورة ما عنها، ولكنها ليست كافية ولا يرقى بالقارئ إلى أن يحيط بها كما يجب. فوضعنا الحالي يستوجب علينا أن نكون ملمين به إلماما تاما لنقود أنفسنا إلى بر الأمان. وأن لا يعاد معنا كما أعيد مع أسلافنا في الغابر من القرون.
سأختار هنا مطلبين مما يكتب فيه كتابنا ومثقفونا كانتقاد في الوقت الراهن. المشاركة العنيفة في التظاهرات، وإسقاط النظام أولا.
لنناقش المشاركة العنيفة في المظاهرات. ربما يعترضني أحد قائلا: لماذا المشاركة العنيفة؟ في الواقع يشارك شبابنا منذ البداية في التظاهرة ولم يتوانوا عنها، إلا أنه لم يقع بينهم شهداء. فتأتي الكتابات بأن المشاركة خجولة، وليس الكتاب وحدهم؛ بينما المعارضة العربية توجه نفس الانتقاد. لم يعالج هؤلاء الكتاب والمثقفين موضوع التظاهرات الكردية التي لم ترق فيها الدماء حتى الآن (نشكر الله على هذا). وكأن سلامة المتظاهرين عار وجريمة. لم يرد أحد من كتابنا ومثقفينا على المعارضة العربية ويشرح عن عدم إراقة الدماء في المناطق الكردية. كأن سلامة المتظاهرين دليل على ضعف المشاركة. في حين لم يقل عدد المشاركين في التظاهرات عن إخوانهم في المناطق الأخرى إذا قارنا النسبة السكانية. علاوة عن هذا لم تتوجه مدافع الأقلام إلى الأخوة العرب والسريان والآشوريين والكلدان وغيرهم ممن يشاركونا السكن في هذه المناطق عن تقاعسهم في المشاركة، بل تناولت تلك الأقلام الحركة الكردية وقادتها ووضعتها في موقع الضد والند للحركة الشبابية. هذا لا يعني أن الحركة الكردية خالية من كل ما يوجه إليها من انتقادات، ولكن ليس بهذا التحامل الذي لا يفيد سوى النظام وينشر الشقاق والتشتت بين صفوفنا فنتحول إلى التقاتل فيما بيننا.
أين الأخوة العرب ليزيدوا من عدد المتظاهرين وأيضا أين الأخوة الآشوريون والأرمن والسريان والكلدان. مشاركتهم تأتي متأخرة وبأعداد تكون في حكم العدم. إلا أن الكاتب والمثقف ترفع من أن ينتقد هؤلاء ويضعهم في صف النظام لتقاعسهم، بل أزاد من حقد المواطن الكردي على قيادته وأحزابه الذين عاينهم المواطن منذ عقود خلت وتيقن أنهم لا يواكبون العصر فهجروهم قبل عقد أو عقدين من الزمن. لم تعد تلك الأحزاب وعلى رأسها تلك القيادات تمثل الشعب الكردي كما السابق، بل تدنت شعبيتها إلى أن وصلت حدا لا يتجاوز العشرين بالمائة. فالكتاب والمثقفون والمتنظرون المنتقدون للحركة ليسوا بأقل منها ومن قادتها في تأدية الواجب الوطني الحقيقي تجاه القضية والشعب والجماهير مجتمعا. هم وقادة الحركة والحركة في صف واحد في الكرنفال الوطني، ولكن بأقنعة مختلفة. هذه الجماهير التي تتغذى أفكارها من أقلام هؤلاء الكتاب والمثقفين والمتنظرين لن تكون قادرة تمييز الصواب من الخطأ في هذا الظرف، وتكرار الخطأ وارد ليس خمسين بالمائة؛ وإنما يزيد عن التسعين. إذا استمرت هذه الكتابات والانتقادات في هذا الاتجاه، علينا أن نحزم حقائبنا ونعتبر أنفسنا مواطنين أوربيين من اللحظة، لأن القادم سيكمل ما لم ينجزه بشار وأسلافه.
إسقاط النظام أولا بإهمال تاريخنا قديما وحديثا، سنكون مطية الغير، وجسرا متينا ليمر عليه القادم إلى السلطة من دوننا.
عندما كانت فرنسا منتدبة علينا لم يعر السلف مستقبله من قبل الأكثرية، بل ناضل بكل عنف، كما يطلبه الكتاب والمثقفون منا حاليا أن نشارك في المظاهرات، ولم ينجروا وراء وعود المنتدب في تكوين كيان لهم، فاعتبروها كما نعتبر اليوم رحيل المنتدب هو الأهم، واعتبروا أخوتنا صخرة تتحطم عليها كل شيء. وآمنوا برسوخ أنه لا يمكن أن ينقلب أحدنا على الآخر. رحل المنتدب، ورحلت بعده جنسياتنا، ورحل الاسم المتفق عليه للجمهورية عند استقلال الدولة، كما رحل العلم الذي رفعه الأسلاف وقاتلوا في ظله. فشطب أسماء معظم المناضلين الكرد ضد المنتدب، بينما ثبت أسماء بعض الشخصيات لو عدتم إلى تاريخهم أثناء حكم المنتدب لوجدتم مشاركاتهم لا تعادل عشر مشاركات أسلافنا، عدا هذا سلبت منا أراضينا ولقمة عيشنا وتحولنا إلى أجراء وخدم في عقر دارنا، واعتبرنا أجانب وافدين.
بينما يتجاوز كتابنا ومثقفونا ومتنظرونا هذه الحقائق التاريخية، وينجرون وراء المطلق دون أي ضمان، محرضين الجماهير ومضللين إياها بأن تضحي لكي يُسلب منا ما تبقى أو ما لم يستطع بشار وأسلافه من سلبه. يتناسى هذا المثقف والكاتب والمتنظر ترتيبه القومي، مع الأقليات التي لا تتعدى نفوسها بضعة آلاف، في مؤتمر آنطاليا، ويتغاضى عن طرده من مؤتمر اسطنبول مع اتهامه بمعاداة عروبة سوريا. هنا تطرح عدة أسئلة نفسها، مع من هم هؤلاء الكتاب والمثقفين والمتنظرين؟ هل هم مع قيادة الحركة الكردية وأحزابها؟ أم هم مع النظام؟ أم هم مع المعارضة السورية؟ أم هم مع الجميع؟ في كل الأحوال، وبالنظر إلى ما ورد حتى الآن في هذه المقالة، ليس هؤلاء الكتاب والمثقفين مع المصلحة الكردية في خطوطها العريضة.
لم يشخص هؤلاء المعارضة السورية التي هي النظام نفسه في نظرتها إلى القضية الكردية في هذا الجزء. وفي كثير من المواقع تتجاوز النظام نفسه. إذاً أ لسنا على موعد ليعاد إحصاء وحزام ومراسيم وقوانين أخرى من القادم من المعارضة السورية بالنسبة لنا نحن الكرد. مع هذا نتأسف عن مشاركتنا اللاعنيفة. ويخجل هذا الكاتب والمثقف والمتنظر أن يناقش المعارضة بخصوص الفدرالية والتي هي مفيدة لها أيضا أي للمعارضة العربية نفسها، بل يخجل من طرحها على المعارض العربي الحالي الذي يرى في الحكومة المركزية إمكانية لإعادة ما يدعو إليه القوميون العرب، لا أقول كل العرب السوريين المعارضين ضد القضية الكردية، ولكن الذي ليس ضدها لا يمثل قوة على الساحة، فهذا الكاتب والمتفكر والمتنظر والمثقف الكردي لا يبحث عن الحل في توحيد الصف الكردي فكرا وعملا والاستفادة من تواجد جالياته في الخارج لطرق المحافل الدولية وإيصال قضيته إليها؛ حتى لا يستحوذ عليها هؤلاء المعارضون القوميون بشتى أقنعتهم وألبستهم؛ وإنما ينهال على الحركة ويدعو الشباب إلى إراقة دمائهم لننحرم مرة أخرى من الجنسية ويُسلب منا ما تبقى من أرضنا لكوننا وافدون إلى هذه الديار. بل يحارب ممن هم في الخارج واستطاعوا أن يطرقوا أبواب المحافل الدولية وأن يصلوا بالقضية إلى أكبر المراكز، فمحاربة هؤلاء لصالح من؟ هل لقضيتنا فائدة أن يستلمها المعارضون العرب السوريون؟ أم أن تكون شأنا من الشؤون الدولية؟ هل في تدويل قضيتنا مضرة لنا أم للنظام وللمعارضة التي لا تعطينا شيئا؟ إذن هل هؤلاء هم مع القضية عندما يطالبون بالمشاركة في المظاهرات بشكل عنيف أي تقديم الشهداء؟ لماذا لا يكتب هؤلاء الكتاب والمتفكرين والمتنظرين والمثقفين عن الفدرالية ومحاسنها لمجمل سوريا؟ كل من يتقاعس من هؤلاء في التطرق كتابة عن الفدرالية يشارك النظام ويشارك المعارضة التي أظهرت عن نواياها تجاهنا في مؤتمرات آنطاليا وبروكسل واسطنبول.
أقوله بصراحة أنني أحمل هؤلاء المثقفين والكتاب والمتفكرين والمتنظرين الكرد المسؤولية في تفويت الفرصة وضياعها لتوجيههم مسيرتنا في اتجاه معاكس للقضية بالإثارة الزائدة عن اللزوم وفي اتجاه وحيد، متغاضين أو غير معيرين الاهتمام الكامل لما تكنه المعارضة السورية لنا في المستقبل القادم. فهم أي المعارضة العربية السورية ليست بأفضل من النظام حيال قضيتنا، وعدم الحيطة والحذر تجاهها في الوقت الراهن يعني استحواذها على قضيتنا وذلك برضى منا. وأكثر من يتحمل هذه المسؤولية هم أولئك في الخارج.
تركيزي هنا على المثقفين والكتاب وغيرهم من هذه الشريحة لا يعني تبرئة للأحزاب الكردية وقادتها؛ ما أريد توضيحه هو الانشغال الزائد والمعروف والممجوج منذ انتهاء الحرب الباردة وإلى الآن بحق الأحزاب قد خلقت لدى الكثيرين منا النفور. وغني عن البيان أن الجماهير انفضت من حول الأحزاب منذ ذلك الوقت. فالعزف على هذا الوتر وعلى مدى عقدين أو أكثر من الزمن يعمي بصيرة الجماهير ويشذها عن السير في الطريق الصحيح. -----------------------------------------------------------
علي بوبلاني [email protected]
#علي_بوبلاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بعد وصفه بـ-عابر للقارات-.. أمريكا تكشف نوع الصاروخ الذي أُط
...
-
بوتين يُعلن نوع الصاروخ الذي أطلقته روسيا على دنيبرو الأوكرا
...
-
مستشار رئيس غينيا بيساو أم محتال.. هل تعرضت حكومة شرق ليبيا
...
-
كارثة في فلاديفوستوك: حافلة تسقط من من ارتفاع 12 متراً وتخلف
...
-
ماذا تعرف عن الصاروخ الباليستي العابر للقارات؟ كييف تقول إن
...
-
معظمها ليست عربية.. ما الدول الـ 124 التي تضع نتنياهو وغالان
...
-
المؤتمر الأربعون لجمعية الصيارفة الآسيويين يلتئم في تايوان..
...
-
إطلاق نبيذ -بوجوليه نوفو- وسط احتفالات كبيرة في فرنسا وخارجه
...
-
في ظل تزايد العنف في هاييتي.. روسيا والصين تعارضان تحويل جنو
...
-
السعودية.. سقوط سيارة من أعلى جسر في الرياض و-المرور- يصدر ب
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|