أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - عفيف إسماعيل - وداعاً زوربا السوداني1















المزيد.....

وداعاً زوربا السوداني1


عفيف إسماعيل

الحوار المتمدن-العدد: 3445 - 2011 / 8 / 2 - 12:21
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


*مسامرة من وراء المحيط


المكان:الحصاحيصا.. ستديو الحصاحيصا للتصوير الفوتوغرافي..
لصاحبه علي محمد الطيب
الزمان:النصف الثاني من العام1991

في ذاك النهار الغائظ من مايو 1991 كنا نجلس بدر الدين عبد الباقي وادريس حسين مع عم علي،الشهير بعلي الفك ، أو ابو حميد أو زوربا السوداني، نحتمي من حمي الظهيرة داخل صالة الاستديو نتفيأ ندواة جهاز التكيف كي نتقي حرارة ذاك النهار الملتهب، ونتبادل شجون الوطن الممكون بعصبة من مصاصي الدماء البشرية وهواة الرقص علي نزيف الحرب ويسمون المآسي أعراساً للشهداء ومحاولات تجيش الجيل الشاب نواة الحلم التغيير في السودان، دخل علينا متصصبا عرقا ومرحا رسام الكاركتير الشهير بدرالدين مصطفي صالح بحضوره البهيج الذي يشعل المكان صخبا، قبل ان يكمل تحية لكل الحاضرين وشكواه من ارتفاع درجة حرارة النهار بادره عم علي قائلا:
_ جيت في وقتك يا بدر ، جيب ورق وقلم عندي ليك فكرة كاركتير مجنونة حاره زي نار النهار دا.
يضحك بدرالدين كعادته اولا علي نكتته التي لم يقلها بعد ويقول له:
- كدي خليني اقعد معاكم في الجنة دي شويه يا عم علي ، وبعد داك الرسم ملحوق
يجلس بدر الدين وهو يخرج من حافظة اوراقه التي تلازمه دائما ورقة ويبسطها امامه، يقول له عم علي:
- ارسم لي طوه كبيره زي البطيخو عليها في المناسبات وعيد الضحيه،وتحتا نار ملهلبه، وجوه الطوه الكبيره دي الشعب السودان كلو واقف صفوف عرضية منتظمة.
سريعا من اصابع بدر الدين الدربة علي الجمال وفتنة الخلق تستقيم الخطوط في بياض الورقة، ونحنا نتابع بانفاس مكتومة لنر الطوه العظمي داخلها الشعب السوداني بكل سحناته المتعددة يتظلي بتلك النار الحارقة.
- ارسم لي الترابي واقف قدام الناس دي كلها زي امام الصلاه بس ملتفت للشعب السودان.
بمهاهرة احترافية ياخذ الامر اقل من دقيقة لنتبين ملامح عراب المشروع الحضاري الاسلاموي ورأس الحية في حلة الواعظ الثعلبي الملامح مبتسما يهم ان يقول شئيا
- يالله التعليق ح يكون طالع من خشم الترابي يقول: استوووووا يرحمكم الله!

يتزلزل جس بدر الدين بالضحك بينما يتلوي نور الدين عبد الباقي ويسقط علي الأرض ويغالب ادريس دموعه الضاحكة، ويقهقه عم علي بضحكته ذات الشهيقات المتقطعة، أمد يدي ببطء كي اخذ تلك اللوحة البديعة من بين اصابع بدر الدين ، ينتبه سريعا ويمزقها إلي قطع صغيرة ويعلق قائلا:
- كدا..كدا يا الترلا..العب غيرا عايز تودينى التونج ولا شنو.
وقُبر ذاك الكاركتير المعبر عن حال الشعب السوداني في سلة مهملات عم علي، وهويحكي عن حال صحافة عصابة الانقاذ الدموية وقوانينها القمعية في سنواتها الاولي،نُري هل تحركت عجلة الدوران إلي الخلف وإلي وأسفل سافلين بالشعب السوداني من مربع الانقاذ الاسلاموي القمعي للحريات الاول كثيراً؟
عم علي بحسه الفكهه والطريف، ومخيلته الساخر كان احد منابع الالهام لفنان الكاركتير الراحل بدرالدين مصطفي صالح في فترة الديمقراطية الثالثة،1985-1989 حيث كانت الصحافة حرة، وليس هناك رقيب قبلي أو بعدي، كانت مخيلة عم علي بقدراتها الساخرة تنال اغلب الزعماء السياسيين خاصة الترابي والصادق المهدي، وكان بدرالدين يترجمها علي الملأ بلا خوف او وجل، وتنشر يوميا علي صفات الصحف اليومية علي امتداد السودان بلا رقيب أو ترهيب.

عم علي السوداني البسيط المهموم ببلده علي مدار الثانية ،لم ينضم يوميا كعضو عامل في الحزب الشوعي السوداني، لكن لا احد يصدق انه ليس من المؤسسيين له، بحفظة لأدق تفاصيل تاريخ الحزب منذ التأسيس وكل منعرجاتها، ودفاعه المستميت عنه، والتبشير بأفكاره في كل لحظة، لا يجتهد كثيرا ويقول هذا شرف لم يطاله بعد لا لكنه لا ينفيه، ويقول انه ماركسي علي سيرة ماركس الأولي، وذلك كان جدل دائم بينه وبين صديقه اللدود، احد كوادر الجبهة القومية الاسلاموية وعباءتها الواسعة التي ضمت من ظنوا انهم حراس حقيقيون للقيم الاسلامية المتوارثة في السودان، وهو المرحوم علي الترس تاجر الادوات المنزلية،الذي يقع دكانه علي مقربة من ستديو عم علي للتصوير الفوتوغرافي بسوق الحصاحيصا، ودائما يطيب لعلي الترس الجلوس والاسماع والاستماع بحكايات عم علي التي لا تنتهي، ودائما ما ياتي بجبنة الديوم البيضاء عند مواعيد وجبة الافطار وفول محي الدين الشهير، ويناكف عم علي كثير لمزيد من المسامرة وجلب الضحكات ، وذات افطار محضور من عدد اصدقاء عم علي، تعالي صوت علي الترس كأنه يخاطب نفسه بصوت مسموع:
- اهسع الاكل مع الشيوعيين دا حلال وحرام، حرام ولا حلال، ولا هو اكلهم زاتو من اصلو حلال ولاحرام.
- يا علي الترس، امسك واحد عندك،نحنا ما قاعدين ننهب ولا بنخزن قوت الشعب، ولا بنط علي الحيط بالليل، ولا بنقطع ايدين الناس بالتسرق عشان تاكل، ولا بنقطع ارزاق الناس عشان بس اختلفوا معانا في الرأي،وما عندنا مربحات من البنوك الطفيلية الاسلامية، ولا عصابات منظمة بتمص في دم الشعب السوداني وتهدر في كرامتو، انتا شايفني قدامك كل يوم بشتغل من الساعة تمانية صباحا لحد تمانيه مساء، ولا اقول يا اخي كان كايس فتوة حرام وحلال، أُكل اكلك ساكت مطمئن، والله كنا فتشتا الدنيا كلها ما تلقي اكل حلال اكتر من اكل الشوعيين دا.
يضحك علي الترس ويستمري المناكفه:
- لكن الشوعيين ديل كفار، وحطب النار، هسع يا عم علي الله! وعليك الله، ولا انت حليفت الله ما تسير معاك، طيب عليك ولدك عبد الخالق! شوعيتكم وكفركم دا مجاني ساكت كدا! ما فيهو جبة قروش، كدا شقاوه لله في الله؟
_ يا اخينا في الدنيا! هو شوعيتنا دي كان فيها قروش كونتوا انتي وجماعك الطيبين ديل خليتوها لينا بالساهل كدا، يمين كان كان فيها قروش كان انتو بقيتو عديل كدا الكفار والشوعيين ونحنا بقينا الاخوان المسلمين.

ويرحل عم علي إلي ضفته البعيدة وتبقي سيرة كحكاء عظيم، ومناهض لكافة اشكال القمع وداعيا للحرية والديمقراطية واحترام الآخر،ويبقي تعدد اسماءه الكثير التي تدل عليه منها
أبو حميد، علي الفك، زوربا السوداني.

الزمان: منتصف الثمانيات من القرن الماضي
المكان: منزل الزميل حسن علي حسن بالحي الأوسط بالحصاحيصا

مررت علي عم علي كي نترافق معا إلي ندودة الحزب المقفولة للديمقراطيين والشيوعيين للتفاكر حول كيفية دعم مرشح الحزب بالمنطقة الاستاذ جعفر عبد الرازق بخيت لإنتخابات الدئرة 85 الحصاحيصا الغربية، وجدته غارقا في توزيع عملات ورقة إلي اكوام امامه قال لي تعال امكن تساعدني في فك الشفرة دي
الكوم الأول دا ايجار الدكان والبيت
والكوم التاني دا مواد الاستديو الشهرية
والكوم التالت دا مصاريف ولدي واسامه في الجامعه
والكوم الرابع دا مصاريف البيت
والكوم الخامس الكبير دا حق سداد بعض الديون
وواصل حديثه، كل ما احاول ان اكمل واحد ينقص التاني ما عارف اعمل شنو،دي معادلة الجن ذاتا، انتا عارف انا عرفتا ليك سر محقت قروشنا دي، ما ممكن نجتهد ونظاهر ونعمل انتفاضة شعبية عشان نشيل نميري من الحكم ، لحد هسع كل يوم نلقاهو قاعد بصورتو وعمتو الفاجرة دي في العملة في جيوبنا، دا يعني انو نظامو الفاسد زال شكليا لكنوا لسع قاعد اقتصاديا بكل آلياتو البطاله، آهه الساعة كم انتا جيتني عشان نمشي ندوة ناسك المفلسين ديل، بالله اسع الواحد كان كان مع الجماعة الطييبن ديل ما كان بكون محتاس الحوسه دي كلها، يعني نلقط فيها زي لبن الطير وبرضو ما لافقه، يا يشيلها النمل يا يطاها الفيل، يالله خلينا نمشي الندوة وبعدين اجي احسبها.
وجمع اكوامه عملاته الورقة كلها وعقلها من خاصرتها بقطعة من المطاط.. وذهبنا.

رحب بنا الزميل حسن علي حسن علي عتبة باب منزلهم المفتوحه لكافة الانشطة الاجتماعية والرياضية والسياسية بالحصاحيصا، وكنا قد وصلنا في تمام بداية الندوة. بعد الحديث الطويل عن طبيعة الحملة الانتخابية والتي القصد الاساسي منها بناء موسسات القوي الديمقراطية بالمنطقة، تحول الحديث لكيفية دعم الحملة الانتخابية، تم اقتراح عديد من الاشكال الجذابة والمبهرة ، لكن معظمها يحتاج إلي تكلفة مالية ضخمة، وتراجع سقف التطلعات إلي الاكتفاء في بداية الحملة ببعض اللفتات القماشية في المناطق الرئيسية بالمدينة، وسريعا تم تحديد المبلغ مع التنبيه للاسراع في الجمع المبلغ المطلوب حتي لا تتاخر الحملة، وفُتح باب التبرعات للحاضرين، وتم جمع نصف المبلغ واعلن مدير الجلسة عن ان نحاول اسبوع او اسبوعين ندعو لندوة اخري او نجمع تبرعات من بعض الاصدقاء والمعارف.
فجاءة..
وقف عم علي واخرج كل المبلغ الموجود بجيبه وقال، اظن كدا المبلغ بيكون تما، خلونا يا جماعة نبدا الحملة بدري، انتو شايفين الجماعة الطيبين ديل ملصقاتم أم ورقاً مصقول وملون ماليا الحته احس نحنا ما نتاخر اكتر من كدا وما نضيع الزمن الغالي دا و إلا حصادنا ح يكون صفر.
وانتهت الندوة بحل عم علي الحاسم ولم يتبقي الي التنفيذ من مجموعة الخطاطين والفنانين.
هذا هو عم علي الذي يعرف هو الامل ان تفعل الشئ المناسب في الوقت المناسب وبشكل مستمر. وان تقصر المسافة بين ما تفكر وتفعل.
وعن عم علي زوربا السوداني المسامرات لا تنتهي..

*مسامرة من وراء المحيط ،نشرت هذه المسامرة بجريدة الميدان لسان حال الحزب الشيوعي السودان العدد2396 28يوليو2011
http://www.midan.net/almidan/wp-content/uploads/2011/07/23964.pdf

ويتبع...
عفيف إسماعيل



#عفيف_إسماعيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لوحة2
- مُسامرة حوارية مع الفنانة المغنية د. ياسمين إبراهيم
- رنين الحنين على أجنحة نوارس عائدة أو نغم أخضر
- مسامرة حوارية- جريدة الحصاحيصا
- زهور ذابلة
- إندماج أم إقصاء؟!
- مبادرة -برانا- الثقافية
- نورس حط على القلب
- المتشظي
- عازف البيانو الأعمي في ميدان فورست او ظل بلا اثر
- الشاعر المصري حلمي سالم.. وفقهاء الظلام
- نافذةٌ لا تُغري الشمس
- وتبقي طفلة العصافير الموسمية
- بيكاسو ماقبل وبعد الجرنيكا
- الوان
- عودة
- قبعات غير مناسبة
- نصوص
- الموسيقار عاصم الطيب قرشي في مهرجان ميلا بالنرويج
- رتقُ الهواء


المزيد.....




- الجزء الثاني: « تلفزيون للبيع»
- عز الدين أباسيدي// لعبة الفساد وفساد اللعبة... ألم يبق هنا و ...
- في ذكرى تأسيس اتحاد الشباب الشيوعي التونسي: 38 شمعة… تنير در ...
- حزب الفقراء، في الذكرى 34 لانطلاقته
- تركيا تعزل عمدة مدينتين مواليتين للأكراد بتهمة صلتهما بحزب ا ...
- تيسير خالد : سلطات الاحتلال لم تمارس الاعتقال الإداري بحق ال ...
- الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
- هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال ...
- الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف ...
- السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا ...


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - عفيف إسماعيل - وداعاً زوربا السوداني1