هايل نصر
الحوار المتمدن-العدد: 3440 - 2011 / 7 / 28 - 23:29
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
" طالما السيف إلى جانبي سيكون ضمن سلطاني قطع لسان كل محامي يتجرأ على استخدمه ضد الحكومة". نابليون بونابرت.
" لقد برهن الزمن أن لسان المحامي كان أكثر صلابة من سيف الجنرال. بدليل ذهاب هذا الأخير وبقاء مهنة المحاماة". روجيه بررت.
الاستبداد والعدالة نقيضان. المستبد فوق القانون والقانون يصاغ لخدمته وخدمة حاشيته. التشريع لشرعنة امتيازاته. والقضاء لتجريم وإدانة معارضيه. والقوة لقمعهم. يرتب المستبد كل شؤون الدولة ليكون مركزها, مصدرها, ومنتهاها, وصاحب الكلمة الأولى والأخيرة فيها. والعلاقات السائدة في دولته لا تتجاوز علاقات سلطة ورعية. فكيف يمكن عندها الحديث عن دستور وقوانين وقضاء وعدالة ومحاماة؟.
ـ هل يمكن الحديث عن قانون وقضاء وعدالة, إذا كانت السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية بقبضة المستبد؟, وعن ممارسة طبيعية وازدهار للمحاماة, وحصانة واحترام للمحامين ؟.
ـ هل أخطأ مونتسكيو في نظريته في فصل السلطات, وأصاب المستبد ونظامه في دمجها في سلطة واحدة؟.
ـ هل أخطأت مقدمة إعلان حقوق الإنسان والمواطن لعام 1789 حين قررت أن "كل مجتمع لا تكون فيه الحقوق مصانة, وفيه فصل للسلطات, لا يمكنه الادعاء بان لديه دستور".؟.
ـ هل ستكون حُزم الإصلاحات, المتأخرة عن توقيتها نصف قرن, والمقترحة من قبل إصلاحيين جدا, إصلاحات "مونتسكيويته" أم تلطيف في قوانين الاستبداد؟ هل يمكنها أن تطال العقول التي تكلست بتربيتها على العداء للقانون وازدراء أحكامه؟. هل ستصل الإصلاحات للاعتراف للإنسان بحقوقه, التي ليس منها بطبيعة الحال تقديس الحاكم, وتساوي بين الحاكم والمحكوم في المواطنية؟. هل ستدخلنا العصر كما ارتأتها لنا عقول خارج العصر؟.
ـ إذا كان الهام من قرارات السلطة التنفيذية يُتخذ خارج مجلس الوزراء, وهذا برئيسه ووزرائه ليس إلا مكتب أداري تنفيذي مع صلاحيات محددة ومراقبة رغم ضيقها, فهل حُزم الإصلاحات المقترحة من قبل إصلاحيين جدا, ستلامس مبادئ وقواعد تعارفت عليها القوانين الدستورية والأنظمة السياسية الديمقراطية؟.
ـ إذا كان مجلس الشعب, المشكل من تزييف إرادة الشعب, هيئة ( لا يمكنه الادعاء بأنه سلطة دون أن يثير سخرية أحد) لا تجعله محل ثقة الشعب (الشعب يحترم المكان, مبنى البرلمان, بما يعنيه ولكنه لا يثق بنازليه), ولا تكسبه احترام السلطة التنفيذية, التي لا يخفى عليها طريقة تشكيله ونوعية أعضائه, وصلاحيته الفعلية, فكيف له القيام, وحاله هذا الحال, بسلطات التشريع أو الرقابة على أعمال الحكومة؟. (الرقابة ومنح الثقة وحجبها في يد السلطة الفعلية, التي لا تدخل ضمن تصنيف السلطات الثلاث فهي سلطة فوقها, غير مرئية, كرستها ممارسات نصف قرنية). يكفي لمعرفة جدية المجلس سماع "مشرّع" من أحد أعضائه وهو يُشرّع, مستصغرا دولته على رئيسها, بترشيحه لرئاسة العالم اجمع, ترشيح وافق عليه نواب الشعب بإجماع التصفيق. هل يمكن لشبّيح, مهما تطرف, أن يشبح أبعد؟. هل قانون الانتخاب الجديد, ضمن حُزم الإصلاحات, المعدة من قبل إصلاحيين جدا, يمكنه أن يأتي بمشرّعين أفضل من المشرّعين الحالين, وبمهام لها علاقة بالرقابة والتشريع؟.
ـ إذا كان القضاء فاقدا للصفة الرئيسة التي تميز القضاء, وهي الاستقلال, وخاضعا ليس فقط للسلطة التنفيذية (نستعمل مصطلح سلطة هنا تجاوزا للمفهوم الدستوري والقانوني للسلطة) وإنما كذلك وأساسا, للأجهزة الأمنية , فمن أين إذن يستمد النزاهة؟. فهل والحال هذا مجدية حُزم الإصلاحات المقدمة من إصلاحيين جدا ؟. وهل للمحامي أن يترافع, مرتاح الضمير, أمام قضاء غير مستقل, وبالتالي غير نزيه؟ ألا يدخل هذا في محنة المحاماة؟.
في دولة القانون تحتكر الدولة حق الإكراه باستعمال القوة لحماية القانون والعمل على تطبيقه على الجميع دون استثناء, تطبيقا لمبدأ المساواة أمام القانون. لا تفوض هذا الحق أو جزءا منه لغير عمالها أصحاب الاختصاص في إدارة وتوجيه القوة العمومية. (حق الإكراه وليس الحق في القمع والملاحقات غير القانونية والتنكيل والإرهاب). في دولة القانون تجاوز السلطة أو التعسف في استعمالها, يقيم الدولة ولا يقعدها. فيقر الجميع عينا, بمن فيهم المحامون.
في الدولة المستبدة الدولة هي نفسها إكراه وأداة قمع وزجر وإرهاب, دون ضابط من قانون, ودون مراعاة لأحكامه, وحتى للقانون الذي وضعته بنفسها. القانون هنا, وفي حالتنا, هو قانون الطوارئ والأحكام العرفية الممتدة على نصف قرن, فقط, ودون انقطاع. والمحاكم التي تطبقه هي محاكم الاستثناء بمختلف مسمياتها, والمحاكم العادية بكل أثقالها وأوزارها. الإكراه واستعمال القوة هنا لا يُفّوض ولا يحتاج لتفويض, وإنما هو حق أصيل يدعيه ويستعمله الحزب قائد الدولة والمجتمع, وتستعمله كل الأجهزة الأمنية على تعددها ومسمياتها, وكل مراكز القوى الاقتصادية والعشائرية. وباتت تستعمله الشبيحة, علنا في وضح النهار, على أي من كان من المواطنين المصنفين في خانة الخيانة, أي المعارضة بأنواعها, يدخل فيمن يدخل ضمنها ما تسميمهم, بالمسلحين, والسلفيين, والمرتبطين بالداخل أو الخارج, أو المثقفين الأحرار من كتاب وأدباء وفنانين وأطباء ومهندسين, وحقوقيين.
إذا كان هذا هو حال الدولة, فهل الإصلاحات, المقترحة من إصلاحيين جدا, كافية ومجدية لتغير حالها إلى غير حال؟.
الرصاص موجه لصدور المتظاهرين. والسيف النابليوني اليوم مشرّع وموجه لألسنة الشرفاء من المحامين. اعتقال وملاحقات وتهديد. وبتفويض أو بدونه تطاردهم قطعان الشبيحة, باسم السلطان, وباسم الحوار والإصلاح. عجبا ــ مع أن لا عجب في دولة الاستبداد ــ يطارد الخارجون عن القانون رجال القانون !!!. في السويداء في حماة وحلب ودمشق وباقي المحافظات محامون معتصمون, يستنكرون ما يرون. فتُستعمل في ضربهم العصي الكهربائية, وكل الأدوات المبتكرة والمخصصة لمثل هذه المناسبات وما أكثرها. تحاصر مقار نقاباتهم, وتحطم محتوياتها. توجه لهم الشتائم والإهانات لأشخاصهم ولمهنتهم. تعتقل قوى الأمن منهم من تعتقل دون مراعاة لقانون أو أية اعتبارات, ضاربة بعرض الحائط تنظيمهم ونقابتهم وحصانتها. كل هذا يجري بعد رفع حالة الطوارئ!!!. وكل هذا يجري مع طرح حُزم من الإصلاحات من قبل إصلاحيين جدا. يا لمحنة المحامين.
معاناة المحامين الشرفاء أليمة ومريرة. فهم شهود دائمون على انتهاك العدالة. انتهاك لم يتوقف منذ نصف قرن. انتهاك يرونه في القوانين, ويرونه في المحاكم والأحكام, ويرونه في شكاوى موكليهم في مكاتبهم عند توكيلهم وعند استشارتهم. يرونه فيما حولهم خلال حياتهم اليومية في المجتمع, يرونه في الفساد والإفساد الطاغي. و في المرافعات في ظل قانون الطوارئ والمحاكم غير ذات الاختصاص. والتدخلات بأنواعها في أعمال القضاء لقلب الحقائق وإدانة الأبرياء وتبرئة المجرمين وأصحاب السوابق. يرونه في التهم الموزعة جزافا على كل من يطالب بالتغيير بالحرية بالكرامة, ببناء دولة القانون والحق. تُهم لم يسمع بها احد من قبل, ولم ينص عليها قانون جنائي في أي بلد, ولا يمكن لأي قانوني أن يفسرها ويعرف ما تعنيه مثل, على سبيل المثال لا الحصر, جريمة "وهن نفس الأمة" !!!. التي يعاقب عليها بأشد العقوبات.
كيف لرجل قانون يمارس المحاماة وتكّون على مفاهيم العدالة والحق, ودرس عميقا الحريات العامة وحقوق الإنسان .. واقسم على أن يقوم بمهام مهنته بشرف وكرامة ونزاهة. كيف له والفساد حوله هو القاعدة, والدعاوى تربح بالرشاوى والتدخلات لأصحاب النفوذ السياسي والاقتصادي والعشائري وليس بالمرافعات. الرشاوى تحكم العلاقات بين المحامي والقاضي والمتقاضي. أليس في هذا سياسة ممنهجة لإفساد العدالة وتشويه مفهومها, وإسقاط مفهوم القانون ودولة القانون؟. هل والحال هذا, مجدية حُزم الإصلاحات المعدة من إصلاحيين جدا (ممن لم يخرط الإصلاح "مشطهم" منذ نصف قرن, ولن يخرطه حتى ولو بعد أكثر من قرن)؟.
محنة المحامين ليست في الاعتداءات الجسدية عليهم فقط, وإنما كذلك محنة للمحاماة بأكملها, كمهنة مهامها الدفاع عن القانون والعدالة وحقوق المواطنين بكل فئاتهم. مهنة يراد لها أن تبقى تابعة خاضعة, ويبقى المحامون شهود زور على ما يجري في وطنهم, وإلا سيكون سيف "النظام" مشرعا لقطع كل الألسنة.
ولكن برهن الزمن وأثبت التاريخ رحيل أنظمة الطغاة وبقاء المحاماة.
#هايل_نصر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟