|
جريمة أوسلو وصراع البربريات
حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)
الحوار المتمدن-العدد: 3440 - 2011 / 7 / 28 - 23:07
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
في مقالة سابقة لي بعنوان " هل تتبنى البرجوازية المعاصرة حقا شعار - فصل الدين عن الدولة-؟" http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=255075
بينت أن البرجوازية الغربية بعدما استتب لها الحكم و اصبحت تتحكم بكل مرافق الدولة والمجتمع، وبعدما برزت الطبقة العاملة كقوة مواجهة لها وباتت تهدد وجودها ، رأت نفسها بحاجة إلى الدين و رجاله ، مثلما كان الاقطاع بحاجة اليه لاستخدامه سلاحا للتضليل و قمع التحركات العمالية و الشيوعية.
الجريمة المروعة التي وقعت في أوسلو عاصمة النرويج كانت صدمة للبشرية لأنها قبل كل شيء وقعت في جنة الحضارة البرجوازية المعاصرة، و أنها ارتكبت من قبل شخص ليس من اللاجئين ولا من العرب والمسلمين ولا من الشرقيين، بل من أصل نرويجي و من الجنس الأبيض المغرور و من أبناء يسوع و حريص على القيم المسيحية و صيانتها في اوربا و بكل افتخار ( دين السلام و دين " من ضربك على خدك الأيمن أدر له الخد الأيسر") ، وشخص حاقد على الماركسيين و المسلمين ويفتخر بالحروب الصليبية العدوانية على الشرق . ربما ينبري لي أحد المسيحيين ويقول إن الاسلام يدعم جرائمه بنصوص من الحديث والقرآن ، بينما جرائم الأوربيين رغم كونهم مسيحيين هي فردية و ليست مدعومة بنصوص من الكتاب المقدس. لكنني على يقين أنه ليس أسهل عليهم من أن يأتوا بنصوص تدعم جرائمهم. و ها انذا آتي بنص : الرب يأمر بقتل النساء والاطفال والشيوخ والبهائم على صفحات الكتاب المقدس :
نسب كاتب سفر حزقيال [ 9 : 5 ] للرب قوله :
(( اعْبُرُوا فِي الْمَدِينَةِ خَلْفَهُ وَاقْتُلُوا. لاَ تَتَرَّأفْ عُيُونُكُمْ وَلاَ تَعْفُوا. أَهْلِكُوا الشَّيْخَ وَالشَّابَّ وَالْعَذْرَاءَ وَالطِّفْلَ وَالنِّسَاءَ. وَلَكِنْ لاَ تَقْرَبُوا مِنْ أَيِّ إِنْسَانٍ عَلَيْهِ السِّمَةُ، وَابْتَدِئُوا مِنْ َقْدِسِي. فَابْتَدَأُوا يُهْلِكُونَ الرِّجَالَ وَالشُّيُوخَ الْمَوْجُودِينَ أَمَامَ الْهَيْكَلِ. 7وَقَالَ لَهُمْ : نَجِّسُوا الْهَيْكَلَ وَامْلَأُوا سَاحَاتِهِ بِالْقَتْلَى، ثُمَّ اخْرُجُوا». فَانْدَفَعُوا إِلَى الْمَدِينَةِ وَشَرَعُوا يَقْتُلُون.... انتهى النص...
وقد كانت الصدمة من جريمة أوسلو أكبر لقسوة قلب هذا المجرم الذي فاق في ساديته ابن لادن والزرقاوي وأمثالهما في برودة الدم في قتل ضحاياه من أبناء بلده الذين يختلفون معه فكريا وسياسيا .
ولفت انتباهي ودهشتي مدى قدرة هذا المجرم وتفوقه في استخدام السلاح المتطور تقنيا وزيه العسكري ، وبيده سلاحه الاوتوماتيكي وهو يجهز على ضحاياه . ولم يكن هذا من قبيل المصادفة ، ولم يكن لأجل خداع الضحايا. فقد كان معجبا بهتلر ويعتبره مثاله الأعلى في مواجهة أعداء الأمة و حماية الغرب المسيحي من المسلمين والماركسيين كما يظهر في الانترنت و يونيفورم عسكري و يحمل سلاحه الهائل التطور تقنيا يستهدف العدو الشيوعي و العدو المسلم. كان حسب ما تبين صفحته في الفيسبوك داروينيا نازيا متطرفا أصوليا وقوميا متطرفا يعتبر المسيحية الطابع القومي المقدس للنرويج واوربا ، كما كان معاديا للماركسية و الاسلام . وأهم ما لفت انتباهي هو عدم ندمه من ارتكاب الجريمة البشعة ، واعتبارها ضروريا للدفاع عن القيم القومية والمسيحية للنرويج وأوربا الغربية. فهذا الدافع القومي هو نفسه يدفع القوميين الأمريكان للاحتفال بالجرائم التي اركبتها القوات الأمريكية في كمبوديا وفيتنام " دفاعا عن الوطن الأمريكي". وهو نفس التبرير الذي يسوقه قوميون عرب لتبرير جرائم حلبجة و الأنفال بحق الجماهير الكردية ، دفاعا عن " الوطن العربي و الأمة العربية" ، كما يسوق نفس الفكرة القوميون الكرد لتبرير مجزرة بشت اشان . أن هذا المجرم النرويجي اليميني المتطرف لا يختلف شيئا عن القائد الأمريكي الذي قتل في 15 الف مدني عراقي وفق الويكي ليكس في لحظات. انه لا يختلف عن المحافظين الجدد من قبيل بوش ورامسفيلد الذين يؤدون اليمين بقدسية أمريكا والحرب على الارهاب والمحافظين و تلقوا رسالة الهية تدعوهم لشن الحرب على " الكفار" العرب والمسلمين.
إن هذه الجريمة تضاف إلى جرائم الدولة التي ترتكبها القوى اللبرالية الجديدة الحاكمة في الغرب.و ان اليمين المتطرف اليوم ينمو و يقوى بفضل صراع الحضارات " الذي روج له هاتنغتون " وفكرة " التنوع الثقافي" و بقية النظريات الرجعية البوست موديرن التي تسود العالم منذ عقود. ان هذه الجريمة بنت مرحلة زمنية غدا فيها الانسان يعرف على أساس قومي وطائفي وديني , و اصبحت الدنيا تغرق في بحر من الدماء اثر ما يسمى بحرب الارهاب الدولية و الارهاب السياسي الاسلامي . و ليس مثار عجب أنها وقعت في اسكيندينافيا أقام فيها النازيون معسكرات تدريب في جنوب السويد قبل وصو ل النازية، و انجبت منظرين نازيين سويديين واسكنداف، تربى على يدهم نازيون المان . وليس مدهشا أنها وقعت في اسكاندينافيا بعدما نعلم أن في الأخبار يرد أن اغلب موسيقى " السلطة البيضاء" الفاشستية يتم تأليفها في اسكاندينافيا ومتوفرة هناك . و ليس مثار دهشة حين يحصل حزب الديمقراطيين السويديين النازي في الانتخابات الأخيرة على 25 مقعد. وليس عجبا حين نقرأ في التاريخ أن في مدينة ابسالا السويدية أقيمت مختبرات لتطهير العرق السويدي وتنظيفه من " نجاسات" الغجر والهنود والشرقيين بعد موافقة البرلمان السويدي بيمبنه ويساره على ذلك في ثلاثينيات القرن الماضي. وقد رأينا اليوم كيف أن حركة يمينية متطرفة خارج الحكم ، وتعمل مستقلة عن ارهاب الدولة تعمل ضد سياسة حكومة بلدها. هذه الجريمة البشعة اثارت مجددا الأسئلة التير تعودنا أن نطرحها.
لماذا يتزايد نشاط الحركات اليمينية المتطرفة والفاشية المعادية للمهاجرين في اوربا في العقود الأخيرة ولماذا يتم في النرويج وبهذه القسوة الاعتداء الاثم على حكومة "منتخبة" ؟ لماذا يستخدم اليمين المتطرف الدين المسيحي في حربه " في سبيل حماية أوربا من الماركسيين و المسلمين"؟ لا ينبغي البحث عن الجواب في السماء عند المسيح ومحمد بل الجواب موجود على الأرض . و إن الحقيقة هي ان الأزمة الاقتصادية و مآزق الرأسمالية العالمية ، و البطالة و التضييق على معيشة الجماهير، وتقليص الرفاهية ، والتراجع عن الحقوق والحيرات والضمانات التي حققتها البرجوازية في فترات صعودها وتقدميتها ، وبفضل نضال الطبقة العاملة والشيوعيين، قد خلقت ارضية ملائمة ساعدت على نمو وظهور الفاشست واليمين المتطرف ليطرحوا على العالم رسالتهم وأجوبتهم على هذه الأوضاع المتردية؟ انه رد يائس وحركة يائسة من قبل اليمين المتطرف.
الحقيقة هي أن طرفي الحرب الارهابية حرب ارهاب الدولة و الارهاب الاسلامي السياسي يجابهان بتذمر و انتقاد العالم المتمدن و ثورات وانتفاضات تحمل رسائل وأهداف انسانية. فقد تعب العالم من سيادة الدين سياسيا والقومية السياسية ، والطائفية السياسية في تعريف الانسان و طبعه بطابعها اللا إنساني. إن الجماهير تقوم بثورات اليوم لأجل " الخبز والحرية والكرامة" و الأخاء الإنساني والتضامن الأممي ، لا لأجل العزة القومية ، و لا لمعاداة المختلف عنهم في اللغة والعرق و الموطن . و مثلما يرتكب الاسلام السياسي جرائم بشعة باسم " المسلمين" و الأمة الاسلامية " المظلومة" و ضد " الغربنة" و " الحضارة الغربية " الكافرة ، وتثير هذه الجرائم موجات من الاحتجاج و الرفض و النفور واللعن، يمكن قياسها واسقاطها بنفس المقدار على جرائم نظيرة لها باسم المسيحيين و لأجل المسحيين و العالم المسيحي المتحضر. وباتت هذه الجرائم تثير غضب العالم واحتجاجه مهما كانت المبررات . وأن المواطن الأوربي المسالم ليس له مصلحة في معاداة الأجانب ولايقتنع بتبريرات اليمين المتطرف لجرائمه، بل يدينها بشدة ، ويشمئز منها. ومن الطبيعي أن دول الغرب و الاسلام السياسي سوف تستفيد من جرائم اليمين المتطرف وتقوم بتوظيفها لتمرير سياستها في التقشف و التراجع المستمر عن مكاسب المواطن التي تحققت خلال العقود الماضية في الدول الغربية، وليس من المستبعد أن تنسق مع منظمات الاسلام السياسي و خاصة مع " المعتدلين" و اليسارالتقليدي الداعم" للمعتدلين". فلا يتين في الأفق أن الحكومات الغربية لها حلول جذرية لهذه الكارثة اليمينية ، وللحد من الطوفان العدواني ضد البشرية. فليس في جعبتها سوى معالجات سطحية ومؤقتة و تخدير موضعي ، طالما البرجوازية الحاكمة عاجزة عن فصل الدين عن سياسة الحكم ، بل تلجأ إلى الدين و تعاليمه السماوية في البحث عن معالجات لقضايا سياسية.
2011/07/28
[email protected]
#حميد_كشكولي (هاشتاغ)
Hamid_Kashkoli#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحريات الديمقراطية والاشتراكية2
-
الحريات الديمقراطية والاشتراكية- 1
-
لماذا تدعم البرجوازية الغربية ثقافة الاستهلاك عندنا؟
-
جرونيمو وابن لادن - طبقات الأعداء المقتولين
-
هل تتبنى البرجوازية المعاصرة حقا شعار - فصل الدين عن الدولة-
...
-
سفينة الشعب الكادح، وسفينة الحكام و المؤلفة جيوبهم
-
شبيبة كُردستان العراق تسأل الحكّامَ الرحيلَ
-
آن لليسار التقليدي أن يموت
-
تشوهات في نقد الفكر الديني
-
ماذا تعني الكوتا النسائية في حكومة معادية للمرأة و حريتها وح
...
-
أغنية لتلطيف الألم
-
حديقة المرايا للشاعر الكبير أحمد شاملو
-
وثائق ويكيليكس .. ومضى عصر الحروب النابليونية
-
نوبل للسلام و العلاقات التجارية
-
عبادة الفرد نقيض الاشتراكية
-
جعجعة بلا طحن ... الانتقادات الدائمة الموجهة للحزب الشيوعي ا
...
-
خروتشوف الستاليني الذي أدان ستالين
-
في مديح الديالكتيك لبرتولد بريخت
-
وقت الرمال الوديع لسهراب سبهري
-
أنشودة - إبراهيم في النار - للشاعر الإيراني أحمد شاملو
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|