لينا مظلوم
الحوار المتمدن-العدد: 3440 - 2011 / 7 / 28 - 21:24
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
يطلق عليها باللهجة المصرية (الطهارة) و بالعربي الفصيح (الختان)... اما بالعربي الصريح فالوصف الدقيق لها هو (الذبح), والا كيف نصف عملية تشويه نفسي و جسدي تمارس على الفتاة و هي ما زالت زهرة تتفتح للحياة , لتفاجئ بقطعة (موس) تنتهك ادميتها و انوثتهامسببة جرح يلازمها مدى الحياة .
هذه الافة تنتشر في مصر و السودان من بين الدول العربية. لا انكر ان الرقم المذكور وفقا لاخر مسح ديموغرافي جرى في مصر عام1995 و الذي يؤكد ان نسبة الختان تصل الى %97 و انتشاره في المناطق الحضرية و على رأسها القاهرة بنسبة %90 قد صدمني! لعل اول تساؤل يقفز الى الاذهان لماذا نجحت الدولة المصرية في خفض معدل النمو السكاني و لم تنجح في خفض معدلات ختان الاناث؟لماذا لم تعطي اهمية للختان تماثل ما اعطته لتنظيم الاسرة؟ الاجابة المنطقية الوحيدة هي نوع من الانتقائية تمارسها الدولة في قضايا المرأة . لذا لم تدخل الدولة الا بشكل محدود في اي معركة حقيقية على الصعيد الاجتماعي الا بالقدر الذي تمليه الاحتياجات الاقتصادية الملحة.. تنظيم الاسرة كان اداة هامة لتحرير الطاقات الاقتصادية للنساء انحازت له الدولة سواء على مستوى الانفاق حيث حظي بقسم هام من المخصصات الحكومية و على المستوى المؤسسي حيث انشأت مجلس السكان, لكن الختان ليس له عائد اقتصادي. لم تتخذ الدولة موقفا جذريا لمحاربة هذه الآفة طالما لم تكن هناك حاجة ملحة للتصادم مع القيم الاجتماعية و الدينية السائدة التي يعكسها الختان.
اوائل الستينات لم يمنع القرار الصادر من وزارة الصحة الختان ,انما سعى لتصحيح الطريقة التي يتم بها. سمح للاطباء باجراء الختان في العيادات و حظر اجراؤه خارجها على السيدات و الحلاقين! و هذا طبعا لم يزل الضرر النفسي و الصحي لهذه الجريمة! كما ثبتت سياسة السماح باجراء النمط (الاخف) او محاولة حصرها في شروط محددة , فشلها في محاربة هذه الآفة.
اشتعل النقاش ليتحول الى قضية رأي عام في سنوات1994 و 1995خلال مؤتمر الامم المتحدة للسكان و التنمية الذي اقيم في مصر و مؤتمر المرأة في بكين و بعد اذاعة قناةCNN فيلم يصور اجراء عملية ختان وحشية لطفلة مصرية . مرة اخرى صدرت قرارات وزارية اتسمت بسياسة (مسك العصا من الوسط)دون وضع حلول صارمة للقضاء على الظاهرة ,ايضا تجنبا للدخول في مواجهات – هي في غنى عنها- مع المؤسسات الدينية.
لم تنقطع المناظرات الساخنة بين التيارات الاسلامية المحافظة و القوى المنادية بحقوق المرأة حول اضفاء صبغة دينية اسلامية على الختان رغم عدم وجود نص في الكتب السماوية يحض على ختان الاناث . يبدو ان هذه التيارات- نتيجة افلاسها- تريد اثارة ما سبق حسمه من كبار علماء الدين و الازهرالذي افتى العديد منهم ان ختان الاناث ليس من الاسلام ( الشيخ محمد رشيد رضا عام 1904- الشيخ محمد شلتوت في الخمسينات- الشيخ عبد الرحمن النجار عام 1985)و من الثابت ايضا ان ختان الاناث يمارس في مصر باعتباره تقليدا و ليس امرا دينيا ذلك ان ممارسته تنتشر بين المسلمين و المسيحيين على حد سواء .
حملت هذه الخلفية الرسمية و الدينية في رحلة مع عضوات احدى الجمعيات المهتمة بقضايا المرأة الى بعض قرى مصر لرؤية الظاهرة واقعيا... بالطبع فارق كبير بين القسوة و الالم اللتين تثيرهما الشهادات الحية (للضحايا)و بين ما تطالعنا به الاحصاءات و الارقام.. لعل من ابرز الملاحظات الدالة على تقصير المؤسسة الحكومية الرسمية انه في كثير من الحالات التي صادفتنا كانت النساء اللاتي يقتنعن بعدم ختان بناتهن يطلبن تنظيم حلقات توعية لازواجهن لانهم المصرين على اجراء الختان للبنات, مما يؤكد ان الختان ليس قرار النساء كما هو شائع بل هو قرار الرجال يترك للنساء القيام به, فان تخلين عنه تصدى له الرجال, بينما توجه حملات التوعية-ان وجدت!- ضد الختان الى النساء! و هي احد العوامل التي ساهمت في استمرار هذه الجريمة. الملاحظة الثانية التي خرجت بها كشفت بعدا نفسيا يمس علاقة الزوج بالزوجة ..اذ يزداد ميل الازواج الى معارضة الختان حين تبوح لهم زوجاتهم بالذكريات الاليمة عن تجربة ختانهن, و يزداد تاييد الظاهرة بين من لم تبح لهم زوجاتهم. و هو ما يؤكد اهمية كسر حاجز الصمت و تشجيع النساء على البوح بادق التفاصيل لألمهن من قسوة العملية لذويهن , سواء لمن تسببوا في هذا الالم مثل الوالدين او للازواج .
البعد الديني لا يمثل المعتقد الوحيد الخاطئ حول هذه الجريمة.. حتى الاسم المطلق عليها(الطهارة) يوحي بمضامين اخلاقية.. فالفتاة المختنة هي فتاة طاهرة نقية! لان الختان كما هو شائع خطأ يقلل من الرغبة الجنسية للفتاة و بالتالي يضمن المجتمع عدم انزلاقها الى الممارسات الجنسية و يحافظ على عذريتها قبل الزواج, كما يضمن عدم انزلاقها الى ممارسات جنسية خارج اطار الرابطة الزوجية.. بالتالي هو شهادة ضمان لزوج المستقبل!!! و هو معتقد كذبته كل الحقائق الطبية و دراسات علم النفس. اذ ثبت عدم وجود علاقة بين عملية التشويه الجسدي و النفسي و بين الشهوة الجنسية.
نسبة كبيرة بين سكان هذه القرى ما زالت تحت تأثير ارتباط البعد الديني بظاهرة الختان, حيث طلبت منا النساء التأكيد على رجال الدين في القرى اعلان موقفهم من رفض ختان بناتهم مما سيردع ايضا السيدات و الحلاقين عن القيام بهذه الجريمة, احدى السيدات التي تجري عمليات الختان ذكرت لي( كل ما واحد يطلب مني اطهر بنته اقول لهم اسالوا شيخ الجامع اذا وافق انا مستعدة)
اغلب اسباب الختان التي سمعتها تراوحت بين( سلوبلدنا) اي عاداتنا او النظافة او العفة , و هي تتلخص في اما حماية الفتاة بعد البلوغ من انفلات قدرتها الجنسية الكامنة اثناء الطفولة او زيادة فرص الزواج امام الفتيات باعتبار الختان هو احد الشروط المتوقعة في الزوجة, اخيرا رغبة الفتيات في الانتماء الى المجتمع الذي تعشن فيه.. اما متوسط اعمار الفتيات اللاتي تعرضن لهذه الجريمة فقد تراوح بين الثامنة و الثانية عشر.
مجموعة نساء اشتكين لنا من تعنت ازواجهن في الموافقة على حضور حلقات التوعية التي تقيمها الجمعيات النسائية( رجالتنا مش بتخلينا نروح و بيعملوا مشاكل كل ما نروح نحضر و نتعلم و يحاولوا يمنعونا) – اثناء احدى اللقاءات فوجئت برجل ينهر احدى عضوات الجمعية صارخا بها( عيب عليكي تقولي الكلام ده.. انت ست كبيرة.. يعني عايزه بناتنا يكبروا مش مطهرين!) ردود فعل الفتيات جاءت بتلقائية ( احنا بياخذونا اطفال مش فاهمين حاجة و بعدين ينتهكوا البراءة جوانا بعد ما يفتحوا رجلينا بالعافية و بعدين نحس بالم فظيع ما يتوصفش حتى ان كثيرات منا اغمى عليهن من الصدمة و بعض الفتيات تعرضن لازمة قلبية بسبب الصدمة.. و بعدين يعالجوا النزيف و يرشوا عليه رماد من الفرن و ده يزيد الالم !) بكل اعجاب سمعت شهادة القروية ( نادية) عن معاناتها نتيجة اصرارها على موقفها( اختي مش مطهرة و اتجوزت و مبسوطة , امي يوم عرسها خافت يمكن جوزها يتضايق منها .. كانت قلقانة جدا و اتعاركت معايا لاني صممت ان اختي متطهرش و راح اعمل كده مع اختي الصغيرة.. كمان حرضت مريم و كل صاحباتي علشان يرفضوا يطهروا بناتهم و اخواتهم لكن امهاتهم بيتعاركوا معايا)
اخيرا رغم بعض اللقطات المضيئة المحدودة جدا التي لمستها..الا ان الجريمة موجودة .. تحطم حياة %97 من نساء مصر يوميا.. طالما اتبعت الدولة السياسة (المستكينة) او (المهادنة) في تعاملها مع هذه الآفة.
لينا مظلوم / صحافية عراقية
#لينا_مظلوم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟