|
الغُربَة .. وفُقدان الذاكرة
امين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 3439 - 2011 / 7 / 27 - 20:44
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هنالك بعض الأحداث المُهمة في حياة الفَرد ، او بعض الذكريات مع أصدقاءٍ قُدامى ، يعتَقِدُ المرء ، بأنها علامات فارقة ، أو يتصّور على الأقل إنها مُهمة أيضاً في نظر ، الأصدقاء الذين عاصروه ومّروا بتلك الاحداث معاً ... ولكن أحياناً تثبت الأيام ، بأن هذه الحسابات كانتْ خاطئة ، وان " الآخَر " ينكُر أو لايتذكر ، او يّدعي انه لايتذكر .. بحيث ان المرء ، يتفاجأ بهذا الموقف ، ويحتار في كيفية تفسير هذا الأمر !... وعلى سبيل المثال ، عندما كنتُ موظفاً في مستشفى العمادية ، في سنتَي 1976/1977 ، تعّرفتُ على ثلاثة مُدرسين في الايام الاولى من الدوام ، وكان الثلاثة يُقيمون في غُرفةٍ مُؤجرة ، بإعتبارهم ، ليسوا من أهالي المدينة .. وتوثقتْ العلاقة بيننا ، الى درجة بحيث كُنا نلتقي يومياً بعد إنتهاء الدوام في غرفتهم على الأغلب ، نتسامر ونلعب الورق ونشرب ونتناقش في كُل الأمور ، لاسيما واننا كُنا قريبين من بعض فكرياً ، خصوصاً ، ذاك المُدرس الذي وقفنا سويةً ، أنا وهو ، ضد منظمة حزب البعث العاملة في العمادية ولم نرضخ لتهديداتهم وإغراءاتهم ، وطالما حورِبنا ، هو في مدرسته وأنا في دائرتي ، . في نهاية عام 77 ، إلتحقتُ بالخدمة العسكرية ، وسافر صديقي الى الاتحاد السوفييتي لإكمال دراسته العُليا .. وإنقطعتْ إخبارنا عن بعض . قبل سنةٍ سمعتُ عن طريق الصدفة ، ان صاحبي القديم ، موجودٌ في مدينتي وهواُستاذٌ في الجامعة .. ففرحتُ لهذا الخبر ، فأجريتُ بعض الإتصالات لمعرفة رقم هاتفهِ ، وفعلاً حصلتُ عليه .. وخابرتهُ على الفور ، مُعتقداً انه سيعرفني ويتذكر عشرات المواقف التي جمعتْنا سويةً .. لكنه قال : أمين ؟ ، عفواً انا لا أتذكر ، قلتُ له اننا كُنا أصدقاء في تلك السنتين في العمادية .. فأجاب انه آسف ولكن الذاكرة تخونه !. فسارعتُ الى القول بأنني أنا الآسف ، لأنني أضعتُ وقته ، وربما أكون مُخطئاً أو ان الأمر إختلط عليّ ! . وودعته مُنهياً هذا الموقف المُهين من ناحية والسخيف من ناحية اُخرى . وعلمتُ بعد ذلك ، ان موقفه من صديقينا المُدرسَين الآخرَين " زميلَيهِ في الغرفة القديمة " ، لم يختلف كثيراً عن موقفه معي !. رُبما إنزعجتُ للوهلة الاولى ، وتفاجأتُ . لكنني بعد الإمعان في التفكير ، توصلتُ الى شُبه قناعة ، مؤداها .. ان الفكرة التي " يعتقد " أحدنا بأنها راسخة وأكيدة .. من المُحتَمَل انها ليستْ كذلك ، أو ان نكون مُخطئين ببساطة ، او اننا بالَغْنا في تقديراتنا . والأمر كما يبدو ينسحب ، على العديد من العلاقات الاجتماعية ، العاطفية والصداقة والقرابة والزمالة والعمل ... الخ . فبالنسبة لي ، كانتْ علاقتي مع الاستاذ أعلاه ، قبل أكثر من ثلاثين سنة ، تتجاوز الصداقة المُجّردة ، الى فضاءات اُخرى أكثر رحابة ، لعلَ أهمها ، التقارب الفكري بيننا ، والهموم والنشاطات المُشترَكة ، إضافةً الى الهوايات التي كان هو على الأخص ، يبرع فيها ، مثل الموسيقى وكرة الطائرة والشطرنج .. ولكن كما يبدو ، فأنه لم تكن هذه الأشياء كُلها .. بالنسبةِ لهُ ، شيئاً ذا قيمةٍ كبيرة ، ولا كُل المواقف التي جمَعتْنا ، إنطبعتْ في ذهنهِ ، بحيث يستطيع إسترجاعها عندما يُريد ذلك ! .. بل كانتْ مُجّردَ فترةٍ زمنية قصيرة بلا عنوان ، شطبَها بسهولةٍ من ذاكرتهِ .. وكأنها مَلفٌ قديم عفا عليهِ الزمن ، فرماهُ في سلةِ المهملات !. أتعجبُ من الذين يستطيعون ، التلاعبَ بذاكرتهم ، فيتذكرون ما يُريدون ، وينسون ما لايريدون . وأخشى ان مَنْ يبقى في الغُربة سنواتٍ طويلة متواصلة ... من الممكن ان يفقد ذلك الجزء من ذكرياته وذاكرته ... الذي نتمسكُ به نحنُ ولا نريده ان ينكره .
#امين_يونس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جَشع التُجار .. وحماية المُستهلِك
-
زيارات الرؤساء .. مَحَلِياَ
-
ايران والحدود مع العراق
-
سياسة فرنسا وتأثيراتها على العراق
-
ترشيقٌ على الطريقة العراقية
-
بين - الميتِنك - و - الإيتِنك -
-
الصحة النفسية لرؤساءنا
-
حكومتنا وصناعة الإحباط
-
يومٌ إيراني مشؤوم في العراق
-
- عصا - عُمر البشير
-
الفساد و - الأثر الرجعي -
-
المصريون و - الإستكراد - !
-
الصحفيون العراقيون .. وكِلاب التفتيش
-
المُعّلِمون .. أمس واليوم
-
المُؤمنُ يُلدَغ من جُحرٍ عشر مرات
-
النُخَب المُهّمَشة
-
- شالومكي - هو الذي يضرُبنا
-
الحكومة ونقود الملا - سين -
-
قائدنا .. زعيمنا المُفّدى
-
العبرة ليستْ بِطول الخدمة
المزيد.....
-
سلطنة عُمان: مقتل 6 أشخاص و3 مسلحين خلال إطلاق النار في الوا
...
-
السودان: هل يبدو المشهد متناقضا بين مؤتمرات السلام وحدة المع
...
-
# اسأل - اطرحوا أسئلتكم على -المستقبل الان-
-
ارتفاع حصيلة قتلى هجوم مسجد عمان إلى 6 بينهم شرطي
-
عاجل| مراسل الجزيرة: 23 شهيدا وعشرات الجرحى بينهم نساء وأطفا
...
-
9 قتلى بهجوم -مجلس العزاء-.. تفاصيل جديدة عن الحادث الصادم ف
...
-
روسيا.. تدمير 13 مسيرة فوق عدة مناطق
-
بايدن يؤكد عزمه على مناظرة ترامب مجدداً -في سبتمبر-
-
مصدر: انشقاق دبلوماسي كوري شمالي إلى كوريا الجنوبية
-
اليوم 284.. قتلى وجرحى بقصف مناطق في القطاع ومقتل شاب بالضفة
...
المزيد.....
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
-
تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1
...
/ نصار يحيى
-
الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت
...
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
هواجس ثقافية 188
/ آرام كربيت
-
قبو الثلاثين
/ السماح عبد الله
-
والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور
/ وليد الخشاب
-
ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
المزيد.....
|