|
البحث عن الاصالة في الغناء السرياني الحديث
كمال يلدو
الحوار المتمدن-العدد: 3438 - 2011 / 7 / 26 - 10:24
المحور:
الادب والفن
يسترجع الكثيرون منـّا ، تلك النقلة النوعية التي حصلت في المشهد الموسيقي التحديثي ابان السبعينات ، وذلك من خلال بروز العديد من الفرق الشابة ، والتي جاءت متزامنة مع عدة ظواهر كان منها ، افتتاح العديد من النوادي الاجتماعية العائلية ، وكثرة الحفلات الخاصة ، ثم تأثير بروز فرق ( الروك ان رول ) في اميركا و أوربا ، والظاهرة الاهم هي مطاوعة الفنان الهام المدفعي لآلة الكيتار واستخدامها لأداء المعزوفات والغناء العراقي الفلكلوري ، مع ما رافق المشهد السياسي من انفتاح نسبي لم يدم طويلا . كانت هذه الظواهر وربما اخرى غيرها، هي ما شـــجع جمع كبير من الشباب والشابات للتوجه نحو تعلم العزف على الآلات الغربية وتشكيل الفرق الناشئة ، وانتشار الغناء الغربي ومزجه مع الغناء - العراقي – بأستخدام هذه الآلات . وكان للغناء السرياني نصيب في هذه النقلة النوعية ، اذ برزت فعلا طاقات وأمكانيات شكلة اللبنة الأساسية التي نعيش امتداداتها لحد هذا اليوم . وفي العموم ، عندما نقف ونقـيم تلك المرحلة ، سيكون من المنصف ان نقول ، انها كانت مرحلة مهمة في نقل الغناء والموسيقى السريانية الى مديات كبيرة مما ساعد على انتشارها وتقبل الجيل الجديد لها اكثر . لكن، حينما ننظر لتلك المرحلة ونقيس ما جرى بعدها من تأثيرات ، قد يحمل استنتاجنا مآخذ كثيرة على ذاك ( التطور ) الذي حصل منذ حوالي اربعة عقود .
لا شك ان الغناء السرياني ( الكلداني ، الآشوري ، السرياني) ، كان قد نمى وترعرع في المدن والقصبات والقرى التي يكثر فيها ابناء هذا الشعب ، وربما كانت الالحان الكنسية والألحان المتوافرة في المنطقة ( العربية ، الكردية ، التركية والايرانية) معينا لا ينضب لتلك الاغاني التي مازال جيل كبير وبضمنهم الشباب ايضا ، يستمتع فيها لأنها تحاكي ماض يطلق عليه البعض ( الزمن الجميل) .ومما لا شـك فيه من ان الآلات المستخدمة كانت تلقي بظلالها الوافرة على جودة اللحن وعذوبته ، وارتباطا بالمنطقة ( الارض) ، وطبيعة المناسبات ان كانت افراح او احزان ، ومن هنا اخذت اغاني ذلك العهد اصالتها واستمراريتها في وجدان الاجيال اللاحقة .
لم تمر العقود الاربعة على العراق والعراقيين بسلام ، واذا تحدثنا عن الموسيقى والغناء السرياني فأنه هو الآخر تأثر بما شهدته الساحة السياسية من عنف ، ودخول النظام العراقي بالحروب الكارثية وصولا للحصار ومن ثم الاحتلال ، وأرتباطا بما رافق التغير عام 2003 ، من استهداف للمكونات القومية الصغيرة ، وصل حد التصفية الجسدية ، مضافا لها ما شهده ابناء هذا الشعب نتيجة لذلك ، من اكبر موجة - هجرة او لجوء – للخارج ، مما سـاهم في تشتيت التراث والفن والفنانين وابتعادهم عن الارض التي تشكل عاملا مهما وجوهريا ، في تقدم ورقي الفنون ذات الطابع القومي . كان لابد لهذه المقدمة ، لكي اصل ايضا الى ما افرزته الفرق الفنية الجديدة ، واستخدامها للآلات الغربية الحديثة وخاصة ( الكي بورد) بأفراط ، في طرح الوان جديدة من الغناء ، وباللغة السريانية ( الكلدانية ، الآشورية) ، ولكن بروح غربية لاتمت للغناء السرياني ( في معظمها) بأية صلة ، الا لكون المفردات المستخدمة هي من اللغة السريانية . وبقدر ما يتحمل هؤلاء الفنانين ( فرادى او فرقا) من مسؤولية في حالة التشرذم التي اصابت وتصيب هذه الحلقة الهامة من الهوية القومية لأبناء هذا الشعب ، فأن مسؤولية اكبر يتحملها الملحنون والشعراء اضافة الى النخب الثقافية التي لم تتعاطى مع هذا الامر بالجدية اللازمة .
كيف يمكن تخيل الغناء السرياني دون الآلات الفلكلورية المعروفة في المنطقة ( الطنبور ، العود ، الناي ، الكمان ، الدف والايقاع ، الزرنة والطبل واحيانا القانون) ؟ وهل يقوم الكيتار او الجاز او الكي بورد مقام هذه الآلات ، حتى لو كانت بأيدي امهر العازفين ؟ هل يمكن على سبيل المثال تصور الغناء العربي الاصيل دون العود ، أو الجالغي البغدادي دون الجوزة والسنطور ، اوالموسيقى الآيرلندية دون " المزماري"، أو الموسيقى الهندية دون " السيتار" ؟ ان نظرة متأنية للغناء السرياني الدارج في الحفلات والمناسبات ســـيكشف للمتابع حجم الابتعاد ( الكارثي) لهذا الفن الاصيل عن قواعده الحقيقية في الألحان ، وتفضيله الالحان الدخيلة على اللحن العراقي والسرياني المتميز ، لابل حتى ان الكثير منها مسروق ، و الكلمات جاءت في معظمها باهتة ، وكأنها حشرت حشرا لأكمال النص الغنائي او تفصيلها على مقاس اللحن ، ناهيك عن مواضيعها المملة والرتيبة والتي غالبا ما تدور في محور واحد هو "الحب" ! على الرغم من اهميته ، الا ان العديد من هذه الاغاني ، صـارت تطرحـه بشكل ممجوج ، وكأن لا مواضيع اخرى تشغل بال الشعراء والملحنين والمغنين غير هذا الامر . ويحق لي ان اتسـائل : اين اضحى الانسان والوطن والارض والقرية والمسـتقبل والطموح والمعاناة ، في اهتمام الغناء السرياني ؟ قد يحمل كلامي عموميات كثيرة ، رغم اني لا أدعي بالتخصص في الالحان والغناء السرياني ، لكني اكتب ملاحظاتي هذه ، بقلم مستمع ومتذوق للغناء العراقي الاصيل ، ومنـه الغناء السرياني . ويهمني كثيرا، ان يتحمل الفنانون الذين يؤدون غنائهم باللغة السريانية ، مسؤلياتهم كاملة ، وان يكونوا امناء على الموروث الثقافي والفني لهذا الشعب ، كـون هذا اللون ، هو جزء مكمل واساسي للهوية القومية ومظهرا من مظاهر الاعتزاز بها ، خاصة في ظل ظرف عصيب يمر به ابناء هذا الشعب في ارض اجداده ، ان كان بالتهميش والمحاربة ، او حتـى بالترهيب ونتائجه الكارثية التي انعكست على آلاف العوائل التي اضطرتها هذه الظروف العصيبة ، الى ترك وطنها واللجوء الى دول الجوار ، او ممن اختاروا اوطان الغربة ملاذا اخيرا لهم بعد ان ضاق العراق على ابنائه الاصلاء .
دعوة مخلصة الى المؤسسات المعنية بالغناء والفنون السريانية ، الى التوقف امام هذا الامر بجدية ، والدعـوة موصولة للشعراء والملحنين والفنانين الذين يقدمون نتاجاتهم باللغة السريانية ، ان يعيروا الغناء السرياني اهتمامهم الصحيح ، وأن لا يشاركوا في تشويه الهوية القومية الصادقة لهذا الفن . من اجل ان لا تكون الدعوة متأخرة ، لأن اجيالا تنشـأ اليوم وتتكاثر ، وهي بعيدة عن الاصالة ، ولا يحق لنا ان نلوم ظروف العراق والغربة دائما ، بل ان نسعى بما نملكه ونتمكن منه ، في اداء هذا الواجب الوطني والقومي ايضا .
تموز 2011
#كمال_يلدو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يكفينا مزايدات ياسيادة الوزير!
-
حاضرنا حينما يتعثر بالماضي، علي الأديب نموذجا!
-
الشاعر عبد الكريم كاصد، بعيدا عن الوطن ، قريبا من الناس
-
دفاعا عن الحرية تحت - نصب الحرية-
-
بلطجية بطعم -العراق الجديد- !
-
عدوى - الصحّاف- تجتاح الانظمة العربية المتهرئة
-
رحمة بنا وبآثارنا يا سيادة الوزير!
-
موضوع للمناقشة:من يوقظ عصر السبعينات الذهبي من سباته؟
-
بين 8 آب 1988 و 2010
-
زيارة -للزعيم- في عيد الثورة
-
ظلال الزعيم -عبد الكريم- في المشهد العراقي
-
هل الآرشيف العبري العراقي ....عراقي؟
-
قرأة في تفجيرات الموصل الأخيرة:لا بديل عن الحماية والمحكمة ا
...
-
حول انتخابات 2010:قبلنا التحدي ، وفخورين به!
-
حول انتخابات الخارج،احتفظوا - بعراقيتكم- للذكرى فقط!
-
قناديل من كلية العلوم/جامعة بغداد
-
بعض الفرق الموسيقية للجالية العراقية في ديترويت ... - الجمهو
...
-
أتمنى ان تكون -زلّة لسان- غير مقصودة!
-
هدية عيد الميلاد لمسيحيي العراق!
-
من يستمع لمايكرفون - الفيحاء- المفتوح ؟
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|