سعد تركي
الحوار المتمدن-العدد: 3436 - 2011 / 7 / 24 - 11:20
المحور:
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
لم تكن بغداد أولَ عاصمة تتعرّض للاحتلال، مثلما لن تكون الأخيرة. لكنها، كما أفترضُ، أكثر عاصمة تناوب عليها المحتلون، حتى أنها، أحياناً، لا تنجو من قبضة محتل إلا بمخلب فاتح!! وهي برغم كل ذلك ما توقفت يوماً عن إنتاج قوافل الأحرار، والحالمين بالحرية والمصرين على الحياة والبقاء.
ابتكرت العواصم أسماء كثيرة لبعض أبنائها الذين وضعوا أياديهم بيد المحتل، برغم أنها أجمعت على أنهم خونة وجواسيس وأذناب له. غير أن بغداد، لفرط ما تعرضت له من أذى وهوان، ولشدة احتقارها لخسة من كان عيناً وسمعاً وعوناً للمحتل ابتدعت لهم اسماً منفردا لا يمكن، بحسب ظني، أن نجد له نظيراً أو شبيهاً في غير بلاد.. لقد أسمتهم "خرنكعية" !!
الخرنكعية، جمع خرنكعي، وهي كلمة استحالت إلى هذه الصورة عن أصل جملة كان أهل بغداد يصفون بها من باع شرفه وضميره وبلاده، ورضي أن يكون عبداً مأجوراً ذليلاً لمن تسلط على رقاب العباد من أبناء جلدته وهتك العرض وأحرق الحرث وأباد النسل، جملة ليس بمقدور أخرى ان توازيها بذاءة وإهانة بشكل يتناسب مع خسّة الفعل.. كان أهل بغداد، بما عُرفوا من فصاحة وبلاغة، يصفون الخائن الذي تعاون مع المحتل المغولي بـ(نِقاع خراء المحتل)!!
يبدو أن هذا الوصف راق المحتلين أيضاً فصاروا يطلقونه على أذنابهم، فمن يخون بلده يفقد الكرامة ويُعامل باحتقار وإذلال حتى من المحتل نفسه. ولأن المحتل أعجمي فهو يقدّم الصفة على الموصوف لتصبح الجملة (خراء نقاعي)، وتتحوّل لاحقاً إلى (خرنقعي) لسهولة اللفظ وليونته، وتصبح أخيراً.. خرنكعي!
تساءل السيّاب مرّة بلوعة شاعر (أيخون إنسان بلاده؟) متناسياً ـ لفرط براءته وعشقه لوطن لم تعد في أرضه الواسعة الرحيبة ذرة من تراب لم نصوّب دمنا عليها ـ أنّ من يهن يسهل الهوان عليه.. ناسياً أو متناسياً، الأمر سيّان، إن عظمة بغداد في قدرتها وقدرها أن تعلّم الآخرين الحق والخير والجمال، وان مأساتها كانت، دوماً، ليست ببطش المحتلين وقسوتهم وجبروتهم، إنما لأن فيها ـ مع الأسف ـ بعض الخرنكعية!!
#سعد_تركي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟