أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جوتيار تمر - من اسفار سندباد















المزيد.....



من اسفار سندباد


جوتيار تمر
كاتب وباحث

(Jotyar Tamur Sedeeq)


الحوار المتمدن-العدد: 3434 - 2011 / 7 / 22 - 20:07
المحور: الادب والفن
    



"اين كنت ألن تعود يا سندباد........ آسفة ان كان هذا ازعاجاً....لـ ......"

ريح هوجاء ... صارخة ... غاضبة ... بدت وكأنها جاءت لتعيد للأذهان صورا من ماضي الأمم التي قضت بالطوفان والرياح والوباء ... ريح هزت أعماق سندباد ... فتساءل مندهشاً ... مستغرباً ... أية ريح هذه التي تعصف بذاتي .. ؟ أية ريح هذه التي لا أجد راحة لأنينها ..... ولما تحمله من أنين في مجرياتها ...؟ أية ريح هذه التي أجهل أنا سندباد ... وجهتها و مصبها ... أهي الجنوبية ... التي لا أصمد أنا أمام نداءاتها ..؟ أم هي ريح عارضة هبت من أودية مجهولة ..؟ ومرت بدياري القاحلة .. لتبحث عن مجهول ... غائب .. مدفون .. تحت ترابها الذي لطالما ارتوى من دمعات و نسمات أهل الجنوب.
أنت يا أيتها الريح ..ألا تقولين لي من أي ديار أتيت ...و أيها تقصدين.. ؟ فأنا أكاد .... لا أفرق بين أنينك وأنين ذاتي .. ؟
وتستمر الريح .. ويستمر سندباد في دوامته هذه ... لكنه ما يلبث أن يخرق جدران الدوامة برفع أشرعته .. بـ (حمل حقيبته) و يشق بحر الحيرة .. ويمزق جدرانها بالبحث عن مواطن الأنين الذي حملته الريح إليه هذه .... الأنين الذي لم يستطع أن يميز بينه وبين أنين ذاته.. فكان أن .. ذهب ... سافر .. رحل .. يبحث .. وحطت به مركبته في أرض .. قاحلة .. أشبه.. بصحراء مع أنها ليست بمنأى من ماء الخلجان ... و لا حتى الأنهار .. كانت رحلته متعبة بل أكثر من متعبة حيث السفر الطويل والشاق قد أرهقه فأول ما بحث عنه هو مكان يرتاح فيه وكانت روحه آنذاك متعطشة لظل .. لمكان تتكئ عليه .. وقذفت به أمواج القدر في فندق وسط المدينة ..... المدينة التي فيها الشمس لا ترحم .. حارقة .. حانقة ... حتى رمالها ... شوارعها ... تصيح بوجهها ما هذه اللعنة التي أصبنا بها.. ؟
دخل غرفته .. ومن شدة الإرهاق رمى بجسده المنهك القوى على الفراش .. حتى إنه لم يفكر كيف هي الغرفة .. لكني أستطيع من خلال سماعي له بعد ذلك أن أصف بعض ما كانت الغرفة عليه حيث إنها كانت صغيرة الحجم و فيها سرير خشبي من الطراز القديم ولكنه جديد .. شراشفه بيضاء نظيفة ورائحتها طيبة وكأنه قد عني بها عناية جيدة .. جدران الغرفة مطلية بطلاء أبيض .. بل كانت ناصعة البياض .. في إحدى زوايا الغرفة طاولة خشبية هي الأخرى من الطراز القديم وعليه جهاز تلفاز قديم من هذه التي كانوا يستخدمونها في السبعينات .. كأغلب الفنادق الأخرى .. وفي زاوية أخرى منضدة وحوله كرسيان .. ولا أعلم كيف أصف الكرسيين لأنهما كانا في غاية الروعة حيث صناعا من القصب الذي يشتهر به تلك المدينة وبطريقة جميلة جداً .. ولأعد إلى جدران الغرفة حيث أمام السرير مباشرة كانت هناك لوحة معلقة على الجدار ما زلت مستغربا من عيونه عندما كان يصفها لي وكانها لوحة احتوت كل آلام البشرية منذ الخليقة الأولى وإلى وقتنا هذا .. والغريب من أمر وصفه للوحة والغرفة أنه قال إنها كانت لها شرفة تقع مباشرة على بيت لعائلة بائسة .. وكان صياح أطفالهم يصعد لأحيان كثيرة داخل الغرفة وكأنهم أمام الباب..!
كانت الساعة قد اقتربت من التاسعة والنصف عندما استيقظ هو من نومه.. فتح عينيه المثقلتين .. كان الظلام يغطي كل شيء ... بحث عن زر.. عن شيء ما .. ليفتح أنوار الغرفة .. لكنه لم يجد .. فنهض وبدأ في الظلمة تلك يبحث .. اصطدمت ركبته بإحدى الكراسي .... فلامسه وأدرك بأنه كرسي فعاد أدراجه ... وظل يبحث إلى أن وقعت يداه على زر .. فاشعل الضوء .. وعندما نظر إلى الغرفة .. أصابته لحظة صمت رهيبة وكأنه اندهش من روعتها.....فهي كانت عنده تمثل الطراز القديم وهو يحب الأشياء القديمة..!
دخل شرفة الغرفة كانت المدينة تعيش حالة من الهدوء والأنوار كانت تغرقها.. وتخفي أنين أبنائها وصرخاتهم ... مضت لحظات وهو يتأمل المدينة بسمائها إلى أن شعربألم في معدته فأدرك بأنه لم يأكل شيئا طوال النهار ... فخرج إلى صالة الفندق .. وسأل عن مطاعمها .. فدله أحدهم إلى مطعم الفندق .. الذي كان أشبه بلوحة تراثية حيث كل شيء فيه مصنوع من القصب وبطريقة في غاية الروعة .. جلس .. وطلب .. وأكل .. وعاد ثانية لغرفته حيث كان التعب لم يزل ينهك قواه .. فعاد لفراشة و غفت عيناه إلى وقت متأخر من صباح اليوم الثاني .. وعندما استيقظ كانت الساعة تشير إلى الحادية عشرة وثلاث دقائق .. شعر بثقل كبير لأنه نام لمدة طويلة .. لكنه استرد نشاطه بعد أن أخذ حماما .. وخرج إلى صالة الفندق .. وهناك أراد أن يقرأ وجوه الناس .. لكنه لم يجد سوى موظفين وعمال .. فخاب ظنه وخرج لشوارع المدينة عله يلتقي .. عله يجد مصدر الأنين .. عله يجد مصدر الريح .. عله يجد مصدر النداء .. جاب الشوارع لفترة طويلة كانت الشمس تزداد حرقا .. ولسعات الشوارع كانت تقتل .. شاهد وجوها مكسوة بالسواد .. وجوها سمراء .. بل أشبه بالسواد الذي لاح وكأنه سمة أهل المدينة ..حتى الأطفال الحفاة الذين كانوا يلعبون على أطراف الشوارع كانو يحملون بشرة سوداء داكنة .... والنساء كان لباسهم أسود.. وقلما يجد المرء شخصًا يلبس ألوانا فاتحة وكأن السواد هذا متحالف مع الشمس.. ملازم للمدينة .. ولأهلها .. المهم .. بعد أن أرهقته كثرة التجوال عاد إلى الفندق وجلس في الصالة لعلي إن سمح لي الوقت أحدثكم عن الصالة هذه لكن ليس للآن قلت عله يلتقي بشخص يتحدث معه .. مع أنه بطبعه يحب الصمت والسفر دون رفيق .. فله عينان ترافقانه .. ودعوات أم تلهمانه .. وحضن .. يأويه كلما أذابته الأيام وقهرته الأمواج .. مضى أكثر من ساعة وثلث دون أن يجد ما كان يبغي إليه .. وأخيرا لجأ إلى المطعم وهناك تعرف على شخص اسمه مهند كان يزور المدينة مع عائلته .. حيث عرفه بعدها بعائلته .. شاب متزوج جاء هو و زوجته و أطفاله إلى المدينة لزيارة أهل الزوجة .. ولهما طفلان .. رضا وحيدر .. مازال كلاهما صغيرا فالأول لم يبلغ السابعة من عمره وهو الأكبر و الثاني كان في الثانية من عمره .. وكم أحبهما حيث كان يلتقيهما طوال أيام مكوثه في الفندق ..وأم الطفلين تدعى منى هي الأخرى كانت لها روح سمحة وطيبة ... وقد توالت لقاءاتهم؟وذات يوم قام الاثنان بدعوته إلى زيارة أهل منى .. فحاول أن يتملص من الدعوة لأنه أصلاً لا يحب العلاقات الاجتماعية بل لايجيدها .. لكن رضا وحيدر ألحا عليه فاستجاب عند رغبتهما .. كان مهند شابا طويلا وسيما ذا بشرة حنطية .. ممزوجة بحمرة تطغي على وجنتيه كلما تحدث لهجته كانت توحي بأنه من أهل بغداد .. كان صوته هادئا جذاباً .. وكان ذا ثقافة و دراية بأمور الأدب .. ومنى كانت سمراء ذات عيون واسعة .. و لا أعلم لماذا كان هناك دائما بريق غريب يلمع في عينيها وكأنها قد أدمنت الحزن .. وأتذكر أنه قال عندما سألتها يوما عن سر ذاك البريق .. أجابت (..إني مسرورة وسعيدة في كل حياتي مع مهند ... ولكن أجمل لحظاتي وأسعدها لابد أن يخالطها دائما شيء من حزن ..) ودمعت عيناها أراد أن يقول لها إن كان الأمر يزعجها فلتنسَ السؤال.. لكنها أكملت قائلة (لئن بكيت قليلاُ فلا تعبأ بدموعي .. لأنني نفسي أجهل سبب بكائي وحزني هذا .. إنني أشعر بحدة أحياناُ في مشاعري .. وأحيانا أجدني سريعة الاهتياج .. كأن جميع مشاعري يمازجها ألم .. لعله ألم آت من ألم الواقع .. من ألم التاريخ الذي مررنا به.. لعله ألم آت ..من ألم كربلاء ..)كانت على وجهها ندبة صغيرة لاأعلم إن كانت قديمة أم لا لكنها بدت وكأنها طبيعية ...ولصغر حجمها لايلاحظها المرء....وهي لم تؤثر على جمالها بل كأنها أضافت لجمالها رونقا.
أما رضا .. فكان بالرغم من صغر سنه واثقا من نفسه ويتحدث عن بعض المسائل التي قد لا يفقه الكثيرون في وقتنا مقتضياتها وأسبابها ..وكان يجيد تقليد الاصوات ..وعندما طلبت أمه أن يقلد صوته ..قال لاأستطيع..وعندما ألحت عليه قال إن صوته حزين جدا ولاأستطيع أن أقلده لأن الحزن لايقلد.. وحيدر كان أشبه بالحمل الوديع هادئا ..وسيما كأبيه..وفي عينيه بريق حزن آت كأمه..وكان يحب الجلوس على ركبتيه ليدندن له بعض الأغاني..؟ استجاب لدعوتهم ... وذهبوا جميعا إلى دار أهل منى .. فاستقبلتهم العائلة برحابة صدر .. وتعرف هوعلى أفراد العائلة واحدا واحدا .. الأب الذي كان عمره يناهز الثامنة والخمسين والأم التي تصغره بسنوات ثلاث على ما أعتقد .. والابن الوحيد الذي كان لم يزل يسكن معهما كان عمره ما يقارب السابعة والعشرين وهو متزوج .. بل تزوج قبل أيام قليلة حيث أتت الأخت للمشاركة في عرسه .. ولهذا اختان إحداهما في الخامسة والعشرين تخرجت في تلك السنة من كلية القانون قسم القانون والسياسة .. والأخرى كانت طالبة في المرحلة الثانية من كلية العلوم .. و لا أتذكر بالضبط في أي قسم كانت .. الآخرون .. فاثنان منهما قضيا في الحرب وهما كانا علامة الحزن البارزة في حياة العائلة .. و أخت متزوجة في مدينة أخرى ولأنها مريضة بالولادة لم تستطع الحضور .. أما منى فهي الأخت التي كان هو يحبها كثيرا .. لذا أصر على حضورها قبل الزواج .. أما لماذا لم تبقى في البيت و سكنت فندقا . فذلك لأن البيت ليس فيه سوى ثلاث غرف .. غرفة يسكنها الوالدان والأخرى العروسان والثالثة الأختان .. مضت لحظات الزيارة بسرعة ....ولكنها حملت له في ثوانيها .. لحظاتها .. ما لم يكن في الحسبان .. لمحت منى نظرات أختها (...) له ولمحة في خجله ما جعلته لا يرتاح .. وعندما حان وقت العودة للفندق ..... وودعوا الجميع.. أراد هو أن يحمل حيدرالذي كان حينها برفقة (......) فدنت هي منه.. وأعطته شريطاً أسود أشبه بقلادة محاطة بحبتين زرقاويتين وقالت .. عساها تحميك .. عساها تواسي الألم المغروس في عينيك .. لا تنس عد .. وزرنا . فكأننا التقينا قبل اليوم ..؟
عاد الجميع إلى حيث كان..منى قبل أن تودعه قالت له عساها لم تزعجك.. احمر وجهه .. قال من..؟ قالت (...)..قال لا.. لم تزعجني أبداً .. قالت منى له..في المساء..على العشاء سنلتقي.. وعليك أن تحضر.. ولا تنس..؟
مضت هي ومهند و الطفلان إلى غرفتهم و دخل هو غرفته .. كان الحر قد بلغ أشده.. وكان العطش قد بلغ به أشده أيضا.. أراد أن يأخذ حماماً.. لكنه وجد المناشف هي نفسها ولم تستبدل .. لعلي نسيت أن أذكر لكم إن خدمة الفنادق في تلك المدن سيئة جداً.. بحث عن دليل الفندق في الغرفة لكنه لم يجده .. فتذكر أن بعض الفنادق تستعمل الرقم تسعة لاتصالاتها الداخلية .. فطلب الرقم وسمع صوتا يقول له تفضل كان ذلك الرقم هو رقم البدالة .. فطلب رقم خدمة الغرف .. فأجابه بأنه سيعطيه رقم الاستقبال.. فأخذه وعندما طلب الاستقبال كان الدوام قد قارب على الانتهاء...وهذا بالطبع يعني أن الموظف الصباحي قد غادر إلى غرفة الإدارة تاركا الاستقبال دون موظف والحق أن مثل تلك الفنادق في تلك المدن البعيدة لا يعاودها إلا القليل لأنها أولا غالية وثانيا لأنها أصلا في مدن بعيدة حارة .. أتعلمون بأن الحرارة تصل أحيانا إلى ستين درجة مئوية ولأن الأوضاع التي يمر بها الناس ايضا تجعلهم في غنى عن مثل هذه الفنادق .. والحق أنه قال إنه لم يلمح سوى أناس قليلين جدا قد راودوا الفندق... وبعد محاولات إجابه الموظف المسائي فسأله عن المناشف وخدمة الغرف ..فاعتذر وقال له إنه سيرسل من يبدلها.. وبعد لحظات كان باب الغرفة يطرق .. دخلت امرأة وبدلت المناشف وكعادة الموظفين والعمال في الفنادق الجميع ينتظر أن تمد يدك في جيبك لتعطيه ثمن أدائه لواجبه.. فأعطاها دولارا.. دعت له .. ومسحت على صدره بدعائها .. كان يجهل ماذا تقول لكنه عند مدخل الغرفة سمعها تقول بجاه الحسين أبعد عنه الحزن والهم .. أراد أن يسألها لماذا هذا الدعاء دون غيره ..؟ لكنه في نفسه قال إنهم أهل الجنوب لم يفارقهم الهم والحزن منذ وجودهم.. أخذ حماماً.. وبعدها بحث عن رشفة ماء يبلل بها جوفه وأسوأ ما وجده أن الغرفة لا ثلاجة فيها .. تصوروا مدينة تحترق .. وغرف بدون ثلاجة.. ارتمى على فراشه و غاص في نوم عميق.. وفي المساء رن الهاتف.. كان مهند يطلبه.. وقال إنهم ينتظرونه فجهز نفسه وخرج إليهم.. وفي إحدى المطاعم الموجودة على ضفاف أحد الأنهار هناك جلسوا وقضوا سهرتهم.. كانت منى تنتظر أن ينتهي هو ومهند من مناقشتهما حول الألم المزروع في كل شيء.. وبالأخص في وجوه نساء المدينة .. كان مهند يقول إن الانسان دائما يشعر بالراحة والطمأنينة في الأماكن التي ألفها واعتادها مهما يكن قد لاقى فيها من شقاء.. وهذا هو حال أهل هذه المدن..؟
وهو كان يجيبه أية راحة وطمأنينة وبهجة يمكن أن يشعر بها الإنسان حين يرى هؤلاء النساء.. والأطفال وهم يتألمون.. الأطفال عندما يتألمون تتألم السماء بألمهم..... وكان يقول لـ مهند انظر أنت إلى طفل يتألم.. وهذا الطفل فلذة كبد أحدهم .. وهو عاجز.. عن دفع الأذى عنه.. وتقديم المساعدة له ماذا عساه يصير بعدها.. كيف سيرتاح في ذلك المكان بعدها..؟
وعندما طال نقاشهما.. قاطعتهما وقالت مهند أ..لم أقل لك بأني أيضا أريد أن أتحدث معه بشأن ...؟ قال مهند .. مبتسما.. لا بأس لعلنا نصبح عائلة..؟ كأن منى تضايقت.. لكنها سألته .. لقد وجدت(...) تنظر إليك نظرات غريبة وكأنها وجدت فيك مالم تجده في الكثيرين ممن التقت بهم في دراستها .. كانت تسمعك وتنظر إليك وكأن الطير قد حط فوق رأسها .. ترى ماذا عساها وجدت.. سمعت..؟
ثم أضافت وجدتك تخجل حتى أن تبادلها النظرة.. وكان وجهك يحمر كلما نظرت إليها ..قال.. كنت أجهل ما وراء نظراتها .. يعني لاحظتها.. نعم.. لكني ما زلت أجهل سر تلك النظرات وأتمنى أن أعرف.. قالت منى إذا.. سأجلبها غدا.. فهل تتحمل إلى الغد ابتسم الجميع .. ثم قال هو الآن دعوني مع الحبيبين رضا وحيدر.. آخذهما إلى ضفاف النهر وبدأوا برمي الحجارة في النهر كان النهر هادئاً.. كانت أضواء المطاعم التي زرعت على ضفافه تنعكس عليه و تضيف لبهائه رونقاً.. ولهدوئه عظمة.. وبعد أن أخذهم التعب عادوا إلى طاولتهم.. وبعد عشاء دسم عادوا إلى الفندق .. ودخل كل واحد منهم غرفته ما عدا حيدرا طلب أن يبقى معه.. فنام ليلته بحضنه..!
وفي الصباح.. الباكر أعاد حيدرا إلى حضن أمه.. وعاد هو لنومه... ولم يشعر بنفسه إلا و (...) تتصل به .. وكم استغرب من صوتها الذي تسكنه كل آلام كربلاء.. أخذ حماماً سريعا وسرعان ما غير ملابسه وخرج إليها .. وفي نفسه كان يتساءل أية لهفة هذه التي تقودني إليها..؟كانت منى والبقية ينتظرون في الصالة.. نعم الصالة ..إنها صغيرة بحيث يمكن للجالس رؤية كل الداخلين إليها ..في إحدى أركانها تحوي على ديوان صغيركل شيء فيه مصنوع من القصب..ولكن مايميزه هو وجود لوحات كثيرة تزين جدرانها ولاأتذكر التفاصيل الأخرى..لكن المهم هو أنه.. عندما التحق بهم .. قالت منى إنهم سيخرجون إلى السوق لشراء بعض الأغراض للأطفال ..وكأنها كانت تلمح بأن ينفردا.. فقال مهند.. أظنك لا تريد الخروج في هذا الحر.. فاستريحا أنتما هنا لحين عودتنا .. قالت هي (...) اتركوا حيدرا معنا.. لكن منى قالت إنه يحتاج لبعض الاشياء .. المهم غادر الجميع ولم يبق سواهما.. دخلا ديوان الفندق .. وجلسا وكل واحد منهما ينتظر أن يبدأ الآخر.. بإخراج ما يجوب في فكره.. وعندما طال الصمت قال لها .. أية أهوال تلك التي وجدتها في ذلك اليوم في عينيك..؟قالت إليك الجواب مقتبساُ من روائي كبير (كانت أعماقي آنذاك مهيأة بأن تشعر بالأشياء بنفس حزينة وقلب مثقل، حتى لتوشك روحي أن تنفجر في بعض اللحظات فتنهمر الدموع من عيني على حين فجأة).
قال أتحبين تلك القصة العظيمة.. (الفقراء).. وكأني لمحت منى أيضا قد اقتبست منها ذات يوم في حديثها معي.. قالت نعم أنا أقدسها كنت في السنة الأولى عندما قرأتها ومازلت أتذكر تفاصيلها .. قال .. أتراك تشعرين بألم الآخرين لهذا أحببتيها..؟ قالت شعرت بألمك أيضا..! .. قال ألمي .. كيف..؟ قالت لا تنكر.. عيناك تفضحان سرك.. و لا تنس بأني درست القانون والسياسة معا.. فأنا أعلم بنفوس الآخرين..؟ قال ما الذي يعطيك هذه الثقة..؟ قال لأني وجدت الألم المغروس في عينيك يشبه ألمي الذي أنا أعبده..؟ ثم أضافت لعلك تستغرب إذا قلت لك.... إنك قد أدمنت الألم.. والرحيل .. لعلك تستغرب إذا قلت لك إن ألمك قد وصل لمرحلة لاشفاء منه.. لأنني متأكدة بعدما رأيتك تتحدث عندنا في البيت بأنك لست تعيش الأرض.. ..لا تستغرب من جرأتي.. علمتني الحياة بأن كون جريئة لأعيش.. لأن الضعيف لا يستمر .. أنا قد أدمنت مثلك الألم.. لكني بسبب الاجتماع لا أستطيع مثلك الرحيل.. ألم يقل لك أحد ما إنك مثل سندباد .. لا تستقر.. إن فيك رغبة ملحة للبحث والتجوال.. ولا أعلم إن كانت هذه الرغبة هي كرغبة الهندوسى الباحث عن اليوغا.. حيث بها يعيد توجيه إرادته وأعماله .. فبدلا من التصرف انطلاقا من الشعور بالارتباط أو المقت.. بدافع من قوى الأنا العمياء.. يتوقع منه أن يتصرف انطلاقا من الإشفاق المفعم بالتعاطف حيال ألم ورخاء الآخرين .. وإنها بصيغة جوهرية تعبر عن الحب المفعم بالتعاطف حيال كل المخلوقات الحية، لا أعلم إن كانت تلك الرغبة نابعة من هذا المنطلق ... أم أنها رغبة ... بحث عن الذات.. عن الوجود.. عن الحرية..وما سواها..؟ مرة أخرى أقولها لك لا تستغرب.. لا تستغرب.. فأنا قد غصت في أعماق الوجود .. والأديان.. لأخرج إلى الواقع .. مدركة ... إيجابية .. لا سلبية وتائهة..؟ لكن .. اسألني .. لماذا.. وأين أتتني الجرأة..؟ وردت بنفسها لن تسأل أعلم ..! لأنني فقط لم أدرك ماهية حزنك.. وتهت أمام ذلك البريق الخفي القابع خلف نظراتك.. لست أقول شعرا .. لا .. إنما أقول حقيقة هي بمثابة عتق .. وحرية بالنسبة لي..؟
كان صامتا مذهولا .. أمامها .. كانت عيناه لا تفارقان شفتيها اللتين تتحركان و تخرجان آيات حكيمة .. من لسان امرأة حكيمة...!
قالت .. لن أطيل .. فقط أهي المحبة .. والعطف .. أم الحرية والوجود..؟
قال لها.. ماذا تعرفين عن الحرية والوجود..؟ قالت من المنطلق الإيماني .. قاطعها .. قال من منطلقك أنت (....) ..؟ قالت ... قبل أن أجيب.. متى تعرفت على مهند..؟ قال منذ أيام .. ومنى ورضا وحيدر .. أجاب منذ أيام أيضا .. قالت هل سألت نفسك لماذا لم يسألوك عن ديانتك ..؟ عن مذهبك .. عن معتقدك..؟ قال لا أعلم.. لعلهم ليسوا من يهتمون بهذه الاشياء..؟ قالت ؟؟ أنت مخطئ ليس هناك من لا يهتم بهذه الأشياء .. وأن وجد فإنه أنت.. لأنك لا تحب أن تستمر مع أحد.. قال كيف تقنعينني بنظريتك هذه ..؟ قالت أنا متأكدة من أن مهند ومنى يدركون بأنك ريح عابرة .. لن تستقر ولن تدع أشرعتك تفكر لحظة بالاسترخاء .. وطالما أنت تلبي نداءات الريح وأنينها فإنك راحل..راحل..قال ما أدراك بهذه الأمور..؟ قالت ... أنت من قلتها لي .. قال متى..؟ قالت الآن ..! .. قال لكني لم أتكلم بعد .. قالت عيناك تتكلم عنك .. و لا أعلم لماذا أستطيع أن أقرأ عينيك هكذا .. أقسم بأنها دعوات ... قال دعوات..؟ قالت نعم .. ليلة أمس تحدثت بشأنك مع أختي الأخرى.. كانت تتمنى أن تراك ثانية .. وبقينا أنا وهي للفجر نصلي وندعو... حتى نستطيع معرفتك..!
قلت .. هل تريدين مني أن أؤمن..؟ قالت لا تنكر إيمانك .. لكن .. هناك غبار تراكم عليه جراء أسئلة لا منتهية .. لكنه ليس بأبدي .. قال .. ما أدراك بذلك ..؟ قالت براءتك هذه ... وجهك الحزين... هدوءك .. أنت... حب رضا وحيدر..... إعجاب مهند .. وأمنيات منى .. وحب أختي ... ورضا والدي .. وشيء ما مكتوب في أعماقي أنا.. كل هذه الأشياء تجعلني أدرك ذلك.....! قال لكن .. قاطعته .. لا تكمل .. وعد لسؤالي الأول.. أ هي المحبة أم الحرية والوجود..؟ وقبلها ... أنت مسلم .. مسيحي .. بوذي ... و ...لاتجب عن هذا السؤال.......! قال ساتحدث عن أصل الأشياء أي الحرية... كيف تتصورينها الحرية.. أ هي اعتباطية تأتي... بطريقة عشوائية ..؟ قالت أجهل مكامنها لأني لم أعشها.. قل أنت... فأنت من لا تبالي في أسفارك بالقيود...؟ قال إذا اسمعيني وإن خرجت عن جادة الصواب ... ومست كلماتي ما يمكنه أن يجرحك .. قاطعيني .. إن الحرية ليست ملكة يتمتع بها الإنسان دون أن يساهم في خلقها وتحقيقها.. والحرية هذه مرتبطة تماما بالوجود .. لذا إن ماهية الحرية تنحصر على وجه التحديد في أنها مصدر فعلها وينبوع نشاطها .. فالإنسان لا يوجد حقا إلا إذا اختار نفسه بحرية، عاملا على خلق ذاته، وهذا ما يجعل البعض يقول إن الإنسان ثمرة لفعله بل هو عين هذا الفعل، وهذا لا يعني بالطبع بأن الإنسان عندما يوجد يكون في وسعه أن يختار ما يريد أن يكونه بصورة نهائية لا تقبل المراجعة .. لأن الإنسان يجب أن يكون متواصلا في سلسلة أختياراته دون أن يتحجر في صورة ثابتة مطلقة .. أعلم بأني بعيد بكلماتي هذه عن ما تبغين من إجابة لكنها المدخل لمعرفة الجواب النهائي.. كالحرية والوجود.. وحتى التعاطف..لا يمكن إدراكه دون معرفة وجهة نظر الانسان في المسائل اأاساسية لوجوده لذا اخترت الحرية كمسلك لهذا الاساس فتحملي قلت إنه يجب أن لا يتحجر في اختياراته ومعناه لكي يوجد الإنسان فإن عليه الاستمرار في تميز الممكنات الخفية التي تنطوي عليها وجوده وذلك لملاحظة الموجود الجديد الذي ينبثق من سلسلة أفعاله السابقة وعندئذ بوسعه تحقيق بعض الممكنات التي يريد أن يكونه ..أي أنه لا يمكن أن يتحجر الإنسان في صورة واحدة ثابتة من صور الوجود وأن يعتبرها مركزا ثابتا وصورة نهائية لأن الإنسان أو الوجود الإنساني في جوهره مفارقة واستعلاء لأن المرء لا يوجد حقا إلا بقدر ما يعمل على تجاوز ما هو عليه بالفعل والاتجاه نحو حالة أخرى تضمن له تجاوز موقفه الحاضر وهكذا يستمر.. وهذا بالطبع ما معناه أن وجودنا الإنساني ليس إلا اختيار لماهيتنا.. وهذه تعني اختيارنا لشخصيتنا التي نريد أن نكونها .. وأقول أيضا إن وجودنا ليس وجودا مطلقا عاما.. إنما هو زماني تاريخي له مواقفه وظروفه وهو في كل أحواله متجه نحو العالم الخارجي مؤتلف من مجموعة روابط وعلاقات مع العالم بما فيه من ذوات وأشياء، ولكن هذا لا يمنع أبدا أن نقر بأن لدى الإنسان من الحرية ما يفصله عن باقي الموجودات..! كانت تستمع إليه ..صامتة .. بل كانت أشبه بطفلة تستمع لنصائح والدها .. لم تتحرك... لم تتفوه بكلمة.. ولكنها لم تكن تدرك شيئا مما يحدث أمامها .. لا لأنها لا تفهم.. لا.. إنما لأنها انبهرت بأفكاره .. فهي مع تعمقها في المعاني والكتب.. لم تكن تتصور بأنها ستلتقي يوما بإنسان يحمل مثل هذه الأفكار التي هي فقط موجوده في الكتب .. وأي كتب... الفلسفة وما شابهها..!
قاطعته فجأة .. وقالت .. أ هي المحبة.. أم الوجود والحرية..؟ استغرب ... قال ماذا كنت أقول إذا ..؟ قالت.. لا أعلم.. لكن .. أيمكن أن يوجد إنسان يؤمن بمثل هذه الأشياء .. الأفكار..؟ قال.. لماذا لا..؟ قالت.. اعلم بأنك جعلت الحياة أصعب .. فكيف لي بإنسان مثلك أستطيع أن أقتنع به..؟ ولم تمض لحظات حتى عاد الآخرون .. وهنا انتهى الحوار .. وعندما حان وقت الرحيل.. رحيلها.. قالت لم تجب عن سؤالي أ هي المحبة أم الحرية؟ ..و قالت هل سأراك في يوم ما ..؟ ثم أردفت قائلة إن حطت بك مركبتك هنا..؟ قال.. هل يعني بأنك ستنتظرين إن قلت نعم..؟ قالت حتى إن لم تقلها .. سأنتظر..؟ قال دعيها .. للريح وأنينها..؟ قالت ستحمل لك في كل يوم الريح آهاتي .. وأنين ذاتي ..! ثم ودعته وقالت احتفظ بما أهديته لك يوم أمس و لا تنس بأنني أنتظر... وأنك لم ترد على سؤالي.. ثم مشت بخطوات مثقلة لكنها التفت اليه وقالت غداً زر حي......؟ وحاول أن تدخل مسجده.. لم تكن سوى لحظات حتى غابت عن ناظره.. نظر إلى منى بنظرات يغرقها الألم واليأس... أدركت منى عذابه .. قالت هل تعلقت بها...؟ قال بل انبهرت بها ... ما قصتها...؟ قالت.. حب الألم....! قال.. لماذا أنا دون غيري..؟ قالت لأن ألمك ظاهر في عينيك... لا أقول كله .. لكن ما يأخذ بالألباب.. أتريد رؤيتها أكثر...؟ قال إن بقيت حتما سأراها.. ثم قبل رضا وحيدرا وصعد إلى غرفته .. هناك دار حديث رهيب .. وكأن شخصا زاره في الغرفة ..أو هكذا تهيأ له .. كان صوته أحيانا يرتفع ... وأحيانا أخرى كان هادئا.. ظل الحوار داخل الغرفة محتدما.. لا أتذكر من الحوار شيئا لأنه كان طويلا فقط أتذكر بأن ما تهيأ له بأن رجلا كان يطالبه بأن يعيد النظر في أساسيات إيمانه.. وأن يكف عن ملاحقة السراب الذي لا يمتلك .. السراب.. نعم أتذكر بأنه ردد هذه الكلمة أكثر من مرة.. وما أتذكره أيضا بأنه كان قد رد عليه بأن البحث سيستمر وأنه لن يخضع لإرادة موضوعه مسبقة أو قدر مكتوب.. أو حتى آله مزعوم.. وأنه .. أي هو الذي يحاوره .. لا يمكن أن يكون حقيقة إنما مجرد تهيئات .. لكن المقابل كان يرد عليه.. بأن الأمور لن تسير نحو الأفضل.. فالشقاء الذي يراه الآن سيكون موجودا غدا وبصورة أفظع .. والألم لن ينتهي.. فإن كان قليلا اليوم فغدا سيكون أوسع .. وإن السماء ستظل مراقبة.. لن تتدخل وستقول دائما إن ما يحصل ليس إلا اختبارا ...وليس اختيارا.. والاختبار سينال الأطفال..وسينالها هي التي كانت معه قبل لحظات.. و لا شيء مما كان سيتغير.. ولا شيء مما سيكون سيتغير إنما كل شيء مسبق أمره.. وأتذكر بأنه هنا قد ارتفع صوته.. قال له ما أدراك بالألم والشقاء.. ما أدراك بأنني تحدثت عن الاختيار.. ما أدراك بمن كانت معي.. من تكون.. قل لي من تكون ..؟ وهنا انقطع الحوار.. حيث ظل بعدها يقول أين ذهبت.. أين ذهبت..؟ المهم إن الحوار قد أدخله في لجة صراع مرير.. حتى أرهقه.. وغفا .. وفي ساعات الصباح الباكر استيقظ وحمل نفسه لزيارة ذلك الحي .. لكنه كان بعيدا لذلك استغرقت رحلته إليه أكثر من ساعة وثلاثة عشر دقيقة.. ولأن المواصلات أيضا كانت سيئة.. مع الازدحامات التي لا غنى عنها.. دخل الحي.. مشياً على الأقدام لأن أزقتها كانت ضيقة لدرجة أنه إذا دخلت سيارة في إحداها لا يستطيع إنسان أن يدخله وإن أراد المرور فإن عليه أن يمر بين السيارة وجدران البيوت ماسحا بجسده المائل الجدار والسيارة... كانت الشوارع أشبه بما تكون ببركٍ مائية آسنة.. كانت الرائحة التي تفوح منها حادة بل ..عفنة.. جدران البيوت كانت متآكلة وسقوف بعضها كانت أشبه بتلك المناطق التي لتوها عصفت بها الزلازل بيوت من الطين قديمة.. شبابيكها هي الأخرى قد تآكلت من الصدأ صغيرة لدرجة أنها لا تعد سوى منافذ لمرور الهواء .. بعضها قد صبغت بالأسود وأغلبها بالصدأ.. أبواب البيوت من الحديد وهي أخرى قد تآكلت والصدأ يحيط بها...خاصة من الأسفل حيث وكأنها أصبحت منافذ للقطط يمكن أن تدخل من خلالها.. وبعض الأبواب لم تزل خشبية قديمة ومن الطراز القديم المقوس.. كانت بعض الأبواب تعج بالنساء الائي لا يجدن راحة داخل البيوت فيلجأن إلى الأبواب وكانت أصواتهن مرتفعة.. وسمع قهقهات بعضهن وعندما مر أما اجتماعهن وجد الأنظار تتجه إليه.. أتذكر بأنه قال.. لا أعلم السبب.. ولكن على الأغلب لأنه كان الشيء النظيف الوحيد الذي رأوه في ذلك الزقاق.. وكان في الجانب الآخر من الزقاق أطفال حفاة وشبه عراة كانت أجسادهم تعلن للمرء بأن نقصا حادا في كل شيء قد أصابهم .. كانوا يلعبون بكرة صنعوها بقطع من القماش داخل تلك المياه الآسنة وأمام أنظار أمهاتهم.. دون أن يبالوا بالأمراض التي قد تصيبهم.. أمام أنظار السماء دون أن تبالي بما قد يصيب أجسادهم.. تمنى أن يدخل أحد البيوت ولكن كيف والكل ينظر إليه كمتطفل .. ولكنها الأقدار نفسها التي ساقته إلى تلك المدينة.. وجعلته يلتقيها هي (...) وجعلتها هي ترسله إلى هذا الحي..هي نفسها من جعلته يحقق أمنيته بدخول إحدى هذه البيوت.. فأحد الأطفال الذين كانوا يلعبون.. جرحت ساقه وعندما كان هو قريبا منهم سمع صراخه وبكاءه..فأسرع إليه وهو ينزف فحمله ودله أصحاب الطفل إلى بيته.. فكان أن رأى البيت من داخله.. مع أنه لم ير سوى غرفة واحدة إلا أنه قد تكونت لديه فكرة عن الشقاء الذي يعيشه هؤلاء داخل بيوتهم هذه التي هي أشبه بسجون مرعبة لاضوء يدخل إليها إلا إذا أراد صانعوها.. لا رائحة تخرج منها إلا إذا سمح صانعوها..لا راحة فيها حتى إذا شاء آلهتها...الشمس تقذفها ببعض شررها في ساعات الصباح المتأخرة.. وما أن ينتصف النهار حتى تصبح مغارات مظلمة رطبة رائحتها عفنة..!
شكره أهل الطفل ..ودعوا له و خرج بعدها ..و همومه قد ساقته لنهايته التي يتمنها..أنه الألم يا عالم الآلهة إنه الألم يا شرائع الآلهة .. إنه الألم .. والشقاء .. يا ....... ؟ وفي الجانب الآخر من الزقاق كان هناك المسجد الذي دخله تحقيقا لرغبتها ولم يشأ أن يفكر بالحكمة من طلبها.
عاد بعدها للفندق ... وفي المساء التقى مهندا.. وبعدها جاءت منى والأطفال وقضيا ليلتهم معا وبعدها.. ودعهم..وفي الصباح الباكر حمل حقيبته..وغادر المدينة..تاركاً وراءه.. شوارع غرس الموت فيه بصورة لا إنسانية.. وبيوت قتلتها أربابها قبل آلهتها.. وطفولة تبتسم للألم والمرض والموت بالرغم من قساوتها وشقائها..وفتاة تأمل عودته...! فهل عاد .. سندباد....؟
2-2-2005



#جوتيار_تمر (هاشتاغ)       Jotyar_Tamur_Sedeeq#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- منطق الغباء السياسي
- قراءة في نص- التشكيك- للشاعر مسعود سرني
- مشكلة الوعي
- التقليد ركيزة سلبية في المجتمع الكردي
- المكونات الخارجية المؤثرة في شعر عبد الرحمن المزوري
- كلمة للتاريخ
- رؤية نقدية في نص(هكذا أبدو أكثر تناقضا) للشاعرة الكبيرة ضحى ...
- سيبل/ شعر
- لماذا لا
- عقدة الاضطهاد
- تالا


المزيد.....




- حكاية الشتاء.. خريف عمر الروائي بول أوستر
- فنان عراقي هاجر وطنه المسرح وجد وطنه في مسرح ستوكهولم
- بالسينمات.. فيلم ولاد رزق 3 القاضية بطولة أحمد رزق وآسر ياسي ...
- فعالية أيام الثقافة الإماراتية تقام في العاصمة الروسية موسكو
- الدورة الـ19 من مهرجان موازين.. نجوم الغناء يتألقون بالمغرب ...
- ألف مبروك: خطوات الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية 2024 في ...
- توقيع ديوان - رفيق الروح - للشاعرة أفنان جولاني في القدس
- من -سقط الزند- إلى -اللزوميات-.. أبو العلاء المعري فيلسوف ال ...
- “احــداث قوية” مسلسل صلاح الدين الجزء الثاني الحلقات كاملة م ...
- فيلم -ثلاثة عمالقة- يتصدر إيرادات شباك التذاكر الروسي


المزيد.....

- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة
- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جوتيار تمر - من اسفار سندباد