|
سياسة فرنسا وتأثيراتها على العراق
امين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 3433 - 2011 / 7 / 21 - 18:59
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قبل قرنين ، كانتْ فرنسا واحدة ، من أقوى دولتَين في العالم ، إقتصادياً وعسكرياً .. وتركَتْ الثورة الفرنسية ، وفتوحات نابوليون ، أثراً كبيراً في اوروبا خصوصاً والعالم عموماً . غير ان فرنسا ، شأنها شأن الإمبراطوريات الاخرى ، شهدتْ أفولاً لنجمها تدريجياً ، وتخّلتْ عن موقعها في الصدارة ، لصالح قوى اُخرى صاعدة ، لاسيما بعد الحرب العالمية الثانية ، حيث برزَتْ على الساحة الدولية ، قوتان عظميان ، هما الولايات المتحدة الامريكية والأتحاد السوفييتي ، بديلاً عن فرنسا وبريطانيا " الرابحتان في الحرب ولكن المُنهكتان والعجوزتان " ، والمانيا واليابان الخاسرتان !. أما بعد إنهيار الامبراطورية السوفييتية ، فأن الولايات المتحدة ، أصبحتْ من الناحية الفعلية ، المُسيطِر الأكبر على مُقدرات العالم ، وقطباً أوحداً . وكما يبدو ، وإنسياقاً مع منطق التأريخ ، فأن الامبراطورية الامريكية بعد ان وصلت الى مداها الأبعد ، فأنها بدأتْ في نفس الوقت ، تنتج أسباب أنهيارها وسقوطها ... ولعّل العقود القادمة ، ستشهد بروز نجم امبراطورية صفراء تبزغ من الشرق هذه المرّة ، اي من الصين . ومن الطبيعي ، ان الولايات المتحدة الامريكية ، لن تتخلى بسهولة ، عن مواقعها وعن مصالحها ، وان الكثير من الحروب والصراعات " ليس بالضرورة ان تكون حروباً كلاسيكية ، بل ربما تكون معلوماتية واقتصادية " ، تنتظرنا ، لاسيما في الشرق الاوسط !. فرنسا التي لازالتْ ، الاحلام الكبيرة ، تدغدغ مخيلات قادتها وسياسييها ، وتتحّسر على فقدانها المواقع الاولى ، بما تتمتع به هذه المواقع ، من بريقٍ وإمتيازات وقُوة .. علماً ان فرنسا ، ربما تكون من الناحية العسكرية ، أقوى دولة اوروبية غربية ، ولكن من الناحية الاقتصادية ، فأن ألمانيا سبقتْها بمراحل ، لاسيما بعد توحيدها .. وبالتالي ، فان دَور فرنسا السياسي في العالم بعد [ مرحلة ديغول أي نهاية الستينيات ] ، بات دَوراً تابعاً للولايات المتحدة الامريكية بصورةٍ عامة ، وإستمرتْ حتى عهد شيراك .. ولكن " ساركوزي " في السنوات الاخيرة ، حاولَ ان يصوغ مُعادلات جديدة ، تُخرِج فرنسا من الشرنقة التي كانتْ فيها خلال العقود الاخيرة .. ورغم ترّدُد ساركوزي في السنة الاولى من حكمه . إلا انه عقدَ العزم أخيراً ، على التخلي عن " السلبية " والنمطية التي كانتْ ، تَسِم السياسة الخارجية الفرنسية .. وبدأتْ ذلك في أفريقيا ، حيث لم تتوانى عن التدخل العسكري في عدة بلدان ، كانتْ تعاني من إضطرابات . ورغم الإنتقادات المُوجَهة لها ، إلا انها اليوم [ تقود ] عملية التغيير في ليبيا ، وتقود قوات حلف الاطلسي بدلاً من الولايات المتحدة ! ... وتسعى علناً الى إستحصال عقوبات أشد على النظام السوري ، في محاولةٍ لإزاحته .. وقبل ذلك بَدلتْ موقفها التقليدي المُؤيِد لنظامَي بن علي في تونس ومبارك في مصر ، سريعاً ، وأيدتْ التغيير ... وحتى انها تعملُ على لعب دَورٍ مركزي ، في عملية المفاوضات بين اسرائيل والفلسطينيين . ما يهُمنا أكثر ، هو الطموحات الفرنسية في العراق الجديد ، وسعيها الحثيث على الدخول بقوة ، من بوابتَين : البوابة الدينية ، والبوابة الاقتصادية . ففرنسا تطرح نفسها " حامِية " لمسيحيي العراق ، ولا تخفي نشاطها في إستقبال اللاجئين المسيحيين الهاربين من العنف الأهوج ، ورعايتها للمؤسسات التبشيرية في العراق.. وما تختزنه هذه السياسة من تداعيات سلبية على الوضع العراقي . وإذا كانتْ الترسبات الديغولية ، عملتْ على ان تُدين فرنسا في 2003 ، الإحتلال الامريكي للعراق ، فأن اليوم إختلفتْ الامور ، وفرنسا لاتريد ان تخرج من المولد العراقي الدسم بدون حمص ، اي بدون عقود كبيرة للشركات الفرنسية . وآخر ما برَزَ واضحاً ، مِنٍ تبدُل في السياسة الفرنسية الخارجية ، وإنعكاس ذلك علينا .. كانتْ في ( الكلمة ) التي قالها قنصل فرنسا في أربيل في الرابع عشر من تموز ، ذكرى الثورة الفرنسية ، لدى إستقباله لمسعود بارزاني رئيس اقليم كردستان ، حيث انه خرجَ ، في إعتقادي على الأقل ، عن " الأعراف " الدبلوماسية المُعتادة في مثل هذه المناسبات ، وتجاوزَ خطوط العمل القنصلي الذي من المفروض ان يُرّكز على العلاقات التجارية والاقتصادية والتسهيلات ... وقال : [[ ان الحديث المُستمر عن نضال البيشمركة .. عملٌ غير مُبّرَر ودون جدوى ، لاأن الجيل الجديد يحتاج الى عالم جديد ، لكي يجدوا فيه آمالهم ويحققوا رغباتهم ]] !." وأدانَ في كلمته ، تعامُل السلطة الكردستانية مع المتظاهرين في الاحداث الاخيرة التي مّرَ بها الاقليم ، وأكدَ ان المواطن الكردي له الحق في التظاهُر ، وعلى السلطات عدم وضع العراقيل امام هذا الحق ، وجّددَ دعمه للشباب الكردستاني لإتباعه القِيم الانسانية التي تُقّيمها فرنسا عالياً " .! رُبما كانتْ الكلمات أعلاه ، خارجة قليلاً عن اللياقة الدبلوماسية أو يعتبرها البعض ، تدخُلاً فَظاً في الشؤون الداخلية ... ولكنها في الحقيقة ، رسالة قوية ذات مغزى كبير ، ينبغي ان تحرص حكومة أقليم كردستان ، على الإستفادة منها وأخذ العبرة منها بكُل جدية .
#امين_يونس (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ترشيقٌ على الطريقة العراقية
-
بين - الميتِنك - و - الإيتِنك -
-
الصحة النفسية لرؤساءنا
-
حكومتنا وصناعة الإحباط
-
يومٌ إيراني مشؤوم في العراق
-
- عصا - عُمر البشير
-
الفساد و - الأثر الرجعي -
-
المصريون و - الإستكراد - !
-
الصحفيون العراقيون .. وكِلاب التفتيش
-
المُعّلِمون .. أمس واليوم
-
المُؤمنُ يُلدَغ من جُحرٍ عشر مرات
-
النُخَب المُهّمَشة
-
- شالومكي - هو الذي يضرُبنا
-
الحكومة ونقود الملا - سين -
-
قائدنا .. زعيمنا المُفّدى
-
العبرة ليستْ بِطول الخدمة
-
انتخابات مجالس محافظات اقليم كردستان
-
الطالباني والقفز من فوق المخّدة !
-
من ستوكهولم الى أربيل
-
الزَوجات الأربعة
المزيد.....
-
السودان: غوتيريس يدين تواصل تدفق السلاح والمحاربين ويدعو لوق
...
-
مصر.. فيديو لفرد شرطة يتشبث بسيارة والداخلية تكشف السبب
-
ولي نصر لـCNN: الولايات المتحدة قد تبدأ حربًا مع إيران لكنها
...
-
العيون تتنفس!.. علماء يكشفون عن رابط غامض بين التنفس والبصر
...
-
قنبلة جرثومية موقوتة في غرف نوم الصغار!
-
MSI تطلق واحدا من أفضل حواسب الألعاب المحمولة
-
الملح وتأثيره غير المتوقع على الصحة العقلية
-
ثورة في الطاقة الخضراء.. اختراع بطارية تشبه معجون الأسنان يم
...
-
الفاشر تحت الحصار، بي بي سي تهرّب هواتف من المدينة لكشف معان
...
-
مصادر دبلوماسية تكشف أن الجولة المقبلة من المحادثات النووية
...
المزيد.....
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا-
/ نعوم تشومسكي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
/ جيلاني الهمامي
-
قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام
/ شريف عبد الرزاق
-
الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف
/ هاشم نعمة
-
كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟
/ محمد علي مقلد
-
أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية
/ محمد علي مقلد
-
النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان
/ زياد الزبيدي
المزيد.....
|