خالد أبو شرخ
الحوار المتمدن-العدد: 3433 - 2011 / 7 / 21 - 14:30
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الصهيونية وكما وصفها ثيودور هرتزل " فكرة استعمارية ", مدينة بفكرها وقوتها وتحولها إلى حقيقة في الشرق الأوسط, إلى الإمبريالية الغربية, والدولة الصهيونية إن هي إلا امتداد لهذه الإمبريالية, وتتسم بكل سماتها, وتهدف إلى كل أهدافها, وتستخدم كل وسائلها.
فمن ضمن أهداف الإمبريالية, الربح الاقتصادي, وتحقيق النفوذ السياسي, وصرف الانتباه عن القلاقل الداخلية في الدولة, عن طريق شن الحروب الخارجية, ومن أهدافها أيضا الأهداف الأيدولوجية, بمعنى أن لا تكون الأيدولوجية مجرد غطاء, إنما تكون قوة ذاتية, تدفع نحو الحروب التبشيرية " لنشر الحضارة " .. والحضارة هنا كما يراها الإمبرياليون, والصهيونية تشارك الإمبريالية جميع هذه السمات والأهداف .
فالهدف السياسي, إنشاء منطقة نفوذ, ورأس جسر, وقاعدة دائمة, في مواجهة القوى القومية والتقدمية والتحررية, في منطقة الشرق الأوسط, لخدمة المصالح الاقتصادية للإمبريالية, لضمان استمرار تدفق المواد الخام منها, ورؤوس الأموال والسلع إليها.
والدولة الصهيونية لا يمكن لها أن تتواجد في حالة سلام, فمجتمعها يضم أقليات عرقية وقومية كثيرة, لها تقاليدها الحضارية المختلفة, وبها تمايز طبقي حاد, لذا فهي تصر على البقاء في حالة حرب وصراع دائم, لصرف الانتباه عن التناقضات التي تتفاعل داخلها, وتهدف الإستراتيجية السيكولوجية للمجتمع الإسرائيلي, إلى خلق موقف يحمل قدرا من التهديد, يسمح بتفجير أقصى طاقات العدوان, ولكنه يحمل في الوقت نفسه, ضمانا كافيا للقدرة على إلزام هذا التهديد حتى لايتجاوز الحد المطلوب منه, فهي في حالة حرب وتهديد دائمة, يواكبها في ذات الوقت, إحساس بالطمأنينة العسكرية الكاملة, والقدرة على الهجوم في الوقت المناسب .
وبذلك لا تختلف الصهيونية كثيرا عن النازية الألمانية أو الإمبريالية الأمريكية, فهناك دائما الخطر الذي يتهدد الألمان والأمريكان, ولكن هناك أيضا آلة الحرب الرهيبة, التي لا تقهر وعليها البقاء على أهبة الاستعداد دائما .
وكما تشارك الصهيونية الإمبريالية في الأهداف والسمات, فهي تشاركها أيضا في الوسائل, فالإمبريالية تتنوع وسائل الضغط لديها, من وسائل سلمية ( مثل عمليات التبادل المالية والاقتصادية العادية), إلى الوسائل الأكثر عنفا ( الرشوة والتهديد والإرهاب العسكري ), ثم إلى العنف الدولي, والعدوان المباشر, وقد تلجأ إلى الحيل القانونية, فالقوانين الدولية تشمل في جوانبها على طرق إلتفافية, تتيح فرض الهيمنة والتسلط .
والصهيونية لجأت لكل هذه الوسائل, فقامت بالاستيلاء على الأراضي في فلسطين, بالرشوة والخداع والاحتيال, كما لجأت إلى التهديد والإرهاب العسكري والعنف المباشر, كما حدث في مجازر النكبة عام 1948م .
أما على صعيد الوسائل القانونية, فالصهيونية خير من استخدم القانون الدولي لمصالحها بدءا من وعد بلفور, إلى وضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني, إلى استصدار قرار هيئة الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين, وحتى بعد احتلال باقي الأراضي الفلسطينية عام 1967م, نجد المهارة الصهيونية في التملص من القرارات الدولية, ومحاولة تجييرها لصالحها .
وكما أن هناك قوى اجتماعية تحمل لواء الفكر الإمبريالي, وطبقات بعينها تتبنى الرؤى الإمبريالية, وتؤثر برؤيتها في باقي طبقات المجتمع, نرى أن البرجوازية اليهودية المثقفة, ذات الأصول الأوروبية الشرقية, كانت بلا شك هي هذه الطبقات والفئات الاجتماعية, والتي كانت تبحث عن مخرج, من الطريق الذي كانت تراه مسدودا أمامها, والاستعمار الصهيوني كان بمثابة الحل السريع لمشاكلها , واستطاعت التأثير على البرجوازيات في الغرب الأوروبي, لتقبل الحل الصهيوني كحل للمسألة اليهودية, وحمايةً لمواقعها الطبقية والحضارية .
وإذا كانت الإمبريالية تحمل امتدادات للفكر القومي المتطرف, الذي يشوه صورة الآخرين, وينسب للذات حقوقا مقدسة ومطلقة, فالصهيونية أيضا شوهت صورة العربي, بل أخفته من الوجود في فلسطين, حتى تصبح فلسطين أرضا بلا شعب لشعب بلا أرض, وتنسب الصهيونية لليهود حقوقا دينية وعرقية وحضارية شتى .
يمكن النظر إلى الإمبريالية على أنها نتيجة طبيعية لعلاقات القوى الإمبريالية, حيث تصبح هي الطريقة, التي تصحح بها إحدى القوى موازين القوى لمصلحتها, والصهيونية لم تكن لها القوة الذاتية, لتصحيح موازين القوى لمصلحتها, ولكنها استفادت من إعادة توزيع مناطق النفوذ, بعد الحرب العالمية الأولى, واستفادت من التوتر بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي, أبان الحرب الباردة, لذا نجد أن الحرب الباردة كانت تصب في مصلحتها, وما زالت المستفيد الأول في التوترات والنزاعات التي تحدث في المنطقة, مثل غزو العراق, وتقسيم السودان, وغيرها من التوترات في منطقتنا .
وبناءا على ما ذكرناه نرى أن مكونات وسمات الحركة الصهيونية, مرتبطة ومتداخلة في تركيبها مع الإمبريالية, ولكن حيث لا يوجد تطابق كامل, بين الكل والجزء, أو الأصل والفرع, يجب ألا نكتفي بدراسة الاستعمار الصهيوني, بوصفه شكلا من أشكال الإمبريالية الغربية فحسب, وإنما يجب أن نفهم أيضا العناصر والسمات الخاصة بالظاهرة الاستعمارية الصهيونية, لنحيط بها إحاطة كاملة .
السمات الخاصة بالاستعمار الصهيوني
السمة الأولى للاستعمار الصهيوني أنه استعمار استيطاني, فهو لا يأخذ شكل القوة المسلحة التي تقهر أمة, وتحتل أرضها, لتستغل إمكانياتها الاقتصادية والبشرية, لصالح البلد الغربي الغازي .
وإنما تأخذ شكل مستوطنين, يرحلون من بلادهم إلى البلاد الجديدة, ليتخدوها وطنا جديدا لهم, كما كان الحال في روديسيا وجنوب إفريقيا.
ولكن الاستعمار الاستيطاني الصهيوني, لم يبدأ في القرن السادس عشر, في الموجه الاستعمارية الأولى, ولكنه بدأ في النصف الثاني من القرن التاسع عشر, أي أنه ضرب جذوره في المرحلة الثانية من الغزو الإمبريالي للشرق .
والسمة الثانية للاستعمار الصهيوني, انه استعمار عميل, فالصهيونية حين ظهرت لم يكن لها جيش أو شعب, ولم تمتلك سمى برنامج لتوطين اليهود في فلسطين, هذا البرنامج تبنته الإمبريالية, وساعدت الحركة الصهيونية, في فرضه على اليهود أولا, ثم على فلسطين والفلسطينيين .
وبعد إنشاء الدولة الصهيونية في فلسطين, رعت الإمبريالية هذه الدولة بدرجة لا مثيل لها, سواء بالمساعدات الاقتصادية أو العسكرية, فالمجتمع الإسرائيلي في الأرجح, من أكثر المجتمعات التي تحصل على إعانات مالية على وجه الأرض, وتتدفق المعونات العسكرية بشكل يضمن تفوق إسرائيل العسكري الكمي والنوعي, ويعطيها القدرة على حسم أي مواجهة عسكرية لمصلحتها, أو شن حرب خاطفة وقتما تشاء .
ولا يملك الاستعمار الصهيوني خيارا غير بقاءه استعمارا عميلا, لقوة إمبريالية غربية, فالحركة الصهيونية ليست حركة قومية, تضرب بجذورها في الأرض, وتنشر فروعها في السماء, إذ أن القوميات قد نشأت في أوروبا, كنتيجة طبيعية لتطور النظام الرأسمالي, تعبيرا عن مصالح البرجوازية, ورغبتها في خلق سوق وطنية, والدولة القومية هي إمتداد لوجود قومي مشترك, على أرض مشتركه, كما أن الحركات القومية نشأت قبل دخول الرأسمالية مرحلة الإمبريالية, والحركة الصهيونية لا تملك أيا من هذه المقومات حتى تعتمد على إستقلاليتها .
ومن هنا فإن الدولة القومية الأوروبية, قد قامت بدوافع محلية, أما الدولة اليهودية فقد كانت مبررات وجودها, حاجات دولية إمبريالية, كما يقول ثيودور هرتزل " إن العالم يحتاج إلى الدولة اليهودية ولذلك فإنها ستقوم " , وكنت أتمنى على هرتزل, أن يوضح لنا من هو العالم الذي يحتاج الدولة اليهودية.
السمة الثالثة للإستعمار الصهيوني أنه جيب إستيطاني, ذو نزعة إنفصالية عن المحيط الإنساني والحضاري الذي يحيط به .
هناك نوعان أساسيان من أنواع الإستيطان, النوع الإنفصالي والنوع الإندماجي, في النوع الإنفصالي يحتفظ المستوطنون الأوروبيون, باستقلالهم الحضاري والإقتصادي والعرقي, عن السكان الأصليين, كما حدث في جنوب إفريقيا, وفي أمريكا الشمالية, حيث نجد أن العنصرين الأصلي والدخيل, جماعتين مستقلتين إستقلالا شبه كامل, ويتطوران منفصلين دون أي تفاعل بينهما, أما النوع الإندماجي, نجد أن المستوطنين يختلطون بالسكان الأصليين, ويندمجون معهم, ويذوبان ببعضهم البعض, كما حدث في أمريكا اللاتينية, ولو حاولنا وضع إسرائيل في أي من هذين النمطين, نجدها لا تنضوي تحت أي منهما .
فهي أبعد ما تكون عن النمط الإندماجي, لأن العنصر الدخيل (اليهود) يحتفظون بإستقلالهم التام عن الفلسطينيين, ولا يحاولون التفاعل الحضاري معهم, حيث أن الأيدولوجية الصهيونية هي أيدولوجية الإنفصال بالدرجة الاولى .
وعلى الرغم من هذا لم تستطع الصهيونية الإحتفاظ بهذه الإنفصالية, نظرا لعدم تجانس المستوطنين من الناحية الحضارية والعرقية, فاليهود الأشكناز من أصول بولندية وروسية وفرنسية, وغيرها من القوميات لكل مجموعة منها أصل حضاري مختلف, وما زاد الامور تعقيدا أن يهود البلدان العربية قد هاجروا إلى فلسطين, وهي هجرة وصفها بن غريون " الهجرة غير المقصودة ", إذ أن المخطط الصهيوني كان يهدف بالدرجة الأولى هجرة غربية إشكنازية, حتى يكون المستوطن اليهودي غربي التركيب والاتجاه, وهذا لا يعني إنكار محاولات و خطط و مؤامرات الحركة الصهيونية, في تهجير يهود البلدان العربية, ولكنها لم تكن ترغب في أن تكون بهذا الحجم, فقد أدت هحرة يهود البلدان العربية, إلى تأثر هوية المستوطن اليهودي, فهو لم يعد متجانسا, وأصبح منقسما على نفسه, باكتساب صفات عربية على حساب لونه الغربي ... وذلك رغم انفه .
هذه الإزدواجية, جعلت المستوطن الصهيوني موضوعيا, من النوع الإندماج على الرغم من الإتجاهات الإنفصالية الذاتية .
أما السمة الرابعة للإستعمار الصهيوني أنه إستعمار إحلالي
من المعروف أن موقف المستوطنين البيض, من السكان الأصليين يختلف من بلد لآخر, ففي بلدان مثل أمريكا اللاتينية, كان الهدف إستغلال الأرض وسكانها, عن طريق إنشاء المزارع الكبيرة, والتي يقوم السكان الأصليين بزراعتها, لتحقيق فائض القيمة من خلالهم, أما في الولايات المتحدة, فكان هدف المستوطنين الحصول على الأرض, لإنشاء مجتمع جديد, أي كان الهدف أرض بدون سكان.
ومنذ البداية إستهدفت الحركة الصهيونية الشخصية اليهودية, لتغييرها وتطبيعها وتحويل الجماعات اليهودية المتفرقة في العالم, إلى أمة مثل باقي الأمم, لذا كانت تسعى للحصول على أرض لا يقطنها أحد( أرض بلا شعب لشعب بلا أرض ), ولكن مثل هذه الأرض غير موجودة إلا على سطح القمر.
فكان على الإستعمار الصهيوني, أن يستولي على قطعة أرض, ثم تفريغها من سكانها, عن طريق العنف, أي طرد الفلسطينين, وهذا جزء عضوي وأساسي في الرؤية والممارسة الصهيونية, ولا تزال هذه هي السمة الأساسية, للإستعمار الصهيوني في فلسطين, فهو إستعمار إستيطاني إحلالي, وإحلاليته هي أهم مصادر خصوصيته.
ولنا أن نذكر هنا إقتراح بن غريون على شارل ديجول, أن يتبنى الشكل الإحلالي من الإستعمار الإستيطاني, كحلا للمشكلة الجزائرية, حيث تقوم فرنسا بإخلاء منطقة الساحل الجزائري من سكانها العرب, ويوطن فيها الأوروبيين, ثم تعلن دولة مستقلة لسكانها, وكان رد ديجول يتسم بالذكاء التاريخي, إذ قال" أتريدني أن أخلق إسرائيل أخرى " .
وأشار كارل كاوتسكي لتلك السمة المميزة والفريدة للإستعمار الإستيطاني الصهيوني, في كلاسيكياته " هل اليهود جنسا؟ ", وتكهن بان المستوطنين اليهود, سيعانون الكثير خلال النضال العربي من أجل الإستقلال, لأن الإستعمار اليهودي لفلسطين يدل على أنهم ينوون البقاء, وعلى أنهم لا ينوون إستغلال السكان الأصليين, فحسب بل سيقومون بطردهم نهائيا " .
السمة الخامسة من سمات الإستعمار الصهيوني هو إستقلاله النسبي عن الغرب وإعتماده الكامل عليه في القوت ذاته.
من الملاحظ أن المجتمع الإستيطاني يعتمد على أحد الدول الغربية, في مرحلة من مراحله, ومدى هذا الإعتماد ومدته وشكله يعتمد على مجموعة من الظروف التاريخية والسياسية, فالجيوب الإستيطانية التي لا تقوم على نقل السكان الأصليين من مكان لآخر ( مثل الجزائر), تظل منفتحة على الوطن الأم, وتحتفظ بروابط قوية معه, وتستمد إحساسها بهويتها منه, ويبقى الجيب الإستيطاني جزءا عضويا من الوطن المستعمر, وإذا تعارضت مصالح الوطن, مع مصالح الجيب الإستيطاني, وثبت أن الأخير مكلف, تتم تصفيته وإعادة المستوطنين لأرضهم الأصلية, كما حدث في الجزائر .
أما الجيوب الإستيطانية التي تقوم على نقل السكان الأصليين, وعلى درجة من الحكم الذاتي والإستقلال النسبي, عن الدولة الغربية التي ترعاها, يستولي بها المستوطنين على السلطة فيما بعد, ويقيمون دولة خاصة بهم, كما هو الحال بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية.
كان المخطط الصهيوني يهدف إلى تكوين دولة, على النمط المستقل, فسعت من البداية على الحصول على إستقلال نسبي عن الغرب, وحين سأل روديس وايزمان عن سبب إعتراضه على وجود سيطرة فرنسية على الدولة الصهيونية, رد وايزمان أن الفرنسيين ليسوا كالإنجليز, إذ أنهم يتدخلون في شؤون السكان, ويحاولن فرض الروح الفرنسية عليهم, بينما تهدف الصهيونية إلى تجسيد الروح اليهودية .
وأدت التطورات التاريخية على الجيب الصهيوني, ألا يندرج تحت أي نوع من انواع الإستيطان, فهو يعتمد على قوة غربية عظمى, وفي الوقت نفسه يتمتع بدرجة كبيرة من الإستقلال, ويعود هذا الوضع لعدة عوامل.
فالمستوطنون اليهود, لم ينشأوا في دولة أوروبية واحدة, يدينون لها بالولاء, وتقدم لهم الحماية والمأوى, في حالة تصفية الجيب الإستيطاني, فالمستوطنين اليهود ليس لهم وطن أم واحد, إنما لهم زوجة أب ( صالونات الحكم في الدول الإمبريالية), تتعاون معهم على قاعدة المصالح المشتركه, وليس على أساس الروابط التاريخية والعضوية والحضارية, لذا فالجيب الصهيوني لا يتمتع بالحماية الدائمة من جانب دولة واحدة, وإنما الحماية المؤقته من جانب عدة دول, ولعل هذا يفسر سبب نقل القيادة الصهيونية, مسرح نشاطها من مركز جذب إلى آخر, فمن تركيا على ألمانيا ثم الإستقرار في إنجلترا مرورا بفرنسا, وحيت أصبحت الولايات المتحدة القوة الإمبريالية الأولى, كان من الواجب نقل مركز الجاذبية الصهيونية إليها, بالنسبة للعمل السياسي على الصعيد الدولي, على حد تعبير بن غوريون.
وبسبب مقاومة السكان الأصليين, إضطرت الدولة الصهيونية, إلى الإرتماء في أحضان الحامي لها, وقد أقر جاوبتنسكي بنفسه أن الدولة الصهيونية, والمحاطة بالدول العربية من كل جانب, ستسعى دائما إلى الإعتماد على إمبراطورية قوية, غير عربية وغير إسلامية, واعتبر أن هذه الإنعزالية أساس إلهيا, لإقامة تحالف دائم بين إنجلترا وفلسطين اليهودية ( اليهودية فقط ), أي أن الدولة اليهودية المستقلة, تعتمد إعتمادا كاملا على الدولة الغربية التي تحميها.
السمة السادسة للإستعمار الإستيطاني الصهيوني هو طبيعته التوسعية.
الصهيونية هدفت لإقامة دولة لكل يهود العالم, وهذت الهدف لا يكفيه عملية محددة لنقل السكان أو طردهم, من منطقة محددة ومحصورة, بل تتطلب توسع لانهائي, لإستيعاب يهود العالم.
ومنذ البداية أدرك رواد الصهيونية هذه الحقيقة, فقد طلب الصهيوني غير اليهودي وليام هكلر, من هرتزل عام 1896م, أن يتبنى شعارا للدولة اليهودية " فلسطين داوود وسليمان ", وقد لقي هذا الإقتراح صدى عن الزعيم الصهيوني, لأنه حدد منطقة الدولة عام 1898م, من نهر مصر إلى الفرات.
وردد الحاخام فيشمان " عضو الوكالة اليهودية " هذا الشعار عام 1947م, أثناء شهادته أمام لجنة التحقيق الخاصة بالأمم المتحدة, حين قال " الأرض الموعودة تمتد من نهر النيل حتى الفرات, وتشمل أجزاء من سوريا ولبنان", فشعار من النيل إلى الفرات لم يكن مجرد فرية عربية, وليس نتاج عقلية تآمرية, إما هو جزء من التصور الصهيوني للدولة اليهودية .
وبغض النظر إن كانت هذه أوهام أم تصورات أم مخططات, ما يهمنا الرؤية التوسعية الصهيونية ذاتها, فقد كتب هرتزل في يومياته إن حدود الدولة اليهودية, سوف تتسع بمقدرا زيادة السكان اليهود, فكلما زاد عدد المهاجرين إتسعت رقعة الأرض.
والطريف أن هذا التصور لا يختلف عن التصور التقليدي لحاخامات اليهود, فقد ورد في التوراة تصوران لحدود الأرض المقدسة, في سفر التكوين (15/8) " من نهر مصر إلى النهر الكبير الفرات ", وفي سفر العدد يحدد على إنها أرض كنعان بتخومها, وفي حل هذه الإشكالية شبه الحاخامات الأرض, بجلد الإبل الذي ينكمش في حالتي العطش والجوع, ويتمدد في الشبع والري, فالأرض المقدسة, تنكمش إذا هجرها سكانها اليهود, وتتمدد إن جاءها اليهود من بقاع الأرض.
ويبدو أن الصهيونية منطلقة, من تصورات سياسية مشابهة, آثرت عدم إعلان دستور للدولة الصهيونية, حتى تترك المجال مفتوحا للتوسع اللانهائي, لأن الدستور الرسمي يتطلب رسما دقيقا للحدود.
وسياسة إسرائيل الحالية في التوسع الإستيطاني المحموم, وبناء جدار الضم العنصري, وتهويد القدس, ما هو إلا إمتداد للنزعة التوسعية للفكر الإستعماري الصهيوني.
يتبع
#خالد_أبو_شرخ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟