|
مصر بعد ثورة 25 يناير
شاكر النابلسي
الحوار المتمدن-العدد: 3428 - 2011 / 7 / 16 - 09:49
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
-1-
لماذا ذهبت في مصر السَكْرَة، وجاءت الفَكْرَة ؟
لماذا يظهر معظم المصريين، وكأنهم محبطون؟
لماذا خفَّ وهج الثورة، الذي كان متألقاً في الشهور الماضية، بعد مضي ما يقارب خمسة أشهر على قيام الثورة، وتنحّي الرئيس مبارك، وسقوط النظام القديم؟
وهل كان تنحّي مبارك، وسقوط النظام كافياً، لتغيير ظروف الحياة في مصر؟
ولماذا ما زال الشارع المصري يقيم تظاهرات "الجمعة"، ويحشد لها مئات الألوف، مطالباً بحقوق كثيرة، ومعلناً أن الثورة مستمرة، ما دامت لم تحقق أهدافها؟
ومن قال، أن الثورات تحقق أهدافها بعد قيامها مباشرة؟
فمن المعروف أن الانتقال من مرحلة الثورة إلى مرحلة الدولة، يكاد يكون من أصعب المراحل التي تمر بها الأمم. وهو ما عبَّر عنه الفيلسوف الألماني هيجل حين وجد أن هناك مصاعب جمّة في بلورة مسالك الخروج من الثورة، الذي هو في الواقع مفارقة عصيّة، بما هو خروج إرادي من حالة الحرية المطلقة المجردة، إلى حالة الانتظام المؤسسي، الذي يقتضي إضفاء الشرعية على علاقات السلطة.
-2-
ثورة 25 يناير ليست استثناءً من كل هذا.
وما تمرُّ به مصر الآن من صعوبات اقتصادية وسياسية واجتماعية نتيجة لثورة 25 يناير، كانت قد مرَّت بها ثورات في التاريخ قبل ذلك. ولكن كون أن المصريين لم يعانوا في ثورة 1952 ما يعانوه الآن بعد ثورة 25 يناير، فذلك راجع الى أن ثورة 1952 لم تكن ثورة، وإنما كانت انقلاباً عسكرياً، أطلق عليه توفيق الحكيم صفة "الثورة". كما أن ذلك راجع الى اختلاف الزمان، وظروف مصر المحلية، والإقليمية، والدولية. وإلى طبيعة ثورة 1952 التي قام بها العسكر، وتبناها الشعب وطبيعة ثورة 25 يناير، التي قام بها الشعب، وتبناها العسكر. ولعل ثورة 25 يناير، كانت الثورة العربية الوحيدة في تاريخ العرب الحديث، التي لم تحدث نتيجة لخروج العسكر من ثكناتهم، ولكنها أرغمت العسكر فيما بعد على الخروج من ثكناتهم، لحماية الثورة من أعدائها.
وعلينا أن لا ننسى أن ثورة 1952، قامت ضد الملكية، ولإعلان الجمهورية. وأن ثورة 25 يناير قامت ضد الجمهورية الدكتاتورية التي قامت 1952، واستمرت تحكم مصر طيلة عهود ثلاثة، ولمدة ستين عاماً تقريباً، ولإعلان جمهورية ديمقراطية. وفي ذلك الفرق الكبير بين الثورتين.
إذن، تبقى ثورة 25 يناير، ليست استثناءً من كيمياء وفيزياء الثورات الأخرى في التاريخ. ولكن بما أن الشعب المصري، كان بعيداً عن منطق الثورات، طيلة أكثر من نصف قرن، فقد كاد أن ينسى معاناة ما بعد الثورة!
-3-
إن أهم سؤال في الأسئلة السابقة، التي ذُكرت في مقدمة هذا المقال هو:
هل كان مجرد تنحّي مبارك، وسقوط النظام السابق، كافياً، لتغيير ظروف الحياة في مصر؟
فالحياة في مصر، كانت صعبة منذ سنوات طويلة، وقبل تولّي مبارك الحكم. ومع زيادة عدد السكان، وظهور طبقة عريضة من الشباب العاطل عن العمل، ومع محدودية موارد مصر الطبيعية، ازدادت الحياة صعوبة، واضطرت ملايين الشباب المصريين إلى الهجرة والعمل في ليبيا، ودول الخليج وأوروبا. وأصبحت الهجرة والعمل خارج مصر، مطمح ملايين الشباب الباقية، التي لم تلقَ عملاً في مصر. أما بعد ثورة 25 يناير، فإن الاضطراب قد ازداد في مصر، بدلاً من أن يقل، كما يقول وحيد عبد المجيد "وذلك لأسباب عدة منها، أن الحجم السكاني الكبير في مصر، يجعل إدارة المرحلة الانتقالية أصعب. وتبدو تفاعلات الخريطة السياسية التي يُعاد تشكيلها في مصر الآن، أكثر تعقيداً في ظل احتقان طائفي، وانقسام في شأن مسألة الدولة والدين، الأمر الذي جعل المشهد صاخباً، والضباب مخيماً في الأفق. وهذا فضلاً عن غياب الأمن، وركود الاقتصاد." (جريدة "الحياة"، 3/7/2011).
-4-
لم تعد الديمقراطية في العالم العربي وفي العالم الثالث اختياراً، ومزاجاً سياسياً للحاكم أن يطبقها، أو لا يطبقها، فذلك شأنه. ولكن الديمقراطية أصبحت قدراً للبلد. بمعنى أن البلد بهذا القدر فقط، يستطيع أن يعيش ويتعايش مع الآخرين في القرن الحادي والعشرين، وما بعده. وهو ما عبَّرت عنه المجموعة الأوروبية (الاتحاد الأوروبي) قبل أيام حين أعلنت عن إصلاحات لبرامج التمويل الأوروبية، تزيد ارتباط المعونة المقدمة إلى دول الجوار، والسماح لها بدخول السوق الأوروبية بالإصلاح الديمقراطي في تلك الدول. ويأتي إصلاح أسلوب تعامل الاتحاد الأوروبي مع دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الذي يعرف بسياسة الجوار الأوروبية، في الوقت الذي يبحث فيه الغرب عن سبل لحفز التغيير الديمقراطي في العالم العربي. و من المتوقع أن يقرَّ الزعماء الأوروبيون مساعدات قيمتها مليارات الدولارات لتونس ومصر، وأن يبرموا اتفاقاً لدعم التغيير في دول أخرى في المنطقة. وبموجب القواعد الجديدة، ستتضمن معايير قبول ترشح دولة للحصول على معونة على نوعية العملية الانتخابية، وحرية الصحافة، واستقلال القضاء، وجهود محاربة الفساد، ومدى سيطرة الحكومة على القوات المسلحة، وقوات الأمن.
وهكذا، لم تعُد مسألة الديمقراطية اختياراً في العالم العربي والعالم الثالث عامة، بقدر ما أصبحت قدراً، تُدفع الدول والشعوب إليه دفعاً، من أجل التعايش مع الآخرين، والاستفادة المادية والثقافية والسياسية القصوى، من هذا التعايش.
-5-
هل الديمقراطية في مصر بعيدة المنال؟
وهل مصر، التي كانت الأولى في العالم العربي والإسلامي، التي أنشأت مجلس شورى منتخب عام 1866، بعيدة المنال عن الديمقراطية؟
وهل مصر، التي كانت السبَّاقة في العالم العربي والإسلامي، إلى إنشاء الأحزاب، وصحافة المعارضة ، بعيدة المنال عن التطبيق الديمقراطي؟
في رأيي المتواضع، أن مصر مؤهلةٌ أكثر من أي بلد عربي للتطبيق الديمقراطي، رغم ما تقوله إلين بورك، مدير مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان في معهد "مبادرة السياسة الخارجية الأمريكية" في واشنطن، من "أن العنف الطائفي، وارتفاع معدل الجريمة، والهجمات على حدود رفح، والسفارة الإسرائيلية، فى القاهرة، بمثابة إنذار للديمقراطية فى مصر.
إن فجر الديمقراطية المصرية، سوف ينبلج في مصر، رغم قول إلين بورك، من أن لا تغيير في مصر بعد ثورة 25 يناير. فهي قبل ثورة 25 يناير، وبعد ثورة 25 يناير الشيء نفسه، بفضل وجود الكثير من الحرس القديم فى السلطة. الأمر الذي رأته بورك محبطاً، ومثيراً للقلق، خلال الفترة الانتقالية الحاسمة الحالية .
ولكن الديمقراطية، التي نتمنى أن ينبلج فجرها في مصر، لن يكون لها مثيل، في أية دولة غربية أو شرقية، بقدر ما ستكون ديمقراطية مصرية بشروط، ومكونات، ومواصفات مصرية خالصة.
وهذا ما نتمنى أن نراه في مصر، بعد 25 يناير.
#شاكر_النابلسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شرعية الدكتاتوريين الزائفة!
-
من أوهام وأحلام الثورات
-
هل يقود -الأزهر الجديد- مصر الى الحداثة؟!
-
الأزهريون يكتبون دستور -مصر الجديدة-!
-
الأردن والملكية المُكْلِفَة
-
لماذا لم يبدأ المستقبل في مصر حتى الآن؟
-
لماذا لم تجد مصر مرشحها للرئاسة حتى الآن؟
-
التحليل النفسي للدكتاتورية العربية
-
يا أدونيس: لا حياة لمن تنادي!
-
الدكتاتوريون يفرِّغون السجون ويملأون المقابر!
-
العراق الى أين في خضم الثورات العربية؟
-
ليست كل الزهور تتفتح في 25 يناير!
-
ثمن الدكتاتورية الباهظ
-
اليمن بين مثقفي الطليعة وفساد السياسيين
-
هل يصبح عبد المنعم أبو الفتوح الرئيس المصري القادم؟!
-
هل أصبح مبارك رمزاً يختصر تاريخ الدكتاتورية؟!
-
مصر: هبوب نسائم الدولة الدينية
-
مصر: من استبداد الدولة الى استبداد الفوضى
-
لكي لا تتحول الثورات الى أزمات!
-
يا كاهنة المعبد: كفى عبثاً!
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|