حيدر فوزي وسمي
الحوار المتمدن-العدد: 3425 - 2011 / 7 / 13 - 21:16
المحور:
الادب والفن
يستند النظام الأبوي إلى ميتافيزيقا الحضور، "القول بوجود سلطة أو مركز خارجي يعطي الكلمات والكتابات والأفكار والأنساق معناها ويؤسس مصداقيتها"( ). وعلى هذا تكون مقولة (الأنوثة- الذكورة) مستندةً إلى نسق خارجي يضمن لها الآليّة والسكون، الاستقرار والثبات، ويوازي ويساوي (أنثى- ذكر)، لأنه سيستند إليها كأصل ميتافيزيقي، فكل انبثاق دلالي عن الازدواج (أنثى- ذكر) سيكون تابعاً دلالياً ونسقياً له، خارج حدود المسألة، لأنه ترتيب سلفي/ أبوي، يقيم مفاهيمه الفكرية على المركزية التي يدعوها (دريدا) بـ(الفالوغوسية) (التمركز الفالوسي)، وهو استناد إلى ما هو خارجي/ برّاني، يقوم بترتيب قيم الأنوثة بشكل تراتبي، بحيث تكون فيه (الأنثى) مُمثّلة لـ(السلبية) و(الضعف)، ويكون فيه (الذكر) مُمثّلاً لـ(الإيجابية) و(القوة)، هذا ما يدعو (هيلين سيكسوس) إلى رفض هذه (التراتبية) بوصفها فكراً يُميت طرفه الآخر( )، لأن مثل هذه التضادات تدخل ضمن عمليات صراع حول المركزية، لأنها تؤمن بالتمركز بوصفه فكرة تمثّل الحقيقة، ومن ثمّ فلا مناص من صراع على التمركز لتتشكّل الحقيقة بمفهومها الواحدي، بوصفها قولاً مركزياً لا يعمل فحسب، وإنما يحقق حضور المعنى( )، وتدمير السلبية/ التخريبية، في صراع حول السيطرة، ليحقق سيطرة الرقيب/ الأب على الفكر والوجود، وتشغل (الإناث/ الأنوثة) المكانة السلبية/ حدود الموت ( ). وما يمكن أن يؤخذ على (سيكسوس) هو اندفاعها في الحطّ من شأن الطرف في المتضادّة (أنوثة- ذكورة)، فهي بشكل صريح تُعلن "إن المرأة مصدر الحياة والقوة والطاقة"( )، مما يعني أنها تعمل على إلغاء (الذكورة) في منهجها، وعلى هذا فإن تفكيكها- الذي ينال استحسان النسويين المندفعين- يعاني من اضطراب في إقامة توازن مفاهيمي يمكن إيضاحه بالآتي:
يقوم فكر (دريدا)- كما أسلفنا- على مفهوم (الاختلاف) بوصفه أحد المفاهيم الرئيسة في التفكيك، (المغايرة أو المخالفة + التأجيل أو الإرجاء)، وهو بذلك يتضمّن إمكانية وضع مفاهيمه في معادلته نفسها (التمركز/ اللاتمركز)- (المتناهي/ اللامتناهي)، والمتضادّة الدريدية تشتغل على الإرجاء، لكونه مساحة تحقق التفكيك عن طريق المحو، والعلاقة تؤدي وظيفتها (الدالولية) عن طريق ما تتركه دلالة المحو في عملية إنشاء الدلالات اللامتناهي. وكما أنّ
(الترياق) يكون عنده (لا السم ولا الدواء)( )، فيمكن ممارسة فعل الاختلاف على كل المتضادة (التمركز/ اللاتمركز)، لا هو نفي التمركز ولا إثباته. إنه (هذا وهذا)، ممّا يعني أن التفكيك إثبات لـ(الأبوية) لنفيها، ونفي لإثبات، ضمن إرجاء لحظات النفى والإثبات وتناسل الدلالات. وإلغاء (سيكسوس) لـ(الذكورة) يعني إقامة كليانية نسوية- إن جاز التعبير- لا يمكن لها التحقق الفردي، بغياب فكرة التمايز، وبذلك يتحقق المعنى البيولوجي- أنثى بدلاً من (أنوثة)، وهذا ما يخلق تمركزاً مضاداً يعتمد على إنشاء دلالة ثابتة، ولذلك لا يمكن بشكل من الأشكال إلغاء (الذكورة/ المركزية) حتى عند (دريدا) نفسه، ويُشير إلى ذلك فعلاً بقوله: "من المستحيل علينا أن ننتج مفاهيم جديدة غير مُلطّخة بميتافيزيقيا الحضور"( )، ولذلك فهو يتحدّث دائماً "عن الاختلافات الجنسية بدلاً عن اختلاف وحيد- ثنائي، معارض- اختلاف يُضاف، في الواقع، إلى نزعة القضيب المركزية، والى نزعة القضيب المركزية المنطقية [الفالوغومركزية]"( ).
إن تفكيكية (هيلين سيكسوس) تقابل تفكيكية (نيتشه)- سلف دريدا- مع اختلاف دقيق في النتائج، فحين تذهب إلى تفكيك البنية الذكورية/ الأبوية مُنتقدةً إيّاها بأنها فكر يُميت طرفه الآخر، تقوم بموقعة (الجسد) بوصفه (علامة) أنطولوجية، وتختبر دلالاتها المُهملة والمُهمّشة؛ وتقيم أصلاً (أنثوياً) يُلغي (الذكورية) كما أشرنا.
ذهب (نيتشه) إلى نقد الفلسفة (الدغمائية) بوصفها فلسفة اختراع العوالم وتراتبيّتها وإنكار فكرة الاختلاف، والإيمان بميتافيزيقيا الحضور كعقيدة، ولذلك أُلغيب المرأة بوصفها مرتبطة بعالم الطبيعة، إلاّ أن حضور المرأة عنده كان مجرّد موضوع لعملياته الفلسفية( )، ويظل نقده لمركزية اللوغوس مبتوراً كما يرى (دافيد بوث)، لأنه لا يستطيع إزاحة التميّز الذكوري/ التمركز الفالوسي( ). وبالمقابل تمثّل (المرأة) عنده (الأكذوبة) التي تستتر بالمظاهر والجمال بوصفهما حجاباً برّاقاً مُغرياً ومُشكّكاً في آنٍ واحد( ).
إن صراع (نيتشه) في نقد مشروعية (التمركز) يُضفي طابعاً نسوياً على فلسفته، إلاّ أنها خارج نطاق (نصرة المرأة)، كما يقول (كريل)، بل لكون المرأة "في المجتمعات الأبوية عنصراً نموذجياً للتخريب، فإن أي رجل يريد هدم- أو إعادة تقييم- مجموعة من القيم المُحصّنة، قد يجد نفسه مُنساقاً إلى تصوير نفسه كامرأة "( ). ولهذا تجد (كيلي أوليفر) في ضوء (كريل) أن فلسفة (نيتشه) ونقده يمثّل إزاحة أخرى للمرأة ( ).
إن كُلاً من (نيتشه) و(سيكسوس) يمثّلان مُتضادّة من نوع خاص، في نسخة ما بعد البنيوية، فهما صيغة متقابلة (سيكسوس- نيتشه)، ويمكن تفكيكها من خلال إنشاء مجموعة من المتضادات (اللاطبيعية) و(اللاحتمية) في فكر كليهما، التي تمثّل القوى المتصارعة داخل نصوصها.
#حيدر_فوزي_وسمي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟